وقد روي عن النبيّ «لا يأمن الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله وجهه وجه حمار» (١) وهو تحذير وتخويف لمن يفعل كذلك أن يحوّل الله وجه قلبه إلى وجه قلب الحمار الذي لا يعقل الأُمور العقليّة ، ولا يدرك الأذواق العلويّة والمعاني الغيبيّة.
وقال الصدوق رحمهالله : إنّ من المأمومين مَنْ لا صلاة له ، وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه. ومنهم مَنْ له صلاة واحدة ، وهو المقارن له في ذلك. ومنهم مَنْ له أربع وعشرون ركعة ، وهو الذي يتبع الإمام في كلّ شيء ، فيركع بعده ، ويسجد بعده ، ويرفع منهما بعده. ومنهم مَنْ له ثمان وأربعون ركعة ، وهو الذي يجد في الصفّ الأوّل ضيقاً فيتأخّر إلى الصفّ الثاني (٢).
ولا خلاف في وجوب المتابعة في الأفعال ، كالركوع والسجود ؛ لقوله عليهالسلام : «إنّما جُعل الإمام إماماً ليؤتمّ به ، فإذا كبّر فكبّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا» (٣).
وأمّا الأقوال : فتجب المتابعة في التكبير اتّفاقاً ، وللخبر (٤) بمعنى أن لا يكبّر قبله.
وهل له مقارنته؟ قولان أجودهما : المنع.
وهل تجب في غيره من أذكار الركوع والسجود والتشهّد؟ قيل (٥) : نعم ؛ للخبر (٦). واختاره الشهيد (٧).
وعدمه ، وهو مختار المصنّف (٨) ، وهو الأصحّ ؛ للأصل. ولأنّه ليس بمؤتمّ فيها ، ولهذا لا يتحتّم عليه ما يختاره الإمام من الذكر ، بخلاف التكبير ؛ إذ لا تتحقّق القدوة بالشروع في الصلاة قبله. وللخبر (٩). ولأنّه لو وجبت المتابعة ، لاشترط العلم بانتقالات الإمام فيها في
__________________
(١) صحيح مسلم ١ : ٣٢١ / ١١٥ و ١١٦.
(٢) لم نعثر عليه في كتب الشيخ الصدوق ، المتوفّرة لدينا ، وحكاه عنه الشهيد في الذكرى ٤ : ٤٧٥.
(٣) صحيح البخاري ١ : ٢٤٤ / ٦٥٧ ؛ صحيح مسلم ١ : ٣٠٩ ٣١٠ / ٤١٤ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ / ٨٤٦ ؛ سنن الترمذي ٢ : / ١٩٤ / ٣٦١.
(٤) صحيح البخاري ١ : ٢٤٤ / ٦٥٧ ؛ صحيح مسلم ١ : ٣٠٩ ٣١٠ / ٤١٤ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ / ٨٤٦ ؛ سنن الترمذي ٢ : / ١٩٤ / ٣٦١.
(٥) لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.
(٦) راجع المصادر في الهامش (٣ و ٤).
(٧) البيان : ٢٣٨ ؛ الدروس ١ : ٢٢١.
(٨) انظر : تذكرة الفقهاء ٤ : ٣٤٤ ، المسألة ٦٠٣ ؛ ونهاية الإحكام ٢ : ١٣٥.
(٩) راجع المصادر في الهامش (٣ و ٤).