نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


المحقق: الشيخ أبو الحسن القائمي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-40-X
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٤٦٤

لصيرورته ما به اتحاد الموضوع والمحمول ، وما به ارتباطهما ، بل الاتحاد المتصوّر والربط المعقول بينهما يحكم بسلبه وبانتفائه.

فلذا قلنا : بأن مرجع السالبة المحصلة المركبة إلى سلب ربط شيء بشيء لا إلى عدم رابط بين شيئين.

فظهر مما ذكرنا الفرق بين الوجود الرابطي والوجود الرابط ، وبين الوجود الرابط والنسبة الحكمية. كما تبين أنه لا عدم ناعتي رابطي ، ولا عدم رابط ، ولا نسبة سلبية ، بل ليس إلا سلب الربط وانتفاء النسبة.

وقد ذكرنا في مبحث المشتق من الجزء الأول (١) من الحاشية : أن ورود السلب ـ على الربط والنسبة ـ لا يوجب انقلاب المعنى الحرفي اسميا.

اذ كما أن ملاحظة الموضوع مطابقا لمفهوم المحمول ليس ملاحظة مطابقة الموضوع للمحمول ، كذلك ليس ملاحظة عدم كون الموضوع مطابقا لمفهوم المحمول ملاحظة عدم مطابقته ، حتى تكون المطابقة المضاف إليها العدم معنى اسميا. فراجع.

ومما ذكرنا يندفع التفصيل الذي بنى عليه بعض (٢) أعلام العصر في أمثال المقام.

ومختصر هذا التفصيل : أن موضوع الحكم تارة ـ يكون مركبا من العرض ومحله. وأخرى ـ من عرضين لمحل واحد أو لمحلّين ، والعرض وجوده وعدمه ناعتي لمحله ، ولا يعقل أن يكون وجوده أو عدمه ناعتيا لعرض آخر ، فان الناعتية شأن العرض بالنسبة إلى موضوعه دون غيره ، سواء كان عرضا أو جوهرا.

__________________

(١) نهاية الدراية : ١ ، التعليقة : ١١٧.

(٢) هو المحقق النائيني قده. فوائد الأصول : ١ / ٥٣٢. أجود التقريرات : ٢ / ٤٢٤.

١٤١

فان كان الموضوع من قبيل الأول ، فلا يجدي في ترتب الأثر إلا الوجود الرابطي الناعتي أو للعدم الرابطي الناعتي فلا يجدي استصحاب العدم الازلي فانه عدم محمولي ، ولا يثبت بجره إلى حال وجود الموضوع عدمه الناعتي إلاّ بناء على الأصل المثبت.

وإن كان من قبيل الثاني فليس له إلا وجود محمولي ، أو عدم محمولي فيجدي استصحاب عدمه الأزلي المحمولي إلى حال وجود محله المحرز بالوجدان في ترتيب الأثر.

وعليه فمثل القرشية بالنسبة إلى محلها ـ وهي المرأة ـ كالعرض بالنسبة إلى موضوعه ، وجودها وجود رابطي ناعتي ، وعدمها ـ المحكوم بما يقابل حكم القرشية ـ عدم ناعتي ، فلا يمكن إثبات هذا العدم الناعتي باستصحاب عدم الانتساب الازلى الذي هو عدم محمولي.

وأما التذكية ، فهي وإن كانت بالنسبة إلى محلها وهو الحيوان أيضا ناعتيا (١) ، إلا أنه (٢) بالاضافة إلى الجزء الآخر وهو زهاق الروح ليس ناعتيا (٣) إذ ليس عرض ناعتيّا لعرض آخر ، فيمكن استصحاب عدم التذكية المتحقق حال حياة الحيوان إلى حال زهاق الروح المحرز بالوجدان ، ولا يلزم إثبات كونه غير مذكى في حال زهاق الروح بنحو الناعتية والرابطية لزهاق الروح ، فانه بلا موجب ، هذا ملخص التفصيل المزبور.

وفيه مواقع للنظر :

اما أولا : فان العرض وإن كان وجوده ناعتيا ، لكنه يساوق الرابطي المقابل للنفسي ، لا الرابط المقابل للوجود المحمولي ، بل العرض والجوهر كلاهما

__________________

(١) الصحيح : ناعتيّة.

(٢) الصحيح : أنها.

(٣) الصحيح : ليست ناعتية.

١٤٢

من أقسام الوجود المحمولي المقابل للرابط ، فالرابطي ليس مفاد كان الناقصة بل قابل لأن يلاحظ بنفسه وأن يرد عليه الرابط وما هو مفاد كان الناقصة هو الوجود الرابط وما هو مفاد كان التامة هو الوجود المحمولي.

وأما ثانيا : فلأنّ الناعتيّة للموضوع من شئون حلول العرض في الموضوع ، وحلوله من لوازم وجوده ، لا من لوازم ماهيته ، فعدم العرض ليس ناعتيا لموضوعه ، إذ لا حلول للعدم في شيء ، فانه لا شيء ، وهو من واضحات الفن كسابقه.

وأما ثالثا : فلأن فرض العدم المحمولي لشيء يستدعي فرض الوجود المحمولي له ، فان العدم بديل الوجود ، ففرض العدم المحمولي للعرض فرض الوجود المحمولي له.

