فإن قيل : هذا يتمّ في غير الجلوس ؛ إذ يمكن مقارنة التكبير لأوّل جزء من القيام بحيث يقع مجموع النيّة قبل تمامه.
قلنا : سيأتي إن شاء الله تعالى أنّ النيّة أمر واحد بسيط ، وهو القصد إلى فعل الصلاة ، والمعتبر منه مع طول زمانه القدر المقارن للتكبير لا غير ، ولا ريب أنّ القطع بكون التكبير وقع بأجمعه في حال القيام مستقرّاً يقتضي سبق جزء يسير من القيام على أوّله من باب المقدّمة ، وذلك الجزء كافٍ في وقوع النيّة فيه.
فإن قيل : ما ذكرتم في التكبير آتٍ في النيّة ؛ لأنّ القيام إن كان معتبراً فيها بحيث يتحقّق وقوعها فيه ، لزم تقدّمه عليها بآن يسير ، كما في التكبير. وإن لم يعتبر ذلك ، لم يكن القيام شرطاً ، بل المعتبر تحقّق وقوع التكبير قائماً.
قلنا : لمّا كانت النيّة قصداً بسيطاً ، لم تفتقر إلى زمانٍ طويل ، بل ذلك القدر المتقدّم على التكبير كافٍ فيه ، فإنّ القصد يمكن استمراره زماناً طويلاً ، وليست النيّة مجموع ما وقع منه في الزمان ، بل كلّ جزء منه واقع في طرف من الأزمنة وإن قلّ كافٍ في تحقّقها ، والجزء اليسير من القيام كافٍ في صحّتها ، مع أنّه لو قيل بعدم وجوب القيام في النيّة وإن اتّفق وقوعها قائماً لضرورة وقوع التكبير قائماً ، أمكن ، ومَن ادّعى خلاف ذلك طُولب بدليله. وليست المسألة إجماعيّةً ، وقد قال المصنّف في النهاية : إنّ الأقوى اشتراط القيام في النيّة (١). وهو إشارة إلى الخلاف في وجوب القيام في النيّة. وربما فهم منه كون عدم الوجوب قويّاً ؛ حملاً لأفعل التفضيل على بابه الأغلب من اقتضائه اشتراك المصدر بين المفضّل والمفضّل عليه ، والله أعلم.
إذا تقرّر ذلك ، فعُدْ إلى تحقيق النيّة.
واعلم أنّ النيّة عبارة عن القصد إلى فعل شيء من الأفعال ، ولمّا كان القصد لا بدّ من تعلّقه بمقصود معيّن ؛ لأنّ قصد المجهول بكلّ وجه عبث لا يترتّب عليه الأثر شرعاً فلا بدّ لقاصد الصلاة من تشخيص النوع الذي يريده منها بجميع مميّزاته من كونها ظهراً مثلاً ، واجبةً أو مندوبةً ، أداءً أو قضاءً ، ثمّ يقصد فعل هذا المشخّص على وجه التقرّب إلى الله
__________________
(١) نهاية الإحكام ١ : ٤٥٦.