ولا يخفى حينئذٍ أنّ السهو لا يجتمع مع الظنّ ؛ لتضادّهما في الحضور القلبي وعدمه ، والمعيّة تقتضي الاجتماع. وأمّا (١) الشكّ فإنّه وإن شارك الظنّ في حضور متعلّقهما بالبال لكن شرط الشكّ تساوي الاعتقادين والظنّ اختلافهما وترجيح أحدهما على الآخر ، فلا يتحقّق بينهما أيضاً الاجتماع الحقيقي. لكن يمكن فرض اجتماعهما بضربٍ من التجوّز ، فإنّ الشكّ يعرض أوّلاً ثمّ يجب على الشاكّ التروّي ، فإن غلب وترجّح عنده أحد الطرفين بعد أن كانا متساويين ، عمل على الراجح ، فباعتبار اتّصال الشكّ بغلبة الظنّ في زمانٍ قصير وترتّب أحدهما على الآخر في حضور واحد متّصل جاز التعبير عنهما بالمعيّة ، فيكون في العبارة مجازان ، أحدهما : استعمال لفظ السهو في الشكّ. والثاني : جَعْله الشكّ مجامعاً لغلبة الظنّ بأحد الطرفين.
ب ـ أنّ في قوله : «لا حكم لهذه المسألة ونظائرها» حكماً بذلك ؛ فإنّ الحكم بعدم الحكم حكم ، وهو يناقض ظاهراً عدم الحكم.
وتوجيهه : أنّ الحكم المنفي ليس هو مطلق الحكم ، بل حكم خاصّ ، وهو الحكم المبحوث عنه في هذا الباب من سجود السهو والاحتياط ونحوهما ، وهو لا ينافي ثبوت حكمٍ آخر لها. ويدلّ على إرادة الخاصّ سياق الكلام ومبحثه.
ج ـ أنّه اعتبر في سقوط الحكم غلبة الظنّ ، وقد عرفت أنّه أمر آخر وراء الظنّ ، وهو يقتضي عدم الاكتفاء بمطلق الظنّ ، والنصّ يدلّ على الاكتفاء به ؛ لما تقدّم من تعليق البناء على وقوع الوهم ، والمراد به هنا الظنّ ، وهو مطلق ترجيح أحد النقيضين. ولو أُريد به معناه المتعارف وهو الطرف المرجوح لم تكن حقيقته مرادةً إجماعاً ، فيصار إلى المجاز ، وهو القدر الراجح مطلقاً ، أو إلى أقرب المجازات إلى الحقيقة ، وهو أوّل مراتب الرجحان. والاكتفاء به في البناء يستلزم الاكتفاء بما هو أقوى منه بطريقٍ أولى. وكأنّ مَنْ عبّر بالغلبة تجوّز بسبب أنّ الظنّ لمّا كان غالباً بالنسبة إلى الشكّ والوهم وصفه بما هو لازم له وأضاف الصفة إلى موصوفها بنوعٍ من التكلّف.
د ـ معنى عدم الحكم مع غلبة الظنّ العمل على الطرف المظنون من غير أن يرتّب عليه ما يأتي من الأحكام ، كما نبّهنا عليه ، فإذا غلب ظنّ الشاكّ مثلاً بين الثلاث والأربع بعد
__________________
(١) في الطبعة الحجريّة : فأمّا.