نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


المحقق: الشيخ أبو الحسن القائمي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-40-X
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٤٦٤

الأول ظاهرا لا يقتضي التعبد بالثاني إلاّ على الأصل المثبت.

وترتب كل منهما على الصحة المستصحبة لا يخلو عن إشكال :

أما الأول : فان وجوب الاستئناف وعدمه ليسا حكمين جديدين من الشارع ، بحيث يترتب الأول على فساد الأجزاء السابقة والثاني على صحتها.

بل إما حكمان عقليان مترتبان على بقاء الأمر وسقوطه ، كما في وجوب الاعادة وعدمه بعد العمل.

أو هما عبارتان عن نفس بقاء الأمر وسقوطه.

وعدم قبول الأول للتعبد واضح.

وترتب الثاني كذلك عند التحقيق ، فان المجعول هو الأمر بالاجزاء وعدم الأمر بها ، لإبقاء الأمر مع عدم اتيانها ، وسقوطه مع إتيانها ، فانهما أيضا عقليان لا شرعيان ، فان متعلق الأمر المقوم له ، والمطلوب به ، والمترتب عليه الحكم شرعا بعين تعلقه به ، ليس عدم اتيانه خارجا ، كما أنه ليس متعلق عدمه عين اتيانه الخارجي ، فليس الترتب شرعيا إلا بالاضافة إلى نفس متعلقه المطلوب تحصيله أو متعلقه الذي لا يطلب تحصيله.

وعليه فمقتضى الأصل في نفس الحكم هنا هو بقاء الأمر باقتضاءاته.

إذ ليس عدم المانع جزء في عرض سائر الأجزاء ، حتى يقال : إن الأمر الغيري متعلق بذات الجزء ، وحينئذ يسقط قهرا باتيان ذات الجزء بناء على عدم القول بالمقدمة الموصلة.

أو إن اقتضاء الأمر النفسي يسقط شيئا فشيئا باتيان ذوات الأجزاء ، فيرجع الشك إلى عود الأمر المقدمي ، أو عود اقتضاء الأمر النفسي ، بعد بطلان المقدمة بسبب وجود العارض المشكوك.

بل لو كان عدم العارض مأخوذا في المركب لكان مأخوذا بنحو الشرطية ، فيكون سقوط الأمر الغيري أو اقتضاءات الأمر النفسي منوطا واقعا بحصول

٣٦١

الشرط ليقع الجزء على ما ينبغي وقوعه عليه من التأثير بسبب وجود ما له دخل في فعلية تأثيره ، وحينئذ يشك في أن الاقتضاء سقط لعدم دخل لعدم العارض فيه ، أو باق على حاله لدخله في سقوطه.

ومنه تعرف ما فيما أفاده بعض الاجلة (قدس سره) (١) من أن الأمر الغيري بالجزء اللاحق تعليقي قبل اتيان الجزء السابق ، وتنجيزي بعد إتيانه ، فيشك بعد عروض العارض في سقوط الوجوب التنجيزي.

وذلك لأن وصول النوبة إلى فعلية الأمر باللاحق ، أو فعلية اقتضائه مشكوك ، فلا معنى لاستصحابه.

وأما الثاني ، فلأن حصول المركب ـ بانضمام سائر الأجزاء إلى الأجزاء السابقة ـ لازم عقلي لبقاء الأجزاء السابقة على ما كان عليه من الاستعداد والأثر الناقص ، فلا يترتب على التعبد ببقائها.

وأما دعوى (٢) استلزام التعبد ببقاء الأجزاء السابقة على ما هي عليه ، للتعبد بحصول المركب من انضمام الأجزاء اللاحقة عرفا ، كما في نظير المقام عن شيخنا العلامة ( رفع الله مقامه ).

فمدفوعة بأن ما استثناه شيخنا (٣) (قدس سره) في البحث عن الأصل المثبت صورتان لا ينطبق شيء منهما على ما نحن فيه.

إحداهما : التعبد بأحد المتضايفين ، فانه تعبّد بالآخر ، نظرا إلى أنه كواحد ذي وجهين.

ثانيتهما : التعبد بالعلة التامة أو الجزء الأخير منها ، فانه يستلزم التعبد

__________________

(١) وهو المحقق الهمداني قده. الفوائد الرضوية على الفرائد المرتضوية / ١١٣.

(٢) تعليقة المصنف قده على فرائد الأصول / ٢٢٥.

(٣) تعليقته على الفرائد / ٢١٧ و ٢٢٠.

٣٦٢

بالمعلول عرفا وإن كانا اثنين.

ومن الواضح أنه لا تضايف بين القابلية والفعلية على تقدير الانضمام ، كيف والمتضايفان متكافئان في القوة والفعلية ، فلا يعقل فعلية القابلية وتقديرية مضايفها؟

وأما القابل والمقبول ، فهما متضايفان ، إلا أن مضايف القابل هو المقبول في مرتبة ذات القابل ، لا في مرتبة وجوده الخاص به في نظام الوجود.

ومن البين أن وجوده في مرتبة ذات القابل لا يجدي شيئا ، كما هو واضح.

ومن البديهي أيضا أن الأجزاء السابقة وان كانت من علل قوام المركب ، لكنها ليست علة تامة له ولا جزؤها الأخير.

ودعوى الاستلزام بوجه آخر غير الوجهين المتقدمين بلا وجه.

نعم استصحاب حصول المركب على تقدير انضمام ذوات الأجزاء اللاحقة إلى السابقة قبل عروض العارض ، لا مانع منه في نفسه.

