إلى البعيد. ومن ثَمَّ قيّدها المصنّف في النهاية والمنتهى (١) بمَنْ كان بمكّة إذا استقبل الركن العراقي ليضيق المجال ويتحقّق الحال. والأمر باقٍ بحاله ؛ فإنّ الشمس لا تصير على الحاجب الأيمن لمستقبل الركن العراقي إلا بعد زمانٍ كثير ، بل ربما أمكن استخراجه للبعيد في زمانٍ أقلّ منه لمستقبل الركن.
والتحقيق : أنّه لا حاجة إلى التقييد بالركن ؛ لما ذكرناه (٢) ، ولأنّ البعيد إذا استخرج نقطة الجنوب بإخراج خطّ نصف النهار ، صار المشرق والمغرب على يمينه ويساره ، كما هو أحد علامات العراقي ، وإن كان في هذه العلامة بحث تقف عليه في محلّه إن شاء الله.
فإذا وقف الإنسان على سمت هذا الخطّ ، ظهر له ميل الشمس إذا مالت في زمانٍ قصير يقرب من زيادة الظلّ بعد نقصه ، وأمّا إذا اعتبر البعيد قبلة العراقي بغير هذه العلامة خصوصاً بالنظر الدقيق الذي يخرج به سمت القبلة ، فإنّ الزوال لا يظهر حينئذٍ إلا بعد مضيّ ساعات من وقت الظهر ، كما لا يخفى على من امتحن ذلك.
وقريب من ذلك اعتباره باستقبال الركن العراقي ، فإنّه ليس موضوعاً على نقطة الشمال حتى يكون استقباله موجباً لاستقبال نقطة الجنوب وللوقوف على خطّ نصف النهار ، وإنّما هو بين المشرق والشمال ، فوصول الشمس إليه يوجب زيادة ميل عن خطّ نصف النهار ، كما لا يخفى.
إذا تقرّر ذلك ، فوقت الظهر المختصّ بها بمعنى عدم وقوع العصر فيه مطلقاً من زوال الشمس (إلى أن يمضي) من الزمان (مقدار أدائها) تامّة الأفعال والشروط بأقلّ واجباتها بحسب حال المكلّف ، باعتبار كونه مقيماً ومسافراً ، صحيحاً ومريضاً ، سريع القراءة والحركات وبطيئها ، مستجمعاً بعد دخول الوقت لشروط الصلاة أو فاقدها ، فإنّ المعتبر مضيّ قدر أدائها وأداء شرائطها المفقودة.
فإن اتّفق خُلوّه منها جميعاً بأن كان محدثاً عارياً ونجس الثوب والبدن والمكان ، بطيء القراءة والحركات ونحو ذلك ، كان وقت الاختصاص مقدار تحصيل هذه الشرائط وفعل الصلاة.
__________________
(١) نهاية الإحكام ١ : ٣٣٥ ؛ منتهى المطلب ٤ : ٤٣.
(٢) في «م» : لما ذُكر.