نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


المحقق: الشيخ أبو الحسن القائمي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-40-X
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٤٦٤

بأحدهما المردد ، فلا ينجز إلا بمقداره ، وتنجز الخصوصية المرددة كتنجز كلتا الخصوصيتين به محال.

لكن حيث إن كلاّ من الطرفين يحتمل أن يكون واقعا طرف ذلك الوجوب الواحد المنجز بالعلم ، فيحتمل فيه العقاب ، وهو الحامل بالجبلّة والطبع على فعل كل من المحتملين ، ففي كل طرف يحتمل الحكم المنجز ، لا أنه منجز.

وأما الحجة القائمة على وجوب الظهر بخصوصها ، فهي منجزة للخاص بما هو خاص ، فليس لها في تنجيز الخاص مزاحم في تأثيرها ، فلا محالة تستقل الحجة بالتأثير في تنجيز الخاص بما هو خاص ، سواء كان مقارنا للعلم الاجمالي أو متقدما أو متأخرا (١) ، كما لا فرق بين أن تكون هذه الحجة شرعية أو عقلية ، كقاعدة الاشتغال.

ولا ريب في أن تنجيز الخاص بما هو خاص الذي لا مزاحم له يمنع عن تنجيز الوجوب الواحد المتعلق بما لا يخرج عن الطرفين ، إذ ليس للواحد إلا تنجز واحد.

فلا يعقل بقاء العلم الاجمالي على تنجيزه الذي فرض أنه عند تعلقه به لا مانع عن تنجّزه.

فيتبع ذات الخاص للخاص بما هو خاص في التنجّز بمنجّز لا مزاحم له.

وإذا دار الأمر بين منجزين : أحدهما يزاحم الآخر في تنجيزه ـ ولو بقاء والآخر لا يزاحمه في تنجيزه ، ولو بقاء ، لعدم تعلقه بالخاص حتى ينجزه ، فلا محالة يكون التأثير للأول الذي لا مزاحم له بقاء.

ومنه يعلم أنه لا حاجة إلى دعوى عدم تقيد الحجة شرعا بعدم كونها في

__________________

(١) هكذا في الأصل لكن الصحيح : كانت مقارنة للعلم الاجمالي أو متقدمة أو متأخرة ، لأن الضمائر راجعة الى الحجة.

١٢١

طرف العلم الاجمالي ، فانها لا تجدي إلا في المنجز الشرعي الذي يتصور فيه إطلاق وتقييد.

بل الوجه ما ذكرنا في الحجة القائمة على الحكم والموضوع ، شرعية كانت أو عقلية ، مقارنة كانت أو سابقة أو لا حقة.

نعم إذا كان مؤدّى الأمارة كمتعلق العلم الاجمالي لا أثر لها إلا عند تقدمها عليه ، كما إذا قامت البينة على نجاسة أحد الإناءين ، فان تنجيزها على مقدار تنجيز العلم فلا تزاحمه.

وعن بعض أجلة العصر (١) وجه آخر في مقام الانحلال لا بأس بذكره وبيان ما يتعلق به من وجوه الاشكال ، قال دام بقاه : إن العلم يعتبر في موضوع حكم العقل من حيث إنه طريق قاطع للعذر ، لا من حيث إنه صفة خاصة ، ولذا تقوم الامارات مقامه ، وقد بينا الفرق بينهما في مبحث حجية القطع ، وعلى هذا لو قامت أمارة معتبرة (٢) على بعض الأطراف مفصلا ، فالمعلوم بصفة أنه معلوم وإن كان بعد مرددا ، ولكن ما قام عليه الطريق المعتبر القاطع للعذر ليس مردّدا ، فما يكون ملاك حكم العقل بوجوب الامتثال مفصل ، وما بقي على إجماله ليس ملاكا لحكم العقل.

ويرد عليه : أولا ـ أن قاطعية العلم للعذر ليس إلا بلحاظ كشفه التام ، لا بلحاظ حيثية أخرى ، وحيثية كشفه التام هي التي بها يكون العلم علما ، وإلا فسائر حيثياته من كونه عرضا وكيفا ، وكونه كيفا نفسانيا ، وكونه كيفا إدراكيا ، وكونه إدراكيا غير جزمي أجنبية عن العلم المأخوذ في الموضوع ، فلا يعقل إلغاء جهة كشفه التام ، ولحاظ حيثية قاطعيته للعذر ، كما فصلنا القول فيه في أوائل

__________________

(١) درر الفوائد : ٤٣٩.

(٢) في المصدر زيادة : أو طريق معتبر.

١٢٢

مباحث القطع (١) ، فراجع.

وثانيا ـ هذا العلم الجزئي المتعلق بالمردد على ما يراه لا يتفاوت حاله من حيث لحاظه بما هو صفة خاصة وبما هو طريق قاطع للعذر ، فان المتعلق لا ينقلب عما هو عليه بلحاظ بعض حيثيات ما تعلق به ، فالمتعلق بلحاظ طريقيته أيضا مردّد.

