فإنّ الكرة إذا دارت دورة كاملة وفرضنا عليها نقطاً مرسومة ، فإنّ النقط ترسم على سطحها دوائر متوازية إلا نقطتين هُما قطباها ، فإنّهما لا تتحرّكان.
وسُمّي الكوكب المذكور قطباً ؛ لمجاورته للقطب الحقيقي ، فينتفع به فيما يحتاج فيه إليه ؛ لقلّة التباعد بينهما ، ثمّ اشتهر إطلاقه على الكوكب حتى لا يكاد يعرف غيره.
وإنّما اشتُرط في الجَدْي الاستقامةُ ؛ لكونه في تلك الحال على دائرة نصف النهار ، فإنّها تمرّ بقطبي العالم ، وتقطع الأُفق على نقطتين هُما نقطتا الجنوب والشمال (١) ، فإذا كان القطب مسامتاً لعضو من المصلّي ، كان الجَدْي على تلك الحال مسامتاً له أيضاً ؛ لكونهما على دائرة واحدة ، بخلاف ما لو كان منحرفاً نحو المشرق أو المغرب.
(و) من علامات قبلة العراق أيضاً جَعْلُ (عين الشمس عند الزوال على) طرف (الحاجب الأيمن) ممّا يلي الأنف إذا استخرج الوقت بغير استقبال قبلة العراق ، كما سلف.
وهذه العلامات الثلاث مشهورة في كتب الأصحاب بهذا الإطلاق ، وقد ورد النصّ عن أئمّة الهدى «بالجدي منها فيما رواه محمّد بن مسلم وهو كوفيّ عن أحدهما عليهماالسلام حين سأله عن القبلة ، فقال : «ضع الجدْي في قفاك وصلّ» (٢).
وقال الصدوق في الفقيه : قال رجل للصادق : إنّي أكون في السفر ولا أهتدي للقبلة ، فقال له : «أتعرف الكوكب الذي يقال له : الجَدْي؟» قال : نعم ، قال : «اجعله على يمينك ، فإذا كنت في طريق الحجّ فاجعله بين الكتفين» (٣).
وطريق الجمع بين الروايتين حمل الاولى على وضعه خلف المنكب الأيمن ؛ لأنّه من جملة القفا ؛ لوجوب حمل المطلق على المقيّد.
واعلم أنّ في الجمع بين هذه العلامات الثلاث إشكالاً ، وفي العمل بإطلاقها بحثاً.
وتحرير المحلّ أنّ العلامة الأُولى إذا أُخذت بالمعنى المشهور وهو حمل المشرق والمغرب على الاعتدالين يوجب جَعْلهما على يمين المصلّي ويساره كون قبلته نقطة الجنوب ، ونقطة الشمال خلف ظهره بين الكتفين على الاعتدال ؛ لما علم من كون هذه الجهات الأربع
__________________
(١) في «ق ، م» : الشمال والجنوب.
(٢) التهذيب ٢ : ٤٥ / ١٤٣.
(٣) الفقيه ١ : ١٨١ / ٨٦٠.