وأما رابعا : فلأن عدم كون العرض نعتا لعرض آخر لا يوجب حصر وجوده في المحمولي ، وإنما يوجب عدم قيام العرض بالعرض ، وعدم قيام الجوهر به وبالجوهر ، لما عرفت من أن الناعتية ليست في قبال المحمولي ، حتى إذا استحالت الناعتية وجبت المحمولية ، بل المحمولي في قبال الوجود الرابط.

ومن الواضح عند أهله أن مفاد القضية الهلية المركبة الإيجابية هو الوجود الرابط ، سواء كان طرفاه جوهرين أو عرضين أو جوهر وعرض ، والآثار المترتبة على مفاد كان الناقصة وكان التامة تدور مدار الوجود الرابط والمحمولي ، لا مدار الوجود الناعتي والنفسي.

وأما خامسا : فلأنّ العرض وإن أخذ وجوده بنحو الناعتية المقابلة للمحمولي عند هذا المفصّل ، إلا أن العدم الذي هو نقيض الوجود الرابط أو الرابطي رفعه ، وليس العدم لا رابطيا ولا رابطا ، فغاية ما يحتاج إليه في نفي القرشية الملحوظة بنحو الرابط هو نفيها ورفعها ولو برفع موضوعها.

١٤٣

وأمّا ما في بعض كلمات المفصّل (١) من أن العرض وإن كان قابلا للحاظه بنحو الوجود المحمولي ، إلاّ أنه إذا تركب الموضوع منه ومن محله فلا بد من ملاحظته بنحو الناعتية لموضوعه ومحله ، لأن المحل إما أن يلاحظ مطلقا بالاضافة إلى العرض الذي هو جزء الموضوع أو مقيّدا به أو بضده ، حيث لا يعقل الاهمال في الواقعيات ، والأول والأخير محال ، للزوم الخلف والتناقض ، فلا بد من الوسط وهو أخذه مقيدا به ، وهو معنى الناعتية ، ومفاد كان الناقصة.

فمندفع بأن التقييد به لازم الجزئية ، وتركب الموضوع منهما ، وترتب أثر واحد على المركب ، وهذا أعم مما أفيد ؛ إذ من الممكن تركب الموضوع للأثر من المحل وهو الجسم ومن بياضه ، ومجرّد إضافة وجود البياض إلى الجسم لا يخرجه عن المحمولية ، ولا يدرجه في الرابط الذي هو مفاد كان الناقصة ، مثلا تركب الموضوع من المرأة ومن انتسابها إلى قريش يلزمه عدم إطلاق المرأة ، لكنه لا يلزمه لحاظ القرشية بنحو الوجود الرابط.

فالمتّبع في أمثال المقام ملاحظة لسان الدليل ومقام الاثبات ، لا أنّ مقام الثبوت مقتض للحاظ العرض بالاضافة إلى محله بنحو الرابط ، وبالاضافة إلى غيره بنحو المحمولية.

وعليه ، فنقول فيما نحن فيه : إن الذبح الخاص وزهاق الروح مع أنهما كعرضين ، وليس أحدهما ناعتيا للآخر ، لكنه يمكن ملاحظتهما بنحو الرابط ، بأن يقول : ما زهق روحه عن ذبح خاص مثلا ، وسيجيء إن شاء الله تعالى بقية الكلام.

إذا عرفت ما ذكرنا في مقام الثبوت من أنحاء ما يمكن أن يقع موضوعا للحليّة والطهارة وللحرمة والنجاسة.

فاعلم : أن الأدلة في مقام الاثبات مختلفة ، فبعضها يتضمن المقابلة بين الميتة

__________________

(١) أجود التقريرات : ٢ / ٤٢٤.

١٤٤

والمذكى (١) ، وبعضها يتضمن المقابلة بين المذكى وغير مذكى (٢) ، وبعضها يتضمن المقابلة بين المذكى وعدم كونه مذكى (٣) ، وبعضها يتضمن دوران الحكم مدار العلم بكونه ميتة (٤) ، وبعضها يتضمن دوران الحكم مدار العلم بكونه مذكى (٥).

والذي يهوّن الخطب هو أنه لو لم يعلم أن الموضوع أخذ على أي نحو ـ ولو من حيث أخذ العدم محموليا وجزء من المركب ، أو بنحو الرابط وقيدا لما زهق روحه ـ فلا يقين بما يمكن التعبد به في مقام الحرمة والنجاسة.

__________________

(١) كما في رواية الصيقل قال كتبت إلى الرضا عليه السلام إني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فأصلي فيها فكتب عليه السلام إليّ : اتخذ ثوبا لصلاتك وكتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام إني كنت كتبت إلى أبيك عليه السلام بكذا وكذا فصعب علي ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية فكتب عليه السلام إليّ : كل أعمال البرّ بالصبر يرحمك الله فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس. الكافي : ٣ / ٤٠٧.

وكما في موثقة سماعة قال سألته عن جلود السباع ينتفع بها قال إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده وأما الميتة فلا. التهذيب : ٩ / ٧٩.

(٢) كما في صحيحة احمد بن محمد بن ابي نصر قال سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة أيصلي فيها فقال نعم ليس عليكم المسألة. التهذيب : ٢ / ٣٦٨.

