نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


المحقق: الشيخ أبو الحسن القائمي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-40-X
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٤٦٤

بالشرط المتأخر ، كما أفاده (قدّس سره) في مبحث (١) مقدمة الواجب ، أو بحكم (٢) العقل بلزوم المقدمة ولو قبل الوقت ، أو بحكم (٣) الشرع بلزوم التعلم نفسيا ، إنما تجدي في دفع الاشكال في المورد الأول ، لا في الثاني :

أما الوجوب المعلق أو المشروط بالشرط المتأخر ، فهو إنما يعقل إذا أمكن الانبعاث في ظرف العمل ، ومع الغفلة المانعة عن الانبعاث ، فلا يعقل البعث نحو العمل في الزمان المتأخر لفرض الغفلة المانعة.

وأما حكم العقل بلزوم المقدمة ، فهو إنما يعقل إذا أمكن امتثال ذي المقدمة ، وكان المانع عدم وجوب الاتيان بمقدمته ، فمع فرض لزومها عقلا لا مانع من ايجاب ذي المقدمة ، وأما إذا لم يعقل ايجابه لفرض الغفلة عنه ، فلا معنى لالزام العقل بمقدمة ما لا تكليف به ، لا فعلا ولا في ظرفه.

وأما وجوب التعلم نفسيا ، فان كان التعلم واجبا بذاته ـ كما في أصول العقائد ـ فلا محالة لا ربط له بالعمل في الوقت.

وأما إذا كان وجوبه نفسيا ، للتهيّؤ للعمل الواجب في ظرفه ، فمع عدم وجوبه في ظرفه للغفلة عنه ، لا معنى لايجاب التعلم من باب التهيؤ ، مع عدم وجوب ما يتهيأ له.

إلاّ أن يدّعى أن تفويت التكليف التام الاقتضاء في ظرفه بترك الفحص الموجب للغفلة المسقطة للتكليف ، أو تفويت المكلف به بسبب ترك التعلم ، مصحح للمؤاخذة على تفويت الغرض ، فإنه سد باب وصول المولى إلى غرضه اللزومي.

__________________

(١) كفاية الأصول : ١٠٣.

(٢) كفاية الأصول : ٣٧٦.

(٣) كفاية الأصول : ٣٧٧.

٤٢١

لكنه مختص بما إذا علم أن الغرض هكذا ، لا ما إذا كان بحيث لو تنجز التكليف من باب الاتفاق بعدم عروض الغفلة ، ولو بسبب ترك الفحص يكون الغرض لزوميا للمولى ، ومما لا بد له منه لا مطلقا.

فان قلت : إذا فرض أن الغفلة المانعة عن توجه التكليف في الوقت مستندة إلى ترك الفحص وترك التعلم ، فالوجوه المزبورة كلها جارية في المورد الثاني ايضا ؛ لأن عدم تمكن المكلف من الانبعاث في ظرف العمل مستند إلى الغفلة ، المستندة إلى ترك تحصيل المعرفة والتعلم.

والمفروض وجوب تحصيلهما لوجوب الفعل قبل الوقت ، فيستند عدم التمكن من الانبعاث إلى ترك المقدمة الواجبة ، ومثله لا يمنع من استحقاق العقاب على ترك الواجب في ظرفه ، ولو انقطع خطابه فيه للغفلة.

وكذا ايجاب التعلم والمعرفة من باب التهيؤ ليتمكن من امتثال الواجب في ظرفه ، والمفروض أنه لو حصّل المعرفة ، لما عرضه الغفلة عن التكليف ، فعدم ما يتهيأ له مستند إلى ترك الواجب من باب التهيؤ لا إلى غيره ، لئلا يعقل الايجاب من باب التهيؤ.

وكذا إلزام العقل بالمعرفة والتعلم من باب المقدمة ولو قبل الوقت ، لئلا يعرضه الغفلة الموجبة لفوات الواجب في ظرفه.

قلت : إذا فرض قبول الوقت للفحص والتعلم مع العمل ، فالفحص والتعلم قبل الوقت على جميع الوجوه ليس بأدون من الواجب الموسع.

فترك الواجب بترك مقدمته الواجبة التي لا تجب المبادرة اليها ، بل يعذر في تركها ، لفرض قابلية الوقت في حد ذاته لهما لا يوجب المؤاخذة على ترك الواجب ، ولا على ترك المقدمة الواجبة نفسا من باب التهيؤ ، كما عرفت وجهه.

فلا محيص في مثله إلا عن الدعوى التي قررناها.

كما أنه إذا لم نقل بالواجب المعلق ، وبالواجب المشروط بالشرط المتأخر ،

٤٢٢

وبالواجب النفسي ينحصر دفع الاشكال في المورد الأول ، بدعوى قبح تفويت الغرض اللزومي من التكليف أو المكلف به ، إذا كان الفعل تام الاقتضاء ، ولم يكن الوقت أو الشرط دخيلا في كونه ذا مصلحة. بخلاف ما إذا كان كذلك ، فان تفويته غير قبيح ، لأنه ليس من المنع عن وصول المولى إلى غرضه ، بل الى المنع (١) من صيرورته غرضا للمولى ، فتدبر.

