على حياء العذراء؟ وأين الحياء من الله؟ غفرانك اللهمّ هذا بهتان عظيم.
هل يحسب الشيخان أنّ ذلك الحياء فاجأه صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد هذه الوقائع أو الفظائع ، وما كان غريزة فيه منذ صيغ في بوتقة القداسة؟ إن كانا يزعمان ذلك فبئس ما زعما ، وإنّ الحقّ الثابت أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان نبيّا وآدم بين الروح والجسد (١) وقد اكتنفته الغرائز الكريمة كلّها منذ ذلك العهد المتقادم ، شرع سواء في ذلك وهو في عالم الأنوار ، أو في عالم الأجنّة ، وفي أدوار كونه رضيعاً وطفلاً ويافعاً وغلاماً وكهلاً وشيخاً ، صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم ولد ويوم مات ويوم يُبعث حيّا.
أوَليس مسلم هو الذي يروي من طريق المسور بن مخرمة أنّه قال : أقبلت بحجر ثقيل أحمله وعليّ إزار خفيف فانحلّ إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أمنعه حتى بلغت به إلى موضعه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ارجع إلى إزارك فخذه ولا تمشوا عراة» (٢)؟
أفمن المستطاع أن يقال : إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ينهى مسوراً عن المشي عارياً ويزجره عن حمل الحجر كذلك ويرتكب هو ما نهى عنه؟ إنّ هذا لشيء عجاب.
وأعجب منه أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يرى أنّ المشرك إذا شاهد الناظر المحترم لم يكشف
__________________
(١) لهذا الحديث عدّة ألفاظ من طريق ميسرة وأبي هريرة وابن سارية وابن عباس وأبي الجدعاء ، وأخرجه ابن سعد [في الطبقات الكبرى : ١ / ١٤٨] ، وأحمد بن حنبل [في مسنده : ٥ / ١١٠ ح ١٦٧٠٠] ، والبخاري في التاريخ الكبير [مج ٦ / ٦٨ رقم ١٧٣٦] ، والبغوي [في تفسيره : ٣ / ٥٠٨] ، وابن السكن ، والطبراني [في المعجم الكبير : ١٢ / ٧٣ ح ١٢٥٧١] ، وأبو نعيم في الحلية [٧ / ١٢٢ رقم ٣٩٥] والدلائل ، وصحّحه الحاكم [في المستدرك : ٢ / ٤٥٣ ح ٣٥٦٦] ، والترمذي [في سننه : ٥ / ٥٤٥ ح ٣٦٠٩] حسّنه وصحّحه ، وابن حبّان في صحيحه [١٤ / ٣١٢ ح ٦٤٠٤] ، وابن عساكر ، وابن قانع ، والدارمي في السنن ، راجع كشف الخفاء للعجلوني : ٢ / ١٢٩ ، والجامع الكبير كما في ترتيبه ج ٦ [كنز العمّال : ١١ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠ ح ٣٢١١٤ ٣٢١١٨]. (المؤلف)
(٢) صحيح مسلم : ١ / ١٠٥ وفي طبعة مشكول : ١ / ١٧٤ [١ / ٣٤١ ح ٧٨ كتاب الحيض]. (المؤلف)