وثالثا ـ أن الطريق القاطع للعذر على الفرض متعدد :

أحدهما ـ العلم من حيث طريقيّته القاطعة للعذر.

والآخر الامارة المعتبرة.

فكلّيّ القاطع للعذر موجود بوجودين ، فما وجه تقديم الامارة في التأثير مع تقدم العلم في الوجود؟.

٣٨ ـ قوله (قدّس سره) : ولو لا ذلك لما كان يجدي القول (٢) ... الخ.

بيانه : أنه لا بد من الالتزام بصرف تنجز الواقع إلى مورد الحجة ، وإلا فالالتزام بالانطباق بناء على جعل الحكم المماثل غير وجيه ؛ لأن الحكم المماثل حكم مجعول بسبب حادث حقيقة ، وإن كان مدلول الأمارة ثبوت الواقع من الأول ، لكنه لا فعلية له إلا عند قيام الأمارة ، فالحكم الفعلي الحادث بقيام الأمارة لا يمكن احتمال كونه الحكم الفعلي المعلوم بالاجمال من السابق.

فمناط عدم الانطباق تأخر التكليف الفعلي الثابت بقيام الأمارة ، وتقدم التكليف الفعلي المعلوم بالاجمال.

ومناط عدم الانطباق عندنا ، كما عرفت (٣) مجرد التعدد في الوجود ، وإن

__________________

(١) نهاية الدراية : ٣ ، التعليقة : ٢٠.

(٢) كفاية الأصول : ٣٤٧.

(٣) في التعليقة : ٣٥ حيث قال فعلى أي تقدير يكون الثابت بدليل اعتبار الأمارة غير الحكم الواقعي المعلوم بالاجمال قطعا ...

١٢٣

كان التكليف الثابت بالأمارة من الاول.

ولا يخفى أن دعوى تأخر التكليف الفعلي لا محالة لأحد أمرين :

إما عدم كفاية وجود الحجة الواقعية في فعلية الحكم على طبق مدلولها من الأول مع كونها بحيث لو تفحص عنها لظفر بها.

وإمّا كون الأمارة ملحوظة بنحو السببية والموضوعية ، حيث إن التكليف المرتب عليها على حد سائر التكاليف وموضوعاتها تكون فعليتها بفعلية موضوعاتها.

والأول خلاف مبناه (قدّس سره) كما تقدم (١) منه في قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

والثاني خلف في المقام ؛ إذ الكلام في قيام الحجة على الحكم ، وإلا فالامارة أجنبية عن إثبات الواقع المعلوم.

وتحقيق المقام : أن جعل الحكم المماثل :

إما بعنوان الموضوعية ، وأن ما قامت عليه الامارة ذا مصلحة مقتضية لجعل الحكم على طبق مؤداها ، فهو حكم آخر غير الحكم الواقعي ، ومنبعث عن غرض آخر غير الغرض المنبعث عنه الحكم الواقعي ، فلا يجري فيه صرف فعلية الواقع ، ولا صرف تنجزه إلى موردها ، لفرض تعدد الحكم حقيقة بتعدد الغرض.

وحيث إن العلم أسبق منها وجودا فلا مجال لتأثير الحجة في فعلية الحكم ولا في تنجزه.

__________________

(١) حيث قال وأما العقل ، فانه قد استقل بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة التكليف المجهول بعد الفحص واليأس عن الظفر بما كان حجة عليه فانه صريح في كفاية الحجة الواقعية على التكليف إذا كانت في معرض الوصول بحيث لو فحص عنها المكلف لظفر بها ، فلذا لو لم يفحص عنها كان معاقبا على المخالفة عند المصادفة ، وأما في صورة الخطأ وعدم المصادفة فيبتني على صحة عقاب المتجرّي عقلا وعدمها.

١٢٤

فامتناع اجتماع الفعليين واستحالة تنجز المنجز لا يجدي في إسقاط المعلوم عن الفعلية ، وسقوط العلم عن التنجيز.

وإما بعنوان الطريقية ، وايصال الواقع بعنوان آخر ، بحيث ينبعث هذا الحكم المماثل عن ذلك الغرض الذي انبعث عنه الحكم الواقعي ، ولذا يكون مقصورا على صورة مصادفة الواقع.

فهناك إنشاءان بداعي جعل الداعي ، أحدهما المتعلق بالواقع بعنوانه ، والآخر بعنوان تصديق العادل مثلا.

والفعلي بالحقيقة هو الواصل بالحقيقة ، وهو الإنشاء الثاني ، وتنسب الفعلية إلى الواقع بالعرض ، حيث إنه بعنوان إيصال الواقع بايصال مماثله.

فربما يتوهم صرف فعلية الواقع ، وتنجزه بهذه الملاحظة ، لكنه صرف بالعناية لا بالحقيقة ، فلو كان معلوما بالاجمال ، فهو بالغ مرتبة الفعلية والتنجز بسبب العلم ، فلا بد من إبداء المانع عن فعليته وتنجزه بقيام ما يوجب فعلية الحكم المماثل وتنجزه.

