نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


المحقق: الشيخ أبو الحسن القائمي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-40-X
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٤٦٤

على الأولين دون الاخير.

وثانيا : أن الانحلال إلى تكاليف متعددة متعلقة بتروك شرب النجس ، إنما يصح إذا كان كل ترك ذا مصلحة باعثة على طلبه.

بل حيث إن النجس واحد ، وفعل الشرب واحد ، والمفسدة القائمة به واحدة ، فليس في الحقيقة إلا زجر واحد عن الفعل الواحد.

وتعدده بحسب الفرض بالقياس إلى قطعات الأزمنة ، وطلب كل ترك يتبع الزجر عما فيه المفسدة ، فليس في الحقيقة إلا تكليف واحد مستمر إلى أن يتحقق الاطاعة أو العصيان.

وهذا الواحد من حيث استمراره مردد بين المطلق والمحدود ، من حيث التطبيق على شرب هذا الاناء أو ذلك الاناء.

٧٥ ـ قوله ( قده ) : حيث إن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف (١) ... الخ.

لا يخفى عليك أن عدم القدرة على فعل المكلف به وتركه ـ تارة ـ بعدم القوة المنبثة في العضلات ، وأخرى ـ بوجود المانع من اعمال القدرة ، وثالثة ـ بعدم المحل لاعمال القدرة.

وفقد موضوع التكليف كالنجس فيما نحن فيه من قبيل الثالث ، ولذا يكون التكليف بالاضافة إلى مثل هذا الموضوع مشروطا عقلا لرجوعه إلى شرطية القدرة ، وفعلية التكليف بفعلية موضوعه.

نعم ربما لا يكون الموضوع ملحوظا هكذا ، كما إذا أمر بشرب الماء أو الدواء ، فانه يجب تحصيلهما ، ولا يتوقف فعلية التكليف على حصولهما ، إلا أن طلب ترك شرب الخمر والنجس ليس كذلك ، ولذا لا يجب تحصيل الخمر والنجس مقدمة لامتثال التكليف بترك شربهما ، فتدبر.

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٦١.

٢٦١

[ التنبيه الثاني ]

٧٦ ـ قوله ( قده ) : الثاني أنه لما كان النهي عن الشيء إنما هو (١) ... الخ.

حيث إن النهي الحقيقي هو جعل الداعي إلى الترك ، فما كان متروكا بعدم الابتلاء لا معنى لطلب تركه ، كما عن شيخنا العلامة الانصاري ( قده ) (٢) ، أو هو من قبيل طلب الحاصل ، كما عن شيخنا الاستاذ ( قده ) في المتن ، أو من حيث إن تعلق التكليف بالمكلف فعليا ، وارتباطه به بارتباط موضوعه به فعلا ، فما لا شغل له به وما كان داعيه مصروفا عنه لا معنى لتعلق التكليف الفعلي به ، كما عن آخرين.

والكل لا يخلو عن شيء ؛ لأن الخروج عن محل الابتلاء : إذا كان بحيث يمتنع عادة فعله وتركه ، فليس هناك شرط زائد على القدرة المعتبرة في التكاليف البعثية والزجرية عقلا.

وإذا كان بحيث لا يمتنع عادة بل يمكن تحصيله بأسبابه ، فيمكن توجه الداعي إليه ، فهو محل الكلام ، إذ لو اعتبر الابتلاء به فعلا كان ذلك شرطا زائدا على القدرة.

وصريح كلام الشيخ الاعظم ( قده ) في رسائله : أن ميزان الابتلاء وعدمه تعارف مساس المكلف به في قبال اتفاق المساس به ، مع عدم استحالة الابتلاء عقلا وعادة.

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٦١.

(٢) فرائد الاصول المحشى ٢ / ١ ـ ٨٠.

٢٦٢

وأما توهم الفرق بين القدرة العقلية والقدرة العادية ، وأن ما هو المعتبر في أصل التكليف هي القدرة العقلية المجامعة مع الخروج عن الابتلاء ، وأن القدرة العادية هي المساوقة للدخول في محل الابتلاء.

فمندفع : بأن القدرة العقلية والعادية ليست إلا في قبال الممتنع عقلا والممتنع عادة ، والامتناع بكلا قسميه منافية (١) للقدرة المعتبرة عقلا في التكليف الايجابي والتحريمي.

مع أن صريح كلام الشيخ ( قده ) خروج المستحيل عادة كالمستحيل عقلا عن محل البحث ، وأنه بعد الامكان عقلا وعادة يعتبر الابتلاء به عادة في قبال اتفاق الابتلاء به.

فحينئذ نقول : إن كان التكليف الحقيقي البعثي والزجري جعل ما يدعو إلى الفعل أو الترك بالفعل. فمع وجود الداعي إلى الفعل أو الترك أو عدم الداعي في نفسه إلى الترك يكون مستحيلا.

