الأمر قبل أن يمسّهم الشرّ ، وما بالهم لا تستثيرهم تلكم القذائف؟ وهم يرون أنّهم هم الذين آووا ونصروا ولم يألوا جهداً في جهاد الكفّار حتى ضرب الدين بجرانه ، فمن العجيب والحالة هذه أن يشبّهوا بالأحزاب والكفرة يوم أحد.
ومنها : تلوّنه في باب التوبة التي تظاهر بها على صهوة المنبر بملإ من الصحابة ، وسجّل ذلك بكتاب شهد عليه عدّة من أعيان الأمّة وفي مقدّمهم سيّدنا أمير المؤمنين عليهالسلام ، وكتب ذلك إلى الأمصار النائية كما تقدّم في صفحة (١٧٦) وهو في كلّ ذلك يعترف بالخطيئة ويلتزم بالإقلاع عنها ، لكنّه سرعان ما نكث التوبة وأبطل المواثيق المؤكّدة بكتبه هذه ، إذ حسب أنّ من يكتب إليهم سينفرون إليه مقانب وكتائب وهم أولياؤه ومواليه ، فنفى عنه المآثم التي شهد عليها أهل المدينة بل وأهل الأمصار من خيرة الأُمّة ، وهو يريد أن يقلب عليهم ظهر المجن ، فيؤاخذ وينتقم وكأنّه نسي ذلك كلّه حتى قال في كتابه إلى أهل مكة : لا أدعى إلى توبة أقبلها ، ولا تُسمع منّي حجّة أقولها.
يقول له المحامي عن المدنيّين : أو لم تُدْعَ أيّها الخليفة إلى التوبة فتبت على الأعواد وعلى رءوس الأشهاد مرّة بعد أخرى؟ لكنّهم وجدوك لا تقرّ على قرار ، ولا تستمرّ على مبدأ ، وشاهدوك تتلوّن تلوّن الحرباء (١) فجزموا بأنّ التوبة لا تردعك عن الأحداث ، وأنّ النزوع لا يزعك عن الخطايا ، وجئت تماطل القوم بذلك كلّه حتى يوافيك جيوشك فتهلك الحرث والنسل ، وتمكن من أهل دار الهجرة مثل يزيد بن كرز الذي يقول : لو دخلت المدينة وعثمان حيّ ما تركت بها محتلماً إلاّ قتلته. إلخ.
عرف القوم أيّها الخليفة نواياك السيّئة فيهم ، وعرفوا انحرافك عن الطريقة المثلى بإبعاد مروان إيّاك عنها كما قال مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام وهو يخاطبك : أما
__________________
(١) الحرباء : ضرب من الزواحف تتلوّن في الشمس ألواناً مختلفة ، يضرب بها المثل في التقلّب. (المؤلف)