رضيت من مروان ولا رضي منك إلاّ بتحرّفك عن دينك وعن عقلك؟ وإنّ مثلك مثل الظعينة يُقاد حيث يُسار به (١) ، فنهضوا للدفع عنهم وعن بيضة الإسلام من قبل أن يقعوا بين الناب والمخلب ، فوقع ما وقع وكان أمر الله قدراً مقدورا.
ولنا هاهنا مناقشة أخرى في حساب الخليفة فنقول له : ما بالك تكرّر أيّها الخليفة قولك عن الخلافة : إنّها رداء الله الذي كساني ، أو أنّها قميص سربلنيه الله. أو ما يماثل ذلك؟ تطفح به كتبك أو يطفو على خُطَبِك ، ويلوكها فمك بين كلمك ، كأنّك قد حفظتها كلمة ناجعة لدينك ودنياك ، واتّخذتها ورداً لك كأنّك تحاذر في تركها النسيان غير أنّه عزب عنك محاسبة من تخاطبهم بها إيّاك ، فما جواب قومك إن قالوا لك متى سربلك الله بهذا القميص؟ وقد مات من سربلك ، وانقلب عليك بعدُ قبل موته وعددته لذلك منافقاً ، وأوصى أن لا تصلّي عليه أنت ، وكان يقول لعليّ أمير المؤمنين : خذ سيفك وآخذ سيفي إنّه قد خالف ما أعطاني ، وكان يحثّ الناس عليك ويقول : عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه ، وحلف أن لا يكلّمك أبداً ، وقد دخلت عليه عائداً في مرضه فتحوّل إلى الحائط ولم يكلّمك (٢) وهاجرك إلى آخر نفس لفظه. وتبعه على خلافك الباقون من أهل الشورى.
وكنّا نحسب أنّ نصب الخليفة لا يجب على الله سبحانه إن كنّا مقتفين أثر الشيخين وإنّما هو مفوّض إلى الأُمّة تختار عليها من شاءت ، وإن حدنا في ذلك عن قول الله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٣) (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٤) وعن نصوص النبيّ الأعظم وقد مرّ شطر منها في غضون أجزاء كتابنا هذا.
__________________
(١) راجع ما مرّ في صفحة : ١٧٤ ، ١٧٥ من هذا الجزء. (المؤلف)
(٢) راجع ما مرّ في هذه الجزء من حديث عبد الرحمن بن عوف : ص ٨٦ ـ ٩٠. (المؤلف)
(٣) القصص : ٦٨.
(٤) الأحزاب : ٣٦.