١٢٩ ـ قوله (قدّس سره) : لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف (٢) ... الخ.

بأن يحكم بوجوب الصلاة المتمكن من جميع مقدماتها في وقتها الا المعرفة فلا محالة لا تجب المبادرة إلى ما عدا المعرفة من المقدمات ، إذ مع عدم القدرة في وقت الصلاة ينكشف عدم وجوبها ، بخلاف المعرفة ، فإنها تجب بوجوب الصلاة فعلا ولو لم يقدر على تحصيلها في وقت الصلاة ، وبمثله يندفع الاشكال عن وجوب الغسل قبل الفجر للصوم.

لكنه ينتقض بوجوب الوضوء قبل الوقت إذا علم بالقدرة عليه في الوقت ، مع أنه لا يجوز اتيانه بقصد الوجوب قبل الوقت.

ولا يمكن جعل القدرة في الوقت شرطا لوجوبه ، بنحو الشرط المقارن ؛ إذ المفروض الالتزام بالوجوب المطلق للصلاة فكيف يكون وجوب مقدماتها مشروطا؟

وأما تقييد الوضوء بالوقت كالصلاة حتى لا يكون مقدورا قبل الوقت ، فهو يدفع جواز إتيانه بقصد الوجوب ، لكنه لا يدفع تحصيل مقدماته قبل الوقت ، كنفس الصلاة.

ولا يندفع بجعل القدرة عليه قدرة حاصلة من باب الاتفاق ، فتحصيلها

__________________

(١) هكذا في الأصل ، والصحيح : بل المنع.

(٢) كفاية الأصول : ٣٧٦.

٤٢٣

غير لازم ، لأنه مناف لفرض قيدية حصولها بطبعها.

فان لازمه عدم صحة الوضوء بتحصيل القدرة عليه في الوقت أو قبله ، مع أنه صحيح قطعا.

١٣٠ ـ قوله (قدّس سره) : فلا محيص عن الالتزام بكون وجوب التعلم نفسيا (١) ... الخ.

لكنه لا يجدي إلا في وجوب هذه المقدمة ، دون بعض المقدمات التي لا بد من إتيانها قبل ذيها ، كالغسل قبل الفجر للصوم مع عدم وجوبه قبل الفجر.

ووجه الاشكال هو التسالم من الكل على انبعاث الوجوب المقدمي ، والارادة الغيرية من الوجوب النفسي ، والارادة النفسية ، والمعلول يستحيل تقدمه على علته.

والتحقيق : عدم الانبعاث والمعلولية بوجه لا بنحو الاقتضاء ، ولا بنحو الشرطية ، ولا بنحو الاعداد.

والكلام : تارة : في الوجوب والارادة ، وأخرى في مباديها من الملاءمة والميل والحب.

أما الكلام في الوجوب والارادة ، فمجمله أن المقدمة كما تكون مقدمة هنا على ذيها في الوجود ، كذلك الارادة المتعلقة بها ، المحركة للعضلات نحوها ؛ فانها الجزء الأخير من العلة التامة ، فلو كانت منبعثة عن إرادة ذيها التي هي الجزء الأخير من علته ، لزم إما انفكاك المعلول عن علته التامة ، أو تقدم المعلول على علته ، هذا في الارادة التكوينية.

وأما الارادة التشريعية ، فهي الجزء الأخير من العلة التامة للبعث والتشريع.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٧٧.

٤٢٤

ومن الواضح : أن الايجاب إيجاد تسبيبي من المولى لفعل عبده ، فكما أن وجود المقدمة وإرادتها مقدم على وجود ذيها وإرادته ، فكذا إيجادها التسبيبي بايجابها متقدم على ايجاده التسبيبي بايجابه ؛ إذ ليس الايجاب إلا جعل الداعي المحقق لارادة المكلف عند انقياده لمولاه ، فلا بد أن يكون محقق إرادة المقدمة متقدما على محقق إرادة ذيها ، فارادة المقدمة تشريعا أيضا متقدمة على إرادة ذيها تشريعا.

نعم : حيث إن الغاية المتأصلة في ذي المقدمة ، فهي بمحصلاتها ، ومنها إيجادها التسبيبي ، بمنزلة العلة الغائية لارادة المقدمة وايجادها التسبيبي.

فكما أن المكلف يوجد المقدمة مباشرة ليتمكن من ايجاد ذيها مباشرة.

كذلك المولى يوجدها تسبيبا ، ليتمكن من ايجاد ذيها تسبيبا.

وأما حديث انبعاث الارادة والوجوب ـ في المقدمة عن إرادة ذيها وايجابها ـ سواء كان بنحو انبعاث المقتضى عن مقتضيه ، أو المشروط عن شرطه ، أو المعدّ له عن معدّه.

فغير معقول إذ لا يتأخر المقتضي ولا الشّرط ولا المعدّ عن مقتضاه ومشروطه والمعدّ له.

مضافا إلى أن ترشح ذات الإرادة عن مقام ذات إرادة أخرى ـ فضلا عن انبعاث الوجوب الاعتباري عن مقام ذات وجوب اعتباري آخر بنفسه ـ غير معقول.

