المعتبر (١) إلى أنّها شرط لا جزء ، فإنّ المراد بالشرط ما يتوقّف عليه تأثير المؤثّر مع تقدّمه عليه ، كالطهارة وستر العورة ، أو ما يساوق جميع ما يعتبر في الصلاة ، وظاهر أنّ النيّة كذلك ، والمساوقة حاصلة في الاستدامة الحكميّة ، فإنّها إنّما أجزأت عن الاستدامة الفعليّة ؛ لتعذّرها أو تعسّرها ، وإلا فالدليل الدالّ على اعتبارها في العبادة دالّ على استصحابها فعلاً لولا الحرج والعسر المنفيّان بالآية والرواية. ولأنّ أوّل الصلاة التكبير ؛ لقوله عليهالسلام : «وتحريمها التكبير» (٢) والنيّة سابقة عليه أو مقارنة لأوّله. ولأنّها لو كانت جزءاً لافتقرت إلى نيّةٍ أُخرى ويتسلسل. ولأنّها تتعلّق بالصلاة فلا تكون جزءاً ، وإلا لزم تعلّق الشيء بنفسه. ولأنّ قوله عليهالسلام : «إنّما الأعمال بالنيّات» (٣) يدلّ على مغايرة العمل للنيّة.
وأُجيب عن الأوّل : بعدم منافاته للجزئيّة ؛ لتوقّف التأثير على سائر الأجزاء.
وعن الثاني : بأنّه مصادرة على المطلوب.
وعن الثالث : بمنع الملازمة ؛ لمنع كلّيّة المقدّمة القائلة : إنّ كلّ عبادة تتوقّف على النيّة ؛ لخروج النظر المعرّف لوجوب النظر والمعرفة ، فلتخرج النيّة أيضاً.
وعن الرابع : بأنّ النيّة لمّا خرجت من الكلّيّة كان متعلّقها بقيّة أجزاء الصلاة ، فلا تتعلّق بنفسها ، فمعنى قول المصلّي أو قصده : «أُصلّي» عبارة عن الإتيان بمعظم أفعال الصلاة تسميةً للشيء باسم أكثره.
وعن الخامس : بأنّ المغايرة حاصلة بين جزء الماهيّة وكلّها ضرورةً ، كيد زيد ورأسه ، وركوع الصلاة وسجودها ، فإنّ المضاف خارج عن المضاف إليه ، فلا تلزم منه الشرطيّة.
وفي هذه الأجوبة نظر ؛ لأنّ مدّعي الشرطيّة لا يحتجّ بمجرّد توقّف التأثير على النيّة ، بل بالمجموع منه ومن التقدّم ، وظاهر أنّ الأمرين معاً لا يشارك الجزء فيهما الشرط ، وإنّما اتّفق الجواب هكذا ؛ لتعريف بعضهم الشرط بما يتوقّف عليه التأثير من غير قيد ، فكان الجواب عنه. والمصادرة إنّما تتمّ لو ادّعى الخصم أنّ أوّل الصلاة النيّة ، والآخر إنّ أوّلها
__________________
(١) المعتبر ٢ : ١٤٩.
(٢) الكافي ٣ : ٦٩ / ٢ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ١٠١ / ٢٧٥ و ٢٧٦ ؛ سنن أبي داوُد ١ : ١٦ / ٦١ ؛ سنن الترمذي ١ : ٨ ٩ / ٣ و ٢ : ٣ / ٢٣٨ ؛ سنن الدارقطني ١ : ٣٥٩ / ١ ، و ٣٧٩ / ١ ؛ سنن البيهقي ٢ : ٥٣١ / ٣٩٧١ ؛ مسند أحمد ١ : ٢٠٨ / ١٠٧٥.
(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٦٧٦ ، الهامش (٢).