(٣) كما في صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر أيضا عن الرضا عليه السلام قال سألته عن الخفاف إلى أن قال لا يدري أذكيّ هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلي فيه قال نعم الحديث. التهذيب : ٢ / ٣٧١.

(٤) كما في حسنة علي بن أبي حمزة حيث قال عليه السلام ما علمت أنه ميتة فلا تصلّ فيه. التهذيب : ٢ / ٣٦٨.

(٥) كما في موثقة ابن بكير حيث قال عليه السلام وإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائزة إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح الحديث. الكافي : ٣ / ٣٩٧.

١٤٥

فان قلت : وإن لم يمكن إثبات الحرمة والنجاسة باحراز موضوعهما المقابل للمذكى بأحد أنحاء التقابل ، إلا أنه لا شبهة في أن الحلية والطهارة مترتبة على المذكى ، وارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه مما لا كلام فيه ، ورفع الموضوع نقيضه ، وإن لم يكن عدما رابطيا أو رابطا ؛ لأن نقيض الوجود الرابط عدمه ، لا العدم الرابط ، فضلا عن العدم الرابطي.

قلت : لا بد من ملاحظة موضوع الحلية والطهارة على نحو يرتفع الحلية والطهارة بارتفاعه ، والمتصور بجميع أنحائه :

إمّا لا يكون مرفوع الحلية والطهارة ، فيعلم منه أنه ليس بنقيض له ، وإمّا لا يكون له حالة سابقة.

فمنها : جعل المؤثر في الحلية والطهارة زهاق الروح عن ذبح خاص ، ونقيضه عدم زهاق الروح عن ذبح خاص ، ومن المعلوم أن عدم زهاق الروح عن ذبح خاص يجامع حياة الحيوان ، مع أن الحي من الحيوان غير مرفوع الحلية والطهارة ، ولو فرض حرمة ابتلاع الحيوان حيا ، فهو من غير ناحية عدم تذكيته.

ومنها : جعل المؤثر في الحلية والطهارة مجموع زهاق الروح والذبح والتسمية والاستقبال واشباهها. ونقيضها عدم المجموع ، مع أنه يجامع حياة الحيوان ، وهو غير مرفوع الحلية والطهارة عنه ، كما تقدم.

ومنها : جعل المؤثر في الحلية والطهارة هو الذبح الخاص في حال زهاق الروح. ونقيضه عدم الذبح الخاص في حال زهاق الروح ، وهو مرفوع الحليّة والطهارة ، لكن لا يقين إلا بسبق نفس العدم ، لا بعدمه في حال زهاق الروح ، واستصحابه إلى حال زهاق الروح لا يثبت كون العدم في حال زهاق الروح ، إذ المتعبد به ذات القيد ، لا بما هو قيد ، مع أنه لا أثر إلا للمتقيد به.

ومن المعلوم أن نقيض ما لوحظ في محل خاص عدمه في ذاك المحل ، لأن وحدته من شرائط التناقض.

١٤٦

ومما ذكرنا تبين أن أمر نقيض المذكى أشكل من أمر موضوع الحرمة والنجاسة ، فانه يمكن فرض موضوع الحرمة والنجاسة مركبا من زهاق الروح وعدم الذبح الخاص بنحو العدم المحمولي ، ولا يمكن فرضه في النقيض المحكوم بديله بالحلية والطهارة ، كما عرفت.

ثم إنه لو كان هناك في الأدلة عموم وإطلاق استثني منه المذكى ، ولم يكن العام أو المطلق معنونا بعنوان وجودي أو عدمي ، لا من حيث نفسه ، ولا من حيث التنويع من قبل المخصص ، كما حققناه في محله (١) ، لأمكن إثبات حكم العام باحراز عنوان مباين لعنوان الخاص ، ونفي حكم الخاص بالمضادّة ، لا نفي حكم الخاص بنفي موضوعه ، حتّى يقال : إن موضوع الخاص أخذ بوجوده الرابطي ، ولا يمكن إحراز عدمه الرابطي بالأصل ، ونفي عدمه الرابطي بعدمه المحمولي لا يمكن إلا بالأصل المثبت.

فكما يقال : في مثل قوله (عليه السلام) : ( المرأة ترى الحمرة إلى خمسين سنة إلا أن تكون امرأة من قريش ) (٢) إن نفي كونها قرشية غير ممكن ، وبأصالة عدم الانتساب إلى قريش لا يثبت أنها ليست بقرشية أو غير قرشية ، إلا أن المستثنى منه حيث لم يؤخذ معنونا بعنوان وجودي ولا عدمي ، فهو محكوم بحكمه بأي عنوان كان. ومن العناوين الداخلة في العام المباينة لعنوان كون المرأة من قريش هي المرأة التي لا انتساب لها إلى قريش ، وكونها مرأة وجدانية ، وعدم انتسابها بالعدم الازلي متيقّن فيستصحب إلى حال

__________________

(١) نهاية الدراية : ٢ ، التعليقة : ١٨٩.

(٢) بلفظه لم نعثر عليه ، ولعله اشارة الى الحديث التالي : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن طريف عن ابن أبي عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله عليه السلام قال : إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلاّ أن تكون امرأة من قريش. الكافي : ٣ / ١٠٧.

١٤٧

وجود المرأة ، فيثبت لها حكم العام ، ولمضادة حكم العام لحكم الخاص ينفى حكم الخاص.

