نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


المحقق: الشيخ أبو الحسن القائمي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-40-X
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٤٦٤

نفيه حقيقة لا ادعاء ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وإن كانت القضية إنشائية ، إما بمعنى نفي الحكم تشريعا ، حيث إنّ جعله وسلبه بيد الشارع ، أو بمعنى نفي الموضوع تشريعا ، فالنفي حقيقي لا ادعائي.

أما نفي الحكم فواضح وأما نفي الموضوع ، فانّ الموضوع في مرتبة موضوعيته للحكم مجعول بجعل الحكم بالعرض ـ لما مرّ منا غير مرة ـ أن حقيقة الحكم بالاضافة إلى موضوعه المتقوم به في مرحلة تحققه بحقيقة الحكمية من قبيل عوارض الماهية ، ومثل هذا العارض يكون ثبوت معروضه بثبوته ، فالحكم مجعول بالذات ، ومعروضه المقوم له مجعول بالعرض ، وجعله كجعل الحكم جعل بسيط ، وسلبه التشريعي كسلب الحكم سلب بسيط.

فان قلت : حيث إن جعل الموضوع تشريعا بعين جعل حكمه ، فكذا سلبه بعين سلب حكمه ، فاذا كانت القضية خبرية صح الاخبار عن سلب الموضوع بالعرض بنحو المطابقة ، وعن سلب حكمه بالذات بنحو الالتزام.

وأما إذا كانت القضية إنشائية ، فسلب الموضوع بالعرض لا يستقل بالوجود ، بل بعين سلب الحكم ، فمرجع القضية إلى إنشاء سلب الحكم بالمطابقة ، فيستتبع سلب موضوعه بالعرض بالالتزام ، وإلا فانشاء سلب الموضوع مستقلا وبالذات فهو غير معقول.

قلت : نعم سلبه حقيقة بالاستقلال غير معقول ، إلا أن إنشاء سلبه عنوانا وإنشاء سلب حكمه حقيقة ولبّا أمر معقول ، فسلبه الحقيقي سلب بالعرض ، لا سلبه الانشائي ، كانشاء الترخيص في التصرف قاصدا به التمليك ؛ فان الترخيص المتفرع على الملك حقيقة متأخر عن حقيقة الملك ، فلا يعقل تقدمه عليه.

إلا أن جعله إنشاء قاصدا به جعل الملكية حقيقة أمر معقول.

٤٤١

وحيث عرفت معنى نفي الموضوع تشريعا ، تعرف أنه لا حاجة إلى تخصيصه بما إذا كان الحكم سببا لوجود موضوعه في الخارج ، نظرا إلى استتباع نفيه التشريعي لنفيه تكوينا ، كاستتباع إثباته التشريعي لثبوته التكويني ، ولا محالة لا مجال له في مثل ( لا شك لكثير الشك ) ، فان نفيه التشريعي غير مستتبع لنفيه التكويني ، بل يتفرع على ثبوته.

ووجه عدم الحاجة : أن السلب إن كان متعلقا بالموضوع الخارجي أمكن إعمال نكتة نفي السبب بنفي مسببه ، وإن كان متعلقا بالموضوع في مقام موضوعيته فلا فرق بين موضوع وموضوع ، وإن لم يكن حكمه مستتبعا لوجوده في الخارج.

بل نكتة نفي الحكم بنفي موضوعه في مقام موضوعيته تشريعا أنسب من نكتة نفي السبب بنفي مسببه ، ضرورة أن الموضوع في مقام موضوعيته مجعول بنفس جعل حكمه ، وهما متحدان في الوجود ، فنفي الموضوع حقيقة عين نفي الحكم ، بخلاف السبب والمسبب ، فانهما متعددان في الوجود ، فنفي احدهما يستلزم نفي الآخر ، لا أن نفيه نفيه ، والمناسب للشارع ـ بما هو شارع أيضا ـ أن يكون جعله اثباتا ونفيا راجعا إلى حيثية شارعيته بالحقيقة.

ومما ذكرنا تبين أنه لا اختصاص لنفي الموضوع تشريعا بما إذا كان الموضوع من الماهيات المخترعة ابتداء أو امضاء ، فانها وغيرها في حيثية المجعولية بجعل الحكم عرضا على حد سواء.

مع أنه لا معنى لجعل الماهية من الشارع ، إلا جعلها في حيّز التكليف ، ولحاظ مجموع أمور وافية بغرض واحد لا يزيد على لحاظ موضوع الحكم ، لا أنه جعل للمركب.

نعم : كلّ لحاظ جعل الملحوظ تكوينا بالكون الذهني.

كما أن وجوده خارجا جعل تكويني من المكلف بالتكوين الخارجي.

٤٤٢

كما أن نفي الحكم بنفي موضوعه لا ينافى حكومة القاعدة على أدلة الأحكام ، بدعوى أن الدليل الحاكم إذا كان ناظرا إلى الموضوع الضرري ، المشمول للعمومات والاطلاقات المتكفلة للأحكام ، فمفاده تحديد موضوعاتها وتقييدها ، وسلب الحكم عن الموضوع الضرري منها ، فالسلب سلب تركيبي حينئذ.

مع أن ظاهر قوله عليه السلام ( لا ضرر ) هو السلب البسيط ، فلا بد في فرض الحكومة من نفي الحكم الضرري ، وسلب الحكم كجعله سلب بسيط ، فدليل اللزوم باطلاقه يعم ما إذا كان اللزوم ضرريا ، وقوله عليه السلام ( لا ضرر ) يقيده بغير صورة الضرر ، بنفي اللزوم الضرري.