إلا أنه لا يترتب عليه أثر إلا سقوط الأمر بالمركب وقد مرّ أنه عقلي لا جعلي ، فتدبر جيّدا. هذا كله في استصحاب الصحة بلحاظ المانع.

وأما بلحاظ القاطع ، فربما يستصحب بقاء الهيئة الاتصالية بعد عروض العارض ، فان بقاء تلك الهيئة الواحدة بوحدة اتصالية مشكوك ، فيستصحب إما بالمسامحة في موضوعها ، أو بالمسامحة في نفس المستصحب.

إلا أن اعتبار القاطع بهذا المعنى في قبال المانع ، بلا موجب إلاّ مجرد التعبير بالقاطع.

والتحقيق : أن الهيئة الاتصالية والجزء الصوري للمركب غير معقولة ، سواء أريد بها الجزء الصوري حقيقة أو اعتبارا وعنوانا :

أما حقيقة ، فلأن الصلاة مركبة من مقولات عرضية متباينة ، وليس للأعراض مادة وصورة خارجية ، لأنها بسائط وجنسها وفصلها عقليان ، فلا يعقل

٣٦٣

أن يكون لواحد منها جزء صوري حقيقي ، فضلا من أن يكون لمجموعها جزء صوري حقيقي.

وأما عنوانا واعتبارا ، فلأن الحركة والاشتداد والوحدة الاتصالية لا تكون إلا في بعض المقولات فضلا عن الاعتبارات ، ولا يوصف العناوين الاعتبارية بالاشتداد والاتصال إلاّ بتبع معنوناتها ، وهي مقولات متباينة ، بل لو كانت أفراد مقولة واحدة لم يعقل جريان الاشتداد فيها ، فان شرطه الوحدة ، وليس هنا وجود واحد من مقولة حتى يتحرك من حد إلى حد ، فلا يعقل هيئة اتصالية حقيقية ولا اعتبارية لأجزاء الصلاة.

فان قلت : ما ذكرت من التبعية إنما هو في الأمور الانتزاعية التابعة لمناشئ انتزاعها في الوحدة والتعدد ، فلم لا يكون من الاعتبارات المحضة ، فكما أن الصلاة واحدة بالاعتبار ، إما لوحدة الغرض وإما لوحدة الطلب ، فلتكن واحدة باعتبار آخر ، وهو وحدة العنوان الاعتباري المنطبق على المجموع ، لا على كل جزء حتى لا يلزم الخلف من فرض وحدة العنوان.

قلت : فمع تخلل هذا المسمى بالقاطع لا يتحقق العنوان من رأس ، فانه فرض انطباقه على المجموع ، فلا واحد حتى يقطعه ويزيل الاتصال الحقيقي أو الاعتباري.

إلا أن يقتصر على هذا المقدار من الفرق بين المانع والقاطع ، وهو إن الشيء المتخلل إذا كان مقتضيا لما ينافي أثر الجزء فهو مانع ، وإذا كان ضدا بنفسه للأمر الاعتباري فيمنع عن تحققه لا عن تأثيره ، فهو قاطع.

ومع هذا كله فالالتزام بالقاطع المقابل للمانع ولو بهذا المعنى بلا ملزم ، بل القاطع سنخ من المانع. فان المانع : إذا كان مقارنا للشيء أو لأول العمل كان دافعا محضا.

وإذا كان بعده كان رافعا محضا.

٣٦٤

وإذا كان في أثنائه كان رافعا لما سبقه ، ودافعا لما لحقه ، وبهذا الاعتبار اختص المانع الواقع في أثناء العمل بالقاطع ، والحدث المقارن لأول الصلاة مانع دافع ، والواقع في اثنائها قاطع ، والواقع بعد الوضوء ناقض له ورافع لأثره.

ثم إن هذا كله في استصحاب الصحة من حيث المانع أو القاطع.

وأما جريان الأصل في المانع ، سواء كان الشك في مانعية أمر موجود أو وجود المانع فتحقيق القول فيه :

أما إذا كان الشك في المانعية فلا أصل فيها.

بيانه : أن المعروف أن المانعية مستفادة من النهي الغيري ، ومن البين أن النهي الغيري : تارة يكون ذاتيا ، وهو فيما إذا كان محرم نفسي يتوقف على مقدمة ، فمقدمته الأخيرة أو مطلق المقدمة حرام غيري.

مع أنه ليس هناك نهي عن شيء ينبعث منه نهي عن الصلاة المقترنة بوجود المسمى بالمانع.

وأخرى : يكون عرضيا ، وهو ما إذا أمر بمركب مقرون بعدم شيء ، فيكون ذلك العدم واجبا غيريا بالذات ، ونقيضه ـ وهو وجود المانع ـ حرام غيري بالعرض.

وإلا فمن الواضح : أن كل حكم لا ينحل إلى حكمين نفيا وإثباتا.

ومنه يتضح للمتأمل ان المجعول بالجعل التشريعي التبعي شرطية عدم المانع الواقعي ، لا مانعية وجوده ، لعدم تعقل النهي الغيري الذاتي ، وعدم الجدوى في النهي الغيري العرضي ، حيث إنه ليس من حقيقة الحكم المجعول ، بل ينسب اليه بالعرض والمجاز.