فكذا هنا من الأدلة قوله (عليه السلام) : ( لا تصل في الفراء إلا ما كان منه ذكيا ) (١) فان ظاهر المستثنى منه هو الفراء بأي عنوان كان :

ومن تلك العناوين الباقية تحت المستثنى منه ما زهق روحه ، ولم يكن مذبوحا بذبح خاص بنحو العدم المحمولي ، فانه يباين ما كان ذكيا ، ولا يجامعه ، وحكمه حرمة الصلاة المضادة للجواز المرتب على ما كان ذكيا.

وكذلك قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) إلى قوله تعالى : ( إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ )(٢) المفسر في عدة روايات بادراك ذكاة المذكورات في الآية.

فتنقسم المذكورات في الآية باعتبار إمكان إدراك ذكاتها بذبحها إلى المذكى وغيره ، لكن لا بعنوان وجودي أو عدمي ، بل جامعها ما زهق روحه.

وبيان خصوص المنخنقة والموقوذة والمتردية وأشباهها ، من حيث تداول أكلها في الجاهلية.

وحينئذ إذا أحرز زهاق الروح معنونا بعنوان عدمي ، ولو بنحو العدم المحمولي المباين لعنوان المذكى يثبت له حكم المستثنى منه ، وينفى عنه حكم الخاص بالمضادة ، لا بنفي حكمه بنفي عنوانه.

هذا ما بنى عليه شيخنا العلامة الاستاذ (قدس سره) في فقهه وأصوله.

وقد بينا في مبحث (٣) العام والخاص من مباحث الجزء الأول من الكتاب

__________________

(١) محمد بن يعقوب بإسناده عن علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله وأبا الحسن عليهما السلام عن لباس الفراء والصلاة فيها ، فقال : لا تصلّ فيها إلاّ فيما كان منه ذكيا.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) نهاية الدراية : ٢ ، التعليقة : ١٩٠.

١٤٨

بأنه لا يخلو عن محذور ؛ لأن تلك العناوين الباقية تحت العام ليست مأخوذة في موضوع الحكم ، حتى يكون التعبد بها تعبدا بحكمها لينفي حكم الخاص بالمضادة.

ومعنى ثبوت الحكم لأفراد العام بأي عنوان كانت هو عدم دخل عنوان من تلك العناوين وجودا ولا عدما في موضوعيتها للحكم ، لا دخلها بأجمعها في موضوع الحكم.

ولذا التجأنا إلى إصلاحه بتقريب آخر ذكرناه هناك ، وهو أن دليل العام يدل بالمطابقة على ثبوت الحكم لجميع أفراد موضوعه بعنوان نفسه ، ويدل بالالتزام على عدم منافاة عنوان من العناوين الطارئة لحكمه ، حيث إنه حكم فعلي تام الحكمية ، لا حكم لذات الموضوع من حيث عنوانه بحيث لا يأبى عن لحوق حكم آخر له بعنوان آخر يطرأ عليه.

وشأن دليل المخصص إثبات منافاة عنوان خاص لحكم العام ، ولأخصيته وأقوائيته في الكشف يقدم على العام ويخصصه.

ومن جملة العناوين التي هي باقية تحت المدلول الالتزامي العنوان المباين لعنوان الخاص ؛ بداهة عدم مجامعة العدم المحمولي والوجود الرابطي.

فحيث إن العام يدل بالالتزام على أنه لا حكم له ولا لغيره من العناوين إلا حكم العام ، فهو ينفي حكم الخاص عن هذا العنوان بالمناقضة لا بالمضادة ، لا بالمطابقة بل بالالتزام. هذا بعض الكلام فيما يناسب المقام.

٤٣ ـ قوله (قدّس سره) : ومع الشك في تلك الخصوصية فالاصل عدم تحقق (١) ... الخ.

ينبغي أولا بيان ما يتصور من الخصوصية التي بها يكون الحيوان قابلا

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٤٩.

١٤٩

للتذكية من حيث الحلية والطهارة ، فنقول :

لا شبهة في اختلاف الحيوانات من حيث الحكم على بعضها بالحل والطهارة بذبحها بشرائطه ، والحكم على بعضها الآخر بالطهارة فقط ، والحكم على بعضها الآخر بالحرمة والنجاسة ، وليس هذا الاختلاف عن جزاف ، فلا محالة هناك خصوصية في الحيوان بحيث يقتضي الحلية والطهارة أو الطهارة فقط أو الحرمة والنجاسة فيكون الحيوان بتلك الخصوصية تارة قابلا للتذكية المفيدة للحل والطهارة.

وأخرى قابلا للتذكية المفيدة للطهارة فقط.

وثالثة غير قابل للتذكية بوجه ، فسواء كانت تلك الخصوصية مأخوذة في عرض سائر الأمور الدخيلة في الحل والطهارة ، أو من اعتبارات الذبح الخاص المفيد لهما مثلا يمكن التعبد بعدمها المحمولي أو بعدم الذبح الخاص المحمولي.

ويمكن أن يقال : إن الخصوصية التي يقتضيها البرهان لا يجب أن تكون أزيد من المصالح المقتضية للحل والطهارة ، أو المفاسد المقتضية للحرمة والنجاسة كما يشهد لها ما ورد في بيان الحكم المقتضية لحرمة ما لا يؤكل لحمه من الميتة والسباع والمسوخ ، بل في المسوخ عللت حرمتها بأنها حيث كانت في الأصل مسوخا فاستحلالها استخفاف بعقوبة الله تعالى حيث مسخها.

