عقيدته :
تقدّم في الكلام عن الحالة الدينيّة في القرن الثالث للهجرة أنَّه كان عصراً كثرت فيه النحل والمذاهب ، وقلّ فيه من لا يرى في العقائد رأياً يفسّر به إسلامه ، وبخاصّة بين جماعة الدارسين وقرّاء العلوم الحديثة.
فابن الرومي واحدٌ من هؤلاء القرّاء ، لا ننتظر أن تمرّ به هذه المباحث التي كان يدرسها ، ويحضر مجالسها ، ويسمع من أهلها ، بغير أثر محسوس في تفسير العقيدة ، فكان مسلماً صادق الإسلام ، ولكنّه كان شيعيّا معتزليّا قدريّا يقول بالطبيعتين ، وهي أسلم النحل التي كانت شائعة في عهده من حيث الإيمان بالدين.
وقد قال المعرّي في رسالة الغفران (١) : إنّ البغداديّين يدّعون أنَّه متشيّع ، ويستشهدون على ذلك بقصيدته الجيميّة. ثمّ عقّب على ذلك فقال : ما أراه إلاّ على مذهب غيره من الشعراء.
ولا ندري لما ذا شكَّ المعرّي في تشيّعه لأنّه على مذهب غيره من الشعراء ، فإنّ الشعراء إذا تشيّعوا كانوا شيعة حقّا كغيرهم من الناس ، وربّما أفرطوا فزادوا في ذلك على غيرهم من عامّة المتشيّعين ، وإنّما نعتقد أنّ المعرّي لم يطّلع على شعره كلّه ، فخفيت عنه حقيقة مذهبه ، ولولا ذلك لما كان بهذه الحقيقة من خفاء.
على أنّ القصيدة الجيميّة وحدها كافيهٌ في إظهار التشيّع الذي لا شكّ فيه ، لأنّ الشاعر نظمها بغير داعٍ يدعوه إلى نظمها من طمع أو مداراة ، بل نظمها وهو يستهدف للخطر الشديد من ناحية بني طاهر وناحية الخلفاء ، فقد رثى بها يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن عليّ الثائر في وجه الخلافة ووجه أبناء طاهر ولاة خراسان ، وقال فيها يخاطب بني العبّاس ويذكر ولاة السوء من أبناء طاهر :
__________________
(١) رسالة الغفران : ص ٢٤٤.