وما ذكرناه (١) في صرف تنجز الواقع من حيث تعلق الأمارة بالواقع الخاص الموجبة لتنجز الخاص إنما يجدي إذا كانت موجبة لفعلية الخاص وتنجزه ، لا في فعلية (٢) حكم آخر وتنجزه.

٣٩ ـ قوله (قدّس سره) : وإلا فالانحلال إلى العلم بما في الموارد (٣) ... الخ.

والكاشف عنه أن إخراج ما يساوي مقدار المعلوم بالاجمال ـ عن

__________________

(١) في التعليقة : ٣٧.

(٢) هكذا في الأصل ، لكن الصحيح : لا لفعليّة.

(٣) كفاية الأصول : ٣٤٧.

١٢٥

المحتملات التي لا طريق عليها ـ لا يوجب زوال العلم الاجمالي ، فهو كاشف عن خروجها عن أطراف الشبهة.

كما أن إخراج ذلك المقدار عن مؤديات الطرق والأصول العملية المثبتة للتكاليف يوجب زوال العلم الاجمالي في الباقي.

فان قلت : الطرق الغير المعتبرة :

إن كانت داخلة في اطراف العلم حقيقة لزم من الاحتياط فيها الالتزام به فيما لا نص فيه ؛ لعدم القول بالفصل بين ما لا نص فيه ، وما فيه نص غير معتبر من حيث البراءة والاحتياط.

وإن كانت خارجة عن أطراف العلم ، فالخصم حينئذ مستظهر للقطع بثبوت الواقعيات إجمالا في جميع الروايات الضعيفة والشهرات والاجماعات المنقولة ، وسائر الامارات الغير المعتبرة ، وباقي المشتبهات التي لا طريق عليها أصلا.

قلت : لنا الالتزام بالشق الأول ، ولا يلزم من الاحتياط في بعض المشتبهات بسبب العلم الاجمالي الاحتياط في غيرها الذي لا يكون من أطراف العلم ، فان عدم القول بالفصل إنما هو في المشتبهات بما هي مشتبهات ، لا بين ما فيه ملاك الاحتياط ، وما ليس فيه ذلك الملاك.

ولنا الالتزام بالشق الثاني ، لكنّا نقول : بعد إخراج الأمارات الغير المعتبرة الموافقة للامارات المعتبرة ، والأصول العملية ، وإخراج الأمارات المعارضة بالامارات المعتبرة لا بأس بدعوى عدم العلم الاجمالي في سائر الامارات الغير المعتبرة والمشتبهات خصوصا بعد إخراج بعض الشهرات الجابرة للأخبار الضعيفة ، فان مثل هذا الخبر الضعيف والشهرة التي لا دليل على اعتبارها خارج أيضا.

وكذا بعض الاجماعات المنقولة المعتضد بعضها ببعض الموجب للقطع أو

١٢٦

الاطمئنان بالتكليف ، أو بوجود مدرك صحيح له ، فانه بعد إخراج هذه الجملة ليست دعوى عدم العلم الاجمالي مجازفة. هذا بعض الكلام في ما يناسب المقام من انحلال العلم الاجمالي.

والتحقيق : أن مثل هذا العلم الاجمالي بالأحكام هو في نفسه قاصر عن تنجيز الواقعيات ، لما مرّ في مباحث الانسداد من عدم تعلقه بأحكام فعلية بعثية أو زجرية ، بل بأحكام كلية بنحو القضايا الحقيقية المنوطة فعليتها بفعلية موضوعاتها عند الابتلاء بها ، لوضوح تدريجية الابتلاء.

فالمناط عندنا تدريجية الفعلية بتدريجية الابتلاء بها ، لا تدريجية الاستنباط ، كما يراه (١) شيخنا الأستاذ (قدّس سره) فراجع ما حررناه (٢) في أوائل مقدمات الانسداد ، والله أعلم بالسداد.

٤٠ ـ قوله (قدّس سره) : وفيه اولا انه لا وجه للاستدلال (٣) ... الخ.

تحقيق المقام : أن مسألة الحظر والاباحة ، ومسألة البراءة والاحتياط مختلفتان موضوعا وملاكا وأثرا ، لا محمولا ، فلا وجه للاستدلال باحداهما على الأخرى.

أما اختلافهما موضوعا ؛ فلأن الموضوع في الأولى هو الفعل في حدّ ذاته مع قطع النظر عن ورود الحكم الشرعي فيه ، والموضوع في الثانية هو الفعل المشكوك حليته وحرمته شرعا مع ثبوت اصل الحكم فيه.

واما اختلافهما ملاكا فلأن الملاك في المسألة الثانية قبح العقاب بلا بيان

__________________

(١) كما هو صريح كلامه قده في المقدمة الرابعة من مبحث الانسداد. كفاية الأصول : ٣١٤.