ومن الواضح أن المصالح والمفاسد وعلل الاحكام ليست بنفسها تعبدية ، ولا مما رتب عليها حكم شرعي بترتب شرعي ، بل سبب واقعي لأمر شرعي ، فلا معنى للتعبد بها تعبدا بحكمها.

ثم إنه لو فرض أن الخصوصية الموجبة للقابلية غير المصالح والمفاسد ، من المحتمل أن تكون تلك الخصوصية ذاتية ككونه غنما أو بقرا أو إبلا مثلا ، لا خصوصية قائمة بالغنم والبقر والابل ، حتى إذا شك وجودها في حيوان آخر يقال : إنها مسبوقة بالعدم بعدم ذلك الحيوان ، ومع وجود الحيوان قطعا يشك في

١٥٠

وجود تلك الخصوصية بوجود الحيوان ، بل حيث إن الخصوصية ذاتية فلا ينحل إلى ما هو مقطوع الوجود وما هو مشكوك الوجود.

بل هذا المقطوع وجوده : إما قابل بذاته للحلية والطهارة أو غير قابل بذاته لهما ، وتعيين الحادث بالأصل غير صحيح.

ثم اعلم أنه على تقدير أن تكون تلك الخصوصية وجودية قائمة بالحيوان مقتضية للحل والطهارة بذبحه بشرائطه ، فهي إنما تكون قابلة للتعبد وجودا وعدما إذا رتب عليها ، ولو بنحو القيدية الحلية والطهارة ليكون دخلها شرعيا ، وترتبهما عليها ترتبا شرعيا مع أنه لا موقع للدخل شرعا ، ولا للترتب شرعا إلاّ اذا أخذ الشيء في موضوع المرتب عليه الحكم الشرعي ، إما بنحو الجزئية أو بنحو القيدية ، ليقال بدخله في السبب الشرعي للحل والطهارة شرعا.

نعم إن كان عنوان التذكية عنوانا ثبوتيا يتحقق بالذبح مثلا بشرائطه شرعا ، وكان هذا العنوان الثبوتي الاعتباري الشرعي موضوعا للحل والطهارة تارة وللطهارة أخرى ، فدخل الخصوصية في الحيوان وان كان واقعيا لا شرعيا يجدي في مقام الحكم بعدم ثبوت التذكية ، لمكان الشك في محصلها.

ولا حاجة إلى التعبد بتلك الخصوصية أو بالذبح المتخصص بتلك الخصوصية ، حتى يقال : لا حكم لتلك الخصوصية شرعا لا بنحو الجزئية ولا بنحو القيدية.

بل التعبد بذلك العنوان الاعتباري الشرعي وجودا أو عدما كاف في المقام ، وإن كان منشأ الشك في ثبوته أمرا له دخل في تحققه واقعا لا شرعا.

وربما يقال (١) : إن التذكية عرفا بمعنى الذبح ، وما اعتبر فيها من التسمية والاستقبال شرائط تأثير الذبح في الحلية والطهارة.

__________________

(١) القائل هو المحقق النائيني قده. أجود التقريرات : ٢ / ١٩٤.

١٥١

إلاّ أنّ ظاهر الاستعمالات العرفية والشرعية أنها بمعنى الطهارة والنزاهة وما أشبههما.

وإطلاقها على الذبح أو على إرسال الكلب المعلم أو على أخذ الجراد والحيتان وأشباه ذلك لأنها أسباب طيب اللحم للأكل وسائر الاستعمالات أو لما عدا الأكل من الاستعمالات.

وذلك لأن التذكية والذكاة بمعنى الطيب والنزاهة مفهوم مباين لمفهوم الذبح المطلق والذبح الخاص.

وقيام الطيب بالذبح لا يعقل إلا أن يكون ، إما بقيام حلولي ناعتي ولو انتزاعا ، وإما بقيام صدوري.

والأول من قبيل قيام العرض بموضوعه ، والثاني من قبيل قيام المسبب بسببه.

فان كان من قبيل الثاني ثبت المطلوب ، وهو إن التذكية مسبب عن الذبح.

وان كان من قبيل الأول فلا بدّ أن يصدق عنوان الوصف الاشتقاقي من التذكية والذكاة على الذبح مع أنه لا يصدق الطيب وصفا إلا على اللحم فانه الموصوف بأنه ذكي أو مذكى ، فيعلم منه أنه لا قيام للذكاة بالذبح إلا بنحو قيام المعلول بعلته.

ومنه تبين أن التذكية والذكاة ليسا من عناوين الحكم من الحلية والطهارة ، أما عدم قيامهما بهما بنحو قيام المسبب بسببه فواضح ، فان الحكم ليس سببا لهما بل ظاهر الأدلة ترتبهما عليه.

وأما عدم قيامهما به بقيام ناعتي حلولي انتزاعا فلأن الحلية لا توصف بانها طيبة ، بل الموصوف به اللحم دون الحكم.

