وما عساني أن أقول وأبو جعفر الإسكافي المعتزلي ـ البعيد عن عالم التشيّع ـ يقول (١) : أمّا ما احتجَّ به الجاحظ لإمامة أبي بكر بكونه أوّل الناس إسلاماً ، فلو كان هذا احتجاجاً صحيحاً لاحتجَّ به أبو بكر يوم السقيفة وما رأيناه صنع ذلك ، لأنّه أخذ بيد عمر ويد أبي عبيدة بن الجرّاح ، وقال للناس : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا منهما مَن شئتم. ولو كان هذا احتجاجاً صحيحاً لما قال عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتةً وقى الله شرّها. ولو كان احتجاجاً صحيحاً لادّعى واحدٌ من الناس لأبي بكر الإمامة في عصره أو بعد عصره بكونه سبق إلى الإسلام ، وما عرفنا أحداً ادّعى له ذلك. على أنّ جمهور المحدِّثين لم يذكروا أنّ أبا بكر أسلم إلاّ بعد عدّة من الرجال منهم : عليّ بن أبي طالب ، وجعفر أخوه ، وزيد بن حارثة ، وأبو ذرّ الغفاري ، وعمرو بن عنبسة السلمي ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وخبّاب بن الأرتّ ، وإذا تأمّلنا الروايات الصحيحة والأسانيد القويّة الوثيقة ، وجدناها كلّها ناطقةً بأنَّ عليّا عليهالسلام أوّل من أسلم.
فأمّا الرواية عن ابن عبّاس أنّ أبا بكر أوّلهم إسلاماً. فقد روي عن ابن عبّاس خلاف ذلك بأكثر ممّا رووا وأشهر ، فمن ذلك ما رواه يحيى بن حمّاد ـ ثمَّ ذكر أحاديث صحيحة ممّا مرَّ عن ابن عبّاس ، فقال : فهذا قول ابن عبّاس في سبق عليّ عليهالسلام إلى الإسلام ، وهو أثبت من حديث الشعبي وأشهر ، على أنَّه قد روي عن الشعبي خلاف ذلك من حديث أبي بكر الهذلي. ثمَّ ذكر حديثه وأحاديث أخرى ، ممّا ذكر نقلاً عن الكتب الصحاح والأسانيد الموثوق بها (٢). هذا (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ) (٣).
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٢٤ خطبة ٢٣٨.
(٢) مرّت بقيّة الكلام : ٢ / ٢٨٧ ، وللإسكافي في المقام كلمات ضافية نحيل الحيطة بها إلى رسالته في الردّ على الجاحظ. (المؤلف)
(٣) العنكبوت : ٦٨.