بل هذا النهي الغيري العرضي أيضا لا يصحح انتزاع المانعية ، فان المصحح لانتزاع الجزئية أو الشرطية هو الأمر النفسي بالمركب والمقيد بما هو ، دون الوجوب الغيري ، بل الوجوب الغيري متفرع على جزئيته وشرطيته ،

٣٦٥

فاذا كان الوجوب الغيري المتعلق بعدم شيء كذلك ، فالنهي الغيري العرضي عن وجوده أولى بذلك.

ومنه يتضح : أن التعبير بالنهي الضمني ـ الذي هو مرجعه إلى طلب العدم ، الذي هو مدلول منطوقي للأمر بالمركب والمقيد بعدم شيء ـ لا يجدي شيئا ، لأن الطلب الضمني التحليلي ـ سواء تعلق بالوجود أو العدم ـ لا يصحح الجزئية ولا الشرطية ، فضلا عن المانعية.

مع أن النهي الضمني إنما يتصور إذا أخذ العدم بنحو الجزئية لا بنحو الشرطية ، كما مرّ مرارا (١).

كما أن الارشاد إلى المانعية ليس من حقيقة الحكم الذي يكون المانعية مجعولة بجعله.

بل إرشاد إلى المانعية الواقعية بلحاظ التأثير والتأثر ، لا بلحاظ مقام الجعل ، فالارشاد إلى المانعية الجعلية غير معقول ، حيث لا مورد لجعلها ، فليس المجعول إلا شرطية العدم ، بجعل الأمر بالمركب المقرون بعدم الشيء.

وعليه فنقول : أما بالاضافة إلى المجعول بالاصالة ، وهو الأمر بالصلاة ، فمن باب تعيين الحادث بالأصل ، لانقلاب العدم الأزلي إلى الوجود ، ودوران الموجود بين أن يكون الأمر بالمركب المقرون بعدم ذلك الشيء ، أو الغير المقرون به ، ولا حالة سابقة له.

__________________

(١) منها في التعليقة ١٠٦. ومنها في التعليقة ١٠٨. ومنها في هذه التعليقة والمراد من العبارة هو عدم إمكان النهي الضمني لأنه منوط بأخذ العدم جزء في المكلف به والمنهي عنه وهو باطل كما عرفت في التعليقات المتقدمة وأنه مأخوذ شرطا في جميع الموارد كما هو صريح كلامه هنا ايضا حيث قال فليس المجعول الا شرطية العدم فالمراد هو انه مرّ مرارا أن العدم يؤخذ في موضوع الحكم بنحو الشرطية لا الجزئية فليس المراد أنه مر مرارا أن النهي الضمني إنما يتصور فيما إذا أخذ العدم بنحو الجزئية فإنّه لم يتقدم منه حتى مرّة واحدة فضلا عما إذا كان مرارا.

٣٦٦

وأما بالاضافة الى المجعول بالتبع أعني شرطية العدم للصلاة :

فان أريد العدم الرابط ، فليس له حالة سابقة ؛ اذ متى كانت الصلاة واجبة ولم يكن العدم شرطا لها؟

وإن أريد العدم المحمولي ، فله حالة سابقة بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ، إلا أنه لا يجدي ، لا لأن بقاء العدم المحمولي غير مشكوك لأنه في زمان الجعل : إما قد انقلب إلى الوجود ، أو الى العدم النعتي نظرا الى أن العدم حال وجود الموضوع نعتيّ مع أن جر العدم المحمولي لاثبات العدم النعتي مثبت ، وذلك لما مرّ مرارا من (١) أن العدم المحمولي كالوجود المحمولي قابل للفرض سواء كان الموضوع موجودا أو لا إذ لا مقابلة بين المحمولي والناعتي ، بل المقابلة بين المحمولي والرابط ، وبين الناعتي والنفسي.

بل لأن استصحاب العدم المحمولي ، بنحو السالبة بانتفاء الموضوع الى حال جعل الأمر بالصلاة ، لا يثبت أن الصلاة المأمور بها ليست مقيدة بكذا ، بنحو العدم الرابطي.

إلاّ أنّا قد بينّا في (٢) المباحث السابقة وفي غيرها أصولا (٣) وفقها (٤) أنا لا نحتاج إلى استصحاب العدم المحمولي.

بل نحتاج إلى تشكيل قضية سالبة تعبدية ، وهي : أن الصلاة ليست

__________________

(١) منها ما ذكره في مبحث العام والخاص وقد عبر عنه بعنوان نفي الكون المحمولي. نهاية الدراية ٢ التعليقة ١٩٠.

ومنها ما مرّ منه قده في مبحث البراءة ، التعليقة ٤٢ و ٤٣ و ٤٦.

(٢) في التعليقة ٤٢.

(٣) الذي ذكره فيما يأتي من مبحث الاستصحاب هو جريان الاستصحاب في العدم المحمولي والعدم الرابط وليس فيه أن الاستصحاب في العدم المحمولي غير محتاج اليه. نهاية الدراية ٥ : التعليقة ٩٨.

(٤) في تعليقة على المكاسب في اعتبار عدم مخالفة الشرط للكتاب ٢ / ١٤٤.

٣٦٧

مقيدة بكذا. والسالبة كما تصح مع وجود الموضوع كذلك مع عدمه إذ لا شأن للسالبة دائما إلا نفي النسبة ، لا أنها نسبة عدمية ، ولا معنى للعدم الرابط على حد الوجود الرابط ، بل العدم النقيض للوجود الرابط رفعه ، وهو عدم الرابط ، فيصح أن الصلاة مطلوبة ، وأنها من أزل الآزال إلى الآن لم تتقيد بكذا ، غاية الأمر أنها كذلك تارة في ظرف عدم الموضوع واقعا ، وأخرى في ظرف وجوده تعبدا.

