نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


المحقق: الشيخ أبو الحسن القائمي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-40-X
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٤٦٤

والمشروط مقطوع الانتفاء ، لفرض التعذر.

والجزئية والشرطية بلحاظ مقام الغرض مشكوك الثبوت ، إلا أنهما واقعيتان لا مجعولتان حتى يعقل رفعهما بحديث الرفع.

مضافا إلى أن دليل الواجب إن كان له إطلاق لكفى في نفي الجزئية والشرطية عند التعذر ، وإن لم يكن له إطلاق ، كما هو مفروض الكلام ، فلا يفيد نفي الجزئية والشرطية بحديث الرفع للتعبد بالباقي ، إذ ليس شأنه إلا الرفع دون الاثبات ، فلا تصل النوبة إلى منافاته للامتنان ، فانه إنما تصل النوبة [ اليها ](١) اذا كان مقتضى الحديث في نفسه التعبد بالباقي بالتعبد برفع الجزئية والشرطية.

١١٤ ـ قوله (قدس سرّه) : نعم ربما يقال : بأن قضية الاستصحاب (٢) ... الخ.

يقرر الاستصحاب بوجوه أربعة :

أحدها : ما في المتن ، وفي كلام (٣) الشيخ الأعظم (قدّس سره) ، وهو استصحاب الجامع بين الوجوب الغيري الثابت للباقي من الأول والوجوب النفسي المحتمل ثبوته بعد زوال الوجوب الغيري ، حيث إن الأول بحدّه وإن كان مقطوع الارتفاع ، والثاني بحدّه وإن كان مشكوك الحدوث ، إلا أنه بما هو وجوب كان متيقنا ، ويشك في بقائه بما هو وجوب في ضمن الوجوب النفسي المحتمل ، فان زواله بحدّه لا ينافي بقاءه بجامعه ولو في ضمن فرد آخر.

والجواب أولا : أنه لا وجوب غيري للاجزاء ، حتى يتعلق الجامع بين الوجوب الغيري والنفسي.

__________________

(١) أثبتناها لضرورة السياق.

(٢) كفاية الأصول / ٣٧٠.

(٣) فرائد الأصول المحشى ٢ / ١٤٢.

٣٨١

وثانيا : بأن الجامع موجود بوجودات متعددة ، وليس وجوده في ضمن فرد بقائه لوجوده في ضمن فرد آخر ، إلا إذا كان بينهما وحدة اتصالية كالبياض الشديد الذي يزول شدته ويبقى أصله ، فان القطع بزواله بما هو شديد لا ينافي الشك في بقائه بما هو بياض.

ومن الواضح : أنه ليس بين الوجوب والاستحباب ، ولا بين الوجوبين وحدة اتصالية ، فانهما من الاعتباريات التي لا يجري فيها الحركة والاشتداد ، بل يجري في بعض المقولات.

مع أنه يستحيل أن يكون الوجوب النفسي من مراتب الوجوب الغيري المعلولي المنبعث عن وجوب المركب نفسيا.

وثالثا : بأن المستصحب وإن كان حكما ، فلا يحتاج التعبّد به إلى أثر شرعي آخر ، إلا أنه بالاضافة إلى ما هو المهم في المقام ، من لزوم امتثاله واستحقاق العقوبة على مخالفته : إما مثبت أو غير مفيد فيلغو ، فانه لو قلنا : بأن التعبّد بالجامع يستلزم التعبّد بوجوب الباقي نفسيا ، فيترتب عليه الأثر المهم ، فهو أصل مثبت ، لأن لازم بقاء الوجوب الجامع عقلا كونه في ضمن الوجوب النفسي للباقي ، ولو قلنا : بمجرد التعبد بالجامع ، فالجامع بين ما يترتب عليه العقاب وما لا يترتب عليه ، لا يعقل أن يكون لازمه العقلي استحقاق العقاب.

ثانيها : استصحاب الوجوب النفسي الشخصي ، بدعوى المسامحة العرفية في موضوعه ، نظرا إلى أن الباقي في نظر العرف متحد مع المركب ، فيكون وجوبه وجوبه.