وأما إذا كان التكليف الحقيقي جعل ما يمكن أن يكون داعيا ، بحيث لو انقاد العبد له لانقدح الداعي في نفسه بدعوة البعث أو الزجر ، فيفعل أو يترك بسبب جعل الداعي. فهذه الصفة محفوظة ، سواء كان للمكلف داع إلى الفعل كما في التوصلي الذي يأتي به بداعي هواه ، أو داع إلى تركه كما في العاصي ، أو لم يكن له داع إلى الفعل من قبل نفسه كما فيما نحن فيه.

وعليه : فمجرد كونه متروكا بعدم الابتلاء أو كونه مما لا شغل له به لا يرجع إلى محصل ، إلا إذا أريد منه عدم الداعي له إلى فعله ، ومجرد عدم الداعي لا يمنع من جعل ما يمكن أن يكون داعيا ، لأنه يمنع عن جعل الداعي إلى الترك بالفعل لا بالامكان ، فانه يكفيه إمكان حصول الداعي له إلى الفعل ليمنع عنه الداعي إلى الترك من قبل المولى.

__________________

(١) كذا في الأصل ، لكن الصحيح : مناف.

٢٦٣

ولذا يصح جعل الداعي بالنسبة إلى العاصي ، مع كونه بحيث لا داعي له إلى الفعل ، بل كان له الداعي إلى الخلاف.

بل إذا كان عدم الداعي فعلا مانعا عن توجه النهي الحقيقي ، فلازمه عدم صحة النهي مع الدخول في محل الابتلاء ، إذا لم يكن له داع إلى شربه مثلا ، مع أنه ليس كذلك جزما.

بل التحقيق : أن حقيقة التكليف الصادر من المولى المتعلق بالفعل الاختياري لا يعقل أن يكون إلا جعل الداعي بالامكان ، لا بمعنى البعث الخارجي الموجب لصدور الفعل منه قهرا ، فانه خلف.

إذ المفروض تعلق التكليف بالفعل الاختياري ، فلا شأن له إلا الدعوة الموجبة لانقداح الارادة في نفس المكلف ، لكنه لا بحيث يوجب اضطراره إلى إرادة الفعل أيضا ، لأنه وإن لم يكن منافيا لتعلق التكليف بالفعل الاختياري ، لفرض توسط الارادة بين التكليف وفعل المكلف ، إلا أنه خلاف المعهود من التكاليف الشرعية. حيث إنه ليس فيها الاضطرار حتى بهذا المعنى ، بل تمام حقيقته جعل ما يمكن أن يكون داعيا ، ويصلح أن يكون باعثا.

ولا معنى للامكان إلا الذاتي والوقوعي ، فيجتمع مع الامتناع بالغير أي بسبب حصول العلة فعلا أو تركا من قبل نفس المكلف ، فان الامتناع بسبب العلة ، مع عدم امتناع عدم العلة يجامع الامكان الذاتي والوقوعي ، ولا يعقل الامكان بالغير حتى ينافي الامتناع بالغير.

ومن جميع ما ذكرنا تبين أن الدخول في محل الابتلاء مع فرض تحقق القدرة بدونه لا دليل عليه ، ولا معنى للاستهجان العرفي ، لعدم ارتباط حقيقة التكليف بالعرف بما هم أهل العرف ، وليس الكلام في الخطاب بما هو خطاب حتى يتوهم ارتباطه بنظر العرف.

٢٦٤

وعن بعض (١) أجلة العصر ( قده ) أيضا الالتزام بعدم شرطية الابتلاء في حقيقة التكليف ، لكنه بدعوى أن حقيقة التكليف ليست بمعنى البعث والزجر وجعل الداعي ، ليتوهم الاستهجان العقلائي.

بل حقيقة التكليف هو الالزام بالفعل والترك ، وربما يكون نفس هذا الالزام موجبا لتحصيل الابتلاء ، فكيف يكون مشروطا بالابتلاء به.

لكنا قد بينا مرارا : أن حقيقة التكليف الذي يتوسط بين إرادة المولى لفعل العبد وإرادة العبد إياه ، هو جعل الداعي له ، بحيث يكون ايجادا تسبيبيا تنزيليا من المولى ، وإن كان لهذا الايجاد التسبيبي عناوين مختلفة باعتبارات متعددة :

فمن حيث الايقاع في كلفة الفعل أو الترك تكليف.

ومن حيث جعله قرينا للمكلف ـ بحيث لا ينفك عنه إلا بالاطاعة أو العصيان ـ إلزام ، فكأنه جعله لازما له.

ومن حيث إنه موجب لحركته نحو الفعل تحريك. ومن حيث اثباته على رقبته ايجاب ، وهكذا.

وأما لزوم تحصيل الابتلاء المنافي لشرطية الابتلاء ، فانما يرد إذا أريد شرطيته الابتلاء للأمر والنهي معا ، مع أنه لخصوص النهي ، فانه الذي لا يحسن مع حصول متعلقه ، وهو الترك بنفس عدم الابتلاء.