(٢) حيث قال ـ بعد بيان مراد المصنف قده بقوله واما الكلام فيه خصوصا ـ بل يمكن أن يقال الخ ، نهاية الدراية : ٣ ، التعليقة : ١٣٢.

(٣) كفاية الأصول : ٣٤٨.

١٢٧

للبراءة ، ولزوم دفع الضرر المحتمل للاحتياط.

فملاك البراءة عدم تنجز التكليف بعدم وصوله ، وملاك الاحتياط تنجز التكليف باحتماله.

بخلاف المسألة الأولى ، فان التكليف فيه مفروض العدم لا موقع لتنجزه باحتماله ، ولا لعدمه بعدم وصوله.

بل ملاك الحظر عقلا أن العبد من حيث إنه مملوك لا بد من أن يكون صدوره ووروده عن إذن مالكه ، ففعل ما لم يأذن به مالكه إذنا مالكيّا خروج عن زيّ الرقيّة ، فيكون قبيحا مذموما عليه عقلا.

وملاك الاباحة : أن الفعل حيث لم يمنع عنه المولى ، لا من حيث الشارعيّة ، ولا من حيث المالكية ، فلا يكون خروجا عن زيّ العبودية ، لا من حيث إن التكليف غير واصل ، بل من حيث عدم التكليف وعدم المنع المالكي على الفرض.

وأما اختلافهما أثرا ، فلأن الحظر في المسألة الأولى من حيث كونه خروجا عن زي الرقية ، لعدم الاذن المالكي ، فهو معاقب عليه على أي حال.

بخلاف الاحتياط في المسألة الثانية ، فانه من حيث تنجز الواقع باحتماله فيدور مدار مصادفة الاحتمال للواقع.

وأما عدم اختلافهما محمولا. فان المحمول في المسألة الأولى ، وان عبر عنه بعنوان الحظر والاباحة ، إلا أن المراد منهما عدم التبعة والحرج عقلا ، أو التبعة والحرج عقلا ، لأن الاباحة التكليفية والحظر التكليفي من العقل بما هي قوة عاقلة شأنها التعقل غير معقولة ، ومن الشارع مفروض العدم ؛ لأن الموضوع هو الفعل في حد ذاته ، مع قطع النظر عن ورود الشرع فيه ، ففرض استقلال العقل باباحته شرعا أو بحرمته شرعا خلف بيّن.

والمحمول في المسألة الثانية استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف

١٢٨

المحتمل وعدمه ، فلا فرق بينهما محمولا بالاضافة الى البراءة والاحتياط العقليين.

ومنه تبين أن دعوى (١) اختلافهما محمولا : تارة ـ من حيث إن الاباحة في المسألة الأولى واقعية ، وفي الثانية ظاهرية. وأخرى ـ من حيث إن المحمول في الأولى هو الحكم اباحة أو حظرا ، وفي الثانية نفي المؤاخذة حتى في الأدلة النقلية.

مدفوعة بأن فرض سنخ مقولة الحكم في المسألة الأولى خلف تارة ، وخلاف الواقع أخرى. كما عرفت.

مع أن إرجاع المحمول في الثانية إلى نفي المؤاخذة في الأدلة النقلية جميعا خلاف التحقيق ، بل التحقيق في الفرق ما عرفت.

وبعد افتراق المسألتين موضوعا وملاكا وثمرة ، فكيف يصح الاستدلال باحداهما على الأخرى؟

نعم يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال : إن الحرمة الواقعية المحتملة هنا وإن لم تتنجز ، لعدم وصولها ، والعقاب على التكليف الغير الواصل قبيح عقلا ، لكنه حيث إنه فعل لم يأذن به المولى ، ولا بد من كون صدور العبد ووروده عن إذن سيده ، فهو خروج عن زي الرقية ورسم العبودية ، فيعاقب عليه من هذه الحيثية ، وهي حيثية ملازمة عقلا لهذه المسألة دائما.

ومنه يظهر أنه يمكن الاستدلال بالحظر في تلك المسألة على الاحتياط في هذه المسألة ، لتلازم الحيثيتين ، دون الاستدلال بالاباحة هناك على البراءة هنا ، فان عدم الحرج على الفعل الذي فرض فيه عدم المنع شرعا ومالكيا لا يلازم عدم الحرج في الفعل المحتمل لورود المنع عنه شرعا.

كما أنه يظهر أن جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان هنا وعدم جريانها

__________________

(١) لم نجد هذا المدعى فيما بأيدينا من كتب الأصول.

١٢٩

في تلك المسألة لا يوجب عدم الاحتياط هنا ، فان القاعدة وإن جرت هنا ، ولم تجر هناك لفرض عدم التكليف ، فلا موقع للبيان وعدمه ، إلا أن ملاك الحظر وهو عدم الاذن موجود هنا ، فالعقاب وإن كان لا يصح على الواقع المحتمل ، لكنه يصح على الفعل من حيث إنه لم يأذن به المالك.

