أخرى؟ وهل تجد مبرّراً لشيء منها؟ فإن زعمت أنّها تأديب من خليفة الوقت فإنّ التأديب لا يسوغ إلاّ على إساءة في الأدب ، وزور من القول ، ومناقضة للحقّ ، ومضادّة للشريعة ، ويجلّ عمّار عن كلّ ذلك ، فلم يصدر منه غير دعاء إلى الحقّ ، وأذان بالحقيقة ، وتضجّر لمظلوم ، وعمل بالوصيّة واجب ، ورسالة عن أناس مؤمنين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فهل حظر الإسلام شيئاً من هذه فأراد الخليفة أن يعيد عمّاراً إلى نصاب الحقّ؟ أو أنّ الخليفة مُفوّض في النفوس كما يرى أنّه مفوض في الأموال ، فيراغم فيها عامّة المسلمين بإرضاء من يجب إرغامهم من أُناس لا خلاق لهم؟ وكذلك يفعل بالنفوس فعل المستبدّين ولوازم الدكتاتوريّة ومقتضيات الملك العضوض.
ولو كان الخليفة ناصباً نفسه للتأديب فهل أدّب أمثال عبيد الله بن عمر ، والحكم بن أبي العاص ، ومروان بن الحكم ، والوليد بن عقبة ، وسعيد بن العاص ، ونظراءهم من رجال العيث والفساد المستحقّين للتأديب حيناً بعد حين؟ وهو كان يرنو إلى أعمالهم من كثب ، لكنّه لم يصدر منه إلاّ إرضاؤهم وتوفير العطاء لهم والدفاع عنهم ، وتسليطهم على النفوس والأموال حتى أوردوه مورد الهلكة ، ولقد ادّخر تأديبه كلّه لصلحاء الأُمّة مثل عمّار وأبي ذر وابن مسعود ومن حذا حذوهم ، فإلى الله المشتكى.
وإنّك لو أمعنت النظرة في أعماله وأفعاله لتجدنّه لا يقيم وزناً لأيّ صالح من الأُمّة ، ولقد ترقى ذلك أو تسافل حتى إنّه جابه مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام غير مرّة بقوارص كلماته ، وممّا قال له ممّا مرّ في صفحة (١٨ ـ ١٩) قوله : أنت أحقّ بالنفي منه. وقوله : لئن بقيت لا أعدم طاغياً يتخذك سلّماً وعضداً وكهفاً وملجأً ، يريد بالطاغي أبا ذر وعمّار وأمثالهما ، ويجعل الإمام عليهالسلام سلّماً وعضداً وكهفاً وملجأً لمن سمّاهم الطغاة.