ووجه عدم المنافاة أن جعل الموضوع في مقام موضوعيته ومقام مقوّميته للحكم ، كنفس جعل الحكم بسيط ، وكذا سلبه ، غاية الأمر أنه بالعرض ، فاذا كان سلب الوجوب الضرري بضررية موضوعه سلبا بسيطا ، فكذا سلب موضوعه المقوم له أيضا سلب بسيط بالعرض.

وكما أن نتيجة سلب الوجوب الضرري بسيطا ، تقييد الوجوب بما إذا لم يكن ضرريا بنفسه ، أو من قبل موضوعه ، فكذا نتيجة سلب الموضوع الضرري بسيطا تقييد الموضوع المقوم للحكم بغير صورة الضرر.

وبالجملة تحديد الثابت بالعموم أو الاطلاق موضوعا أو حكما يجامع بساطة السلب ، غاية الأمر أنه في الحكم بالذات ، وفي الموضوع بالعرض ، ولا يعقل أن يكون السلب الواحد بسيطا بالاضافة إلى الحكم ، ومركبا بالنسبة إلى الموضوع ، فان ما هو بالعرض نفس ما هو بالذات ، وإلا كان بالذات أيضا فتدبر جيدا.

* * *

٤٤٣

١٣٩ ـ قوله (قدّس سره) : ضرورة بشاعة استعمال الضرر وإرادة خصوص سبب (١) ... الخ.

وهو الحكم الناشئ منه الضرر إلا أنّ الضرر دائما ناشئ إما من الحكم او من الموضوع ، فنسبة كليهما إليه نسبة السبب إلى مسببه ، فارادة خصوص الحكم كارادة خصوص الموضوع.

نعم عنوان الضرر ، وإن كان قابلا لأن يراد منه الحكم الضرري أو الموضوع الضرري ، إلا أن سنخ هذا التركيب دائما متعلق بالموضوع دون الحكم كقولهم عليهم السلام : لا صلاة (٢) ولا صيام (٣) ، ولا بيع (٤) ، ولا عتق (٥) ، ولا طلاق (٦) ، ولا وطء (٧) وفي الكتاب العزيز ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ )(٨) وهكذا ، ولم نظفر بمورد واحد تعلق النفي صريحا بالحكم تكليفا أو وضعا ، فيقرّب إرادة نفي الموضوع الضرري.

ولمثله أيضا يبعد القول بارادة مطلق الأمر الضرري موضوعا كان أو حكما ، فان ملاحظة نظائره تقوي إرادة الموضوع الضرري ، لا خصوص الحكم ، ولا الأعم منه ومن غيره ، وإن كان إرادة الجامع بمكان من الامكان ، أما على ما سلكناه فواضح ؛ لأن النفي على أي حال حقيقي.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٨١.

(٢) عوالي اللآلي ٤ / ٣١٠.

(٣) المصدر السابق : ٣١١.

(٤) المصدر السابق : ٣٠٣.

(٥) المصدر السابق : ٣١١.

(٦) المصدر السابق : ٣١١.

(٧) المصدر السابق : ٣١١.

(٨) البقرة : ١٩٧.

٤٤٤

وأما بناء على أن نفي الموضوع ادعائي ، فلا مانع من كون النفي بالاضافة إلى بعض أفراد الجامع حقيقيا ، وبالاضافة إلى بعضها الآخر ادعائيا ، حيث لا تجوّز بعد الادعاء لا في الكلمة ولا في الاسناد.

بل الأمر كذلك إن كان نفي الموضوع باعتبار الأثر ، فان الاسناد إلى الحكم إسناد إلى ما هو له ، والى الموضوع الى غير ما هو له ، فربما يقال : بأن الجمع بينهما في اسناد واحد محال ، إلا أنا بينا (١) وجه التفصي عنه في حديث الرفع بناء على شموله للحكم والموضوع معا فتدبر.

١٤٠ ـ قوله (قدس سره) : او خصوص الغير المتدارك منه (٢) ... الخ.

سواء كان بنحو الاستعمال في الخاص مجازا ، أو إرادة الخاص بدالين ؛ فانه مع عدم القرينة ومع عدم الدال على الخصوصية ، لا موجب لرفع اليد عن اصالة الحقيقة ، وعن اصالة الاطلاق.

مضافا إلى أنه إنما يصح إذا كان مطلقه متداركا ، وإلاّ فتدارك البعض لا يصحح نفيه مطلقا.

مع أنه يختص بموارد التضمينات والتغريمات ، وأشباهها المتضمنة لتدارك المضارّ.

وأما ما عن شيخنا العلامة الانصاري (قدّس سره) (٣) من أن الضرر الخارجي إنما يصح تنزيله منزلة العدم ، بفعلية تداركه ، لا بالحكم بتداركه ، والمناسب لنفي الحقيقة هو الأول ، دون الثاني.

فمندفع بأن الضرر الناشئ من تلف العين ، إذا صح تنزيله منزلة العدم

__________________

(١) في التعليقة : ١٢.

(٢) كفاية الأصول : ٣٨٢.

(٣) قاعدة نفي الضرر. ضمن كتاب الطهارة : ٤١٨.

٤٤٥

بمالية أخرى مماثلة لمالية التالف ، بأداء المال خارجا ، كذلك باشتغال ذمّة المتلف بمالية مماثلة لماليتها ، فان المالية ـ على أي حال ـ محفوظة غير تالفة.