وأما الكلام في مبادي الارادة ، فمختصره أن انبعاث الحب التبعي ، عن الحب الذاتي أو الميل التبعي عن الميل الذاتي ، بنحو انبعاث المقتضى عن المقتضي قد عرفت أخيرا أنه غير معقول.

إذ لا يتصور اشتمال ذات صفة الحب المتعلق بشىء على ما وراء ذاتها وذاتياتها ، كي يترشح من مقام ذاتها صفة مثلها إلى مقدماته.

٤٢٥

فلو أمكن دخل الحبّ الأصلي في الحب التبعي ، لكان إما بنحو الشرطية أو بنحو الاعداد ، والشرط ليس إلا ما يصحح فاعلية الفاعل ، أو ما يتمم قابلية القابل ، والمعد ليس إلا ما يقرّب الأثر إلى مؤثره والمعلول إلى علته.

وكلاهما في مورد يكون له سبب ومقتض يترشح الميل والحب منه حتى يتوقف على ما له دخل في تأثيره أو على ما يقرب الاثر من مؤثره.

ومن الواضح : أن أصل حب الذات لذاته ولما يلائم ذاته ، أمر فطري طبعي جبلي ، لا لاقتضاء أمر خارج عن ذاته ، حتى وجود ما فيه فائدة عائدة إلى جوهر ذات الفاعل ، أو إلى قوة من قواه ، لا بوجوده الخارجي ولا بوجوده العلمي :

أما وجوده الخارجي ، فهو منبعث عن حبه له ، فكيف ينبعث حبه عنه؟

والتذاذ النفس بتأثرها ـ أو تأثر قوة من قواها بنيل المحبوب ـ لا دخل له بالحب ، بل هو أمر متأخر عن وجود ما يوجب الالتذاذ.

وأما وجوده العلمي ، فلأنه تصديق بكون الشيء محبوبا بالجبلة والفطرة ، لا موجب لحبه بالفطرة ، فلو لم يكن ما فيه الفائدة محبوبا بالجبلة والفطرة لم يوجب تصوره والتصديق به حبه له ، بل الحب الكلي الجبلي يتخصص بهذا الجزئي ، بعد تصوره وتصديقه ، لا أنه مقتض لتحققه ومما يترشح منه.

فاذا عرفت منشأ الحب في نفسه ، فنقول :

الاشياء تتفاوت في محبوبيتها بالفطرة ، فبعضها محبوب بذاته لما فيه من الفائدة العائدة إلى الشخص ، وبعضها محبوب لكونه مما يتوصل به إلى المحبوب الذاتي ، فتصور المقدمة تصور ما هو محبوب توصلي ، لا موجب له.

فمنشأ الحب واحد ، لكنه تارة بالذات ، وأخرى بالعرض ، لا أن هناك مقتض لوجود الحب التبعي ، ويتوقف تأثيره أو قربه إليه على وجود الحب الذاتي ، فمقدمة المحبوب محبوبة بالفطرة ، والحب الذاتي بمنزلة علل القوام

٤٢٦

للمحبوب التبعي فيكون الحب الذاتي الجزئي بالاضافة إلى أمر خاص متقدما طبعا على الحب التبعي.

كما في كل شيء متقوم بجزءين ، فان الجزءين في مقام الذات لهما التقدم بالماهية والتجوهر على الذات ، ولهما التقدم الطبعي عليها في الوجود ، لا العلية بنحو الاقتضاء ، أو بنحو الشرط ، أو بنحو الاعداد. فتدبره فانه حقيق به.

١٣١ ـ قوله (قدّس سره) : بل للتهيؤ لايجابه ، فافهم (١) ... الخ.

إن كان ملاك الوجوب النفسي عدم انبعاثه عن وجوب غيره ، كان الايجاب للتهيؤ داخلا في الايجاب النفسي ، كما أفاده (قدّس سره).

وإن كان ملاك الوجوب النفسي كون متعلقه حسنا بنفسه ـ وإن كان الغرض منه التوصل إلى غرض مطلوب بذاته ، كما هو مبناه (قدّس سره) وبه دفع الاشكال عن الواجبات النفسية ـ ، فايجاب التعلم والمعرفة لا يدخل في الوجوب النفسي ؛ لأن عنوان التهيؤ ليس حسنا بنفسه ، بل حسنه مقدمي لتمكين المولى من تحصيل غرضه الأصيل بالبعث إليه ، ولعله لذا قال (قدّس سره) فأفهم.

١٣٢ ـ قوله (قدّس سره) : إن قلت : كيف يحكم بصحتها ، مع عدم الأمر بها (٢) ... الخ.

توضيح المقام : أن الاشكال هنا من وجوه :

أحدها : في استحقاق العقاب بمجرد ترك القصر في زمان ، فان ظاهر المشهور عدم لزوم الاعادة ، مع بقاء الوقت وارتفاع الجهل ، مع أنه لا عقاب إلا على ترك الواجب في تمام الوقت.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٧٧.

(٢) كفاية الأصول : ٣٧٧.

٤٢٧

ثانيها : في اتصاف الاتمام بالصحة والتمامية ، مع أنه ان لم يكن بها أمر ، فما معنى الصحة ، وهي موافقة الأمر.

وإن كان بها أمر لزم أن يكون على المكلف صلاتان في وقت واحد ، مع أن فريضة الوقت واحدة.

