قال الأميني : لا غرابة من ابن أبي سرح وقد تشاكلت أحواله يوم كفره وإسلامه وردّته وزلفته من عثمان على عهد خلافته إن لهج بهذه السخافة التي لا تلائم أيّا من نواميس العدل ، ولكن إن تعجب فعجب قبول عثمان تلكم الخرافة منه ، ومنحه إيّاه ناقته برحلها على أن يحمل عنه ذنوبه (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (١). وإشهاده عليه وإمساكه عن الصدقات ، وحسبانه أنّ ما قاله ذلك الساخر كائن لا محالة ، كأنّ بيد ابن أبي سرح أزمّة الحساب ، وعنده مقاليد يوم القيامة ، وهو الخبير بما يكون فيه ، فأنبأه بأنّ ذنوبه مُحيت بتلك المبادلة ، أو أنّ عثمان نفسه كان يعلم الغيب ، فهو يرى أنّ ما يقوله حميمه حقّ ، وكأنّه نسي قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢). وقوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (٣). وقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٤). وقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (٥). (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ) (٦). (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) (٧). (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٨) إلى آي كثيرة من أمثالها ، وهي كلّها تقرّر حكم العقل بقبح أخذ أيّ أحد بجريمة غيره.
__________________
(١) الأنعام : ١٦٤.
(٢) العنكبوت : ١٢ ، ١٣.
(٣) النساء : ١٢٣.
(٤) الزلزلة : ٧ ، ٨.
(٥) المدّثّر : ٣٨.
(٦) النساء : ١١١.
(٧) غافر : ١٧.
(٨) الجاثية : ٢٢.