والجواب : أنه إنما يصح إذا كان المتعذر بحيث لا يمنع عن دعوى الاتحاد بين المركب والباقي ، فلا مجال للاستصحاب على الاطلاق بل في مثله ، كما أن استصحاب كريّة الماء كذلك ، فانه إنما يصح إذا كان الموجود من الماء متحدا مع الماء السابق عرفا ، بلحاظ كون المأخوذ منه قليلا يتسامح فيه عرفا.

٣٨٢

وربما يتخيل (١) بقاء الموضوع هنا وفي مسألة الكرية بالدقة العقلية :

أما فيما نحن فيه ، فبالنظر إلى أن مثل الصلاة التي لها جامع ينطبق على المراتب المختلفة كما وكيفا ، لا تفسد بزوال جزء ولا تختل بفقده ، فالموضوع وهي حقيقة الصلاة محفوظ بالدقة.

وأما في الكرية ، فبدعوى أن الكرية كمية الماء ، والكم عرض لا يزول بزواله موضوعه ، وأخذ مقدار من الماء لا يوجب زوال الجسم الطبيعي ، لأن الاتصال عرض لا يزول الجسم بزواله وإن بقي منه شيء يسير.

وهو تخيل عجيب وتوهم غريب :

أما في الصلاة فبأنها وإن كانت ذات مراتب ، إلا أن كل مرتبة مطلوبة من طائفة لا من كل أحد.

والكلام في المرتبة المطلوبة من هذا المكلف ، والمفروض اختلال موضوع تكليفه الشخصي ، فلا مجال إلا بالمسامحة في بقاء موضوع تكليفه ، وإلاّ فبقاؤه بالمراتب الأخر المطلوبة من أشخاص آخرين ليس بالحقيقة بقاء للموجود سابقا في حقه.

وأما في الكرية ، فبأنها كمّ خاص لمتكمّم مخصوص ، فلا ينفك هذا الكم الخاص عن هذا المتكمم المخصوص ، وعرضيته غير منافية لملازمته لمتكمم بالخصوص بحيث يزول بزواله ، وإن بقي بما هو جسم ، فان موضوع الكم هو الجسم التعليمي الذي نسبته الى الجسم الطبيعي نسبة المتعين إلى اللامتعين ، فلا محالة يكون زوال الكمية الخاصة مساوقا لانتفاء تلك المرتبة من الجسم التعليمي ، وتعين الجسم الطبيعي بمرتبة أخرى منه ، فإسقاط الجسم التعليمي من البين أو توهم أنه عين العرض أوجب هذا الاشكال.

__________________

(١) محجة العلماء ٢ / ٥٦.

٣٨٣

ومنه يعلم حال عرضية الاتصال ، فان معنى عرضية الاتصال أنه لا يزول الجسم بعروض الانفصال ، لا أنه يبقى بحدّ ينتزع منه ذلك الكم الخاص ، وهو من الوضوح بمكان.

ثالثها : استصحاب الوجوب للباقي ، مع قطع النظر عن نفسيته وغيريته ، لعدم التمايز بينهما في نظر العرف ، بل العرف يرى الباقي واجبا سابقا ويشك في بقائه على الوجوب ، حيث إنهم يرونهما متحدين.

وهذا راجع إلى المسامحة في المستصحب ، لا إلى أخذ الجامع بين الوجوب من الغيري والنفسي.

والجواب : أن عدم التمايز من حيث النفسية والغيرية ، غير عدم التمايز من حيث الوجود ، فالوجوب السابق واللاحق ، وإن لم يكن بينهما تمايز من حيث النفسية والغيرية ، لكنهما متمايزان من حيث الوجود ، بداهة أن وجوب الباقي لاحقا غير وجوبه سابقا غيرية وجودية ، لا غيرية صنفية بحيث يكون الأول من صنف الغيري والثاني من صنف النفسي ، وملاك البقاء عدم التمايز من حيث الوجود ، وإلا فلو كان الوجود واحدا ، وكان حدوثا معنونا بعنوان وبقاء معنونا بعنوان آخر ، لما كان ضائرا بالوحدة التي هي ملاك البقاء.

رابعها : استصحاب الوجوب النفسي الشخصي ، مع قطع النظر عن متعلقه ، نظير استصحاب وجود الكر.