ثالثها : من حيث عدم اجتماع استحقاق العقاب على ترك القصر ، ولو مع استمرار الجهل إلى آخر الوقت ، مع صحة الاتمام ؛ لأن الاتمام إن كانت واجدة لمصلحة القصر ، فهي مجزية عنها ، فما معنى استحقاق العقاب على تركها؟

وإن لم تكن واجدة لمصلحتها ، فما معنى عدم وجوب إعادة القصر؟ وما معنى توصيفها بالتمامية بقوله عليه السلام ( تمت صلاته ) فان ظاهر السؤال والجواب اداء فريضة الوقت ، والفراغ عنها بفعل الاتمام جهلا.

وأعلم أن ما أفاده (قدّس سره) في مقام الجواب باشتمال الاتمام على مصلحة القصر ، بمقدار لا يبقى معه مجال لاستيفاء بقية المصلحة اللزومية واف بدفع الاشكال من جميع الوجوه ، فان الصحة والتمامية من حيث قيامها بملاك الأمر بالقصر ، لا من حيث الأمر بها بالخصوص.

ولذا صح توصيفها بالتمامية من حيث إسقاط فريضة الوقت ، وعدم وجوب إعادتها.

وحيث إن المقدار الباقي غير قابل للاستيفاء ، صح عدم ايجاب الاعادة ، واستحقاق العقاب على تركه.

١٣٣ ـ قوله (قدّس سره) : وإنما لم يؤمر بها لأجل أنه أمر بما كانت (١) ... الخ.

ظاهره (قدّس سره) أن الأمر بالقصر مانع عن الأمر بالاتمام.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٧٨.

٤٢٨

بيانه : أن الأمر بالاتمام ، مع فرض الأمر بالقصر بأحد وجوه : إما بنحو الأمر التعييني أو بنحو الأمر التخييري أو بنحو تعدد المطلوب أو بنحو الترتب أو بنحو الأمر بالطريق ، بعد الأمر بالواقع ، والكل لا يخلو عن محذور.

أما الأمر التعييني بهما ، فهو خلاف الاجماع والضرورة ، لوضوح أنه لو أتى بالقصر لما كان عليه شيء أصلا ، لا تكليفا ولا وضعا.

وأما الأمر التخييري ، فلأن الاتمام : إن كان وافيا بتمام مصلحة القصر صحّ التخيير إلا أن لازمه عدم العقاب على ترك القصر مع فعل الاتمام ، كما في كل واجبين بنحو التخيير ، والمفروض العقاب على ترك القصر.

وإن لم يكن وافيا بتمام مصلحتها لم يصح التخيير ؛ إذ التخيير بين التام والناقص غير معقول ، لعدم البدل للمقدار الزائد.

وأما الأمر بهما بنحو تعدد المطلوب ، فغاية تقريبه : أن طبيعي الصلاة مشتمل على مصلحة لزومية ، والطبيعي المتخصص بخصوصية القصر مشتمل على مصلحة لزومية أخرى.

ولا يلزم منه اجتماع أمرين في القصر ، بل ينبعث من المصلحتين فيها إرادة أكيدة ، وينبعث منها ايجاب أكيد ، فالاتمام من حيث كونها فرد طبيعي الصلاة المطلوبة مطلوبة.

والجواب أن الارادة المنبعثة عن المصلحتين في القصر ، وإن كانت واحدة والايجاب المنبعث عنها كذلك ، إلا أن الطبيعي المنطبق على الاتمام لا بد من أن يكون مأمورا به بأمر آخر.

بداهة أن وجوب الحصة المتخصصة بالقصر غير الحصة المتخصصة بالاتمام ، فلا تسري المطلوبية والبعث منها إليها.

ومن الواضح أيضا : أن الامر بالاتمام ليس أمرا بها بما هي إتمام ؛ إذ لا خصوصية لحدّها ، كحد القصر ، بل الأمر بها من حيث الأمر بطبيعي الصلاة ،

٤٢٩

المنطبقة على الاتمام وعلى القصر ، فيلزم سريان الأمر إلى القصر أيضا كالاتمام. فيلزم توجه بعثين نحو القصر ، أحدهما بجامعها ، والآخر بما هي خاص. ولا يعقل مع تعدد البعث حقيقة تأكده ؛ إذ لا اشتداد في الاعتباريات ، بل فرض إرادة أخرى ـ مغايرة لارادة الحصة المتغايرة مع الجامع ـ توجب عدم تأكد الارادة ؛ إذ الارادة بعد الارادة لا توجب التأكد ، بل توجب اجتماع المثلين كما لا يخفى.

هذا إذا كان الأمر بالجامع والأمر بالقصر بنحو التعيين.

وأما بنحو التخيير ، فغير معقول في نفسه ، لأن التخيير بين الكلي وفرده غير معقول ، لأول الأمر إلى التخيير بين الشيء ونفسه.