فاتضح أن الأقوى أن التذكية من الاعتبارات الشرعية

١٥٢

الوضعية المتحققة بأسباب خاصة ، لا أن الذبح تذكية ، وأن تأثير التذكية في الحلية والطهارة مشروطة إما جعلا أو واقعا بأمور أخر ؛ لوضوح أن الحلية والطهارة غير منوطة إلا بالتذكية ، فلا معنى لأن يكون الحيوان مذكى ، ومع ذلك لا حلال ولا طاهر.

٤٤ ـ قوله (قدّس سره) : نعم لو علم بقبوله التذكية وشك (١) ... الخ.

لا يخفى عليك أن التذكية الشرعية ربما تؤثر في الحلية والطهارة ، كما في تذكية مأكول اللحم.

وربما تؤثر في الطهارة فقط ، كما في تذكية غير المسوخ مما لا يأكل لحمه.

وربما تؤثر في الحلية فقط ، كما في الجراد والحيتان حيث إنه لا أثر لصيدها إلا حليتها لبقاء أمثالها على الطهارة حيّا وميّتا ، وعليه يحمل ما ورد من أن الجراد حيّه وميّته ذكيّ (٢) أي طاهر ، لا أنه لا يحتاج الى الذكاة من حيث الحلية ، بل ورد أن صيد الجراد ذكاته (٣) ، وأن السمك إخراجه من الماء ذكاته (٤).

فيعلم من هذه القسمة ـ بلحاظ ما ورد في هذا الباب شرعا ـ أن للتذكية في كل مورد بحسبه تأثيرا من حيث الحلية ، وتأثيرا من حيث الطهارة. وأن الحيوان له جهتان من القابلية للحلية والطهارة ، وأن التذكية لها أثران يجتمعان ويفترقان شرعا ، وإن كانت التذكية العرفية خصوص الذبح مثلا أو من حيث خصوص الطهارة فرضا.

بل ظاهر الآية (٥) المتكفلة لتحريم الميتة واستثناء ما ذكى دخل التذكية

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٤٩.

(٢) المحاسن : ٢ / ٤٨٠ متن الرواية الجراد ذكيّ حيّه وميّته.

(٣) لم نجد الرواية بهذه العبارة في مظانها.

(٤) وسائل الشيعة : ١٦ : الباب ٣١ من ابواب الصيد والذبائح : ٣٦٢.

(٥) المائدة : ٣.

١٥٣

في رفع الحرمة ، وأن حرمة غير المذكى ليست من حيث نجاسته ، كما في السمك الذي يموت في الماء.

وعليه فلا مجال لقاعدة الحل مع أصالة عدم التذكية المؤثرة في الحلية ، كما لا مجال لأصالة الطهارة مع أصالة عدم التذكية المؤثرة في الطهارة.

وأما توهم أن قبول التذكية أمر بسيط لا تركب فيه ، فهو إما متحقق أو لا ، فاذا فرض أن الذبح مؤثر شرعا في طهارته وفي جواز جملة من الانتفاعات ، فهو قابل للتذكية شرعا ، فلا مجال لأصالة عدم القبول أو عدم التذكية ، وحينئذ لا يبقى شك إلا من حيث الحلية فتجرى قاعدة الحل.

فهو مدفوع : بأن بساطة القابلية وعدم تركبها معنى ، وتعدد جهة القابلية وتكثرها معنى آخر.

فكما ان العلم بسيط والقدرة بسيطة مع أن العلم بشيء ليس علما بكل شيء ، والقدرة على شيء ليست قدرة على كل شيء ، كذلك قابلية شيء لشيء ليست قابلية لكل شيء.

نعم في إجراء أصالة عدم التذكية ـ بناء على ما قدمنا ـ إشكال من حيث إن القابلية وإن كانت متعددة لكنها للمحاذير المتقدمة (١) ليست بنفسها مجرى الأصل.

ونفس عنوان التذكية بناء على كونها من الاعتبارات الشرعية القابلة للتعبد بها وجودا أو عدما لا تكون مجرى الأصل هنا ؛ لأن المذكى من حيث

__________________

(١) من أن الخصوصية التي بها يكون الحيوان قابلا للحل والطهارة أو للطهارة فقط أو غير قابل للتذكية اصلا هل هي عبارة عن المصالح والمفاسد أو خصوصية ذاتية في الحيوان أو خصوصية عرضية قائمة بالحيوان مقتضية للحل والطهارة أو لأحدهما وقد عرفت الاشكال في جريان الأصل في القابلية على جميع التقادير والاحتمالات فراجع التعليقة المتقدمة.

١٥٤

الحلية والطهارة وإن تعددت الجهات الدخيلة في اعتباره وتعددت الآثار المترتبة على اعتباره لكنه اعتبار واحد لا متعدد ، بمعنى أن الحيوان الذي له قابلية التذكية من حيث الحلية وقابلية التذكية ، من حيث الطهارة له جهتان من القابلية ، وله أثران من الطهارة والحلية ، لكنه لا يعنون بعنوان المذكى مرتين ، وليس له من اعتبار العنوان فردان.

ويمكن أن يقال : إن التذكية ، وان لم تكن كالقابلية والعلم والقدرة ، من المعاني التعلقيّة حتى تتعدد بتعدد متعلقها ـ ، فان الطيب ليس له إلا موضوع يقوم به وليس له متعلق ـ إلا أن تعددها بتعدد جهاتها وحيثياتها.