لا يقال : بقاء الكرّ بحده محتمل ، بخلاف الوجوب النفسي المتيقن ، فانه بحده مقطوع الارتفاع ، ولو كان هناك وجوب نفسي لكان وجودا آخر من طبيعي الوجوب النفسي ، فلا مجال إلا لاستصحاب طبيعي الوجوب النفسي ، فيدخل في القسم الثالث من استصحاب الكلي.

لأنا نقول : تعدد الملاك لا يوجب تعدد الوجوب النفسي ، فيكون حدوثا بملاك وبقاء بملاك آخر.

٣٨٤

بل يمكن أن يكون عين ذلك الملاك باقيا ، لدخل الجزء المتعذر في الغرض عند التمكن منه لا مطلقا.

والجواب : أن مجرد التعبد ببقاء الوجوب النفسي لا يجدي ما لم يكن الباقي واجبا نفسيا ، والتعبد بوجوبه النفسي بعد التعبد ببقائه الملازم عقلا لتعلقه بالباقي من الأصول المثبتة.

هذا ما قيل في تقرير الاستصحاب.

ويمكن أن يقال : إن الأجزاء الباقية ، وان لم يكن لها وجوب غيري ولا وجوب نفسي ، لكن الوجوب النفسي المتعلق بالمركب له حقيقة ودقة تعلق بالباقي ، لانبساط الوجوب النفسي على الأجزاء بالاسر ، فيشك بعد زوال انبساطه وتعلقه عن الجزء المتعذر في ارتفاع تعلقاته وانبساطه على سائر الأجزاء ، فيستصحب بلا مسامحة في الموضوع ولا في المستصحب ، ومن دون أخذ الجامع.

هذا في صورة تعذّر الجزء.

وأما في صورة تعذّر الشرط :

فان أريد به الخصوصيّة المقوّمة للجزء ، فلا استصحاب ، لما مرّ من عدم انبساط الأمر على الجزء بذاته ، بل بما هو جزء وهو الخاص.

وإن أريد به الخصوصية الدخيلة في تأثير الأجزاء بالأسر ، فلا ينبغي الاشكال في جريان الاستصحاب ؛ لما مرّ من أن الشرائط غير مرادة في عرض إرادة المشروط ، بل ينبعث عن إرادته ارادة الشرط.

والقطع بزوال الارادة المتعلقة بالشرط لا يقتضي القطع بزوال الارادة النفسية المتعلقة بذات المشروط.

فاستصحاب شخص وجوب المشروط بلا مسامحة أصلا مما لا ينبغي الارتياب فيه.

نعم يمكن الاشكال في استصحاب وجوب الأجزاء الباقية ؛ بتقريب أن

٣٨٥

الحكم يتشخص بموضوعه ، فذلك الوجوب النفسي المنبسط على الأجزاء بالأسر لتشخصه بها زال قطعا ، والمتشخص بالاجزاء الباقية لو كان لكان وجوبا آخر ، فلا بد من المسامحة حينئذ.

ومنه يتضح ما في الوجه الرابع ، مع وحدة الملاك أو تعدده ، فان الارادة أيضا تتشخص بموضوعها ، فلا محالة هي إرادة أخرى.

نعم بقاؤها لموضوعها بملاك آخر لا ينافي الوحدة الاتصالية ، لابقائها لغير موضوعها سواء كان بعين ذلك الملاك أو بغيره ، فتدبر جيّدا.

١١٥ ـ قوله (قدس سره) : ودلالة الأول مبنية على كون كلمة (١) ... الخ.

لا يخفى عليك أن كلمة ( من ) إما تبعيضية أو بيانية أو بمعنى الباء.

ولفظ ( بشيء ) إما أن يراد منه المركب أو العام ، أو الكلي.

وكلمة ( ما ) في قوله عليه السلام : ( ما استطعتم ) إمّا ان يراد منها الموصولة أو المصدرية الزمانية.

ولا ريب أنه لا معنى لكون كلمة ( من ) بيانية ، لأن مدخولها الضمير ، ولا يمكن أن يكون بيانا لشيء ، كيف وهو مبهم ، وكونها بمعنى الباء غير متعين ، لأن الاتيان يتعدى بنفسه تارة وبالباء أخرى.

فمن الأول قوله تعالى : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ) (٢) وقوله تعالى : ( وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (٣) ومن الثاني قوله تعالى : ( يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (٤).