ومن الواضح : أن عدم كون الصلاة متقيّدة بشيء ، ليس مضمون قضية لفظية ليستظهر منها السالبة بانتفاء المحمول في ظرف وجود الموضوع ، كما يدعى في عدم القرشية ، أو عدم المخالفة للكتاب وأشباهها (١) ، فافهم جيّدا.

نعم أصالة عدم اقتران الصلاة المأتي بها بعدم ما يعتبره (٢) الشارع مانعا ـ إذا كان عروض مشكوك المانعية في الأثناء ـ جارية ، وهي مجدية أيضا وإن لم يعلم حال العارض من حيث إنه مانع شرعا أم لا. إذ الغرض يحصل بمجرد التعبد بعدم اقتران الصلاة بكل ما يكون مانعا شرعا ، وهو أصل نافع في الشبهة الحكمية والموضوعية إذا كان العروض في أثناء العمل.

إلا أن يكون العارض بحيث يحتمل رافعيته ودافعيته معا ، فانه لا حالة سابقة بالاضافة إلى الأجزاء اللاحقة ، وكذا لو كان العارض أمرا مستمرا مع الأجزاء اللاحقة.

نعم إذا كان العدم من أجزاء المركب في عرض سائر الأجزاء ، لا من اعتباراتها ، فأصالة العدم مستمرة إلى آخر العمل ، ولو لم يحرز صدور الأجزاء مقترنة به. هذا في الشك في المانعية.

وأما إذا شك في وجود المانع : فان كان عدمه من أجزاء الصلاة ، فهو

__________________

(١) هكذا في الاصل ، لكن الصحيح : وأشباههما.

(٢) كذا في الاصل ، لكن الصحيح : بما يعتبره.

٣٦٨

مسبوق بالعدم لا محالة ، فيحرز بالأصل إلى آخر العمل.

وإن كان من اعتبارات الصلاة ـ كما هو معنى عدم المانع المجعول شرطا في الصلاة ـ فجريان الأصل موقوف على كونه في ابتداء العمل خاليا عن المانع قطعا ، فيستصحب اقتران العمل بعدم المانع ، أو كان (١) وجوده مشكوكا من أول الأمر ، فلا حالة سابقة له.

وأمّا العدم الأزلي أو العدم قبل الصلاة ، فلا يثبت به اقتران الصلاة به.

نعم في استصحاب وجود الشرط ، وعدم المانع كلية إشكال :

وهو : أن الغرض منه سقوط الأمر بالمركب بالتعبد بوجود شرطه أو عدم مانعة ، وهو ترتب عقلي لا شرعي ؛ إذ الترتب الشرعي للحكم بالاضافة إلى متعلقه بتحصيل ذاته وشرطه وعدم مانعة ، لا ترتب بقائه على عدم متعلقه ذاتا أو شرطا ، وجودا أو عدما ، ولا ترتب سقوطه على إتيان متعلقه بذاته أو بشرطه الوجودي أو العدمي.

وأما قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ ، فهما ابتداء تعبد بعدم وجوب ايجاد المشكوك وجوده ، وبعدم ايجاد المشكوك صحته ، لا بلسان التعبد الاستصحابي باتيان المشكوك وجوده أو صحته ، كما فيما نحن فيه.

كقاعدة الشك بعد الوقت ، فانه تعبد بعدم وجوب الفعل لا بلسان التعبد بإتيانه في وقته ، مع أنه لو كان لسان بعضها البناء على الوجود لزم صرفه إلى التعبد بعدم الأمر ، لئلا يلزم اللغوية.

وليس كالاستصحاب الغير المختص بهذا المورد ، ليلزم صرفه إلى ما ذكرنا.

إلا أن يقال : ـ بملاحظة ورود بعض أدلة الاستصحاب في مورد استصحاب وجود الشرط ـ إنّ التعبد بتحقق الشرط ـ وجوديّا كان أو عدميا ـ ،

__________________

(١) كذا في الأصل ، لكن الصحيح : وإذا كان.

٣٦٩

تعبد بشرطية مثله تطبيقا ، فمرجعه إلى أن الوجود الاستصحابي أو العدم الاستصحابي شرط ، بلسان البناء على أنه الشرط الواقعي ، فيفيد تعلّق الأمر بالتقيد بمثله أيضا ، فتدبر جيدا.

ثم إنه لا باس بالتعرض لحكم الزيادة من حيث الأخبار.

فنقول : أخبار الباب على أقسام :

فمنها : ما يستفاد منه عدم مبطلية الزيادة في غير الأركان ، كقوله عليه السلام : ( لا تعاد الصلاة إلا من خمسة ) (١).

ومنها : ما يدل بظاهره أن مطلق الزيادة مبطل ، كقوله عليه السلام : ( من زاد في صلاته فعليه الاعادة ) (٢).

وكقوله عليه السلام فيمن أتم في السفر إنه يعيده قال عليه السلام : ( لأنه زاد في فرض الله ) (٣).

ومنها : ما يدل على ان الزيادة السهوية مبطلة مطلقا كقوله عليه السلام : ( إذا استيقن انه زاد في المكتوبة فليستقبل صلاته ) (٤).

