أن تكون العراق أحبّ إلينا من الشام ، ولكنّ البقاء أحبّ إلينا من الفناء ، والصلاح أحبّ إلينا من الفساد ، فقال : لست أزعم أنّي أولى بهذا الأمر من عليّ ، ولكنّي أُقاتله حتى يدفع إليّ قتلة عثمان. فقالا : إذا دفعهم إليك ما ذا يكون؟ قال : أكون رجلاً من المسلمين ، فأتيا عليّا ، فإن دفع إليكما قتلة عثمان جعلتها شورى. فقدما على عسكر عليّ ، فأتاهما الأشتر ، فقال : يا هذان إنّه لم ينزلكما الشام حبّ معاوية ، وقد زعمتما أنّه يطلب قتلة عثمان ، فعمّن أخذتما ذلك فقبلتماه ، أعمّن قتله؟ فصدّقتموهم على الذنب كما صدّقتموهم على القتل؟ أم عمّن نصره؟ فلا شهادة لمن جرّ إلى نفسه ، أم عمّن اعتزل إذ علموا ذنب عثمان وقد علموا ما الحكم في قتله؟ أو عن معاوية وقد زعم أنّ عليّا قتله؟ اتّقيا الله ، فإنّا شهدنا وغبتما ، ونحن الحكّام على من غاب. فانصرفا ذلك اليوم.
فلمّا أصبحا أتيا عليّا ، فقالا له : إنّ لك فضلاً لا يدفع ، وقد سرت مسير فتى إلى سفيه من السفهاء ، ومعاوية يسألك أن تدفع إليه قتلة عثمان ، فإن فعلت ثمّ قاتلك كنّا معك. قال عليّ : «أتعرفانهم؟» قالا. نعم. قال : «فخذاهم» ، فأتيا محمد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر والأشتر ، فقالا. فخرج إليهما أكثر من عشرة : أنتم من قتلة عثمان وقد أُمرنا بأخذكم آلاف رجل ، فقالوا : نحن قتلنا عثمان. فقالا : نرى أمراً شديداً ألبس علينا الرجل.
فانصرف أبو هريرة وأبو الدرداء إلى منزلهما بحمص. فلمّا قدما حمص لقيهما عبد الرحمن بن عثمان (١) ، وسأل عن مسيرهما ، فقصّا عليه القصّة ، فقال : العجب منكما إنّكما من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أما والله لئن كففتما أيديكما ما كففتما ألسنتكما
__________________
(١) هناك شخصان بهذا الاسم ؛ أحدهما عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي ابن أخي طلحة التيمي ، من مسلمة الفتح ، قتل مع ابن الزبير بمكة ؛ وثانيهما عبد الرحمن بن عثمان بن مظعون ، ولعله هو الذي لقي أبا هريرة وصاحبه ونصحهما.