نعم ، مجرد التكليف بأداء المال لا يوجب انحفاظ المالية ، فالضرر على الأول متدارك باعتبار وجود مالية التالف في الذمة ، وعلى الثاني محكوم بالتدارك وأما التضرر الناشئ من عدم وصول المال بعينه أو ببدله ، فلا دخل له بالضرر الناشئ من تلف المال فان تداركه بوصوله إليه أو ببدل الحيلولة له.

وحيث عرفت أن الضرر الناشئ من التلف متدارك بمجرد التضمين المنحفظ به المالية ، تعرف أنه لا فرق بين أن يكون الضرر المنفي هو الضرر في عالم التكوين أو في عالم التشريع ، فان تكوين تداركه وتشريعه واحد باعتبار المالية في ذمّة الضار.

غاية الأمر إنه لا ضرر غير مضمون في عالم التشريع حقيقة ، ولا ضرر في عالم التكوين تنزيلا ، فتدبره جيّدا.

وأما ما يقال (١) ـ في دفع هذا الاحتمال ـ بأن الظاهر من موضوعات الأحكام ومتعلقاتها هي الهويات المعراة عن الوجود والعدم ، ومبنى هذا الاحتمال على فرض وجود الضرر ، لاقتضاء تنزيله منزلة العدم لفرض وجوده ، وكفى به مخالفة للظاهر.

فمدفوع : بأنّ التدارك ، وإن كان يقتضي تنزيل الموجود منزلة المعدوم ، إلا أن طبيعي الضرر المفروض وجوده ، كسائر الطبائع ، أخذ بنحو الموضوع في القضية الحقيقية ، فالموضوع هو الضرر المفروض الوجود ، الغير المنزل منزلة عدمه ، وهو أمر عنواني ، ربما يكون محققا في الخارج ، وربما لا يكون وهو الذي ورد عليه السلب.

__________________

(١) لم نعرف هذا القائل فيما يحضرنا من الكتب.

٤٤٦

مع أنه يمكن أن يقال : إن المنفي هو طبيعي الضرر ، لمكان تداركه بالتضمين ، لا أن المنفي هو الضرر الغير المتدارك ، ليتوقف على فرض الوجود.

وبين الجوابين فرق ظاهر ، فتدبره جيّدا.

١٤١ ـ قوله (قدّس سره) : وارادة النهي من النفي وان كان ليس بعزيز (١) ... الخ.

إرادة النهي من النفي ، كإرادة البعث من الجملة الخبرية ، فكما أن الإخبار بالوقوع كناية عن إرادة الوقوع ، بحيث جعل الوقوع مفروغا عنه ، كذلك الإخبار بعدمه كناية عن كراهة وقوعه ، وإرادة لا وقوعه ، حتى جعل عدمه مفروغا عنه ، فان الإخبار بالوقوع أو اللاوقوع يناسب البعث والزجر ، دون سائر الدواعي التي لا مساس لها بالوقوع وعدمه ، كداعي التهديد والتعجيز والتسخير وأشباهها.

وبتقريب آخر : حيث ان البعث مقتض لايجاد الفعل في الخارج ، فإن حقيقته جعل الداعي ، فهو إيجاد تسبيبي من المولى ، والزجر مقتض لعدمه ، وإعدام تسبيبي من المولى ، فيصح إظهار المقتضي بالإخبار عن مقتضاه ، إلى غير ذلك من البيانات التي قدمناها (٢) في الجزء الأول من التعليقة ، لا أن مفاد صيغة الماضي والمضارع مع الأمر والنهي مندرجة في جامع واحد ، وهو ايقاع التلبس بالمبدإ في عالم التشريع كما (٣) قيل ، لأن مفاد الأمر والنهي ، وإن كان

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٨٢.

(٢) الذي ذكره قده في الجزء الأول في مبحث الحمل الخبرية المستعملة في مقام الطلب في التعليقة ١٦١ و ١٦٣ هو التقريب الأول وأما التقريب الثاني وغيره من البيانات الأخر فلم يتعرض لها فيه فلعله قده ذكرها في غيره فهو بصدد أن البيانات تقدّمت في الجزء الأول لا أنها مذكورة في مبحث واحد.

(٣) القائل هو المحقق النائيني قده. منية الطالب ٢ : ٥ ـ ٢٠٤.

٤٤٧

إيجادا أو إعداما تسبيبيّا تشريعيا ، إلا أن مفاد صيغة الماضي والمضارع وقوع التلبس بالمبدإ في المضي أو في غيره ، لا الايقاع ، حتى يكون التفاوت بمجرد التشريع والتكوين فتدبر.

١٤٢ ـ قوله (قدّس سره) : إلا أنه لم يعهد من مثل هذا التركيب (١) ... الخ.

بل ربما لا يمكن إرادة النهي منه ، كقوله عليه السلام : ( لا ربا بين الوالد والولد ) (٢) وقوله عليه السلام : ( لا شك لكثير الشك ) (٣) وقوله عليه السلام : ( لا سهو في سهو ) (٤) واما عدم معهوديته من مثل هذا التركيب ، فغير مسلمة.

نعم ، لا موجب لرفع اليد عن ظهوره في نفي الحقيقة ، ولا تصل النوبة إلى إرادة النهي إلا مع عدم إمكان إرادة النفي ، كما قد يتفق أحيانا.

