لتطلبوا بها الآخرة ولم يْعطِكموها لتركنوا إليها ، إنّ الدنيا تفنى والآخرة تبقى ، فلا تبطرنّكم الفانية ، ولا تشغلنّكم عن الباقية ، فآثروا ما يبقى على ما يفنى ، فإنّ الدنيا منقطعة ، وإنّ المصير إلى الله ، اتّقوا الله جلّ وعزّ فإنّ تقواه جنّة من بأسه ، ووسيلة عنده ، واحذروا من الله الغِيَر ، والزموا جماعتكم ، لا تصيروا أحزاباً ، (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) (١).
قالوا : لمّا قضى عثمان في ذلك المجلس حاجاته ، وعزم له المسلمون على الصبر والامتناع عليهم بسلطان الله ، قال : اخرجوا رحمكم الله فكونوا بالباب ، وليجامعكم هؤلاء الذين حبسوا عنّي ، وأرسل إلى طلحة والزبير وعليّ وعدّة : أن ادنوا فاجتمعوا فأشرف عليهم ، فقال : يا أيّها الناس اجلسوا ، فجلسوا جميعاً ، المحارب الطارئ ، والمسالم المقيم ، فقال : يا أهل المدينة إني أستودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي ، وإنّي والله لا أدخل على أحد بعد يومي هذا حتى يقضي الله فيّ قضاه ، ولأدعنّ هؤلاء وراء بابي غير معطيهم شيئاً يتّخذونه عليكم دخلاً في دين الله أو دنيا حتى يكون الله عزّ وجلّ الصانع في ذلك ما أحبّ ، وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم ، فرجعوا إلاّ الحسن ومحمد وابن الزبير وأشباهاً لهم ، فجلسوا بالباب عن أمر آبائهم ، وثاب إليهم ناس كثير ، ولزم عثمان الدار.
٦ ـ وروى (٢) (ص ١٢٦) بالإسناد الشعيبي :
قالوا : كان الحصر أربعين ليلة والنزول سبعين ، فلمّا مضت من الأربعين ثماني عشرة قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من قد تهيّأ إليهم من الآفاق : حبيب من الشام ، ومعاوية من مصر ، والقعقاع من الكوفة ، ومجاشع من البصرة ، فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ، ومنعوه كلّ شيء حتى الماء ، وقد كان يدخل عليّ بالشيء ممّا
__________________
(١) آل عمران : ١٠٣.
(٢) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٣٨٥ حوادث سنة ٣٥ ه.