فهل ترى أيّها الخليفة أنّه كان يجب على الله سبحانه أن يمضي خيرة الأمّة؟ أكان في رأي الجليل إعواز في تقييض الإمام بنفسه حتى ينتظر في ذلك مشتبك آراء الأُمّة أو مرتبك أهوائهم فيمضي ما ارتأوه؟ وبهذه المناسبة تنسب ذلك السربال إليه ، لا أظنّك أيّها الخليفة يسعك أن تقرّر ما استفهمناه ، غير أنّ آخر دعواك بعد العجز عن الجواب : لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله.
وعلى كلّ لقد أوقفنا موقف الحيرة في أمر هذا السربال ومن حاكه والنول الذي حيك عليه ، فقد وجدنا أوّل الخلفاء تسربله بانتخاب غير دستوري ، بانتخاب جرّ الويلات على الأُمّة حتى اليوم ، بانتخاب سوّد صحيفة التاريخ وشوّه سمعة السلف ، وقد تقمّصه ابن أبي قحافة وهو يعلم أنّ في الأُمّة من محلّه من الخلافة محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير ، كما قاله مولانا أمير المؤمنين ثمّ مضى الأوّل لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده ، فيا عجباً يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته (١) فتقمّصه الثاني بالنصّ ممّن قبله وهو يعلم أنّ في الأُمّة من هو أولى منه كما قال مولانا أمير المؤمنين (٢) وسربلك إيّاه أيّها الخليفة عبد الرحمن بن عوف وفي لسانه قوله لعليّ : بايع وإلاّ ضربت عنقك ، ولم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره ، فخرج عليّ مغضباً فلحقه أصحاب الشورى قائلين : بايع وإلاّ جاهدناك (٣). فأيّ من هذه السرابيل منسوج بيد الحقّ حتى يصحّ عزوه إليه سبحانه؟ ولهذا البحث ذيول ضافية حولها أبحاث مترامية الأطراف ، حول خلافة الخلفاء من بني أُميّة وغيرهم يشبه بعضها بعضاً ، ولعلّك في غنىً عن التبسّط في ذلك والاسترسال حول توثّبهم على عرش الإمامة.
نعم ؛ الخلافة التي يصحّ فيها أن يقال : إنّها سربال من الله سبحانه هي التي
__________________
(١) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع : ص ٨١. (المؤلف)
(٢) يأتي حديثه بلفظه. (المؤلف)
(٣) الأنساب للبلاذري : ٥ / ٢٢ [٦ / ١٢٨]. (المؤلف)