كان هذا الأثر قابلاً للبطلان والإزالة من أصله بعروض السفر قبل الزوال ، الموجب لبطلان الصوم كان تأثير الجزء السابق على الزوال مراعىً باستمراره إلى أن تزول الشمس ، فإذا رجع عن نيّة الإقامة قبله ، بطل ذلك الأثر ، وعاد إلى حكم السفر.
وفيه بحث ؛ لأنّه لا يلزم من بطلان الصوم بنفس السفر بطلانه بالرجوع عن نيّة الإقامة ؛ لعدم الملازمة ، وللنهي عن إبطال العمل بصيغة العموم المتناول لهذا الفرد في قوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (١) فلا يكون تأثير السفر فيه قبل الزوال موجباً لتأثير الرجوع عن الإقامة ؛ لعدم الملازمة. وقد توجّه بما بيّنّاه الاكتفاء في البقاء على التمام بالشروع في الصوم مطلقاً ، كما اختاره المصنّف ، وينساق الدليل إلى انقطاع السفر أيضاً بفوات وقت الصلاة المقصورة على وجهٍ يستلزم وجوب قضائها ؛ لأنّ استقرارها في الذمّة تماماً يوجب انقطاع السفر في وقتها ؛ إذ لا موجب للإتمام إلا ذلك.
فإن قيل : هذا الأثر لو كان كافياً في عدم بطلان الإقامة ، لزم عدم بطلانها بمجرّد النيّة ، لكنّ التالي باطل فالمقدّم مثله.
بيان الملازمة : أنّ الأثر على تقدير فوات الصلاة إنّما هو الحكم بوجوب قضائها تماماً ، وهو أثر عقليّ لا وجود له في الأعيان ، والحكم في وجوب الإتمام بعد نيّة الإقامة كذلك ، فإنّه بمجرّد النيّة صار حكمه التمام ، ولو كان ذلك في وقت فريضة مقصورة ، كان الواجب عليه في تلك الحال فعلها تماماً ، وهذا الأثر صادر عن نيّة الإقامة مخالف لأثر السفر وإن لم يوجد مقتضاه خارجاً ، كما لو رجع عن نيّة الإقامة قبل الصلاة.
قلنا : فرق بين الأثرين ؛ فإنّ وجوب التمام في حال فوات الفريضة مقترن بفعل الفريضة تماماً بمعنى استقرارها في الذمّة كذلك ، ولو قدّر عدم فعلها ، كان عقابه عقاب تارك الصلاة تامّةً ، فهو في قوّة الوقوع ، بخلاف الوجوب المتقدّم على الصلاة ؛ فإنّه وجوب مشروط بالبقاء على النيّة إلى أن يفرغ من الصلاة أو يركع في الثالثة كما سيأتي ، ومتى رجع قبل الصلاة ، سقط الحكم بوجوب إتمامها إجماعاً ، فافترقا. مع أنّه لو قيل بأنّ الفارق بينهما الإجماع على عدم البقاء في تلك الحالة بخلاف هذه ، كان كافياً ، لكن بقي اللازم من ذلك أنّه لو رجع عن نيّة الإقامة في أثناء الصلاة وقد شرع في الثالثة ، لم يؤثّر
__________________
(١) سورة محمّدُ (٤٧) : ٣٣.