اللطف أن يحقّق دعوى المحقِّ بإجراء الخوارق على يديه ، تثبيتاً للقلوب ، وإقامةً للحجّة ؛ حتى يقرِّبهم إلى الطاعة ويبعِّدهم عن المعصية ، لدة ما في مدّعي النبوّة من ذلك ، كما يجب أيضاً أن ينقض دعوى المبطل إذا تحدّى بتعجيزه ، كما يؤثر عن مسيلمة وأشباهه.
وإنَّ من المفروغ عنه في علم الكلام كرامات الأولياء ، وقد برهنت عليها الفلاسفة بما لا معدل عنه ويضيق عنه المقام ، فإذا صحَّ ذلك لكلِّ وليٍّ ، فلما ذا يُعدُّ غلوّا في حجج الله على خلقه؟ وكتب أهل السنّة وتآليفهم مفعمة بكرامات الأولياء ، كما أنَّها معترفة بكرامات مولانا أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه.
وأمّا الاستغاثة والنداء والانقطاع وما أشار إليها فلا تعدو أن تكون توسّلاً بهم إلى المولى سبحانه ، واتِّخاذهم وسائل إلى نُجح طلباتهم عنده جلّت عظمته ، لقربهم منه وزلفتهم إليه ومكانتهم عنده لأنَّهم عبادٌ مكرمون ، لا لأنَّ لذواتهم القدسيّة دخلاً في إنجاح المقاصد أوّلاً وبالذات ، لكنّهم مجاري الفيض وحلقات الوصل ووسائط بين المولى وعبيده كما هو الشأن في كلِّ متقرِّب من عظيم يُتوسَّل به إليه ، وهذا حكم عامّ للأولياء والصالحين جميعاً وإن كانوا متفاوتين في مراحل القرب ، كلّ هذا مع العقيدة الثابتة بأنَّه لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله سبحانه ، ولا تقع في المشاهد المقدَّسة كلّها من وفود الزائرين إلاّ ما ذكرناه من التوسّل (١) ، فأين هذه من مضادّة التوحيد؟ وأين هؤلاء من الخصومة معه ومع أهله؟ (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) (٢) ، (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) (٣).
٥ ـ قال : تذهب الشيعة ـ تبعاً للمعتزلة ـ إلى إنكار رؤية الله يوم القيامة ، وإنكار صفاته ، وإنكار أن يكون خالقاً أفعال العباد لشبهات باطلة معلومة ، وقد
__________________
(١) فصّلنا القول في ذلك في الجزء الخامس من كتابنا هذا. (المؤلف)
(٢) الأنعام : ١١٢.
(٣) النحل : ١٠٥.