وفي قصّة لابن هشام في السيرة (١) (١ / ١٩٧) قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما ذكر لي يُحدّث عمّا كان [الله] يحفظه به في صغره وأمر جاهليّته أنّه قال : لقد رأيتُني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان ، كلّنا قد تعرّى وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة ، فإنّي لأُقبل معهم كذلك وأُدبر ، إذ لكمني لا كم ما أراه ، لكمةً وجيعة ثمّ قال : شدّ عليك إزارك ، قال : فأخذته وشددته عليّ ، ثمّ جعلت أحمل الحجارة على رقبتي ، وإزاري عليّ من بين أصحابي.
هلمّوا معي أيّها المسلمون جميعاً نسائل هذين الرجلين ـ صاحبي الصحيحين ـ أهذا جزاء نبيّ العظمة على جهوده ، وحقّ شكره على إصلاحه؟ أهذا من إكباره وتعظيمه؟ أصحيح أنّ محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يمشي بين ملأ العمّال عارياً قد نضا عنه ثيابه ، وألقى عنه إزاره ، غير ساتر عن الحضور عورته؟ وكان عمره صلىاللهعليهوآلهوسلم يومئذٍ خمساً وثلاثين سنة كما قال ابن إسحاق (٢).
هب أنّ رواة السوء أخرجوه لغاية مستهدفة ، لكن ما المبرّر للرجلين أن يستصحّاه ويُثبتاه في صحيحيهما كأثر ثابت؟ أيحسبان أنّ هذا العمل الفاضح من مصاديق ما أثبتاه له صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وهو الصحيح الثابت ـ من أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أشدّ حياء من العذراء؟ (٣) وهل تجد في العذراء من يستبيح هذه الخلاعة؟ لاها الله ، لاها الله.
أو يحسبان صاحب هذا المجون غير نبيّ الإسلام الذي نهى جرهداً ومعمراً عن كشف فخذيهما لأنّهما عورة؟ أو ينهى صلىاللهعليهوآلهوسلم عن كشف الفخذ يوماً ويكشف هو عمّا
__________________
(١) سيرة ابن هشام : ١ / ١٩٤ ، وما بين المعقوفين منه.
(٢) راجع سيرة ابن هشام : ١ / ٢٠٩ [١ / ٢٠٤] ، الروض الأُنف : ١ / ١٢٧ [٢ / ٢٢٨] ، عيون الأثر : ١ / ٥١ [١ / ٧٥] ، وما في فتح الباري : ٧ / ٥ [٧ / ١٤٥] نقلاً عن ابن إسحاق من أن عمره كان خمساً وعشرين سنة فغير صحيح ، والذي صحّ عنه خمس وثلاثون. (المؤلف)
(٣) راجع ما مرّ في هذا الجزء صفحة ٢٨١. (المؤلف)