وإنّ تهالك طلحة دون التشديد عليه وقتله بكلّ ما تسنّى له ممّا لا يجهله مُلمّ بالحديث والتاريخ ، وكان يوم الدار مقنّعاً بثوب يرميها بالسهام ، وهو الذي منع منه الماء ، وهو الذي حمل الناس إلى سطح دار ابن حزم فتسوّروا منها دار عثمان ، وهو الذي منعه من أن يدفن في مقابر المسلمين ، وهو الذي أقعد لمجهّزيه في الطريق ناساً يرمونهم بالحجارة ، وهو الذي قتله مروان ثمّ قال لأبان بن عثمان : قد كفيتك بعض قتلة أبيك ، وهو الذي قال فيه وفي صاحبه مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام : «كان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف (١) ، وأرفق حدائهما العنيف».
ولو كان طلحة كما زعمه الوضّاعون فما معنى هتاف عثمان : اللهمّ اكفني طلحة ابن عبيد الله فإنّه حمل عليّ هؤلاء وألّبهم. وقوله : وَيلي على ابن الحضرمية ـ يعني طلحة ـ أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً وهو يروم دمي يحرّض على نفسي ، اللهمّ لا تمتّعه به ولقّه عواقب بغيه.
وإلى الآن يرنّ في الأسماع قول الزبير يومئذ : اقتلوه فقد بدّل دينكم. وقوله : ما أكره أن يُقتل عثمان ولو بُدئ بابني ، إنّ عثمان لجيفة على الصراط غداً. وقوله لعثمان : إنّ في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جماعة يمنعون من ظلمك ، ويأخذونك بالحقّ. إلخ.
وإلى الآن في صفحات التاريخ قول سعد بن أبي وقّاص : قتله سيف سلّته عائشة وشحّذه طلحة ، وسمّه عليّ. قيل : فما حال الزبير؟ قال : أشار بيده وصمت بلسانه. إلى كلمات آخرين مرّت في هذا الجزء.
ولو كان ابن عبّاس كما اختلق عليه هؤلاء فلما ذا لم يكترث بكتاب عثمان واستغاثته به لمّا أُلقي على الحجيج وهو أميرهم وهو على منصّة الخطابة ، فمضى في خطبته من حيث انقطعت ، ولم يتعرّض لذلك بشيء ، ولا اعتدّ بخطابه حتى جرى
__________________
(١) الوجيف : ضرب من السير السريع.