الذي كتبه عثمان فصاروا بأيلة (١) أو بمنزل قبلها رأوا راكباً خلفهم يريد مصر فقالوا له : من أنت؟ فقال : رسول أمير المؤمنين إلى عبد الله بن سعد ، وأنا غلام أمير المؤمنين. وكان أسود ، فقال بعضهم لبعض : لو أنزلناه وفتّشناه ألاّ يكون صاحبه قد كتب فينا بشيء ، ففعلوا فلم يجدوا معه شيئاً ، فقال بعضهم لبعض : خلّوا سبيله ، فقال كنانة بن بشر : أما والله دون أن أنظر في إداوته فلا. فقالوا : سبحان الله أيكون كتاب في ماء؟ فقال : إنّ للناس حِيَلاً. ثمّ حلّ الإداوة فإذا فيها قارورة مختومة ، أو قال : مضمومة ، في جوف القارورة كتاب في أنبوب من رصاص فأخرجه فقرئ فإذا فيه :
أمّا بعد : فإذا قدم عليك عمرو بن بديل فاضرب عنقه ، واقطع يدي ابن عديس وكنانة وعروة ، ثمّ دعهم يتشحّطون في دمائهم حتى يموتوا ، ثمّ أوثقهم على جذوع النخل.
فيقال : إنّ مروان كتب الكتاب بغير علم عثمان ، فلمّا عرفوا ما في الكتاب ، قالوا : عثمان مُحلّ. ثمّ رجعوا عودهم على بدئهم حتى دخلوا المدينة فلقوا عليّا بالكتاب وكان خاتمه من رصاص ، فدخل به عليّ على عثمان فحلف بالله ما هو كتابه ولا يعرفه وقال : أمّا الخطّ فخطّ كاتبي ، وأمّا الخاتم فعلى خاتمي ، قال عليّ : «فمن تتّهم؟» قال : أتّهمك وأتّهم كاتبي. فخرج عليّ مغضباً وهو يقول : «بل هو أمرك». قال أبو مخنف : وكان خاتم عثمان بدءاً عند حمران بن أبان ثمّ أخذه مروان حين شخص حمران إلى البصرة فكان معه.
وفي لفظ جُهيم الفهري قال : أنا حاضر أمر عثمان فذكر كلاماً في أمر عمّار. فانصرف القوم راضين ، ثمّ وجدوا كتاباً إلى عامله على مصر أن يضرب أعناق رؤساء المصريّين ، فرجعوا ودفعوا الكتاب إلى عليّ فأتاه به فحلف له أنّه لم يكتبه ولم
__________________
(١) أيله بالفتح : مدينة على ساحل بحر القلزم ممّا يلي الشام. وقيل : هي آخر الحجاز وأوّل الشام [معجم البلدان : ١ / ٢٩٢]. (المؤلف)