المقام كثيراً ، وإنّما يقارب مكّة خاصّة.
والثاني : أنّه اقتضى عدم الظلّ أصلاً في تمام اثنين وخمسين يوماً ، وذلك من مبدإ مسامتة الشمس لرؤوس أهل مكّة إلى أن ترجع إلى المسامتة الثانية ، وليس الأمر كذلك ، وإنّما يعدم في كلّ مسامتة يوماً واحداً في مبدأ المدّة ومنتهاها ثمّ يرجع الظلّ جنوبيّا ، كما تقدّم.
نعم ، يمكن أن يقال في مكّة : إنّ المراد بعدم الظلّ في هذه المدّة الظلّ الشمالي المتعارف ، وذلك لا ينافي ثبوت ظلّ آخر ، لكنّه يفسد من جهة قولهم : إنّ علامة الزوال لهذا الفريق حدوثه بعد عدمه ، فإنّه لا يتمّ ذلك.
وجملة الأمر أنّ البلد إن نقص عرضها عن الميل الأعظم ، أو لم يكن لها عرض كخطّ الاستواء ، سامتت الشمس رؤوس أهله مرّتين في غير يومي المنقلبين ، وعدم الظلّ فيه حينئذٍ.
ومن هذا القسم مكّة والطائف واليمامة ونجران وصنعاء وزبيد وحضرموت وغيرها وإن كانت أوقات المسامتة فيها مختلفةً ؛ لاختلاف عروضها. وإن ساواه سامتته مرّة واحدة عند المنقلب الشمالي في الأرض المعمورة ، ويكون عدم الظلّ حينئذٍ في أطول الأيّام كما ذُكر.
وأقرب البلدان إلى هذا القسم مدينة الرسولُ ، فلو مثّل بها كان حسناً وإن كانت زائدةً في العرض عن الميل الأعظم ، لكنّ الزيادة دقائق لا يظهر بسببها للحسّ.
وإن زاد عرض البلد عن الميل الكلّيّ كالشام والعراق وجميع ما خرج عنهما نحو الشمال وغيرهما من البلاد التي يزيد عرضها عن أربعة وعشرين درجة ، فإنّ الظلّ الشمالي لا يعدم ؛ لعدم مسامتة الشمس لرؤوسهم أصلاً ، فتكون علامة الزوال عندهم زيادة الظلّ. فتدبّر هذه الجملة ، فإنّها مبنيّة على مقدّمات دقيقة ، واستقم كما أُمرت ، ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل الله.
والأمر الثاني (١) ممّا يُعلم به الزوال : ما أشار إليه بقوله (أو ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن للمستقبل) لقبلة أهل العراق. وإنّما أطلقها ؛ لظهورها ، أو لكونها قبلته.
وهذه العلامة لا يعلم بها الزوال إلا بعد مضيّ زمانٍ كثير ؛ لاتّساع جهة القبلة بالنسبة
__________________
(١) قد سبق الأمر الأوّل في ص ٤٧٨.