وأما الأمر بالاتمام ـ بنحو الترتب على معصية الأمر بالقصر ـ بناء على معقولية الترتب في نفسه ، كما اخترناه في محله ، فهو غير صحيح أيضا ؛ إذ العصيان المنوط به الأمر بالاتمام ، إما بترك القصر في تمام الوقت أو بامتناع تحصيل الغرض منه ، والمفروض بقاء الوقت ، كما أن المفروض عدم امتناع الملاك إلا بوجود الاتمام بالتمام ، حتى يترتب عليه المصلحة التي لا يبقى معها مجال لاستيفاء بقية المصلحة المترتبة على فعل القصر ، فلا أمر بالاتمام مقارنا لفعله المقارن لعصيان الأمر بالقصر بأحد الوجهين.

وأما الأمر بالاتمام على حد الأمر بالطريق ، فتارة يكون الأمر بالاتمام مرتبا على الجهل بالتكليف الواقعي ، على حد سائر الاحكام الظاهرية ، وأخرى يكون مرتبا على اعتقاد المكلف للأمر بالاتمام :

فان كان الأول ، فمع كونه خلاف المتفق عليه ؛ إذ لا يقول أحد بأن المتردد في تكليفه من حيث القصر والاتمام يجب عليه الاتمام.

يرد عليه : أن هذا التكليف الظاهري ، إن كان مطلقا من حيث الفحص عن التكليف الواقعي ، فما وجه العقاب على ترك القصر؟

وإن كان مقيدا بالفحص ، فلا تكليف بالاتمام قبل الفحص ، فإمّا لا

٤٣٠

تكليف بالاتمام أو لا عقاب على ترك القصر.

وإن كان الثاني ، ففيه : أن الأمر ـ في فرض اعتقاد الأمر ـ غير معقول ، لأن الانشاء بداعي جعل الداعي لا يترقب منه إلا الدعوة ، فمع فرض الأمر في اعتقاد المكلف ، لا يعقل ترتب هذا الغرض ، فيلغو البعث في نظره ، بل لا يتمكن من تصديقه.

مضافا إلى أن الاتمام ، لو كان ذا مصلحة بدلية عن مصلحة القصر بحدها ، فلا معنى لاستحقاق العقاب على ترك القصر.

وإن لم يكن ذا مصلحة تامة ، بل بحيث يمكن استيفاء الباقي بالقصر ، فلا موجب لعدم الاعادة مع بقاء الوقت.

وإن لم يمكن استيفاء الباقي بسبب فعل الاتمام ، فتركه مقدمة لفعل القصر على وجه يؤثر في المصلحة التامة ، فتركه واجب.

وما وجب تركه يستحيل وجوب فعله وإن لم يحرم فعله فوجوب الاتمام ـ بنحو يجتمع مع عقاب تارك القصر ـ غير معقول.

وسيجيء (١) ـ إن شاء الله تعالى ـ وجه مقدمية ترك الاتمام لفعل القصر المحصل للغرض.

ويمكن تقريب المنع عن الأمر بالاتمام بوجه آخر ، بلحاظ المصلحة المقتضية لوجوبه ، فنقول :

مصلحة القصر والاتمام ، إما متضادتان ، واما متماثلتان ، وعلى فرض التماثل ، إما بنحو يمنع المحل عن قبولهما معا ، أو بنحو يقبلهما لقبول التأكد ، وعلى كلا التقديرين ، إما متساويتان ، أو متفاوتتان من حيث التمامية والنقصان :

فان كانتا متضادتين ، فلا يعقل الأمر بهما تعيينا لاستحالة اجتماع

__________________

(١) في التعليقة : ١٣٥.

٤٣١

الضدين ، فلا بد من الأمر بهما تخييرا ، فيصح كل منهما ، ولا معنى للعقاب على ترك القصر مع فعل الاتمام.

وإن كانتا متماثلتين ، مع عدم قبول المحل لهما ، فلا يعقل الأمر بهما تعيينا أيضا ؛ لاستحالة اجتماعهما على الفرض ، وحينئذ : إن كانتا متساويتين وجب الأمر بهما تخييرا ، ويسقط عقاب ترك القصر بفعل الاتمام. وإن كانتا متفاوتتين استحال التخيير بينهما ، لاستحالة التخيير بين التام والناقص.

وإن كانتا متماثلتين مع قبول المحل لهما بالتأكد ، وكانتا تامتين أو متفاوتتين وجب الأمر بهما تعيينا ، فلا معنى لعدم وجوب إعادة القصر ، بعد فعل الاتمام وبقاء الوقت.

١٣٤ ـ قوله (قدّس سره) : لا يبقى مجال لاستيفاء المصلحة التي كانت (١) ... الخ.

يمكن أن يقال : إن امتناع استيفاء بقية المصلحة ، إنما هو بسبب حصول المصلحة القائمة بالاتمام بمجرد فعله.

مع أن مقتضى ما سلكه (٢) (قدّس سره) في محله ـ من إمكان تبديل الامتثال بالامتثال لعدم كون الفعل علة تامة لحصول الغرض ، فله تبديل الامتثال بامتثال أو فى بالغرض ـ وجوب التبديل تحصيلا للغرض اللازم المراعى على الفرض ، فكيف يجتمع مع هذا المسلك مع (٣) امتناع الاستيفاء بمجرد وجود الفعل المقتضي لحصول الغرض؟

وما سلكه (قدّس سره) وإن كان لا ينافي ورود الدليل على كون الفعل

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٧٨.

(٢) كفاية الأصول : ٨٣.