ولكن هنا شبهة ربما تقوّي إرادة النهي ، وهي أن الضرر عبارة عن النقص في النفس أو العرض أو المال ، فان النقص بأحد الوجوه المزبورة ضرر ، بالاضافة إلى من يضاف إليه الناقص ، ولعنوان الضرر قيام بنفس النقص قيام العنوان بالمعنون.

وأما بالنسبة إلى سبب النقص ـ موضوعا كان أو حكما ـ فلا قيام له به ؛ فان الصدق بالقيام بما يصدق عليه لا بالقيام عنه.

ولذا لا يوصف العلة بمعلولها ، بل بالوصف المنتزع عنه باعتبار ترتبه

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٨٢.

(٢) لم نجد الرواية بهذه العبارة في المصادر ، وإنما الموجود فيها : ليس بين الرجل وولده ربا. وسائل الشيعة ١٨ : ١٣٥ / ١ و ٣.

(٣) لم نجد الرواية بهذه العبارة في الوسائل ولا في جامع الأحاديث.

(٤) وسائل الشيعة ٨ : ٢٤١ / ٨.

٤٤٨

عليها ، فالسبب للضرر يوصف بعنوان المضر ، والضار والضائر ، لا بعنوان الضرر والضرار ، وظاهر الخبر نفي الضرر والضرار.

فالوضوء المضر واللزوم الضائر ، غير منفي بالخبر ، حتى يكون الثاني منفيا بنفسه تشريعا ، والأول منفيا إما بنفسه تشريعا ، أو يكون حكمه منفيا بنفي موضوعه مبالغة وادعاء.

وليس للضرر بعنوانه المنطبق على نفس النقص المسبب عن الوضوء أو عن اللزوم هذه الأحكام التكليفية أو الوضعية المتداول نفيها بالقاعدة ، بل ليس لايجاد الضرر بأسبابه المتولد عنها إلا الجواز المتوهم ، لو لا القاعدة ، ونفيه أو النهي عنه على حد واحد.

نعم ، ربما يستفاد من وقوعه في ذيل قضاء رسول الله صلّى الله عليه وآله بالشفعة ، وإثبات استحقاق تملك حصة الشريك بعد بيعها ، عدم تمحضه في النهي ، أو ما هو كالنهي ، لعدم مساس لهذا الذيل بالنهي ، حيث لا ريب في جواز البيع.

كما أنه ربما يستفاد النهي من وقوعه في ذيل قضاء رسول الله صلّى الله عليه وآله بأنه لا يمنع فضل الماء ليمنع فضل الكلاء حيث لا ريب في عدم ثبوت حكم وضعي ، ولا نفي حكم وضعي ، بل غايته كراهة منع ما يفضل من الماء.

إلا أن المظنون عدم وقوع هذه القضية منه ـ صلّى الله عليه وآله ـ في ذيل القضيتين ، كما هو ظاهر خبر عقبة بن خالد ، إذ القضايا النبوية المحكية في مسند أحمد بن حنبل كما شاهدناها غير مذيلة بهذا الذيل ، بل قوله : ( قضى أن لا ضرر ولا ضرار ) قضية برأسها ، وبينها وبين القضيتين المزبورتين من الفصل ما لا يخفى على المراجع اليها.

وقد استظهر بعض الأجلة ( قدّس سرهم ) (١) أن ما ورد في خبر عقبة بن

__________________

(١) هو المحقق الأجل شيخ الشريعة الاصفهاني قده ـ راجع رسالته في قاعدة لا ضرر ولا ضرار الفصل السابع : ٢٨.

٤٤٩

خالد عن الصادق عليه السلام في حكاية القضايا النبوية هو بعينه ما ورد في خبر عبادة بن الصامت الأنصاري ، المحكي في مسند أحمد بن حنبل ، وإن تفريق رواية عقبة بن خالد ـ على الأبواب المناسبة للقضايا ـ أوجب هذا التذييل من الأصحاب ، والله أعلم بالصواب.

١٤٣ ـ قوله (قدّس سره) : ثم الحكم الذي أريد نفيه بنفي الضرر (١) ... الخ.

حيث إن الظاهر من كل محمول مرتب على عنوان كون العنوان بما هو موضوعا لذلك المحمول ، فمفاد ( لا ضرر ) حينئذ نفي الحكم المرتب على الضرر بعنوانه ، أو نفي الحكم الضرري بذاته ، فيعارض ما دل على ثبوت الحكم لعنوان الضرر في الموضوعات الضررية بنفسها كما مر نظيره في رفع أثر الخطأ والنسيان بما هما خطأ ونسيان.

وقد قدمنا (٢) الكلام فيه في حديث الرفع.

وملخص ما ينبغي أن يقال في هذا المجال : إن مفاد ( لا ضرر ) إما نفي الحكم عن الضرر أو نفي الحكم بنفي موضوعه ، وهو الضرر ، كما استظهرناه من الخبر.

فان كان الأول ، فالضرر بعنوانه موضوع لنفي الحكم ، لا للحكم المنفي ، والموضوع بعنوانه له نحو من الاقتضاء لمحموله وإذا كان الضرر بعنوانه مقتضيا لنفي الحكم ، فمقتضى الثبوت غيره برهانا ؛ لان الشيء لا يكون مقتضيا لطرفي النقيض.

فحينئذ لا يعارض ما دل على الحكم المرتب على الموضوع الضرري

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٨٢.

(٢) في التعليقة : ١٥.