فالجواب الأول والأخير المذكوران في المتن مورد المناقشة.

والتحقيق في الجواب يتوقف على بيان مقدمة ، وهي بيان الفرق بين المنع والاباحة الشرعيين ، والاباحة والمنع المالكيين ، وهو أن المنع :

تارة ـ ينشأ عن مفسدة في الفعل تبعث الشارع ـ بما هو مراع لمصالح عباده وحفظهم عن الوقوع في المفاسد ـ على الزجر والردع عما فيه المفسدة ، وهذا هو المنع الشرعي ، لصدوره من الشارع بما هو شارع.

وفي قباله الاباحة الشرعية الناشئة عن لا اقتضائية الموضوع. وخلوه عن المفسدة والمصلحة ، فان سنة الله تعالى ورحمته مقتضية للترخيص في مثله ، لئلا يكون العبد في ضيق منه.

وأخرى لا ينشأ عن مفسدة إما لفرض خلوّه عنها ، أو لفرض عدم تأثيرها فعلا في الزجر ، كما في ما قبل تشريع الشرائع والاحكام وفي بدو الاسلام.

بل من حيث إنه مالك للعبد ، وناصيته بيده يمنعه عن كل فعل إلى أن يقع موقع حكم من الاحكام ، حتى يكون صدوره ووروده عن رأي مولاه ، فهذا منع مالكي لا شرعي.

وفي قباله الاباحة المالكية ، وهو الترخيص من قبل المالك لئلا يكون في ضيق منه إلى أن يقع الفعل موقع حكم من الأحكام.

فنقول : حيث إن الشارع كل تكاليفه منبعثة عن المصالح والمفاسد ، لانحصار أغراضه المولوية فيها ، فليس له إلا زجر تشريعي أو ترخيص كذلك ، فمنعه وترخيصه لا ينبعثان إلا عما ذكر ، ولا محالة إذا فرض خلوّ الفعل عن

١٣٠

الحكم بقول مطلق ـ أعني الحكم الذي قام بصدد تبليغه وإن كان لا يخلو موضوع من الموضوعات من حكم واقعي وحيا أو إلهاما ، ـ فليس الفعل منافيا لغرض المولى بما هو شارع فليس فعله خروجا عن زيّ الرقيّة.

ومنه تبيّن أن الأصل فيه هو الاباحة ، لا الحظر ، فان عدم الاذن المفروض في الموضوع لا يؤثر عقلا في المنع العقلي إلا باعتبار كون الفعل معه خروجا عن زي الرقية ، وحيث إنه فرض فيه عدم المنع شرعا ، فلا يكون خروجا عن زي الرقية ، إذ فعل ما لا ينافي غرض المولى بوجه من الوجوه بل كان وجوده وعدمه على حد سواء لا يكون خروجا عن زي الرقية.

بل منه يظهر أن الأمر بالاضافة إلى سائر الموالي كذلك ، فان العبد إنما يجب أن يكون صدوره ووروده عن رأي المولى ، لئلا يقع فيما ينافي غرض المولى ، فاذا فرض عدم الغرض المولوي بفرض عدم التكليف فلا محالة لا يكون الفعل خروجا عن زي الرقية.

هذا كله مضافا إلى أن الحاجة إلى الترخيص المالكي ، أو كفاية عدم المنع المالكي إنما هو في مورد عدم إعمال حيثية الشارعية منعا وترخيصا ، فان ترقب الترخيص المالكي والمنع المالكي إنما هو في ذلك المورد.

وعليه ، فالحظر عقلا في ما لا ترخيص مالكي فيه إنما هو في الفعل المفروض عدم إعمال حيثية الشارعية فيه ، كما في تلك المسألة ، لا مع فرض إعمالها منعا أو ترخيصا ، فالحيثيتان متقابلتان لا متلازمتان. وبقية الكلام في محله.

٤١ ـ قوله (قدّس سره) : وما قيل من أن الاقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه (١) ... الخ.

تارة ـ يستدل به للاحتياط فيما نحن فيه كما هو الظاهر من العبارة. وقد

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٤٨.

١٣١

تقدم (١) أيضا في ذيل قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فالاستدلال به وجيه.

وجوابه ما في الكتاب ، وقد قدمنا ما عندنا (٢).

وأخرى يستدل به للقول بالحظر في مسألة الحظر والاباحة ، كما نسب إلى الشيخين رحمهما الله وغيرهما على ما في رسائل (٣) شيخنا العلامة الانصاري (قدّس سره) ، فهو غير صحيح لأن المفسدة : إن كانت بالغة مرتبة التأثير في الحرمة ، ففرضها في تلك المسألة خلف ؛ لأن الكلام في إباحة الشيء وحظره عقلا مع فرض خلوه عن الحكم الشرعي.

