بسبب حركة الدابّة ، أو ترجيح المشي لحصول أصل القيام ، أوجُه أجودها : الأخير ؛ لأنّ فوات وصف القيام مع المشي أسهل من فوات أصله مع الركوب.
وقد جرت العادة بذكر شيء من علامات القبلة لبعض الجهات في هذا الباب وإن كان استيفاؤه وتفصيله موكولاً إلى علمٍ آخر ، فجرى المصنّف على ذلك فقال :
(وعلامة) أهل (العراق ومَنْ والاهم) من البلاد التي وراءهم بالنسبة إلى جهة القبلة. وإنّما بدأ بهم ؛ لأنّ المنقول عن أهل البيت «من علامات القبلة علاماتُهم ؛ فإنّ أكثر الرواة منهم (جَعْل) مطلع (الفجر) وهو المشرق (على المنكب) وهو مجمع العضد والكتف (الأيسر ، والمغرب على) المنكب (الأيمن) وكثير من الأصحاب (١) عبّروا عنهما بمشرق الاعتدال ومغربه ، وهو أضبط (و) جَعْل (الجَدْي) مُكبّراً ، وربما صُغّر ؛ ليتميّز عن البرج. وهو نجم مضيء في جملة أنجم بصورة سمكة يقرب من قطب العالم الشمالي ، الجدْيُ رأسها والفرقدان ذنبها ، وبينهما من كلّ جانب ثلاثة أنجم تدور حول القطب كلّ يوم وليلة دورة كاملة ، يجعله العراقي (بحذاء) ظهر المنكب (الأيمن).
ولمّا كان الجَدْي ينتقل عن مكانه كما عرفت مغرباً ومشرقاً وارتفاعاً وانخفاضاً لم يكن علامةً دائماً ، بل إنّما يكون علامةً في حال غاية ارتفاعه بأن يكون إلى جهة السماء والفرقدان إلى الأرض ، أو غاية انخفاضه عكس الأوّل ، كما قيّده بذلك المصنّفُ (٢) وغيره (٣) ، أمّا إذا كان أحدهما إلى جهة المشرق والآخر إلى المغرب ، فالاعتبار بالقطب ، وهو نجم خفيّ في وسط الأنجم التي هي بصورة السمكة لا يكاد يدركه إلا حديد البصر ، وهو علامة دائماً ، كالجَدْي حال استقامته ؛ إذ لا يتغيّر عن مكانه إلا يسيراً لا يكاد يتبيّن للحسّ ، فلا يؤثّر في الجهة ، وحركته اليسيرة دورة لطيفة حول قطب العالم الشمالي ، وهو نقطة مخصوصة من الفلك يقابلها مثلها من الجنوب منخفضة عن الأُفق بقدر ارتفاع الشمالي عنه يدور عليهما الفلك.
والمراد بالقطبين النقطتان اللّتان لا تتحرّكان إذا دارت الكرة على نفسها دورة فأكثر ،
__________________
(١) منهم : الشهيد في البيان : ١١٤ ؛ والسيوري في التنقيح الرائع ١ : ١٧٤ ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٥٤.
(٢) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٣ ؛ نهاية الإحكام ١ : ٣٩٥.
(٣) كالشهيد في الذكرى ٣ : ١٦٣ ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٥٥.