٤٥٠

بعنوانه.

وإن كان الثاني ، فموضوع الحكم المنفي بحسب الفرض هو الضرر ، كما هو ظاهر الخبر ، ولا يعقل أن يكون موضوع الحكم المنفي موضوعا للنفي ، وإلا لأفاد ضدّ المقصود لرجوعه إلى نفي النفي.

وحينئذ فيعارض ما دل على ثبوت الحكم للموضوع الضرري بما هو ضرري. ومنه يعلم أن ما ذكره شيخنا (قدّس سره) من البرهان ، وفرع عليه الجمع ، يناسب الأول ، مع أن مبني الكلام على الثاني ، وقد عرفت الكلام فيهما أصلا وفرعا.

والتحقيق : أن الظاهر من قاعدة الضرر والحرج وأشباههما ان المقتضي لنفي الحكم هو الضرر والحرج والخطأ وأشباهها ، فموضوع الحكم المنفي نفس ما يعرضه الضرر والحرج ونحوهما ، فنفي الحكم بنفي ذات ما يعرضه الضرر ، لا بنفي الضرر بما هو ضرر ، فلا فرق بين نفي الحكم عن الضرر ، ونفي الحكم بنفي موضوع يعرضه الضرر.

لا يقال : إذا كانت القضية خبرية صح نفي الحكم بنفي موضوعه ، فان معناه عدم جعل الحكم بعدم موضوعه المقوم له في مقام التشريع ، بخلاف ما إذا كانت القضية جعلية إنشائية ، فان عدم الحكم مجعول كثبوت الحكم ، فيحتاج إلى موضوع ، فكيف يعقل جعل عدم الحكم بجعل عدم الموضوع؟

لأنا نقول : نفس عدم الحكم حيث إنه جعلي ، فيحتاج إلى موضوع لنفس العدم المجعول.

وأما الحكم المنفي ، فليس له جعل حتى يحتاج إلى فرض موضوع مجعول ، لينافي نفيه بنفي موضوعه ، والمفروض أن الموضوع للحكم المنفي ذات ما يعرضه الضرر ، فلا منافاة بين فرض عدمه ، وفرض ثبوت الضرر المجعول موضوعا لجعل عدم الحكم.

٤٥١

١٤٤ ـ قوله (قدّس سره) : حيث إنه يوفق بينهما عرفا بان الثابت للعناوين (١) ... الخ.

توضيحه : أن قاعدة نفي الضرر ، تارة ـ تلاحظ بالاضافة إلى الأدلة المتكفلة لاحكام مترتبة على موضوعات ضررية بذاتها ، كالجهاد والزكاة وأشباههما.

وأخرى تلاحظ بالاضافة إلى الأدلة المتكفلة ، لما يترتب على الموضوعات التي ليست بذاتها ضررية ، لكنها باطلاقها تعم ما إذا عرضها الضرر.

وثالثة ـ بالاضافة إلى الأدلة الدالة على ثبوت الحكم للموضوع ، الذي يعرضه الضرر بالخصوص ، مع عدم كونه في حد ذاته ضرريا.

فنقول : أما بالنسبة إلى الطائفة الأولى :

فان كان المنفي هو الحكم الضرري ، فلا محيص عن التخصيص ، لأن اتصاف الحكم بالضررية من قبل ضررية موضوعه لا يختلف باختلاف ذاتية الضرر لموضوعه وعرضيته له ؛ فان اتصافه بها بلحاظ اقتضائه ، لايجاد موضوع ضرري بذاته أو بالعرض.

وإن كان المنفي هو الموضوع الضرري بأحد الوجهين المتقدمين ، فحيث استظهرنا رافعية الضرر ، واقتضاءه لنفي الحكم المقتضي لكون مقتضي ثبوته له غيره ، فلا محالة لا يعارض ما دل على حكم ثابت لموضوع ضرري بذاته.

لا يقال : إذا كان الضرر عرضيا ، وكان مقتضيا للنفي ، فاذا كان ذاتيا كان أولى بالرافعية واقتضاء النفي.

لأنا نقول : إذا كان الضرر عرضيا صح رفع الحكم لأجله أحيانا امتنانا ،

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٨٢.

٤٥٢

بخلاف ما إذا كان ذاتيا ولازما لذات الموضوع ، فان رفع الحكم لأجله يوجب إبطاله والقائه بالكلية ، ولا منة في تفويت المصلحة من رأسها ، فلا أولوية بل لا مساواة.

ومنه يعلم أن مقتضي النفي ، وان كان في الضرر الذاتي والعرضي على حد واحد قوة وضعفا ، إلا أن الامتنان يقتضي رعاية المقتضي العرضي ، دون الذاتي لما ذكرنا.

ولا يخفى عليك أن ما ذكرناه في وجه التخصّص (١) وعدم المعارضة أولى مما قيل (٢) ، بأن المراد نفي الضرر الزائد على طبيعة التكليف ، فانه قليل الفائدة ؛ اذ الموضوع ، وإن كان في غاية القوة من الضرر ، لم يكن زائدا على ما يقتضيه طبع التكليف به.

كما أن ما قيل (٣) : من أن تداركه بالمصالح الدنيوية أو الأجور الأخروية يخرجه عن الضررية.

مدفوع بأن مقتضاه لغوية نفي الضرر ؛ إذ ما من تكليف ضرري إلا وله مصلحة وامتثاله يترتب عليه المثوبة.

