ينطق (منذ) بضم فسكون فضم ، وحرّك آخرها بالضم لوجود النون الساكنة قبلها ، أما (مذ) فإن سكون الذال فيها قبل متحرك أعرف من ضمها ، وضمّ الذال قبل ساكن أعرف من كسرها ، والكسر لغة لبعض بنى عبيد من غنىّ (١) وبنو سليم يكسرون الميم فيهما (٢).
وكلّ من (مذ ، منذ) مبنى ، وأصل البناء السكون ـ كما يذكر جمهور النحاة ـ وقد حركت ذال (منذ) لوجود النون الساكنة قبلها ـ كما ذكرنا ـ والنحاة يجعلونهما يترددان بين الاسمية والحرفية ، فإذا كانا حرفين فإن هذا يكون أصلهما ؛ لأن الحروف كلّها مبنية ، وإذا كانا اسمين فبناؤهما مبنى على أنهما فى معنى الحرف.
ويذكر ابن يعيش أن الغالب على (منذ) الحرفية ، والغالب على (مذ) الاسمية ، ويستدل على ذلك بأن الحروف لا يتصرف فيها ، حيث إنها اختصار وإيجاز لنيابتها عن الأفعال ؛ لتفيد فائدتها ، فهمزة الاستفهام نائبة عن أستفهم ، وواو العطف نائبة عن عطفت ، فلو حذف منها شىء لكان اختصارا للاختصار ، وهذا إجحاف ؛ لذلك لم يتصرف فى (منذ) ، وتصرف فى (مذ) حيث حذف العين منها (٣).
ولكن يرد ذلك بما ذكرناه سابقا من تخفيف (إن) ، و (كأن) ، و (لكن).
سمات التراكيب التى يردان فيها :
ترد (مذ ومنذ) فى تراكيب مختلفة البنية والدلالة ؛ يمكن أن نحصرها فيما يأتى ، ثم نحلل كل تركيب نحويا ودلاليا فيما يلى ذلك.
أ ـ مذ (منذ) + معرفة مرفوعة غير معدودة.
نحو : ما رأيته مذ يوم الجمعة.
ب ـ مذ (منذ) + نكرة مرفوعة معدودة ، أو معرفة محدودة.
نحو : ما رأيته مذ يومان.
__________________
(١) المساعد على شرح التفصيل ١ ـ ٥١٥.
(٢) المرجع السابق ١ ـ ٥١٢.
(٣) شرح المفصل ٤ ـ ٩٤.