(٣) كذا في الاصل ، والظاهر زيادتها.

٤٣٢

علة تامة لحصول الغرض ، فلا يستحب الاعادة ، إلا أن الفرق بين الاتمام في مورد وجوبه في نفسه ، والاتمام في موضع القصر بذلك مستبعد جدا.

بل لا أظن أن يقول أحد بعدم استحباب إعادة الاتمام حتى في هذا المورد جماعة.

فيعلم منه بناء على هذا المسلك أن الاتمام المأتي به أولا لم يكن علة تامة للغرض.

وكونه علة تامة له إذا تعقبه القصر ، وعدم كونه علة تامة إذا تعقبه الاتمام ، لا معنى محصل له.

إلا أن يقال : إن في القصر مصلحتين :

احداهما قائمة بذات الصلاة ، وأخرى بأول وجود منها ، يؤتى به في مقام أداء فريضة الوقت ، فالاتمام المأتي به أولا مفوت لمحل تلك المصلحة.

فالاتمام وإن أمكن إعادته ، لتحصيل الغرض من طبيعي الصلاة بوجه أوفى ، إلا أن محل تلك المصلحة الأخرى ، حيث إنه أول ما يؤتى به بعنوان أداء فريضة الوقت ، فلا يمكن استيفاء تلك المصلحة القائمة بالقصر.

ويشكل بأن لازمه عدم اشتمال القصر المأتي به ثانيا بعد إتيانه بنفسه أولا على تلك المصلحة ، بل على مصلحة طبيعة الصلاة فقط ، مع أن استحباب الاعادة أو المعادة ، لا يختص بخصوص تلك المصلحة. والله العالم.

١٣٥ ـ قوله (قدّس سره) : غايته أن يكون مضادا له ، وقد حققنا في محله (١) ... الخ.

لا يخفى عليك أن المحقق في محله عدم مقدمية الضد ، لعدم ضده ، وعدم الضد لوجود ضده ، لا عدم المقدمية بين سببي الضدين فانّ سبب أحد الضدين

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٧٨.

٤٣٣

في مقام تأثيره منوط بعدم سبب ضده ، لتزاحمهما في التأثير ؛ إذ لو كان السبب وحده لأثر في مسببه ، فلا يكون عدم تأثيره مع وجوده ، كما لو كان وحده إلا لخلل في عليته التامة ، وإلا لزم انفكاك المعلول عن علته التامة ، ولا خلل إلا لفقد المقتضي أو المعد ، والمفروض وجودهما ، فالخلل في شرط تأثيره ، وهو عدم المانع المزاحم له في تأثيره.

ومن الواضح : أن المتضادين بالذات هنا هما المصلحة القائمة بالاتمام ، والمصلحة القائمة بالقصر ، بمعنى تعاندهما في الوجود ، لعدم قبول المحل لهما ، والاتمام والقصر سببان للضدين ، وليس حالهما حال الصلاة والإزالة ، فانهما متضادان من حيث ذاتهما ، لعدم قابلية الزمان لهما معا ، فاذا فرض سببية الاتمام والقصر ، فعدم كل منهما شرط لوجود الآخر على صفة التأثير في المصلحة.

وحيث إن القصر أهم ، فوجوده منوط بعدم سبق الآخر في الوجود ، فعدم الاتمام بعد ما كان شرطا ، فهو واجب ، فلا يعقل أن يكون تركه أيضا واجبا.

وعليه فيبقى الكلام في حرمته ومبغوضيته المولوية حقيقة.

ومن البين ان ترك الواجب ليس بحرام ، حيث لا ينحل كل حكم تكليفي إلى حكمين فعلا وتركا ، بل ترك الواجب ، حيث إنه ترك ما يجب فعله يستحق عليه العقاب ، فلا يمكن التقرب من هذه الجهة ، إذ المبعّد لا يكون مقرّبا.

لا يقال : يكفي في مقامنا هذا المقدار ، وإن لم يكن فعل الاتمام بحرام.

لأنا نقول : تارة يلاحظ مقدمية فعل الاتمام لترك القصر ، وأخرى يلاحظ مقدمية ترك الاتمام لفعل القصر :

فان لوحظت الأولى فالجواب منع المقدمية ، لأن ترك القصر وإن كان مبعّدا ، لكن الترك لا يحتاج إلى فاعل وقابل ، حتى يتوقف على الشرط المصحح لفاعلية الفاعل أو المتمم لقابلية القابل.

فلا يعقل أن يكون فعل الاتمام شرطا لترك القصر ، وعدم كونه سببا

٤٣٤

ومقتضيا أوضح ، لأن العدم لا يترشح من الوجود.

وإن لوحظت الثانية فالجواب أن ترك الاتمام شرط حيث إن القصر ، لا يعقل تأثيره إلا مقترنا بعدم الاتمام المزاحم له في تأثيره ، إلا أن ترك هذا الشرط ترك الواجب المقدمي وهو مبعد تبعي.

فترك ترك الاتمام هو ترك الشرط الواجب ، لا فعل الاتمام ، وفعل الاتمام ملازم لترك الواجب ، فهو ملازم للمبعد ، ولازم المبعد لا يسري إليه المبعدية ، كما لا تسري الحرمة الى لازم الحرام ، بل لا بد من المقدمية في السراية.