فكما ان الطهارة معنى واحد والطهارة من الحدث الأكبر غير الطهارة من الحدث الأصغر ، ولذا يرتفع حدث الحيض بالغسل ، ولا يرتفع الأصغر إلا بالوضوء.

فكذا التذكية ، فان طيب الأكل غير طيب الاستعمال ، فالحيوان طيب الاستعمال وليس بطيب الأكل.

وقد عرفت سابقا : أن الحلية والطهارة من آثار التذكية لا أنها عين الحكم ومن عناوينه ، وحينئذ فلا مانع مع اليقين بكونه مذكى من حيث الاستعمال من عدم كونه مذكى من حيث الأكل.

٤٥ ـ قوله (قدّس سره) : في أن الجلل في الحيوان هل يوجب (١) ... الخ.

هذا بالاضافة إلى الحلية لمجرد الفرض ، وإلا فالمشهور على حرمة أكل لحم الجلال ، ولا معنى لحرمته إلا حرمة أكله بعد الذبح ، وإلا فحرمته حيّا على

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٤٩.

١٥٥

فرض ثبوتها لا اختصاص لها بالجلال ، كما أن حرمتها (١) من دون ذبح كذلك ، ومع فرض حرمته بالذبح لا معنى للشك في الحلية بالذبح.

نعم بالاضافة إلى الطهارة صحيح ، لأن المشهور على طهارته وان كان عرقه أو لعابه نجسا ، فيمكن فرض الشك في بقاء طهارته بالذبح الثابتة لها (٢) قبل الجلل.

وأما استصحاب بقاء طهارته الفعلية حال الحياة فالشك فيه مسبب عن الشك في بقاء طهارته بالذبح ، فلا مجال له مع استصحاب تلك الطهارة.

نعم لو قيل بنجاسة بدنه بالجلل وشك في طهارته بالذبح لم يكن مجال لاستصحاب طهارته بالذبح الثابتة له قبل الجلل ، لأن التذكية تؤثر في حدوث الحلية وفي بقاء الطهارة الفعلية.

والشك في بقاء الحكم ، وهو حدوث الحلية بالذبح ، مع اليقين بسبقه يصحح جريان الاستصحاب بخلاف الشك في الطهارة ، لأن اليقين ببقاء الطهارة الفعلية بالذبح قد زال بعروض الجلل على الفرض ولم يكن هناك يقين بحدوث الطهارة بالذبح ، فليس إلا الشك في حدوث الطهارة.

ولا معنى لقطع النظر عن الحدوث والبقاء ؛ إذ الحصة المتيقنة من الطهارة هي الحصة الموجودة في ضمن اليقين بالبقاء ، وهذه الحصة مقطوع الارتفاع ، فلا يمكن إثبات الحصة الموجودة في ضمن الحدوث.

إلا أنه لا قائل بنجاسة بدن الحيوان بالجلل ، كما عرفت.

٤٦ ـ قوله (قدّس سره) : وان أصالة عدم التذكية محكمة فيما شك

__________________

(١) كذا في الاصل ، لكن الصحيح : حرمته.

(٢) كذا في الاصل ، لكن الصحيح : له.

١٥٦

فيها (١) ... الخ.

قد عرفت الكلام (٢) فيها مفصلا وأنه لا مجال لها إلا إذا أخذ عدمها بنحو العدم المحمولي.

وأما ما ورد في أخبار الباب من الحكم بحرمة الصيد الذي رماه ، ولم يعلم أن سهمه هو الذي قتله ، فليس من حيث التعبد بعدم كونه مذكى ، من باب أصالة عدم التذكية.

بل صريح أخبار الباب إناطة الحلية بالعلم بأن سهمه هو الذي قتله ، وأنه مع عدم العلم محكوم بالحرمة من حيث اشتراط الحلية بالعلم من دون حاجة إلى التعبد في صورة عدم العلم.

نعم حيث إن موضوع الحلية الواقعية بحسب لسان أدلتها هو المذكى لا المعلوم أنه مذكى فارتفاع الحلية الواقعية ـ وإن كان ملازما للحرمة الواقعية ـ ليس إلاّ بارتفاع التذكية واقعا.

ففرض عدم الذبح الخاص في حال زهاق الروح فرض نقيض الذبح الخاص في تلك الحال ، وعدم الذبح الخاص في تلك الحال وإن لم يكن مجرى الاستصحاب كما مر (٣) ، لكنه قابل للتعبد به عند الشك فيه ، فيكون التعبد بعدمه في هذه الحال كالتعبد بالحلية في قاعدة الحل في غير الحيوان.

فمفاد الأخبار على أي حال حكم تعبدي لكنه لا بعنوان الاستصحاب ، بل بعنوان التعبد باحد طرفي الشك في هذه الحال ، فلا ينطبق على أصالة عدم التذكية على أي حال.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٤٩.

(٢) في التعليقة : ٤٢.

(٣) في التعليقة : ٤٢.

١٥٧

[ التنبيه الثاني ]

٤٧ ـ قوله (قدّس سره) : بداهة توقفه على ثبوته توقف العارض على معروضه (١) ... الخ.

أي توقف الأمر بالاحتياط على إمكان موضوعه وثبوته في مرتبة موضوعيته. مع أنه ليس له إمكان وثبوت إلا من ناحية ما يتوقف عليه توقف العارض على معروضه.

