التكبير من غير دليل ، والأمر هنا ليس كذلك ، بل مدّعي أنّ أوّل الصلاة التكبير يستند إلى قول النبيّ : «تحريمها التكبير» (١) وإذا ثبتت دلالته ، بطل القول بأنّ أوّلها النيّة ، فلا يكون مصادرةً. بل الأولى في الجواب : منع دلالة الخبر على أوّليّة التكبير ؛ إذ لا يلزم من وصفه بالتحريم كونه أوّلاً ؛ إذ لا امتناع في كون التحريم يحصل بالجزء الثاني والثالث وغيرهما ، فإنّ ذلك موقوف على حكم الشارع ، فيرجع في الأوّليّة إلى دليلٍ آخر.
وتخلّف الحكم بتوقّف العمل على النيّة في صورة النظر الموجب للمعرفة لا ينقض الكلّيّة فيما عداها ؛ لأنّ الحصر المستفاد من «إنّما» في الرواية أفاد توقّف جميع الأعمال على النيّة ، فكلّ ما خرج منه من الأفراد بقي الباقي داخلاً في مدلول اللفظ ، ولا دليل على إخراج النيّة من البين ، فالإيراد لازم.
ومنه يُعلم فساد الجواب الرابع ؛ فإنّ العدول فيه إلى المعنى المجازي متفرّع على عدم صحّة المعنى الحقيقي ، وهو تعلّق النيّة بمجموع العبادة.
وأمّا مغايرة النيّة للعمل وعدم كونها جزءاً منه فكأنّه في حيّز الوضوح ؛ إذ لا يشكّ عاقل في كون نيّة الخياطة والكتابة وأشباههما من الأعمال ليست جزءاً منها ، ولا فرق بينها وبين الصلاة إلا ما تقدّم من اشتراطها بباقي الشروط المتقدّمة غيرها ، ولا دلالة فيه على الجزئيّة ؛ إذ شروط الصلاة ليست على وتيرة واحدة حتى تخرج النيّة بمخالفتها عن الشرطيّة. ألا ترى أنّ الطهارة شرط في الصلاة مطلقاً فتبطل بدونها عمداً وسهواً. والاستقبال لا تبطل بدونه سهواً على بعض الوجوه ، كما مرّ تفصيله. والستر مختلف في كونه شرطاً مطلقاً أو مع العلم ، إلى غير ذلك من الاختلاف.
ومن المقرّر أنّ القدر الجامع بينها كون المشروط عدماً عند عدم شرطه ، فإذا لم تخرج هذه الشرائط عن الشرطيّة بهذا الاختلاف ، فما الذي أخرج النيّة عنها بمخالفته لها فيما ذكر مع تخلّفه عنها في ذلك لعارضٍ ، وهو اعتبار مقارنتها للتكبير الموجب لتقدّم باقي الشرائط عليها؟ فاشتراطها بها لا لذاتها ، بل لهذا الوجه.
وذهب بعض (٢) الأصحاب إلى كونها متردّدةً بين الجزء والشرط ، وأنّها بالشرط أشبه ؛
__________________
(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٦٧٧ ، الهامش (٢).
(٢) انظر جامع المقاصد ٢ : ٢١٧.