وقد عرفت عدم مقدمية فعل الاتمام لترك القصر الذي يكون مبعدا ، وانتساب البعد إليه بالعرض لا أثر له ، وإلا لم تكن حاجة في مسالة الضد إلى تكلف مئونة إثبات المقدمية. فتدبره جيّدا فإنّه حقيق به.

* * *

٤٣٥

قاعدة نفي الضرر

١٣٦ ـ قوله (قدّس سره) : واما دلالتها فالظاهر أن الضرر هو ما يقابل النفع (١) ... الخ.

ظاهر أهل اللغة أن تقابل الضرر والنفع تقابل التضاد ، وظاهر شيخنا الاستاذ (قدّس سره) أن تقابلهما تقابل العدم والملكة ، ولا يخلو كلاهما عن محذور :

أما الأول ، فواضح ؛ إذ ليس الضرر المفسر بالنقص في النفس أو المال أو العرض أمرا وجوديّا ، ليكون مع النفع الذي هو أمر وجودي ، متقابلين بتقابل التضاد.

وأما الثاني ، فلأن النفع هي الزيادة ، العائدة إلى من له علاقة بما فيه الفائدة ، العائدة إليه ، وعدمها عدم ما من شأنه أن يكون له فائدة عائدة.

إلا أن عدم النفع ليس بضرر ، والضرر هو النقص في الشيء ، وهو عدم ما من شأنه التمامية ، فهو عدم التمامية ، لا عدم الزيادة ، ليكون مقابلا لها ، بتقابل العدم والملكة ، وعدم الزيادة ليس بنقص حتى يرجع إلى الضرر.

نعم ، النقص والزيادة متقابلان ، بتقابل العدم والملكة بالعرض ، لأن الزيادة تستدعي بقاء المزيد عليه على حده الوجودي ، فالنقص بمعنى عدم بقائه على صفة التمامية يستلزم عدم الزيادة ، فيقابل الزيادة بالعرض.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٨١.

٤٣٦

١٣٧ ـ قوله (قدّس سره) : كما أن الأظهر أن يكون الضرار بمعنى الضرر (١) ... الخ.

لا يخفى عليك أن الضرار ، وان كان مصدرا لباب المفاعلة ، وهو ـ كما في المتن ـ الأصل فيه أن يكون فعل الاثنين ، كما هو المشهور.

إلا أنه لا أصل له ، كما تشهد له الاستعمالات الصحيحة الفصيحة القرآنية وغيرها ، فان فيها ما لا يصح ذلك ، وفيها ما لا يراد منه ذلك كقوله تعالى ( يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) (٢) فان الغرض نسبة الخديعة منهم إلى الله ، والى المؤمنين ، لا منهما إليهم أيضا وقوله تعالى ( وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) (٣) و ( يُراؤُنَ ) (٤) ( وَنادَيْناهُ ) (٥) و ( نافَقُوا ) (٦) و ( شَاقُّوا ) (٧) و ( مَسْجِداً ضِراراً ) (٨) ( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً ) (٩) و ( لا تُؤاخِذْنِي ) (١٠) إلى غير ذلك.

ومن الاستعمالات عاجله بالعقوبة ، وبارزه بالحرب ، وباشر الحرب ، وساعده التوفيق ، وخالع المرأة ، وواراه في الأرض ، فان جميع ذلك بين ما لا يصح

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٨١.

(٢) البقرة : ٩.

(٣) النساء : ١٠٠.

(٤) النساء : ١٤٢.

(٥) مريم : ٥٢.

(٦) آل عمران : ١٦٧.

(٧) الانفال : ١٣.

(٨) التوبة : ١٠٧.

(٩) البقرة : ٢٣١.

(١٠) الكهف : ٧٣.

٤٣٧

فيه إرادة الانتساب إلى الاثنين ، وما لا يراد منه ذلك.

مع أنهم فرقوا بين المفاعلة والتفاعل بعد الاشتراك في التقوم بفعل الاثنين ، بالانتساب إليهما بالأصالة والصراحة في الثاني ، وبالأصالة إلى أحدهما والتبعية إلى الآخر في الأول.

مع أنه غير معقول ، والوجه فيه : أن كل هيئة لا تكون موضوعة إلا بازاء نسبة خاصة من النسب ، فليس مفاد هيئة ( تضارب زيد وعمرو ) نسبة ضرب زيد عمروا ونسبة ضرب عمرو زيدا ، بل ضرب كل منهما للآخر لوحظ نسبة واحدة بينهما ، وعلى نهج إضافة مادة واحدة إلى طرفين يعبر عنها ـ في الفارسية ـ بقولهم : ( بهم زدن ) فزيد وعمرو طرفا هذه النسبة الوحدانية.

وعليه ، فمفاد ضارب زيد عمروا إن كان هذه النسبة الخاصة ، فلا فرق بينها وبين تضارب زيد وعمرو ، فما وجه انتساب المادة إلى طرفيها ، كما في تضارب زيد وعمرو.

وأما الأصالة والتبعية : فان أريد الأصالة والتبعية ثبوتا ، فلا بد من تعدد النسبة ، حتى تكون إحداهما أصيلة ، والأخرى تابعة ، لا النسبة الواحدة متقومة باثنين ، حيث لا يعقل الأصالة والتبعية ثبوتا مع وحدة النسبة.

