المؤاخاة بالمدينة (١).
فعثمان قطّ لا يُنشد بالمكذوب ، وطلحة لا يدّعي رؤية ما لم يره ، ولا يشهد بخلاف ما شاهده وعاينه ، إن كانا من عدول الصحابة صدقاً ، ومن المبشّرين بالجنّة حقّا ، وأنت تعرف حكم هذه الدعاوي من الصحيح الثابت عن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه كان يقول : «أنا عبد الله وأخو رسوله لا يقولها أحد غيري إلاّ كذّاب». قال ابن كثير في تاريخه (٢) (٧ / ٣٣٥) : وقد جاء من غير وجه. وقال ابن حجر : رويناه من وجوه (٣). وكان قول أمير المؤمنين هذا أخذاً بما قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «أنت أخي وأنا أخوك فإن ناكرك أحد ـ وفي لفظ : فإن حاجّك أحد ـ فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يدّعيها بعدك إلاّ كذّاب» (٤).
وأوّل من فتح باب التجرّي بمصراعيه على هذه الفضيلة الرابية هو عمر بن الخطّاب يوم قادوا صاحب الفضيلة إلى البيعة كما يُقاد الجمل المخشوش ، وقال : «إن أنا لم أفعل فمه؟» قالوا : إذن والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك. قال : «إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله». قال : عمر : أمّا عبد الله فنعم وأمّا أخو رسوله فلا (٥).
أنا لست أخدش العواطف بالإعراب عن حكم إنكار عمر الأُخوّة الثابتة بتلكم النصوص الصريحة الأكيدة وقد سمعها هو من الصادع الكريم في ذلك اليوم المشهود ، غير أنّي جدّ عليم بأنّ حجاج مولانا أمير المؤمنين كان أخذاً بما مرّ قُبيل
__________________
(١) راجع سيرة ابن هشام : ٥ / ١٢٥ [٢ / ١٥١] ، تاريخ ابن كثير : ٣ / ٢٢٧ [٣ / ٢٧٨ حوادث السنة الأولى للهجرة] ، عيون الأثر : ١ / ٢٠١ [١ / ٢٦٦] ، الرياض النضرة : ١ / ١٦ [١ / ٢٣]. (المؤلف)
(٢) البداية والنهاية : ٧ / ٣٧١ حوادث سنة ٤٠ ه.
(٣) تهذيب التهذيب : ٧ / ٣٣٧ [٧ / ٢٩٦] ، وراجع : ٣ / ١٢١ من كتابنا هذا. (المؤلف)
(٤) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث : ص ١١٥. (المؤلف)
(٥) راجع ما مضى في الجزء السابع : ص ٧٨. (المؤلف)