ومنها : ما يدل بظاهره أن الزيادة مطلقا غير مبطلة ، كقوله عليه السلام : ( لكل زيادة ونقيصة تدخل عليك تسجد سجدتي السهو ) (٥).

والمهم بيان ما يستفاد من قوله عليه السلام ( لا تعاد ) من حيث شموله

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ / ١٥٢ : الخصال / ٢٨٥.

(٢) الكافي ٣ / ٣٥٥ : تهذيب الاحكام ٢ / ١٩٤.

(٣) الخصال / ٦٠٤ : متن الحديث ومن لم يقصّر في السفر لم تجزئ صلاته لأنه قد زاد في فرض الله عزّ وجلّ.

(٤) الكافي ٣ / ٥ ـ ٣٥٤ : تهذيب الاحكام ٢ / ١٩٤ لعله قده أراد نقل الحديث بالمعنى لأنه مغاير لما في المصدرين.

(٥) تهذيب الأحكام ٢ / ١٥٥ متن الحديث : تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان.

٣٧٠

للعمد والسهو ، ومن حيث شموله للزيادة والنقص :

أما شموله للعمد والسهو ، فربما يتخيل أن شموله للنقص عن عمد وعلم ينافي الجزئية والشرطية حتى بلحاظ مرتبة الفعلية ، فلا معنى لصحة الصلاة مع ترك الجزء الثابت الجزئية.

وفيه : أن الصحة بمعنى موافقة المأتي به للمأمور به الفعلي كذلك ، إلا أن الصحة بمعنى التمامية من حيث الأثر وقيام الغرض الملزم بالمأتي به بمرتبة ـ بحيث لا يبقى مجال لاستيفاء ما بقي ـ معقولة ، كما في القصر والاتمام والجهر والاخفات ، فحيث إن المأتي به واف بمرتبة من الغرض صحت صلاته.

وحيث إن الباقي لا يمكن استيفاؤه لا تجب الاعادة.

وحيث إن الفائت مرتبة ملزمة من الغرض يستحقّ العقاب على تركه.

بل ربما يقال (١) : بصحة الأمر بالناقص مع الأمر بالتام. وسيجيء ـ إن شاء الله تعالى ـ في آخر (٢) البراءة البحث عن معقوليّته.

إلا أن الظاهر من قوله ( لا تعاد ) أنه في مقام عدم لزوم الاعادة لما تركه من عذر ، لا عدم لزوم إعادة ما يجب فعله ويحرم تركه فعلا ، بحيث يعاقب عليه.

نعم تخصيصه بخصوص السهو والنسيان بلا موجب ، فلا مانع من تعميمه لكل ما ترك عن عذر ، كالجهل عن قصور لا عن تقصير.

وأما من حيث شموله للزيادة والنقص. فنقول محتملاته أربعة :

أحدها : أنه لا تعاد الصلاة من قبل نقص كل جزء وجودي من أجزائها إلا الخمسة.

ثانيها : أنه لا تعاد الصلاة من قبل نقص كل جزء من أجزائها الأعم

__________________

(١) القائل هو المحقق العراقي قده. نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الثالث / ٤٨٤.

(٢) في التعليقة ١٣٣.

٣٧١

من الوجودي والعدمي ، كعدم الزيادة المأخوذ شرطا في الصلاة بدليله.

ثالثها : أنه لا تعاد الصلاة بسبب الخلل من ناحية أجزائها إلا بالخلل من قبل الخمسة.

رابعها : أنه لا تعاد الصلاة بسبب نقص جزء أو زيادة جزء إلا الخمسة.

والأول : لا دلالة له على حكم الزيادة بوجه ، فلا يعارض أخبار الزيادة أصلا.

والثاني : يدل على أن نقص الجزء (١) العدمي مطلقا سواء كان عدم زيادة الركن أو غيره لا يوجب الاعادة ، لأن المستثنى نقص الخمسة وعدم الزيادة (٢) حينئذ نقص في الصلاة ، لمكان اعتبار عدمها لا أنه نقص في الركوع (٣).

والثالث : يدل على أن كل خلل من ناحية الخمسة يوجب الاعادة دون غيرها.

ومع اعتبار عدم زيادة الركوع والسجود تكون الزيادة خللا في الصلاة من ناحية زيادة الركوع أو السجود ، فزيادة الركوع خلل من ناحية الركوع ، وليست نقصا من ناحية الركوع.

ومفاد الاحتمال الرابع واضح ، إلا أن الفرق بينه وبين الاحتمال الثاني والثالث ، أن لسانه على هذين الاحتمالين لسان الحكومة ، وعلى الرابع لسان

__________________

(١) هكذا في الأصل ، لكن الصحيح : الجزء الوجودي والعدمي.

(٢) الظاهر وقوع التصحيف في العبارة ، فإن عدم الزيادة ليس نقصا فى الصلاة بل الزيادة نقص فيها لفرض كون العدم جزء للصلاة ، لا الزيادة حتى يكون عدمها نقصا في الصلاة فالصحيح أن تكون العبارة هكذا والزيادة حينئذ نقص في الصلاة لمكان اعتبار عدمها لا أنه نقص في الركن.

(٣) هكذا في الأصل ، لكن الصحيح : في الركن ، وانظر الهامش السابق.

٣٧٢

التعارض ، لأن كون الزيادة نقصا في الصلاة من حيث الجزء العدمي أو كونها خللا فيها من ناحية الركوع مثلا يتوقف على ثبوت اعتبار عدمها بمثل قوله عليه السلام : ( من زاد في صلاته ) فيكون ناظرا إليه وشارحا له ، ومبيّنا لمقدار مدلوله من حيث عدم شموله للنقص والخلل عن سهو ، أو في غير الأركان.