وكذا ما قيل (٤) : بأن إعطاء الحق لمستحقه لا يعد ضررا ، وبعد اعتبار الاستحقاق لارباب الحقوق المالية ـ إمّا عرفا أو شرعا ـ لا يكون الحكم بأدائها إلى أربابها ضرريا ، وإن دفع القذارات العرفية ببذل مال في تحصيله مما يتعارف

__________________

(١) كذا في الاصل ، والصحيح : التخصيص.

(٢) القائل هو المحقق النائيني قده. منية الطالب : ٢ / ٢١١ ، والمحقق النراقي قده. عوائد الايام : ٢٣.

(٣) القائل هو المحقق صاحب العناوين. في عناوين الاصول : ١ ـ ١٠٠.

(٤) القائل هو المحقق الهمداني قده. الفوائد الرضوية على الفرائد المرتضوية / ١٣١.

٤٥٣

عرفا ، ولا يعد ذلك ضررا وبعد كشف الشارع عن قذارة واقعية لا يعد الحكم بازالتها ولو ببذل المال ضرريا.

مدفوع بأن نفس اعتبار الاستحقاق والحكم باشتغال ذمة المكلف به حكم ضرري ، وإن كان ذا مصلحة عظيمة ، كما أن الضرر المالي ليس إلا الخسارة المالية ، وان كان حسنا عرفا وشرعا لتحصيل غاية مطلوبة ، فترتب الفائدة لا يخرج الخسارة المالية عن كونها نقصا ماليا وضررا.

وكذا ما قيل : من ترتب الضرر الأعظم على ترك امتثال التكاليف الضررية ، وما يجيء من قبل أعمال قاعدة الضرر ، لا يعقل أن ينفى بقاعدة الضرر.

مدفوع بأن ذلك من باب ترجيح ارتكاب أقل الضررين لدفع أكثرهما ، فيكون حسنا عقلا ، لا أنه ليس ذلك تكليفا ضرريا ، وليس ايجاب الجهاد والزكاة إلا بدليلهما ، لا بدليل نفي الضرر ، حتى لا يعقل شمول ( لا ضرر ) لمثل هذه التكاليف الضررية.

هذا تمام الكلام في الطائفة الأولى.

وأما بالنسبة إلى الطائفة الثانية ، فعن (١) شيخنا العلامة الأنصاري (قدّس سره) حكومة القاعدة على العمومات والاطلاقات الشاملة لصورة عروض الضرر ، إلا أن حكومتها على مسلكه (قدّس سره) تابعة لنظرها بمدلولها اللفظي إلى التكاليف المجعولة ، حتى يكون مفادها : أن الأحكام المجعولة مقصورة على غير صورة الضرر ، لا مجرد عدم تشريع حكم ضرري في الاسلام ، فانه معارض محض للدليل الشامل لصورة عروض الضرر.

وعن شيخنا العلامة الاستاذ (قدّس سره) كما في المتن حمل الأحكام

__________________

(١) فرائد الأصول المحشى ٢ : ١٧١.

٤٥٤

المترتبة على الأفعال بعناوينها الأولية على كونها اقتضائية ، وحمل القاعدة كغيرها من الادلة المتكفلة لأحكام العناوين الثانية على كونها فعلية ، مدعيا أنه مقتضى التوفيق العرفي بين أدلتهما.

وتوضيحه : أن المراد من الحكم الاقتضائي ، تارة هو الاقتضائي الثبوتي ـ وأعني به ثبوت الحكم بثبوت مقتضيه ـ ويقابله ثبوته بالفعل بثبوت مختص به في نظام الوجود. وأخرى هو الاقتضائي الاثباتي ، واعني به الحكم المرتب على الموضوع بطبعه ، من دون نظر إلى عوارضه ، من كونه ضرريا أو حرجيا أو غير ذلك. فمع عدم ذلك العارض يكون فعليا ، ومع وجوده يكون اقتضائيا ، لقيام الدليل على ثبوته لنفس ذات الموضوع ، فله اقتضاء ثبوته ، ومع عدم المانع يكون فعليا.

وقد بينا في غير مقام (١) : أن الاقتضائي ـ بالمعنى الأول بالدقة ـ لا معنى له ؛ اذ ليس المقتضي بمعنى السبب الفاعلي للحكم إلا الحاكم ، والمصلحة علة غائية ، وليس ذو الغاية ، وما ينبعث عنها في مرتبة ذات الغاية ومترشحا عنها ، ليكون ثبوته بثبوتها.

كما أن المصلحة ليست كالمادة القابلة للحكم حتى يكون الحكم ثابتا بثبوتها ، بنحو ثبوت المقبول بثبوت القابل.

نعم ، المصلحة ـ لمكان ترتبها على الفعل ـ إذا وجد في الخارج لها في مرتبة تقررها الماهوي استعداد ماهوي للدعوة إلى الحكم ، بحيث لو لم يكن هناك مانع لأثر وجودها العلمي في إيجاد الحكم ، فالايجاب مثلا له شأنية الوجود ، والفعل واجب شأني ، لكنه ليس هناك ثبوت لشيء بالذات حتى يكون ثبوتا بالعرض

__________________

(١) منها في مبحث حجية الظن نهاية الدراية ٣ : التعليقة : ١٤٥. ومنها في مبحث البراءة التعليقة : ٩ و ١١.

٤٥٥

للحكم ، فلا ثبوت للحكم بأي معنى كان.