وغاية ما يمكن أن يقال في وجه اعتبار الابتلاء في خصوص التكليف التحريمي ، مع تساوي الفعل والترك في القدرة المعتبرة في البعث والزجر : هو أن

__________________

(١) لعله المحقق النهاوندي قده لأن مراده بالعنوان المزبور كما صرح به مرارا في هامش الجزء الأول على حسب التجزئة في الطبعة الأولى إما هو المحقق المزبور وإما هو المحقق الحائري قده وليس في كلام الثاني فالمراد هو الاول ولا يحضرنا كتابه حتى نراجعه.

٢٦٥

البعث حيث إنه لجعل الداعي نحو الفعل ، فلا بد من أن يكون الفعل بحيث يمكن الانبعاث إليه ، فاذا كانت مقدماته موجودة ، فلا محالة يكون انقياد المكلف مساوقا للانبعاث بالبعث نحو الفعل ، وإن لم يكن مقدماته موجودة ، فحيث كان الانبعاث إلى ذيها ممكنا بالانبعاث إليها فلا محالة يصح البعث نحو الفعل ، ونحو مقدماته.

وأما الزجر ، فهو أيضا لا يصح ، إلا إذا أمكن الانزجار عن الفعل ، فاذا كانت مقدمات الفعل موجودة ما عدا المقدمة الأخيرة ، فلا محالة يصح الانزجار عن الفعل بالانزجار عن مقدمته ، فيصح الزجر عنه وعن مقدمته المترتب عليهما ترك الفعل.

وأما إذا كان ما عدا المقدمة الأخيرة متروكا أيضا ، فلا يترقّب من الزجر عن الفعل ترتب الانزجار عليه عند انقياد المكلف.

أما بنفسه فواضح.

وأما من حيث الانزجار عن مقدماته ، فلفرض كونها متروكة ، وتبدلها إلى النقيض لا أثر له ، حتى يكون إمكان الزجر والانزجار محفوظا ، لأن وجود ما عدا المقدمة الأخيرة وعدمه في بقاء الترك على حد سواء.

ولذا لا يحرم ما عدا المقدمة الأخيرة على ما هو التحقيق في محله. وعليه ، فشرطية الابتلاء لاقتضاء الزجر عن الفعل بالخصوص ، لا لاقتضاء مطلق التكليف بعثا أو زجرا ، ولا لفقد القدرة ولو بمرتبة منها.

٧٧ ـ قوله ( قده ) : بل يكون من قبيل طلب الحاصل (١) ... الخ.

وحينئذ : فان أريد من الطلب نفس الشوق الأكيد النفساني ، فطبيعة

__________________

(١) كفاية الاصول / ٣٦١.

٢٦٦

الشوق كما مرّ مرارا (١) تتعلق بالحاصل من وجه المفقود من وجه آخر ، فلا يعقل تعلقها بالحاصل من كل وجه. والشوق إلى حصول الحاصل ثانيا لا يعقل ، لأن الوجود لا يعرض الموجود ، لأن المماثل لا يقبل المماثل ، فطلبه محال من العاقل.

وإن اريد منه البعث ، فحيث إنه ايجاد تسبيبي من الباعث يرجع الى ايجاد الموجود وهو محال.

قلت : قد يتعلق الطلب بما هو مفروض الحصول بعلته ، فالأمر فيه كما مر.

وقد يتعلق بالشيء في عرض علته المفروضة ، فليس لازمه طلب الحاصل ، لأن طلب الحاصل بنفس الطلب ليس فيه محذور ، بل فيه اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد ، وصدور الواحد عن الكثير محال.

هذا إذا فرض الترك بالداعي ، وأما إذا فرض الترك بعدم الداعي فمحذوره أمر آخر ، وهو أن ابقاء العدم على حاله بالزجر والردع بملاحظة صيرورته مانعة (٢) عن حصول الداعي إلى الفعل ، ومع عدمه لا يعقل المانعية والزاجرية ، فان الشيء لا يتصف بفعلية المانعية إلا مع فعلية المقتضي.

والجواب : عن الكل ما مرّ من أن العلية والمانعية في النهي الحقيقي بالامكان لا بالفعلية ، كي يلزم منه المحاذير المتقدمة.

٧٨ ـ قوله ( قده ) : كان المرجع هو البراءة (٣) ... الخ.

للشك في التكليف الفعلي ، وهو مرفوع بأدلة البراءة ، وعدم البيان والحجة على التكليف الفعلي ، فالعقاب عليه قبيح.

__________________

(١) منها ما تقدم في مبحث اجتماع الأمر والنهي. نهاية الدراية ١. التعليقة ٦٢ ومنها في مبحث حجية القطع نهاية الدراية ٣ : التعليقة ٤٦ ومنها في التنبيه الثاني من تنبيهات البراءة. التعليقة ٤٧.