بخلاف من زاد ، فانه حكم الزيادة بعنوانها ، وبيان اعتبار عدمها في الصلاة كسائر أدلة الاجزاء والشرائط.

ولا تعاد على الاحتمال الرابع موضوعه عين موضوع من زاد ، لأن مفاده عدم وجوب الاعادة بسبب الزيادة بعنوانها ، ونفس موضوع الزيادة لا يتوقف على اعتبار عدمها في الصلاة ، حتى يكون ( لا تعاد ) مبنيّا على اعتبار عدمها بدليله ، حتى يكون مبيّنا لمقدار مدلوله.

بل هما حكما وموضوعا على نهج واحد ، وإن كان بينهما عموم من وجه ، لكنه سيجيء ـ إن شاء الله تعالى ـ تقريب الحكومة على هذا الوجه أيضا.

إذا عرفت ما ذكرنا : من عدم المعارضة أصلا على احتمال ، ومن الحكومة على احتمالين ، ومن التعارض المحض على احتمال آخر ، فلا بد من ترجيح أحد الاحتمالات حتى يلاحظ نسبته مع أخبار الزيادة.

فنقول : الأرجح من الاحتمالات هو الاحتمال الثاني :

أما كونه أرجح من الأول ، إذ لا موجب للاقتصار على خصوص الأجزاء الوجودية وإن كان المستثنى من الوجوديات ، بل الظاهر أن الصلاة المركبة من الامور الوجودية والعدمية لا تعاد بنقص شيء منها إلا بنقص هذه الخمسة.

لا أن الصلاة لا تعاد بنقص بعض اجزائها الا بنقص بعض بعضها.

وحذف المتعلق في طرف المستثنى منه دليل العموم ، واستثناء خصوص بعض الوجوديات ليس دليلا على أن المستثنى منه أيضا خصوص الوجوديات.

وأما كونه أرجح من الثالث ، فلزيادة عناية في الثالث باعتبار عنوان

٣٧٣

الخلل الصادق على النقص والزيادة بخلاف اعتبار النقص ، فان المركب المطلوب تحصيله لا تعاد من قبل تحصيله ، بل من قبل تركه ، فتعاد من قبل ترك الخمسة ، لا من قبل وجودها ، وكذا ( لا تعاد ) من قبل ترك ما عدا الخمسة ، فانه لا يحتاج إلى عناية زائدة على ترك ما يطلب تحصيله.

وأما كونه ارجح من الرابع ، فلأنه لا دليل أولا على تقدير الزيادة والنقص بعنوانهما.

ولا يصح ثانيا تعلقهما بالخمسة ، إذ لا تعقل الزيادة فيما عدا الركوع والسجود ، من الوقت والقبلة والطّهور.

وجعل الزيادة باعتبار المجموع ، مع أن كل واحد من الخمسة مستثنى لا مجموعها ، بلا وجه.

نعم بناء على صحة هذا الوجه في نفسه ، يصح تقريب حكومة ( لا تعاد ) على قوله عليه السلام ( من زاد ) ، فان دليل ( لا تعاد ) ليس على حدّ قوله عليه السلام : ( من زاد ) بصدد نفي جزئية عدم الزيادة ، حتى يكون معارضا له ، بل بصدد نفي وجوب الاعادة عن الزيادة المفروغ عن جزئية عدمها واقعا إذا صدرت عن عذر. فتدبر.

وعليه فمفاد ( لا تعاد ) أن نقص كل جزء وجودي أو عدمي يعتبر في الصلاة لا تعاد الصلاة منه إذا كان عن عذر ، إلا نقص الخمسة.

فزيادة الركن ، وإن كان من حيث عدمها المعتبر في الصلاة راجعة إلى النقص ، إلا أنه داخل في نقص جزء من الصلاة لا نقص الركن ، فيدل على عدم مبطلية مطلق الزيادة العذرية ركنية كانت أو غير ركنية.

وحينئذ : فان لوحظ ( لا تعاد ) بالاضافة إلى قوله عليه السلام ( من زاد ) فيكون حاكما عليه ، ويوجب قصر مدلوله على الزيادة العمدية.

وعلى فرض المعارضة ، فقوله عليه السلام : ( لا تعاد ) في شموله للمستثنى

٣٧٤

منه بعد اخراج الخمسة من حيث تأكد ظهوره بالاستثناء أظهر من شمول من زاد للزيادة السهوية.

وإن لوحظ لا تعاد بالاضافة إلى قوله عليه السلام : ( لأنه زاد في فرض الله ) الدال على أن كل زيادة في فرض الله توجب الاعادة ، فله الحكومة عليه أيضا ـ سواء أريد الزيادة في الصلاة التي هي فريضة الله تعالى أو أريد الزيادة في الجزء المقوم حقيقة كالركن ـ ، فانه فريضة وغيره سنة كما في بعض الروايات (١) من جعل بعض الأجزاء الواجبة فريضة وبعضها الآخر سنة ، فان عموم العلة على الثاني ، وإن كان أخص من حيث اختصاصه بالزيادة الركنية دون لا تعاد ، إلا أنه أعم من حيث شموله للعمد والسهو دون لا تعاد. مع أنه إذا كان اللسان من باب الحكومة لا يلاحظ العموم والخصوص بين الحاكم والمحكوم.