مضافا إلى أن الكلام في الانشاء الموجود الذي يتكفله الدليل ، فلا ربط له بالثبوت العرضي. والانشاء المزبور لا محالة منبعث عن داع من الدواعي ، فانه بدونه غير معقول ، فيدور الأمر بين أحد امور :

إما الانبعاث عن داع الارشاد إلى بيان الملاك والمقتضي.

وإما الانبعاث عن داعي جعل الداعي بالاضافة إلى ذات الموضوع ، مع قطع النظر عن العوارض.

وإما الانبعاث عن داعي جعل الداعي اقتضاء ، بمعنى أن الحكم إذا كان له ملاك في جميع موارد ثبوت الموضوع ، فللبعث مقتضي الثبوت ، بمعنى الغاية الداعية ، فالانشاء لبيان هذا البعث الحقيقي سنخ وجوده نظير وجود المقتضى بوجود المقتضي ، فكما يمكن الانشاء بداعي جعل الداعي فعلا حيث لا مانع منه كذلك يمكن الانشاء بداعي جعل الداعي اقتضاء ، بحيث لو لم يكن هناك مانع لكان هذا الانشاء بنفسه مصداقا لجعل الداعي بالفعل ، ومع وجوده اقتضائي.

وهذه غاية ما يمكن أن يوجه به الحكم المنشأ بحمله على الاقتضائي.

وإلاّ فالانشاء بداعي بيان الملاك إرشاد ، لا دخل له بحقيقة الحكم ، ولا يمكن حمل التكاليف الشاملة لصورة الضرر على الارشاد ، إذ لا يختلف مفادها بالاضافة إلى مورد الضرر وغيره.

كما أن الانشاء بداعي البعث بالاضافة إلى الموضوع بذاته وبطبعه معناه الالتزام بعدم الاطلاق ولا كاشف ـ حينئذ ـ عن ثبوت الملاك حتى في مورد الضرر ، سواء قلنا بأن أدلة الأحكام بنفسها ظاهرة في الاقتضائية بهذا المعنى ، أو كان ذلك مقتضى الجمع بينها ، وبين القاعدة وأشباهها ، بخلاف ما ذكرناه أخيرا فانه حيث إنه إنشاء بداعي جعل الداعي فالمولوية محفوظة ، وحيث إنه جعل

٤٥٦

الداعي اقتضاء فلا ينافي الاطلاق لصورة الضرر.

نعم : الانشاء بهذا الداعي دقيق ، لا معنى لجعله مقتضى الجمع والتوفيق عرفا.

ويمكن أن يقال في وجه الجمع بين أدلة الأحكام ودليل نفي الضرر ، مع كون النسبة بينهما بالعموم من وجه : إن إطلاق دليل كل حكم بالاضافة إلى عروض الضرر وعدمه ، وإطلاق دليل نفي الضرر بالاضافة إلى موارده من الوضوء وغيره ، والثاني قابل لأن يكون مقيدا للأول دون العكس ، لأن غير مورد الضرر هو المتيقن من دليل كل حكم ، فيمكن أن يكون له إطلاق بالنسبة إلى عروض الضرر ، ويمكن أن لا يكون له إطلاق ، بل كان مقصورا على غير مورد الضرر ، بخلاف دليل نفي الضرر ، فانه متساوي النسبة إلى موارد أدلة الاحكام ، وليس بعضها متيقنا بالاضافة إلى بعضها الآخر.

فدليل نفي الضرر يصلح لأن يكون مقيدا لإطلاق كل واحد من أدلة الاحكام بقصره على غير مورد الضرر ، ولا يصلح دليل كل حكم لأن يكون مقيدا له بقصره على غير مورد ذلك الحكم ، لأنه تخصيص بلا مخصص ، وتقييده بالجميع إلغاء له بالكلية.

وبالجملة : فدليل نفي الضرر صالح للتصرف به في أدلة الأحكام ، ولا تصلح هي للتصرف بها فيه ، فتدبر جيدا.

ويمكن أن يقال : أيضا في وجه التقديم : أن الحكم إذا لم يكن له مقتضي الثبوت حتى في مورد الضرر ، فهو منفي بعدم المقتضي ، فلا معنى لنفيه امتنانا ، وإنما المناسب للنفي امتنانا ما إذا كان له مقتضي الثبوت ومقتضي النفي ، فيترجح مقتضي النفي في نظر المنان على عباده ، كما أنه لو لم يكن للحكم مقتضي الاثبات من إطلاق أو عموم كان الحكم منفيا فعلا بعدم قيام الحجة عليه ، من دون حاجة إلى نفيه تشريعا امتنانا ، فيعلم من قيام المولى مقام المنة على

٤٥٧

عباده بنفيه أنه في مقام تحديد مقتضي الاثبات بقصره على غير مورد الضرر والحرج ونحوهما.

وبهذا المقدار يمكن دعوى التعرض لحال أدلة الأحكام ، حتى يصح دعوى الحكومة ، لا النظر إليها بمدلوله اللفظي.

وأما الكلام بالنسبة إلى الطائفة الثالثة ، فلا محيص عن التخصيص لقوة مقتضي ثبوت الحكم ، ومقتضي إثباته.

إلا أن الكلام في ما ادعي من كثرة التخصيص ، الموجبة لوهن ظهور عموم القاعدة المحتاجة إلى جبر وهنه بعمل الأصحاب ، كما عن الشيخ المحقق الانصاري (١) (قدّس سره) أو دعوى خروج الخارج بعنوان واحد ، لئلا يكون التخصيص كثيرا ، فضلا من أن يكون أكثر.