(٢) كذا في الأصل ، لكن الصحيح : مانعا.

(٣) كفاية الاصول / ٣٦١.

٢٦٧

وربّما يقال (١) : توجه التكليف الفعلي للشك في حسن التكليف ، وإن كان مشكوكا ، إلا أنه لا شك في وجود مبغوض المولى في الأطراف ، والعلم به كفى به بيانا.

ولكنك قد عرفت غير مرة أن المبغوضية التي هي مصداق الكراهة التشريعية كالمحبوبية التي هي مصداق الإرادة التشريعية ما يساوق الارادة والكراهة التكوينيتين.

فاذا وصلت الارادة مثلا حدا يبعث العضلات نحو الفعل كانت إرادة تكوينية ، وإلا فلا.

فكذلك إذا وصلت حدا يبعث المولى على قيامه بصدد تحصيل مراده بالبعث الفعلي نحوه كانت ارادة تشريعية.

فلا تنفك الارادة التشريعية عن البعث الفعلي ، كما لا تنفك التكوينية عن حركة العضلات ، وما لم تبلغ الارادة هذا الحدّ لا أثر لها ، كيف؟ ولو كان متعلقها فعلا تكوينيا للمولى لم تحركه بالمباشرة نحو الفعل ، فكيف تحركه نحوه بالتسبيب؟ فكذا الامر في الكراهة التشريعية.

فالشك في البعث الفعلي والزجر الفعلي شك في بلوغ الارادة والكراهة حدا له الأثر ، ومطلق المحبوبية والمبغوضية التي لا توجب قيام المولى مقام تحصيل محبوبه ، أو إعدام مبغوضه لا أثر له.

نعم دعوى قصور أدلة البراءة الشرعية [ عن الشمول ](٢) لصورة العلم بالحرمة ، والشك في فعليتها أمر آخر ، حيث إن ظاهرها ما كان التكليف الواقعي مشكوكا ، فترتفع فعليته ، لا مطلق الشك في الفعلية. وفي البراءة العقلية كفاية.

__________________

(١) القائل هو المحقق الحائري قده. درر الفوائد / ٤٦٥.

(٢) اضيف لقصور العبارة دونه.

٢٦٨

٧٩ ـ قوله ( قده ) : لا إطلاق الخطاب ضرورة أنه لا مجال (١) .. الخ.

منع ( قده ) عن التمسك باطلاق الخطاب ، تارة : بأن الابتلاء من شرائط تنجز الخطاب ، كما في تعليقته (٢) على الرسائل ، فلا يكون الاطلاق المتكفل لحكم الواقعة بمرتبته الانشائية ناظرا إلى المرتبة المتأخرة.

وأخرى : بأنه من شرائط فعلية البعث والزجر ، كما في فوائده (٣) ( قده ) وهي أيضا مرتبة متأخرة عن مرتبة الانشاء.

وثالثة : كما في المتن بأن التمسك بالاطلاق واستكشاف المراد الجدي من الخطاب فرع صحته وإمكانه في نفسه ، مع أن صحته وامكانه بدون الابتلاء أو بدون هذا المقدار من الابتلاء مشكوك ، فلا تصل النوبة إلى استكشاف المراد الجدي المترتب على معقوليته في نفسه من إطلاق الخطاب.

أقول : أما عدم التمسك بالاطلاق ـ بناء على الوجه الأول ـ فصحيح ، حتى فيما إذا كان جعل العقاب من الشارع ، فان النافع عليه إطلاق الدليل المتكفل لجعل العقاب على مخالفة التكليف [ وشموله ](٤) لصورة خروج مورده عن الابتلاء ، دون الدليل المتكفل لأصل التكليف.

إلا انّ قيدية الابتلاء للتنجز غير معقولة في حد ذاتها ، اذ فرض استحقاق العقاب على المخالفة فرض الابتلاء ، فكيف يعقل إطلاقه وتقييده؟

وأما عدم التمسك ـ على الوجه الثاني ـ فمختصر القول فيه : أن مرتبة البعث والزجر الفعليين وإن كانت غير مرتبة الانشاء ، إلا أن القيود المأخوذة في

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٦١.

(٢) التعليقة على الرسائل / ١٤٧.

(٣) التعليقة على الرسائل / ٣٢٨.

(٤) أثبتناها لضرورة السياق.

٢٦٩

مقام الانشاء بداعي جعل الداعي قيد في الحقيقة لصيرورته مصداقا لجعل الداعي دائما ، وإلا فالانشاء حاصل ، وكيف يعقل إناطته بأمر غير حاصل؟ فكون الانشاء بداعي جعل الداعي ـ تام الاقتضاء وفعليا من قبل المولى ـ إنما يستكشف بتجرده عن القيد في مقام الانشاء بداعي جعل الداعي.