وإن أريد الأصالة والتبعية إثباتا ، بأن تكون هناك دلالتان ، احداهما بالأصالة ، والأخرى بالتبع ، ففيه أن التبعية في الدلالة فرع التبعية في المدلول ، كالمدلول الالتزامي للمدلول المطابقي ، والدلالة المفهومية للدلالة المنطوقية ، وليس ضرب عمرو زيدا تابعا لضرب زيد عمروا ثبوتا ، حتى تنحل النسبة الخاصة إلى نسبتين إحداهما لازمة للأخرى.

فالحق : أن مفاد هيئة المفاعلة غير مفاد هيئة التفاعل ، وأنه لا يتقوم بطرفين كما في التفاعل.

والتحقيق في الفرق بين مفاد هيئة المجرد ومفاد هيئة المزيد فيه من باب

٤٣٨

المفاعلة : أن مفاد الهيئة في الأول سواء كان بنفسه لازما كجلس ، أو متعديا لكنه لا يتعدى إلى شخص آخر ككتب الحديث إلا بتوسط إلى ، فيقال : كتب الحديث إليه ، أو كان متعديا إلى الآخر كخدعه ، لا يكون في الكل إلا متكفلا لنسبة لازمة ، أو متعدية باداة إلى الآخر أو بلا أداة للتعدية.

بخلاف هيئة المفاعلة ، فان قولنا : جالسه يتضمن التعدي إلى الآخر بنفسه ، فيكون مفاده بنفسه مفاد ( جلس اليه ) ومفاد ( كاتبه ) مفاد ( كتب اليه ) ومفاد ( خادعه ) هو التصدي ، لإنهاء الخديعة إليه ، فحيثية التعدية بالأداة أو بنفسه ملحوظة في هيئة المفاعلة بنفسها ، فقولنا : ضرب زيد عمروا ، أو خدع زيد عمروا ، وإن كان متعديا إلى غيره إلا أن هذه التعدية ذاتي مفادهما ، بخلاف خادع وضارب ، فان هذه الحيثية ملحوظة في مقام إفادة النسبة ، فاذا فعل فعلا كان أثره خداع الغير ، صدق عليه أنه خدعه ، لا أنه خادعه ، إلاّ اذا تصدى لخديعته.

وكذلك إذا صدر منه ضرب واقع على عمرو ، صدق عليه أنه ضربه ، ولا يصدق أنه ضاربه إلا إذا تصدى لضربه.

ولذا لما أبى سمرة عن الاستئذان ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنك رجل مضار ) أي متصد لإضرار الأنصاري ، لا مجرد كون دخولك ضررا عليه ، فيكون حاصل قوله صلّى الله عليه وآله : ( لا ضرر ولا ضرار ) (١) نفي أصل الضرر ، ولو بدون التصدي له ، ونفي التصدي للاضرار ، لا لمجرد التاكيد ـ كما أفيد ـ ولا لغيره ، من دون لزوم الالتزام بكونه على خلاف أصله.

__________________

(١) الكافي ٥ / ٢٩٣ لكن متن الحديث فانه لا ضرر ولا ضرار.

٤٣٩

١٣٨ ـ قوله (قدّس سره) : كما أن الظاهر أن يكون لا لنفي الحقيقة (١) ... الخ.

توضيح المقام : أن القضية إن كانت خبرية محضة وكان المنفي هو الحكم ، صح نفيه حقيقة ، لأن تشريعه وجعله عين تكوينه حقيقة.

وإن كان المنفي هو الموضوع الخارجي ، فنفيه حقيقة خلاف الواقع. فلا محالة يجب حمله على نفيه ادعاء.

إلا ان النفي ادعاء كالاثبات ادعاء ، لا يصح إلا بلحاظ عدم ترتب الأثر المترقب من الشيء ، فيصح نفيه ادعاء ، لكونه بمنزلة العدم ، لعدم ترتب الأثر عليه ، كما أنه لا يصح الاثبات ادعاء إلا بلحاظ ترتب أثر الحقيقة على شيء آخر.

ومن الواضح : أن المصالح والمفاسد هي الآثار المترقبة من حقائق الواجبات والمحرمات ، فالصلاة التي لا تترتب عليها المصلحة المترقبة منها ليست بصلاة ادعاء وهكذا.

وأما الحكم التكليفي ، فليس من آثار حقيقة الفعل في الخارج حتى يصح نفي الموضوع بلحاظ عدم ترتب الحكم عليه ، إلا مثل اللزوم والصحة من الأحكام الوضعية ، فانها تعد أثرا للمعاملة ، فيصح نفيها بنفيها.

فمع عدم ترتب الملكية على المعاطاة شرعا يصح نفي البيع حقيقة ؛ اذ ليس حقيقة البيع إلا التمليك المتحد مع الملكية ذاتا ، واختلافهما اعتبارا.

مضافا إلى أن الفعل الخارجي ليس موضوعا للحكم التكليفي حتى يصح نفيه ادعاء ، بعنوان نفي الحكم بنفي موضوعه ، وبلحاظ وجوده العنواني يصح

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٨١.

٤٤٠