وقد بينا (٢) ما فيهما عند التكلم في قاعدة الميسور ، فراجع.

نعم دعوى كثرة التخصيص في نفسها غير مسموعة.

توضيحه : أنا قد قدمنا (٣) أن الضرر عنوان لنفس النقص في المال أو العرض أو النفس ، ولا يكون عنوانا لسببه ؛ إذ المعلول لا يعقل أن يكون عنوانا لعلته ـ سببا كانت أو شرطا أو معدّا ـ بل العنوان المنتزع بلحاظه كعنوان الضائر أو المضر وصف للعلة.

وبعد تعميم الضرر لما يكون عنوانا لعلته نقول : إن العلة ، تارة تكون مقتضيا ، وأخرى شرطا ، وثالثة معدّا ، فاذا ترتب الضرر من دون وساطة شيء على علته بأحد الوجوه المزبورة كان مشمولا لقاعدة الضرر قطعا.

__________________

(١) فرائد الأصول المحشى : ٢ / ١٧٢.

(٢) التعليقة : ١٢١.

(٣) التعليقة : ١٣٦.

٤٥٨

وأما إذا توسط بين السبب المقدور ، أو الشرط كذلك ، أو المعد كذلك واسطة إلى أن انتهى الأمر إلى الضرر ، فشأن الواسطة المترتبة قهرا على العلة المقدورة شأن نفس الضرر المترتب عليها ، فحينئذ توصف بالاختيارية وتكون مشمولة للقاعدة.

وإن لم يكن للواسطة ترتب على العلة المقدورة ، فهي على قسمين :

أحدهما : ما إذا كان شرطا ، فإن الشرط لا ترتب له على مشروطه ، ولا على معده ، وإن توقف تأثيرهما عليه ، ففي الحقيقة الترتب الطبعي لهما عليه ، دون عكسه.

ثانيهما : ما إذا كان معدا آخر في عرض المعد المقدور ، فانه أيضا على الفرض لا ترتب له على المعد المقدور ، وبلحاظه يقال : بعدم استناد الضرر إلى موجد المقتضي ، أو موجد المعدّ المقدور.

أما الأول ، فالفعل الاختياري الذي يترتب عليه الضرر بواسطة بشرط غير اختياري ، لا يخرج المترتب عليه عن كونه مقدورا بالواسطة ، بسبب عدم اختيارية شرطه ، كما في إلقاء النار بالاختيار ، فان يبوسة المحل شرط ، فاذا حصل اليبوسة لا بالاختيار ، ولو بسبب النار لم يكن الاحراق المترتب على الالقاء خارجا عن الاختيار.

ومن الواضح أن المقتضي الاختياري يكون مقتضاه اختياريا ، ولو كانت شرائط تأثيره غير اختيارية.

وأما الثاني : فان كان عدم مقدورية الضرر لعدم كون معداته جميعا اختيارية ، فقد عرفت : أنه لا يجب أن يكون شرط تأثيره اختياريا فضلا عن معده.

ولذا لا شبهة في أنه إذا تقدم المعد الغير الاختياري ثم وجد المعد الاختياري ، كان المعلول المترتب عليهما اختياريا.

٤٥٩

وإن كان عدم المقدورية لمكان تأخر المعد ، الغير الاختياري الذي يترتب عليه الضرر.

ففيه : أن المناط تحقق التسبيب سواء تقدم المعد الغير الاختياري أو تأخر فتأجيج النار فيما إذا كان علوّ الهواء مترقبا يوجب الاستناد ، كما في التأجيج في صورة علوّ الهواء الموجب لالقاء النار على الحطب مثلا.

وإن لم يكن الهواء عاليا ولا في معرض العلو ، فلا تسبيب إلى الاحراق وإن اتفق علو الهواء ، فلا يدور التسبيب مدار اختيارية المعدات العرضية جميعا ، ولا مدار تأخر المعد الاختياري الذي يترتب عليه العلول.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم إذا تحقق التسبيب إلى الضرر ـ سواء كان بايجاد مقتضيه أو بايجاد شرطه أو بايجاد معده ـ كان مستتبعا لما يناسبه من الحكم تكليفا أو وضعا ، دون ما إذا لم يتحقق التسبيب ، وإن أوجد المقتضي أو الشرط أو المعد ، وليست العلة التوليدية قسما آخر من العلة ، في قبال المقتضي والشرط والمعد.

ومنه يتضح أن الموارد التي يتوهم فيها استناد الضرر ، ومع ذلك لا يقولون فيه بالضمان مثلا خارجة عن الضابط المذكور.

منها : ما إذا وعده بشيء على أن يهب ماله لرحمه ، فوهب ، ورجع الواعد عن وعده ، فانه أضره باذهاب ماله من يده بوعده.

ومنها : ما إذا تمتع امرأة ، فحبسه حابس إلى أن ذهبت مدة التمتع ، فانه إضرار من الحابس على المحبوس بذهاب ما بذله للتمتع.

ومنها : ما إذا تزوج بامراة جميلة أعطى عليها مهرا كثيرا ، فقتلها رجل ، فانه أضره باذهاب المهر الكثير هدرا.

ومنها : ما إذا اشترى دارا مثلا وأخذ عليه كتابا بشهادة الشهود ، فقتل الشهود رجل ، فانه أضره باسقاط كتابه عن الاعتبار ، الموجب من ذهاب ما له

٤٦٠