وأما الانشاء بلا داع ، فهو محال في نفسه ، كما أن الانشاء ـ بداع آخر غير جعل الداعي ـ ليس من مراتب الحكم الحقيقي ، ولا يترقب منه فعلية البعث والزجر ، بل فعليته فعلية ما أنشئ لأجله.

فلا محالة ينحصر الانشاء المترقب منه فعلية البعث والزجر في الانشاء بداعي جعل الداعي ، وإطلاقه وتجرده عن القيد يكشف عن كونه مصداق البعث والزجر فعلا ، لا معلقا على شيء.

إلاّ أن هذا الاطلاق إنما يجدي في نفي القيود الدخيلة في فعلية الحكم شرعا ، لا القيود الدخيلة في فعليّته البعثية والزجرية عقلا ، كالقدرة والوصول ، والابتلاء على القول بدخله بحكم العقل ، ولا معنى لدفع قيدية ما لا دخل له بالشارع بتجرد خطابه عنه ، كما هو واضح.

وربما يقال (١) : بدخل الابتلاء الذي هو من شئون القدرة في ملاك النهي ، نظرا إلى أنه وان لم يكن دخيلا في مفسدة الفعل ، إلا أنه دخيل في مبغوضية الصدور من المكلف ، وهي الملاك الأخير لصدور النهي.

وكذا يستكشف الملاك الأول من النهي ، فاذا احتمل عدم المفسدة ، أو عدمها الا على تقدير مخصوص ، يكون إطلاق النهي كاشفا عن أصلها وعن إطلاقها ، كذلك الملاك الأخير.

وكذا حسن التكليف أو قبحه ، كحسن الفعل أو قبحه يستكشف بالأمر

__________________

(١) القائل هو المحقق النائيني قده. أجود التقريرات ٢ / ٢٥١ و ٢٥٢.

٢٧٠

أو النهي.

والجواب : أن المبغوضية منبعثة عن المفسدة ، كالمحبوبية عن المصلحة.

وعدم صيرورة المحبوبية إرادة تشريعية مساوقة للتكوينية ، أو عدم صيرورة المبغوضية كراهة تشريعية مساوقة للتكوينية ، ليس لأجل دخل القدرة ، وما هو من شئونها في كونها ملاكا للنهي ، بل لدخلها ابتداء في الزجر.

فيستحيل تحقق الجزء الأخير من العلة التامة للزجر لاستحالة معلولها ، فحيث لا يمكن التكليف لا يريده ، لا أنه حيث لا يمكن الارادة لا يكلفه.

وأما حديث استكشاف حسن التكليف وقبحه فنقول : إن الحسن أو القبح ربما يكون لأجل مصلحة في التكليف أو مفسدة فيه ، فحاله حال حسن الفعل وقبحه.

وربما يكون لأجل اللغوية ونحوها ، فهو أمر عقلي أجنبي عن المصالح والمفاسد المستكشفة بالخطاب ، فتدبر جيدا.

وأما عدم التمسك على الوجه الثالث ، كما هو ظاهر المتن ، فمجمل الكلام فيه : أنا بينا في محله أن ظهور الدليل على التعبد بشيء أو إيجاب شيء أو تحريمه دليل على إمكانه وحسنه ، لظهوره في وقوعه منه ، وهو أخص من إمكانه وحسنه ، والظاهر حجة الى أن تقوم حجة على خلافه.

واحتمال استحالته أو قبحه ليس بحجة ، كي يمنع عن التمسك بالظاهر ، فالاطلاق دليل بالالتزام على إمكانه وحسنه.

لكنه لا يجدي فيما نحن فيه لأن دلالة الظاهر إنما يتّبع فيما هو ظاهر فيه ولو بالملازمة ، فيدل على أن الانشاء بداعي جعل الداعي مجردا عن قيد من قبل المتكلم ممكن وحسن منه ، وأمّا أنه لا قيد له بحكم العقل ، فهو أجنبي عن مقتضيات المدلول الذي يكون الكلام ظاهرا فيه.

٢٧١

نعم ربما يتفق ـ كما في هامش الكتاب (١) ـ إحراز كون المولى بصدد التحريك الجدي والبعث الحقيقي ، فيكشف عن تمامية علته من باب كشف المعلول عن وجود علته التامة ، لا من باب كشف الخطاب عن المراد الجدي.

وعن بعض أجلة العصر (٢) وجه آخر في منع الاطلاق ، وهو أنه لا يمكن القطع بحكم ظاهري بواسطة الاطلاق والعموم ، لأن المفروض الشك في أن خطاب الشرع في هذا المورد حسن أم لا ، ولا تفاوت بين الخطاب الظاهري والواقعي.

وأنت خبير بأن حجية الامارات الغير العلمية سندا ، وإن أمكن أن يكون بمعنى جعل الحكم المماثل ، ومطلق التكليف مشكوك الثبوت مع الشك في الابتلاء وقيديته.