وإن لم تكن بالغة حد التأثير فهي غير بالغة حد الغرض المولوي حتى يكون الاقدام عليه من هذه الحيثية منافيا لغرض المولى ، ليكون خروجا عن زي الرقية.

وأما أن أصل الاقدام بلا إذن من المولى خروج عن زي الرقية ، فهو وجه آخر ، وقد قدمنا جوابه (٤).

ومما ذكرنا تبين أنه لا وجه للترديد في المفسدة بين العقوبة الأخروية ، وغيرها في مقام الاستدلال لمسألة الحظر والاباحة ، إذ لا حكم من الشارع على الفرض ليكون هناك عقوبة على مخالفته ، بل العقوبة على الحظر مما يحكم به العقل من باب ترتبها على فعل ما يحتمل فيه المفسدة.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٤٤.

(٢) في التعليقة : ٣٠.

(٣) فرائد الأصول المحشى : ٢ / ٣٣.

(٤) في التعليقة المتقدمة حيث قال قده نعم يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال إن الحرمة الواقعية المحتملة وان لم تتنجز لعدم وصولها إلى أن قال لكنه حيث إنه فعل لم يأذن به المولى الخ.

١٣٢

تنبيهات البراءة

١٣٣
١٣٤

[ التنبيه الأول ]

٤٢ ـ قوله (قدّس سره) : فاصالة عدم التذكية تدرجها فيما لم يذك (١) ... الخ.

وأما أصالة عدم كونها ميتة فمدفوعة :

إما بما في المتن من أن ما عدا المذكى ، وإن لم تكن ميتة ـ لكونها عبارة عما مات حتف أنفه ـ إلاّ أنها مثلها حكما شرعا ، فمجرد عدم كونه ميتة لا ينفي الحرمة والنجاسة ، ليعارض ما يوجب الحرمة والنجاسة.

وإما بما عن غير واحد من أن المراد بالميتة شرعا كل ما لم يذك شرعا ، سواء مات حتف أنفه ، أو زهق روحه بغير الذبح الخاص ، ولا أصل في مثلها.

وظاهر بعض الأخبار المتضمنة للمقابلة بين المذكى والميتة وإن كان ذلك.

إلاّ أن ظاهر قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ ) إلى قوله تعالى : ( إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ )(٢) هو إرادة الميتة بموت حتف الأنف ، لا مطلق غير المذكى ، وإلاّ لما صح إفرادها بالذكر عن سائر أفرادها.

ثم إن تحقيق القول في جريان أصالة عدم التذكية في نفسها يقتضي بسطا في الكلام ، ومختصر القول فيها : أن المذكى وما يقابله شرعا ، إما متقابلان بتقابل التضاد ، أو بتقابل العدم والملكة ، أو بتقابل السلب والايجاب ، إما بنحو العدم

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٤٩.

(٢) المائدة : ٣.

١٣٥

المحمولي ، أو بنحو عدم الرابط.

فان كانا متقابلين بتقابل التضاد ، نظرا إلى أن التذكية زهاق الروح بوجه خاص ، ومقابلها زهاق الروح بوجه آخر ، فالأصل فيهما على حد سواء.

وربما يتوهم لزوم التضاد ، نظرا إلى أن الحرمة لا تنبعث إلا عن مفسدة وجودية قائمة بخصوصية وجودية ، وكذا النجاسة ليست إلا لوجود ما يوجب تنفر الطبع ، فأصالة عدم التزكية معارضة بأصالة عدم ثبوت تلك الخصوصية المقتضية للحرمة والنجاسة.

إلاّ أن الوجه المزبور ـ المقتضي لتقابل التضاد ـ مدفوع ، بأنه من الممكن أن يكون زهاق الروح في حدّ ذاته موجبا للحرمة والنّجاسة ، والخصوصيات الثبوتية من فري الأوداج والتسمية والاستقبال مانعة عن تأثيره في الحرمة والنجاسة.

فلا موجب لفرض خصوصية ثبوتية مقتضية للحرمة والنجاسة ما عدا زهاق الروح المحرز بالوجدان.

وإن كانا متقابلين بتقابل العدم والملكة ـ بأن كان موضوع الحلية والطهارة ما كان مذكى ، وموضوع الحرمة والنجاسة ما كان غير مذكى ، ـ فلا محالة لا مجرى لأصالة عدم التذكية بهذا المعنى ؛ إذ الموضوع ـ للمذكى وغير مذكى ـ ما زهق روحه ، وإلا فالحي من الحيوان لا مذكى ولا غير مذكى.

ولم يعلم أن ما زهق روحه كان غير مذكى ، كما لم يعلم أنه كان مذكى.

وعدم كونه مذكى بنحو السلب المقابل للايجاب ، وإن كان يصدق في حال الحياة ـ ، بداهة عدم خلو كل شيء عن أحد طرفي السلب والايجاب ، بل يصدق بنحو السالبة بانتفاء الموضوع قبل حياته أيضا ـ إلاّ أنه على الفرض ليس موضوعا للحكم ، وإن لزم من عدم كونه مذكى إلى أن زهق روحه كونه غير مذكى ، إلا أنه لازم غير شرعي ، فلا يثبت بالأصل.

