متقاطعةً على زوايا قوائم بخطّين يتّصل طرف كلّ منهما بجهة.
وكذا القول في العلامة الثالثة ؛ لما تقرّر آنفاً من كون الشمس بل سائر الكواكب إذا كانت في غاية ارتفاعها حينئذٍ على دائرة نصف النهار ، المتّصلة بنقطتي الجنوب والشمال ، وخطّ نصف النهار على وجه الأرض الذي يعلم زوال الشمس بميل ظلّها عنه نحو المشرق هو الواصل بين نقطتي الشمال والجنوب ، فإذا وقف المصلّي على خطّ نصف النهار واستقبل نقطة الجنوب فوجد الشمس على طرف حاجبه الأيمن ، كان ذلك علامة الزوال ، كما أنّه على تلك الحال يكون مستقبلاً لجهة القبلة على ما بُيّن هنا ، فتكون القبلة حينئذٍ نقطة الجنوب ، كما تقرّر في العلامة الأُولى.
وأمّا الجدْي فإنّما يناسب هاتين العلامتين عند استدباره بحيث يكون بين الكتفين على الاعتدال ، فيكون الواقف مستقبلاً لنقطة الجنوب ، ونقطة المشرق والمغرب على يمينه ويساره.
وأمّا إذا جعل خلف المنكب الأيمن ، فإنّه يقتضي انحرافاً بيّناً نحو المغرب بعد الإحاطة بما قرّرناه ، فاللازم من ذلك أحد أُمور أربعة : إمّا القول بأنّ هذا التفاوت غير مؤثّر في الجهة التي هي قبلة البعيد. وإمّا بطلان تقييد المشرق والمغرب بكونهما الاعتدالين ؛ إذ مع الإطلاق يمكن تقييدهما بمطلع الفجر عند انتهاء قصر النهار ومغرب الشمس في ذلك الوقت فتطابق العلامة الثانية. وإمّا بطلان تقييد الجدْي بكونه خلف المنكب الأيمن بل في القفا ، كما ورد في خبر محمّد بن مسلم (١). وإمّا كون هذه العلامات لجهات مختلفة من بلاد العراق.
والتحقيق في هذا المقام المستند إلى مقدّمات يقتضي تحريرها بسطاً في الكلام أنّ هذه العلامات الثلاث صحيحة صالحة لتحصيل الجهة العراقيّة في الجملة ، وأمّا الاستناد إليها على وجه التخيير في سائر جهات تلك البلاد فغير سديد قطعاً ؛ لاختلاف عروضها وأطوالها المقتضي لاختلاف قبلتها ؛ فإنّ أوساط العراق كبغداد والكوفة تزيد على مكة طولاً وعرضاً ، وذلك يوجب انحراف قبلتها عن نقطة الجنوب نحو المغرب ، والبصرة أشدّ انحرافاً كذلك ؛ لزيادة طولها عليهما ، ويقرب منها تبريز وأردبيل وقزوين وهمدان وما
__________________
(١) تقدّم تخريجه في ص ٥٣٠ ، الهامش (٢).