إلا أن حجية الامارات الغير العلمية دلالة ، كالظهور العمومي أو الاطلاقي ليست بمعنى جعل الحكم المماثل من العقلاء على طبق مؤديات الظواهر ، بل بمعنى بناء العقلاء عملا على اتباعها ، والحكم باستحقاق المؤاخذة على مخالفتها.

فليس هناك حكم تكليفي ظاهري ليكون حاله حال الحكم الواقعي في التقييد بالابتلاء وعدمه.

ثم اعلم أنه ـ مع الاغماض عما ذكرنا من محذور التمسك بالاطلاق ـ لا فرق بين أن تكون الشبهة مفهومية أو مصداقية.

أما الأولى فواضح ؛ لدوران الأمر بين الاطلاق والتقييد من رأس ، إذا كان أصل قيدية الابتلاء مشكوكا ؛ ولدوران الأمر بين الأقل والأكثر والشك في زيادة

__________________

(١) كفاية الاصول / ٣٦١ ـ ٣٦٢.

(٢) هو المحقق الحائري قده. درر الفوائد / ٤٦٥.

٢٧٢

التقييد ، إذا كان الشك في مقدار الابتلاء المعتبر.

وأما الثانية ، فلأن المقيد حيث إنه لبّي يجوز التمسك فيه بالاطلاق ، ولو في الشبهة من حيث المصداق ، لما ذكرنا في محله (١).

__________________

(١) نهاية الدراية ٢ : التعليقة ١٨٨.

٢٧٣

[ التنبيه الثالث ]

٨٠ ـ قوله ( قده ) : الثالث أنه قد عرفت أنه مع فعلية التكليف (١) ... الخ.

ربما يتوهم : أن الوجه في منجزية العلم الاجمالي أنه مركب من علم واحتمال ، وأن الاحتمال الموجب للخوف هو المنجز للتكليف ، وأن قبح العقاب بلا بيان رافع له.

فمع العلم المقرون بالاحتمال يزول المؤمّن ، فيؤثر المقتضي ـ وهو الاحتمال المحدث للخوف ـ أثره.

وعليه : ففي غير المحصور نفس الاحتمال المحدث للخوف ـ لكثرة أطرافه ـ ضعيف لا أثر له ، فلا مقتضي حتى يجدي في تأثيره العلم الذي هو بمنزلة رفع المانع عن التأثير.

وهو عجيب ؛ لأن احتمال التكليف لا يساوق الاحتمال المحدث للخوف ، حتى يكون بمنزلة المقتضي ، بل المقتضي لاستحقاق المؤاخذة على مخالفة التكليف نفس العلم بالتكليف.

ولا فرق فيه بين تعلقه بتكليف يتردد بين أمور محصورة أو غير محصورة ، والاحتمال المحدث للخوف في كل طرف نشأ من قبل تنجز الواقع بالعلم به.

وربما يقال (٢) : بأن ملاك غير المحصور ما يمتنع عادة ارتكاب جميع أطرافه. وحيث لا يمكن ارتكاب جميع الاطراف فلا تحرم المخالفة القطعية ، ومتى لم تحرم المخالفة القطعية لم يجب الموافقة القطعية ، فان وجوبها من لوازم حرمة

__________________

(١) كفاية الاصول / ٣٦٢.

(٢) القائل هو المحقق النائيني قدس سره أجود التقريرات ٢ / ٢٧٥.

٢٧٤

المخالفة القطعية.

ويندفع : بعد تسليم الضابط ، أن المخالفة القطعية لو كانت موضوعا للحرمة شرعا لكان الأمر كما قيل : من عدم حرمة ما لا يقدر عليه.

وأما إذا لم يكن حرمة شرعية وكان الحرمة الفعلية متعلقة بما يقدر عليه بذاته ، لفرض القدرة على ارتكاب كل واحد من الأطراف ، لفرض دخول الكل في محل الابتلاء ، كما هو مفروض كلام هذا القائل.

فلا محالة يكون العلم بالحرمة المتعلقة بالأمر المقدور موجبا لاستحقاق العقوبة على مخالفتها.

وليس ضم غير الحرام إلى الحرام دخيلا في القدرة على متعلق الحرمة ، ولا دخيلا في ترتب العقوبة على مخالفتها بعد فرض تنجزها ؛ لاستجماع شرائطه ، فليس ارتكاب الجميع إلا سببا للقطع بترتب استحقاق العقوبة على فعل الحرام الفعلي.

كما أن ارتكاب بعض الأطراف سبب لاحتمال ترتب الاستحقاق المزبور.

وعدم التمكن من تحصيل العلم باستحقاق العقاب معنى ، وعدم التمكن مما يستحق عليه العقاب معنى آخر ، والمضر هو الثاني دون الأول.

٨١ ـ قوله ( قده ) : نعم ربما تكون كثرة الأطراف في مورد (١) ... الخ.

