الشمس ليس من النهار ، لإضاءة القمر فيه. ودلّ على كمال الاختلاف بين الليل والنهار ، ولا اختلاف كذلك بين الليل وما قبل طلوع الشمس كما مرّ.
الحادي والثلاثون : لا ريب أنه للّيل طرفان : أوّل وآخر ، هما حدّاه ، يعقب طرفه الأوّل النهار ويعقب النهار طرفه الآخر ، فيجب تشابههما وتماثلهما ، وكذلك النهار له أوّل يعقب الليل ، وآخر يعقبه الليل يجب تشابههما وتماثلهما. ولا ريب ولا خلاف أن آخر النهار غروب الشمس ، فيجب بحكم التقابل أن يكون أوّله طلوعها ، وكذا لا ريب ولا خلاف أن أوّل الليل ما بعد غروب الشمس بلا فصل ، فيجب بحكم المقابلة والمشابهة ، بل التطابق أن يكون آخره ما قبل الطلوع بلا فصل ؛ لتشابه الوقتين من كلّ وجه ، فالحكم بأن الأُولى منه والأُخرى خارجة خارجٌ عن الصواب وتحكّم ، وحكم بالمضادّة ، بل المناقضة بين المتماثلين من كلّ وجه ، وبطلانه أظهر من أن يحتاج إلى بيان.
قال المجلسيّ : في ( البحار ) بعد أن ادّعى أن أوّل النهار طلوع الفجر ، واستدلّ عليه بما سنشير إليه إن شاء الله تعالى ـ : ( واستدلّ بعض الأفاضل على خلاف هذا المدّعى بقوله تعالى : ( يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) ، حيث قال : فقد قيل في تفسيره : إن الله تعالى يقلّب بالمعاقبة بينهما ، أو بنقص أحدهما وزيادة الآخر ، أو بتغيير أحوالهما بالحرّ والبرد والظلمة والنور وما يعمّ ذلك.
وعندي : كلّ هذه الوجوه خلاف الظاهر ، وفرق بين تقليب الشيء وتبديل الشيء بالشيء ومعاقبتهما. والظاهر من التقليب : جعل الصدر عجزاً وبالعكس ، وذلك إنما يتحقّق في كلّ واحد من الليل والنهار بالمعنى الذي ذكرناه حسب ، بناءً على أن في أوّل الليل الحمرة في جهة المغرب ، ثمّ يزداد الليل ظلمة وتزول الحمرة وتبقى الصفرة والبياض المعترض ، ثمّ البياض المرتفع إلى السماء ، ثمّ السواد المحيط بالآفاق. ويزداد الليل ظلمة وإن لم يظهر أثر الازدياد حتّى ينتصف الليل ، ويصير
__________________
(١) النور : ٤٤.