١٣٦

وإن كانا متقابلين بتقابل السلب والايجاب بمعنى أن عدم التذكية وإن كان عدم (١) ما شأنه أن يكون مذكى وهو ما زهق روحه.

لكنه لم يؤخذ العدم هكذا موضوعا للحكم ، بل أخذ ما يصدق حال الحياة ، وهو ما ليس بمذكى.

وذلك كما أن عدم البصر ، تارة ـ يؤخذ بنحو عدم ما من شأنه أن يكون بصيرا فيساوق العمى ، فلا يصدق إلا على الحيوان. وأخرى ـ يؤخذ بنحو السلب المقابل للايجاب ، فيقال : الجدار ليس ببصير ، كما أنه ليس بأعمى.

فاذا سلب المذكى عن الحيوان في حال حياته ، فقد صدق السلب المقابل للايجاب وإن لم يصدق العدم المضاف إلى ما من شأنه أن يكون مذكى.

فاذا أخذ العدم بنحو السلب المقابل للايجاب ، فتارة ـ يؤخذ بنحو العدم المحمولي. وأخرى ـ بنحو عدم الرابط.

فالأول على أنحاء : إمّا بنحو عدم العنوان ، ولو بعدم معنونه ، أو بنحو عدم المبدأ ، ولو بعدم موضوعه ، أو بنحو عدم الاضافة والانتساب ، ولو بعدم طرفيهما ، فيكون حينئذ موضوع الحكم مركبا من أمر وجودي ، وهو زهاق الروح ، وأمر عدمي كعدم العنوان أو عدم المبدأ أو عدم الانتساب.

فيصح إحراز العدم على أحد الوجوه الثلاثة بالأصل ، ومع إحراز زهاق الروح وجدانا يحكم بالحرمة والنجاسة.

والثاني ـ بأن يكون الموضوع ما إذا لم يكن ما زهق روحه مذكى.

والفرق بينه وبين العدم والملكة ، أن الموضوع هناك ما كان غير مذكى

__________________

(١) في العبارة مسامحة لأن عدم التذكية ليس عدم ما زهق روحه بل هو العدم فيه باعتبار كونه قابلا للتذكية فكان ينبغي أن يقال وإن كان هو العدم فيما شانه أن يكون مذكى وكذلك قوله قده كما أن عدم البصر تارة يؤخذ بنحو عدم ما من شأنه أن يكون بصيرا فان عدم البصر ليس عدم ما يكون قابلا للبصر بل هو العدم الملحوظ فيما من شأنه أن يكون بصيرا وواجدا للملكة.

١٣٧

بنحو ربط السلب ، والموضوع هنا ما لم يكن ما زهق روحه مذكى ، بنحو سلب الربط عن موضوع مفروض الثبوت.

فمرجع العدم والملكة إلى موجبة معدولة المحمول ، ومرجع سلب الربط إلى السالبة المحصلة ، ولكن بانتفاء المحمول ، لا ولو كانت بانتفاء الموضوع.

وحيث إن السلب حينئذ بعنوان سلب الربط عما زهق روحه ، فلا مجرى لأصالة عدم التذكية ؛ إذ لا علم بعدم كون ما زهق روحه في فرض ثبوته مذكى.

ولا يخفى عليك أن عدم التذكية وسلبها عما زهق روحه ليس مساوقا للعدم الناعتي في قبال الوجود الرابطي ، لا بمعناه المقابل للوجود النّفسي ، ولا بمعناه المقابل للوجود المحمولي.

بيانه : أن الوجود الرابطي له إطلاقان :

أحدهما ـ في مقابل الوجود النّفسي ، كالعرض في قبال الجوهر ، فان كليهما موجود في نفسه ، إلا أن وجود العرض لكونه سنخ وجود حلولي في الموضوع ، فوجوده في نفسه وجوده لموضوعه ، ووجود الجوهر حيث إنه وجود غير حالّ في الموضوع فهو موجود في نفسه لنفسه ، أي لا لغيره.

ومنه علم أن التعبير (١) عن هذا المعنى ـ بأن وجود العرض في نفسه ولنفسه وجوده في موضوعه ولموضوعه ليس على ما ينبغي ، فان معنى وجوده في نفسه في قبال لا في نفسه وهو الكون الرابطي الموجود في الهليّات المركبة الإيجابية.

__________________

(١) كما عن المحقق النائيني قده : قال في مبحث العام والخاص وجود العرض بنفسه ولنفسه عين وجوده لمحلّه وبمحلّه. فوائد الأصول : ١ / ٥٣٢.

وفي مبحث الاستصحاب وجود العرض لنفسه وبنفسه عين وجوده لغيره وبغيره. فوائد الأصول : ٤ / ٥٠٤.