قد مر (٢) في أوائل البحث عن دليل الانسداد أن العسر والحرج أو الضرر ليس في متعلق التكليف قطعا ، بل في تحصيل العلم بامتثاله بالجمع بين محتملاته ، وليس تحصيل العلم بالامتثال من مقتضيات التكليف ، ولو بالواسطة ، بل التكليف لا يقتضي إلا ايجاد متعلقه أو اعدامه.

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٦٢.

(٢) نهاية الدراية ٣ : التعليقة ١٣٠.

٢٧٥

وتحصيل العلم بامتثاله بحكم العقل الذي نسبته إلى الحكم الشرعي نسبة الحكم إلى موضوعه ، وليس التكليف المجهول بما هو تكليفا إلهيّا ، ليقال : إن مقتضاه تحصيل العلم بالامتثال.

فالمرفوع بأدلة نفي الحرج والعسر والضرر نفس الحكم الضرري أو الحرجي ، أو الموضوع الموصوف بهما ، وليس فيها إطلاق ، يعمّ ما إذا كان بنفسه حرجيا أو ضرريا. وما إذا كان موضوعا لحكم عقلي حرجي أو ضرري ، بحيث يعم الوصف بحال نفسه والوصف بحال متعلقه.

نعم إذا كان وجوب الاحتياط في مورد شرعيا وكان حرجيا صح نفيه بأدلة نفي الحرج في الدين.

كما أنه إذا كان العسر بنحو يخل بالنظام فهو مانع عن التنجز عقلا ، بل عن فعلية التكليف شرعا.

أما الأول فواضح ؛ إذ مع حكم العقل بقبح الاخلال بالنظام ، كيف يعقل منه الحكم بقبح ترك تحصيل العلم بالامتثال؟

وأما الثاني ، فلأن التكليف لجعل الداعي ، ومع التفات الجاعل إلى : أن عقل المكلف يمنعه عن تصديق ما يلزم من بقائه ـ ليجب تحصيل العلم بامتثاله ـ عسر مخل بالنظام ، فلا محالة يستحيل منه التكليف لهذا الغرض ، وإن لم يكن في نفس متعلقه عسر مخل بالنظام.

وقد مرّ مرارا (١) : أن عدم وجوب الموافقة القطعية المستلزمة للعسر المخل بالنظام يستلزم عدم حرمة المخالفة القطعية.

__________________

(١) منها ما تقدم في مبحث الانسداد. نهاية الدراية ٣ : التعليقة ١٢٨.

ومنها ما تقدم في التنبيه الرابع من تنبيهات البراءة. التعليقة ٥٧.

٢٧٦

٨٢ ـ قوله ( قده ) : ولو شك في عروض الموجب فالمتبع هو اطلاق (١) ... الخ.

حيث عرفت (٢) أنه لا عسر ولا ضرر في متعلق التكليف ، بل في تحصيل العلم بامتثاله ، وليس تحصيله من مقتضيات التكليف ، فلا معنى للتمسك باطلاق دليل التكليف ؛ إذ ليس تحصيل العلم بامتثاله من شئونه وأطواره الواقعة في مورد التكليف حتى يرفع الضرري منه ، أو يدفع مشكوكه باطلاقه.

فحاله حال الابتلاء من حيث عدم إمكان دفع قيديته بالاطلاق.

بل مع قطع النظر عما ذكرناه هناك (٣) من كون التقييد عقليا يمكن دفع قيديته لمرتبة الفعلية هناك ، ولا يصح هنا لأنه ليس قيدا لمتعلق التكليف ، بل لتحصيل العلم بامتثاله المتأخر عن مرتبة فعلية التكليف أيضا.

بل لا مجال له هنا في الشبهة المصداقية المختص بها المقام ، لأن التقيّد بعنوان لفظي هنا ، وباللبّي هناك.

نعم يصح في العسر المخل بالنظام حيث إن التقييد عقلي فيه.

ومما ذكرنا يتضح حال الشك في عروض سائر الموجبات لرفع التكليف الفعلي.

أما الشك في بلوغ الكثرة إلى حد يخرج بعض أطرافه عن محل الابتلاء ، فقد علم مما ذكرنا في الشك فيه سابقا من أنه لا محال للتمسك بالاطلاق مطلقا.

وأما الشك في بلوغ الكثرة إلى حد يمتنع معه ارتكاب الجميع ـ بناء على كونه ملاكا لغير المحصور ـ فالأمر فيه كالعسر والحرج الذي لا دخل له بمتعلق

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٦٢.

(٢) في التعليقة المتقدمة.

(٣) في التعليقة ٧٩.

٢٧٧

التكليف ، بل في العلم بامتثاله ، فكذا هنا ، فانه لا دخل له إلاّ في العلم بمخالفته المتأخر عن مرتبة التكليف.

بل لو فرض الشك في القدرة على متعلق التكليف أيضا لا مجال فيه للتمسك بالاطلاق ، لما مرّ (١) سابقا من أنه لا دخل لها في الملاك ، ولا في حسن التكليف وقبحه المنبعثين عن المصلحة والمفسدة.