نعم : إذا أريد الجزء الركني من فرض الله كان دليلا بنفسه على عدم مبطلية زيادة غير الركن ، لأن من زاد في صلاته ركعتين أو ركعة مثلا كانت زيادة الركوع والسجود مسبوقة بزيادات أخر.

فلو كانت الزيادة مبطلة مطلقا كان البطلان مستندا إلى الجزء السابق ، فانه أسبق العلل ، ولا يصح استناد البطلان إلى العلة اللاحقة ، وهي زيادة الركوع.

إلا أن الظاهر من هذه الرواية الزيادة في الصلاة ، لا في الفريضة بمعنى الركن أو ما فرضه الله في قبال ما فرضه النبي صلّى الله عليه وآله.

وإن لوحظ لا تعاد بالاضافة إلى قوله عليه السلام ( إذا استيقن ... إلى آخره ) فلا حكومة حينئذ ، لأن قوله عليه السلام ( إذا استيقن ) متكفل لحكم العمل بعنوان السهو ، الاّ أن الترجيح لقوله عليه السلام لا تعاد ، لوجوه من

__________________

(١) وهو ما رواه في الخصال / ٦٠٤.

٣٧٥

الخلل في خبر ( إذا استيقن ) :

أحدها : ضعف السند.

ثانيها : أنه في نسخة الكافي ( إذا استيقن أنه زاد في المكتوبة ركعة ) وصاحب الكافي (قدّس سره) أضبط في الروايات من صاحب التهذيب (رحمه الله) ولا أقل من الاجمال ، والمتيقن منه زيادة الركعة ، لا الركن ولا مطلق الزيادة ، ولعل لزيادة الركعة التامة خصوصية.

بل يمكن أن يقال : إن قوله ( لا تعاد ) لا يعم زيادة الركعة ، بل ظاهره زيادة كل جزء اعتبر عدمها في الصلاة ، لا زيادة مجموع الاجزاء.

ثالثها : أنه لا محذور في تخصيص ( إذا استيقن ) بزيادة الركن ، بخلاف ما إذا خصصنا ( لا تعاد ) بقصره على النقص المحض ، لما ادعي من الاجماع على الملازمة بين مبطلية الزيادة السهوية ومبطلية النقص السهوي ، فبملاحظة هذه الملازمة لا بد : إما من تخصيص ( إذا استيقن ) بقصره على زيادة الركن ، لانحفاظ الملازمة حينئذ ، أو تخصيص ( لا تعاد ) وبقاؤه بلا مورد ، للزوم إلحاق النقص السهوي في غير الركن إلى الزيادة السهوية فيه.

نعم : يندفع الوجه الأول الذي أجاب به من حيث ضعف السند بعض السادة الاعلام (قدّس سره) (١) ، ومن حيث اضطراب المتن واختلاف الكافي والتهذيب بعض الأجلة (قدّس سره) (٢) في مصباح الفقيه ، وذلك لأن السند حسن كالصحيح بابراهيم بن هاشم ، ولا اختلاف بين التهذيب والكافي ، بل في الكافي روايتان :

إحداهما : في باب السهو في الركوع عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن

__________________

(١) لم نعرفه.

(٢) هو المحقق الهمداني قده. كتاب الصلاة من مصباح الفقيه / ٥٣٨.

٣٧٦

ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( إذا استيقن أنه قد زاد في الصلاة المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل الصلاة استقبالا ) الخبر (١).

ثانيهما : في باب من سها في الأربع والخمس عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة وبكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( إذا استيقن أنه قد زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا ) الخبر (٢).

والذي حكاه في التهذيب كما شاهدته هي الرواية الثانية بسندها الممتاز عن الأولى بضميمة بكير بن أعين إلى زرارة في الثانية بعبارتها المختلفة مع الأولى في الجملة (٣).

والعجب من صاحب الوسائل حيث روى (٤) عن صاحب الكافي ما هو بحسب السند عين الثانية ، ومع ذلك هو متضمن لزيادة الركعة.

واعجب منه أنه ذكر بعد ذلك ، وروى محمد بن الحسن بالاسناد مثله ، مع أن الشيخ روى الثانية الخالية عن اضافة الركعة.

وبالجملة إذا كانت هناك روايتان فلا تنافي بينهما ، لأنهما مثبتان ، وإن كانت رواية واحدة فهي مجملة ، ولا مانع من كونهما روايتين إلا مجرّد الاستبعاد والله العالم.

وأما ملاحظة النسبة بين سائر الأخبار ، فمجملها أن قوله عليه السلام : ( من زاد ) مع قوله عليه السلام : ( إذا استيقن ) مثبتان لا معارضة بينهما ، بل

__________________

(١) الكافي ٣ / ٣٤٨.

(٢) الكافي ٣ / ٣٥٤.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ / ١٩٤.

(٤) وسائل الشيعة ٨ / ٢٣١.

٣٧٧

المعارضة بين كل من قوله عليه السلام : ( من زاد ) وقوله عليه السلام : ( إذا استيقن ) مع قوله عليه السلام : ( لكل زيادة ونقيصة ).

