والاستغفار له والعيب على أصحاب عليٍّ والإقصاء لهم وترك الإسماع منهم ، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه والإدناء لهم والاستماع منهم. فقال المغيرة : قد جرّبت وجُرّبت وعملت قبلك لغيرك فلم يُذمم بي دفع ولا رفع ولا وضع ، فستبلو فتحمد أو تذمّ. ثمّ قال : بل نحمد إن شاء الله.
فأقام المغيرة بالكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً لا يدع ذمّ عليّ والوقوع فيه ، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم ، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتزكية لأصحابه ، فكان حُجر بن عدي إذا سمع ذلك قال : بل إيّاكم فذمّم الله ولعن. ثمّ قام فقال : إنّ الله عزّ وجلّ يقول : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) (١) ، وأنا أشهد أنّ من تذمّون وتعيّرون لأحقّ بالفضل ، وأنّ من تزكّون وتُطهرون أولى بالذمّ. فيقول له المغيرة : يا حجر لقد رُمي بسهمك إذ كنت أنا الوالي عليك ، يا حجر ويحك اتّق السلطان ، اتّق غضبه وسطوته ، فإنّ غضبة السلطان أحياناً ممّا يهلك أمثالك كثيراً ، ثمّ يكفّ عنه ويصفح ، فلم يزل حتى كان في آخر إمارته ، قام المغيرة فقال في عليّ وعثمان كما كان يقول وكانت مقالته : اللهمّ ارحم عثمان بن عفّان وتجاوز عنه واجزه بأحسن عمله فإنّه عمل بكتابك واتّبع سنّة نبيّك صلىاللهعليهوآلهوسلم وجمع كلمتنا وحقن دماءنا وقُتل مظلوماً ، اللهمّ فارحم أنصاره وأولياءه ومحبّيه والطالبين بدمه ، ويدعو على قتلته. فقام حجر بن عدي فنعر نعرة بالمغيرة سمعها كلّ من كان في المسجد وخارجاً منه وقال : إنّك لا تدري بمن تولّع من هرمك أيّها الإنسان ، مُر لنا بأرزاقنا وأُعطياتنا فإنّك قد حبستها عنّا وليس ذلك لك ، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك ، وقد أصبحت بذمّ أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين. قال : فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون : صدق والله حجر وبرّ ، مُر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا ، فإنّا لا ننتفع بقولك هذا ، ولا يجدي علينا شيئاً ، وأكثروا في مثل هذا القول ونحوه.
__________________
(١) النساء : ١٣٥.