نعم إذا كانت قضية التكليف قضية خارجية ، فالتكليف الجدي حينئذ كاشف عن تمامية علته من باب كشف المعلول عن علته ، لا من باب كشف الاطلاق عن المراد الجدي.

ومنه تعرف أن مرجع الشك هنا ولو فرض أنه إلى الشك في القدرة ، إلا أنه لا فرق بينها وبين غيرها من حيث الحكم فيه بالبراءة دون الاحتياط.

__________________

(١) في التعليقة ٧٩.

٢٧٨

[ التنبيه الرابع ]

٨٣ ـ قوله ( قده ) : أنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص (١) ... الخ.

توضيحه يتوقف على بيان مقدمة : هي أن للملاقى بالاضافة إلى ملاقيه أنحاء من الوساطة ثبوتا واثباتا وعرضا.

أما الوساطة في الثبوت ، فالمراد منها تأثير النجس في نجاسة ملاقية بأن يترشح النجاسة منه الى ملاقيه ، أو بنحو الاعداد وما أشبه ذلك ، سواء كانت النجاسة من الأمور الواقعية ، أو من الاعتبارات الشرعية الوضعية.

والأولى واضحة ، والثانية أيضا كذلك بعد التأمل ، إذ كما أن ذات النجس لها خصوصية ذاتية بسببها اعتبر الشارع لها هذه الصفة ، كذلك الملاقي يكون بسبب الملاقاة ذات خصوصية مستدعية لاعتبار تلك الصفة له.

وهذا المعنى غير السراية الحقيقية ، فان السراية الحقيقية بسريان ذات النجس وانفصال أجزاء منها إلى الملاقي ، وما نحن فيه بمعنى العلية والتأثير ، وهما لا يقتضيان سريان العلة في المعلول كما في كل علة ومعلول.

وأما الوساطة في الاثبات ، فالمراد منها أن الدليل الدال على وجوب الاجتناب عن النجس دليل على وجوب الاجتناب عن ملاقيه ، فهو متكفل لحكم النجس بالاصالة ، ولحكم المتنجس (٢) بالتبعية.

وعليه فمقتضى الأولى تبعية الملاقي للنجس ثبوتا ، ومقتضى الثانية تبعيته له إثباتا.

وأما الوساطة في العروض ، فالمراد منها أن الملاقي من شئون الملاقى ومن

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٦٢.

(٢) في الاصل : النجس ، والصحيح : ما أثبتناه.

٢٧٩

فروعه ، بحيث يكون الاجتناب عن ملاقاه بالاجتناب عنه ، لا بالاجتناب عن عين النجس فقط ، نظير إكرام العالم ، فان إكرام ولده وخادمه من شئون إكرامه ، بحيث لو لم يكرمهما لم يكرم العالم كما هو حقه فليس للملاقي اجتناب بحياله واستقلاله ، كما ليس لخادم العالم إكرام بحياله وبلحاظ نفسه ، بل من حيث إن إكرامه إكرام العالم ، وهذا هو المراد من ثبوت الحكم له عرضا.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أن مجرد تبعية الملاقي لملاقاه ثبوتا واثباتا لا يجدي شيئا ، لأنه مع هذه التبعية يكون الملاقي كملاقاه فردا من النجس حقيقة ، وله حكم بنفسه وبحياله كالملاقاة ، فان وحدة الدليل اجنبية عن وحدة الحكم.

وعليه : فما لم يكن الملاقي كملاقاه طرفا للعلم لا يجب عقلا الاجتناب عنه ، لأن وجوب الاجتناب العقلي من ناحية طرفية الشيء للعلم المنجز للحكم ، وليس كوجوب الاجتناب الشرعي تابعا لوجوب الاجتناب عن شيء شرعا ثبوتا واثباتا.

بخلاف ما إذا قلنا بالوساطة في العروض ، فان الملاقي وان لم يكن من أطراف العلم المنجز للتكليف ، إلا أن تنجز التكليف في ملاقاه وطرفه يقتضي الاجتناب عنه ، حيث إن ذاك الاجتناب الواقعي اللازم شرعا مشكوك الحصول بالاجتناب عن ملاقاه وطرفه بالخصوص ، إذ لو كان الملاقى ـ بالفتح ـ هو النجس الواجب اجتنابه واقعا ـ والمفروض أن اجتنابه بالاجتناب عنه وعن ملاقيه ـ للزم في مقام الخروج عن عهدة ذلك الاجتناب الواجب واقعا ، المعلوم إجمالا الاجتناب عنه بنحو يقطع بتحقق ذلك الاجتناب اللازم واقعا ، ولا يقطع إلا بالاجتناب عن الطرفين والملاقي معا.

وعليه ينبغي حمل ما احتمله (١) الشيخ الأعظم (قدس سره) في رسالة

__________________

(١) فرائد الأصول المحشى ٢ / ٨٥.

٢٨٠