والعبارة المنقولة في المتن كما ترى غير موافقة لما في التقرير في جميع الالفاظ فلعله اخذ العبارة من بعض تلامذة المحقق النائيني قده فكانت كما في المتن.

١٣٨

وأما وجوده لنفسه فهو مناف للمقابلة مع الجوهر ، فان المفروض أنه موجود حلولي في الموضوع ، فكون العرض في الموضوع ، وكونه لموضوعه بمعنى واحد ، فكونه في نفسه مع كونه لنفسه غير متلائمين ؛ إذ ليس معنى نفسيته إلاّ أن الوجود مضاف إلى ماهية هو كونها ، في قبال ثبوت شيء لشيء.

وبالجملة : الناعتية والرابطية لهذا الوجود باعتبار أن سنخ وجوده حلولي في الموضوع.

والعدم لا شيء ، حتى يكون له حلول في شيء ، كي يصح توصيفه حقيقة بالناعتية والرابطية ، وتوصيف عدم البياض بالناعتية من باب التشبيه للعدم بالوجود ، كما يقال : عدم العلة علة لعدم المعلول ، مع أنه لا تأثير ولا تأثر في الأعدام.

فماهية البياض حيث إنها ماهية إذا وجدت خارجا وجدت في الموضوع صح أن يقال : إن عدمه عدم أمر ناعتي ، كما أن الجوهرية والعرضية للماهيّات بلحاظ أنها إذا وجدت خارجا وجدت في الموضوع أولا في الموضوع.

ثانيهما ـ في مقابل الوجود المحمولي ، وهو الوجود لا في نفسه ، في قبال الوجود المضاف إلى ما يصح حمله عليه ، وهو مفاد ثبوت شيء لشيء ، فانه ثبوت متوسط ، شأنه محض الربط ، ولذا اصطلح المتأخرون من المحققين على تسميته بالوجود الرابط ، ليمتاز عن الوجود الرابطي المتقدم ذكره. ومورد الوجود الرابط خصوص مفاد الهليّة المركبة الايجابية دون الهليّة البسيطة ، والسالبة المركبة.

إذ في الهلية البسيطة إما يكون القضية ثبوت الشيء ، أو عدمه ، حيث لا ثبوت للثبوت ، ولا ثبوت للعدم ولا عدم للثبوت ، إذ المماثل لا يقبل المماثل ، والمقابل لا يقبل المقابل ، فمفاد قولنا : زيد موجود ، وزيد معدوم ، وزيد ليس بموجود ، ليس إلا الحكاية عن الوجود في الأول ، وعن العدم في الاخيرين.

١٣٩

والوجود الرابط بالمعنى المزبور غير النسبة الحكمية الموجودة في جميع العقود والقضايا ، فان مفاد الوجود الرابط ثبوت شيء لشيء ، ومفاد النسبة الايجادية الحكمية كون هذا ذاك ، فيتصادقان أحيانا في الهلية المركبة الايجابية.

وأما في الهلية البسيطة الإيجابية ، فالهوية الخارجية وإن كان مطابق مفهوم الموضوع ومفهوم المحمول ـ فيصح أن يقال : هذا ذاك في الوجود ، كما هو شأن الحمل الشائع إلاّ أنه ليس هناك في الواقع ثبوت شيء لشيء ، بل ما في الواقع نفس ثبوت الشيء.

وحيث إن ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له دون الثابت ، فيكون الوجود الرابط متحققا في ( زيد بصير وزيد أعمى ) ، مع أن العمى عدم البصر فيما من شأنه أن يكون بصيرا ، فيوجد الوجود الرابط في مورد الوجود الرابطي بالمعنى الاول وفي غيره.

وحيث إن المحمول في مثل ( زيد أعمى ) أو ( الانسان ممكن ) عدمي كان من الموجبة المعدولة المحمول ، ويكون مفاد النسبة ربط السلب ، فان السلب في مثله جزء المحمول.

وأما في السالبة المحصلة المركبة ، كزيد ليس بقائم ، فكما لا وجود رابط ، كذلك لا عدم رابط ، بل عدم الرابط ، فان التحقيق على ما عليه قدماء الفلاسفة والمحققون من المتأخرين أنه ليس العدم رابطا ، وليست النسبة على قسمين ثبوتية وسلبية ، فان حقيقة النسبة المتحققة في جميع القضايا ليست ، إلا كون هذا ذاك ، ومطابقها هوية واحدة هي وجود الموضوع والمحمول ، وما به اتحادهما ، لا بما هو وجود كل منهما في نفسه.

فهذا الاتحاد الجزئي المتصور ، تارة ـ يذعن العقل بثبوته ، فالقضية موجبة. وأخرى ـ يذعن العقل بانتفائه ، فتكون القضية سالبة ، لا أنه بحسب الواقع شيء رابط هو عين الانتفاء والليسية ، فان العدم على أي حال لا شيء ، فلا معنى

١٤٠