رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنّ عثمان كان يحبّ قومه ، فولي الناس اثنتي عشرة سنة ، وكان كثيراً ما يولّي بني أُميّة ممّن لم يكن له من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صحبة ، وكان يجيء من أُمرائه ما يكره أصحاب محمد ، فكان يُستعتب فيهم فلا يعزلهم ، فلمّا كان في الحجج الآخرة استأثر ببني عمّه فولاّهم وولّى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر ، فمكث عليها سنين فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلّمون منه ، وقد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمّار بن ياسر ، فكان في قلوب هُذيل وبني زهرة وبني غفار وأحلافها من غضب لأبي ذر ما فيها ، وحنقت بنو مخزوم لحال عمّار بن ياسر ، فلمّا جاء أهل مصر يشكون ابن أبي سرح ، كتب إليه كتاباً يتهدّده فيه ، فأبى أن ينزع عمّا نهاهُ عثمان عنه وضرب بعض من شكاه إلى عثمان من أهل مصر حتى قتله ، فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل إلى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا ما صنع بهم ابن أبي سرح في مواقيت الصلاة إلى أصحاب محمد ، فقام طلحة إلى عثمان فكلّمه بكلام شديد ، وأرسلت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها تسأله أن ينصفهم من عامله ، ودخل عليه عليّ بن أبي طالب ـ وكان متكلّم القوم ـ فقال له : «إنّما يسألك القوم رجلاً مكان رجل ، وقد ادّعوا قِبَله دماً فاعزله عنهم واقض بينهم ، فإن وجب عليه حقّ فأنصفهم منه». فقال لهم : اختاروا رجلاً أُولّيه عليكم مكانه. فأشار الناس عليهم بمحمد بن أبي بكر الصدّيق فقالوا : استعمل علينا محمد بن أبي بكر. فكتب عهده وولاّه ووجّه معهم عدّة من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح ، فشخص محمد بن أبي بكر وشخصوا جميعاً ، فلمّا كانوا على مسيرة ثلاث من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير وهو يخبط البعير خبطاً كأنّه رجل يطلب أو يُطلب ، فقال له أصحاب محمد بن أبي بكر : ما قصّتك؟ وما شأنك؟ كأنّك هارب أو طالب. فقال لهم مرّة : أنا غلام أمير المؤمنين ، وقال أخرى : أنا غلام مروان ، وجّهني إلى عامل مصر برسالة ، قالوا : فمعك كتاب؟ قال : لا. ففتّشوه ، فلم يجدوا معه شيئاً وكانت معه إداوة قد يبست فيها شيء يتقلقل فحرّكوه ليخرج فلم يخرج ، فشقّوا