والتحقيق : أن العارض على قسمين :

أحدهما عارض الوجود ، وهو ما يحتاج إلى موضوع موجود ، كالبياض المحتاج في وجوده إلى موضوع موجود.

بل العوارض الذهنية من النوعية والجنسية وأشباهها كذلك ، لتوقفها على وجود معروضها في الذهن.

فالأول من العوارض العينية ، والثاني من العوارض الذهنية.

ثانيهما عارض الماهية ، وهو ما لا يحتاج إلى موضوع موجود خارجا أو ذهنا ، بل ثبوت المعروض بثبوت عارضه ، والعروض تحليلي كالفصل ، فانه عرض خاص للجنس ، مع أن الجنس في حد ذاته ماهية مبهمة ، وتعينها وتحصلها بتعين طبيعة الفصل وتحصلها ، ولا يعقل أن يكون للمبهم ثبوت إلا في ضمن المتعين.

وكالتشخص الماهوي بالاضافة إلى النوع ، فان طبيعة النوع لا ثبوت لها خارجا ، إلا بعين ثبوت الماهية الشخصية.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٥٠.

١٥٨

فالماهية الشخصية ، وإن انحلت بالتحليل العقلي إلى طبيعة نوعية والتشخص الماهوي كماهية ( زيد ) وماهية ( عمرو ) بالاضافة إلى ماهية الانسان ، إلاّ أنّ ثبوت الطبيعي بثبوت حصته المتقررة في مرتبة ذات ( زيد ).

وكالوجود مطلقا بالاضافة إلى الماهية ، فانه من قبيل عارض الماهية ، وإلاّ لاحتاج عروض الوجود عليها إلى وجود الماهية فإما أن يدور ، أو يتسلسل.

فعروض الوجود عليها تحليلي ، وثبوت الماهية بنفس الوجود ، فالوجود بنفسه موجود بالذات ، والماهية بالعرض.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن الحكم بالاضافة إلى موضوعه دائما من قبيل عوارض الماهية لا من قبيل عوارض الوجود.

إذ المراد بالحكم إما الارادة والكراهة التشريعيتان ، وإما البعث والزجر الاعتباريان : فان أريد منه الارادة والكراهة فمن الواضح أن الشوق المطلق في النفس لا يعقل وجوده ، لأن طبعه تعلّقي فلا يوجد إلا متعلقا بشيء.

وذلك الشيء لا يعقل أن يكون بوجوده الخارجي متعلقا له ، ولا بوجوده الذهني :

أما الأول ، فلأن الحركات الأينية والوضعية وأشباههما من الأعراض الخارجية القائمة بالمكلف ، فكيف يعقل أن يتعلق بها الشوق القائم بنفس المولى؟

إذ يستحيل أن تكون الصفة النفسانية في النفس ، ومقومها ومشخصها في خارج النفس ، وإلا لزم إما خارجية الأمر النفساني أو نفسانية الأمر الخارجي ، وهو خلف.

كما يستحيل أن تكون الصفة قائمة بشخص ، ومشخصها ومقومها قائما بشخص آخر ، لان المشخّصيّة والمقوّميّة لازمهما وحدة المشخّص والمتشخّص ، فكيف يعقل تباينهما في الوجود بتباين محلهما وموضوعهما؟

١٥٩

وأما الثاني ، فلان اتحاد الفعليين محال ، وكل فعلية تأبى عن فعلية أخرى ، ولذا لا مناص من الخلع واللبس في توارد الصور على المادة.

فمقوم الشوق النفساني لا يمكن أن يكون له فعلية أخرى في النفس بل هو ذات المتصور.

فماهية واحدة ، تارة ـ توجد بوجود علمي تصوري وتصديقي وأخرى .. بوجود شوقي.

بل إن كانت هذه الصفات من العلم والارادة إشراقات النفس ، ووجودات نورية فلا محالة لا يعقل عروض سنخ من الوجود على الموجود بذلك السنخ من الوجود أو بسنخ آخر ، فان المماثل لا يقبل المماثل ، كما أن المقابل لا يقبل المقابل.

هذا كله إن أريد من الحكم الارادة والكراهة.

وإن أريد منه البعث والزجر الاعتباريان المنتزعان من الانشاء بداعي جعل الداعي فعلا أو تركا ، فمن الواضح عند التأمل أيضا أن البعث الاعتباري بنحو وجوده لا يوجد مطلقا ، فان البعث أيضا أمر تعلقي ، فلا محالة لا يوجد إلا متعلقا بالمبعوث اليه.

وحيث إن سنخ البعث اعتباري ، فلا يعقل أن يكون مقومه ومشخصه إلا ما يكون موجودا بوجوده في أفق الاعتبار ، والموجود الخارجي المتأصل لا يعقل أن يكون مشخصا للاعتباري ، وإلا لزم إما اعتبارية المتأصل أو تأصل الاعتباري. فتعين أن تكون الماهية والمعنى متعلق البعث دون الموجود بما هو.

غاية الأمر أن المعنى المشتاق إليه والمبعوث إليه مأخوذ بنحو فناء العنوان في المعنون ، لترتب الغرض الداعي على المعنون ، وفناء العنوان في المعنون لا يوجب انقلاب المحال وإمكان المستحيل ، كما بيناه مبسوطا في مسألة اجتماع

١٦٠