وفكرة نصب (حتى) للفعل المضارع كسائر الأدوات الناصبة له ، وهى استقبالية زمن المضارع بعدها ، فإذا كان ما بعد (حتى) مستقبلىّ الزمن بالنسبة لما قبلها نصبت ما بعدها ، وهى ـ حينئذ ـ غائية أو تعليلية أو بمعنى (إلى أن) ، ذلك نحو قولك : يعيد الشاعر النظر فى شعره حتى تكون أبيات القصيدة كلّها مستوية ، وواضح فى ما بعد حتى معنى التعليل ، كما يلمس فيه معنى الغائية ، ويجوز أن يكون بمعنى (إلى أن).
فنصب الفعل المضارع بعد (حتى) يكون على أحد وجهين من المعنى :
أولهما : أن يكون ما بعد (حتى) غاية لما قبلها ، فتكون (حتى) غاية بمعنى (إلى) ، فإذا قلت : تودّدت حتى أكلم محمودا. فإنك قد جعلت تكليمك محمودا غاية لتوددك ، والمعنى : توددت إلى أن أكلم محمودا ، فتنصب (أكلم).
والآخر : أن يكون ما بعد (حتى) تعليلا لما قبلها ، فتكون (حتى) بمنزلة (كى) ، والتقدير : توددت كى أكلم ، فينصب ما بعد (حتى).
وتلحظ أن الفعل المضارع مستقبلىّ الزمن فى المعنيين.
ومثل ذلك قوله تعالى : (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى)(١) [طه : ٩١]. ويمكن توجيه المعنى إلى الأوجه الثلاثة.
__________________
ب ـ أن تكون حرف عطف ، فيدخل ما بعدها فيما قبلها ، كأن تقول : شربت الدواء حتى آخر قطرة ، أى : وشربت آخر قطرة.
ومنه : جاءنى القوم حتى أخوك ، ناقشت الطلاب حتى محمدا ، أعجبت بالحاضرين حتى محمود ، استمعت إليهم حتى أخيك.
ج ـ أن تكون حرف ابتداء ، فلا يقع بعدها إلا الجمل ، كقول جرير :
فما زالت القتلى تمجّ دماءها |
|
بدجلة حتى ماء دجلة أشكل |
أى : وماء دجلة أشكل ، فالواو ابتدائية.
ينظر : ديوانه ٣٤٤ / شرح ابن يعيش ٨ ـ ١٨ / الأشمونى ٢ ـ ٣٠٠ / الدرر رقم ١٠٦٢ ، ٤ ـ ١١٢.
والأوجه الثلاثة تدور فى معنى الغاية ؛ لأن ما بعدها لا يكون إلا غاية لما قبلها ، إما فى القوة ، وإما فى الضعف ، وإما فى غيرهما. ينظر : الدر المصون ١ ـ ٣٢٤.
د ـ أن تدخل على الفعل المضارع فيكون معناها وحكم ما بعدها كما هو مذكور فى هذه الدراسة فى الصفحات الآتية.
(١) (لن) حرف نفى مستقبلى ونصب مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب. (نبرح)