فنقول : حيث إن قوله عليه السلام : ( لكل زيادة ونقيصة ) بمنزلة عامين لا عام واحد ، كما هو ظاهر ، فهو مع أنه حكم بعنوان السهو فله الحكومة ، لكنه مع ذلك أخص من قوله عليه السلام : ( من زاد ) الشامل للعمد أيضا ، إلا أن قوله عليه السلام : ( لكل زيادة ... إلى آخره ) مسوق لبيان حكم آخر ، وهو وجوب سجدتي السهو ، وإن كان يظهر منه أن الزيادة والنقيصة ليست بمبطلة على الاطلاق ، فهو متكفل لحكم الزيادة الغير المبطلة وحكم النقيصة كذلك.

ومنه يظهر حاله بالنسبة إلى المستثنى في قوله عليه السلام ( لا تعاد ) ، مع أنه أخص من حيث اختصاصه بنقص الخمسة ، دون قوله عليه السلام ( لكل نقيصة ).

وأما قوله عليه السلام : ( إذا استيقن ) مع قوله عليه السلام ( لكل زيادة ... ) إلى آخره.

فنسبتهما التباين ، ولكن قوله عليه السلام : ( إذا استيقن ) مع سلامة سنده ودلالته أظهر من قوله عليه السلام : ( لكل زيادة ) الى آخره ، حيث إن الثاني مسوق لبيان حكم آخر.

ومن جميع ما ذكرنا تبين أنه لا دليل على مبطلية الزيادة السهوية ، حتى في الأركان فتأمل.

* * *

٣٧٨

[ التنبيه الرابع ]

١١١ ـ قوله (قدس سرّه) : من (١) إطلاق دليل اعتباره جزء (٢) ... الخ.

لا يخفى عليك أن الجزئية ، تارة بلحاظ الوفاء بالغرض ، وأخرى بلحاظ المطلوبية شرعا ، والجزئية المجعولة هي الجزئية باللحاظ الثاني.

ومن الواضح : أن دليل الاعتبار ـ سواء كان متكفلا للتكليف أو للوضع ـ لا يكاد يجدي إلا بعد المعقولية في مقام الثبوت ، والجزئية الجعلية لا يعقل (٣) ، لعدم إمكان تعلق الطلب لا بطلب المركب ولا بطلب غيري مولوي ، ولا بطلب نفسي تحليلي ؛ لإناطة الكل بالقدرة.

والجزئية الواقعية بلحاظ مقام التأثير غير مجعولة ، فلا بد من جعل الأمر بالجزء إرشادا إلى جزئيته بلحاظ الغرض ، وهو بعيد ، إذ الظاهر هو الارشاد إلى كونه جزء شرعا.

ومنه ظهر عدم الفرق بين كون الأمر به نفسيا تحليليا أو غيريّا مولويا أو إرشاديا.

نعم ، إطلاق المادة في طرف الأمر بالجزء يقتضي عدم دخل القدرة شرعا في وفائه بالغرض ، والقدرة المعتبرة عقلا في مقام فعلية التكليف أجنبية عن هذه المرحلة.

وبعد تقيّد إطلاق الأمر بالمركب باطلاق المادة في الأمر بالجزء ، فلا محالة يكون حجة على تقيّد المركب به مطلقا ، فلا أمر بغير المتعذر.

__________________

(١) في الاصل : مع ، لكن الصحيح : من ، كما في الكفاية.

(٢) كفاية الأصول / ٣٦٩.

(٣) كذا في الأصل ، لكن الصحيح : لا تعقل.

٣٧٩

وأما تصور إطلاق دليل الواجب ، فمبني على الوضع للاعم وكون الجامع مطلوبا ، أو على الوضع للجامع بين مراتب الصحيحة المختلفة كمّا وكيفا ، وإلا فمع الوضع للجامع بين أفراد المرتبة العليا ، كما هو المنسوب إلى الصحيحي ، فلا معنى للاطلاق ، لاجمال المرتبة العليا ، فتدبر.

١١٢ ـ قوله (قدس سرّه) : لاستقلّ العقل بالبراءة (١) ... الخ.

هذا في صورة العجز الابتدائي من حين توجه التكليف مما لا شبهة فيه.

وأما في صورة العجز الطارئ بعد فعلية التكليف بالمركب ، فربما يتخيل أن مقتضي قاعدة الاشتغال لزوم الخروج عن عهدته بالمقدار الذي يتمكن منه ، للشك في سقوط الامتثال.

ويمكن أن يقال : إن الخروج عن عهدة المركب بما هو غير لازم قطعا ، والخروج عن عهدة الميسور منه حيث إن عهدته تبعية ، أيضا غير لازم ، للقطع بأن تلك العهدة تابعة لعهدة المركب ، وكونه بنفسه في العهدة مشكوك من أول الأمر.

ومنه تعرف حال استصحاب الاشتغال ، ولو بتقريب أن الاشتغال أمر مجعول تبعي منتزع من تعلق التكليف بشيء ، فان عهدة الميسور عهدة تبعية لا شك في زوالها ، إلا بالوجوه الآتية في استصحاب وجوب الميسور من الأجزاء.

ومنه تعرف أيضا أنه لا مجال لدعوى لزوم المخالفة القطعية من عدم اتيان الميسور ، إذ لا علم ولو إجمالا بتعلق التكليف النفسي من أول الأمر بالميسور ، فلا يقاس بباب الأقل والأكثر.

١١٣ ـ قوله (قدس سرّه) : إنه لا مجال هاهنا لمثله بداهة (٢) ... الخ.

بل لا مجال له أصلا ، إذ الجزئية والشرطية المجعولتان بالأمر بالمركب

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٦٩.

(٢) كفاية الأصول / ٣٦٩.

٣٨٠