الواجب (الثاني : النيّة) (وهي) إرادة الفعل المخصوص المتعبّد به مقارنةً له ، لله تعالى.
والأصل فيها قوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (١) ولا يتحقّق الإخلاص بدونها. وقوله عليهالسلام : «إنّما الأعمال بالنيّات» (٢) ومعناه أنّ الأعمال لا تكون معتبرةً بحيث يترتّب عليها أثرها بدون النيّة.
وقد أجمع على توقّف الصلاة عليها ، ولكن اختلف في كونها شرطاً لها أو جزءاً منها مع الاتّفاق على بطلان الصلاة بتركها عمداً وسهواً.
فذهب المصنّف إلى أنّها (ركن) فيها. والمراد بالركن ما تلتئم منه الماهيّة مع بطلان الصلاة بتركه مطلقاً ، كالركوع والسجود ، أو ما تشتمل عليه الماهيّة من الأُمور الوجوديّة المتلاحقة مع القيد المذكور. ولمّا كانت النيّة مقارنةً للتكبير الذي هو جزء وركن ويعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة من القيام والاستقبال والستر والطهارة وغير ذلك وتبطل الصلاة بتركها مطلقاً دلّ ذلك على ركنيّتها. ولقوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ) (٣) فإنّه اعتبر العبادة حالة الإخلاص ، وهو المراد بالنيّة. ولا يعتبر إلا ما كان منتظماً مع الشيء بحيث يشمل الكلّ حقيقة واحدة.
وفيه نظر ؛ إذ لا دلالة لوجوب المقارنة للجزء على كون المقارن جزءاً بإحدى الدلالات. واعتبار ما يعتبر في الصلاة جاز أن يكون بسبب وجوب المقارنة ، لا لكونه جزءاً ، فلِمَ قلتم بدلالته على الجزئيّة؟ وما الدليل على انحصار المشترط بالشروط المذكورة في الجزء؟ ودلالة اعتبار العبادة في حالة الإخلاص على عدم كون النيّة جزءاً أولى من دلالته عليه ؛ لأنّ الحال وصف خارج عن صاحبه ، وهو فضلة في الكلام ، فلو كان جزءاً ، كان عمدةً ، ومتى وجد الحال جزءاً من صاحبه حتى يصحّ هنا؟ ومن ثَمَّ ذهب المحقّق في
__________________
(١) البيّنة (٩٨) : ٥.
(٢) صحيح البخاري ١ : ٣ / ١ ؛ سنن أبي داوُد ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ؛ سنن البيهقي ١ : ٦٨ / ١٨١ و ٣٣٠ / ١٠٣١ ، و ٤٤٥ / ١٤٢٢ ؛ التهذيب ١ : ٨٣ / ٢١٨ و ٤ : ١٨٦ / ٥١٩.
(٣) البيّنة (٩٨) : ٥.