ولفظ الشيء لا يكنى به عن المتعدد بل عن الواحد ، وإنما يكنى عن

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٧٠.

(٢) النساء ١٥.

(٣) الاحزاب ١٨.

(٤) النساء ١٩.

٣٨٦

المتعدد بأشياء ، فيدور الأمر بين الكلي الذي له وحدة جنسية أو نوعية أو صنفية ، أو المركب ا٠ذي له وحدة اعتبارية ، وحيث إن التبعيض لا يلائم الكلي ، إذ الفرد ليس بعض الكلي بل مصداقه ، فلا محالة يراد منه المركب الذي له أجزاء.

كما أن كلمة ( ما ) ظاهرة في الموصول ، دون المصدرية الزمانية ، فيكون مفعولا لقوله عليه السلام ( فأتوا ) ، فالمراد إذا أمرتكم بمركب ذي أجزاء فأتوا ما تستطيعونه منه ، لا فأتوا به مدة استطاعتكم.

إلا أن مورد الرواية ـ كما في المتن ـ لا يلائم المركب من أجزاء ، كما أنه أجنبي عن الأمر بالعام الذي له أفراد.

بل يلائم الكلي الذي يصدق على الأفراد ، وقد عرفت عدم ملائمة التبعيض له.

فالتحقيق : أن كلمة ( من ) ليست للتبعيض بعنوانه حتى لا يلائم الكلي ، بل لمجرد اقتطاع مدخولها عن متعلقه ، وإن كان يوافق التبعيض أحيانا.

ومن الواضح أن الفرد متشعّب من الكلي ، وأن الكلي الذي ينطبق على ما يستطاع وما لا يستطاع ، فما يستطاع منه مقتطع من مثله ـ وحينئذ ـ لا يتعين إرادة المركب ، والمتقين بحسب مورد الرواية هو الكلي الذي يلائمه لفظ ( الشيء ) وكلمة ( من ) وكون ( ما ) بمعنى الموصول ، لا بمعنى المصدرية الزمانية ، فتدبر جيّدا.

١١٦ ـ قوله (قدّس سره) : حيث لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الاجزاء (١) ... الخ.

حيث إن السقوط لا يكون إلا متفرعا على الثبوت بوجه من الوجوه ، فلو كان المراد الميسور من الأفراد ، لم يكن موهم لسقوط الحكم عن فرد بسبب

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٧١.

٣٨٧

سقوطه عن فرد آخر ، ليحكم عليه بعدم سقوطه ، فان مجرد الجمع في العبارة لا يوجب توهم السقوط إلا من الغافل ، فلا يناسب توهم السقوط إلا في الميسور من الأجزاء ، فيصح ضرب القاعدة والحكم بعدم سقوطه هذا.

ثم إن الجملة إما خبرية محضة عن ثبوت الحكم بثبوت ملاكه ، أو بمرتبة منه ، وإما خبرية بداعي البعث نحو الميسور ، بعنوان عدم سقوط حكمه الثابت أولا.

وأما جعله إنشاء ابتدائيا فغير معقول. لأن السقوط وعدمه ليسا من أفعال المكلف حتى يؤمر به ، ولا فرق في عدم المعقولية بين إضافة السقوط وعدمه إلى نفس الميسور أو إلى حكمه ، بل الحكم بعدم سقوط الحكم اولى بعدم المعقولية.

ولا يقاس بحرمة نقض الحكم المتيقن ، فان النقض العملي عنوان لترك العمل بالواجب المتيقن وجوبه مثلا ، فالنهي عنه نهي عن ترك العمل ، والأمر بالابقاء العملي أمر بالعمل ، بخلاف السقوط وعدمه ، فانه ليس عنوانا لفعل المكلف وتركه.

نعم إن كان لا يسقط ـ بالبناء للمجهول ـ من الاسقاط كان نهيا عن الاسقاط ، وهو عنوان لترك العمل بالحكم الثابت أولا ، فيكون كالنهي عن النقض العملي.

وهذا بخلاف ما إذا كان بعنوان الحكاية عن عدم السقوط ، فانه يناسب التعبد بثبوت الحكم كناية ، لأن لازم جعل الحكم للميسور كونه ثابتا غير ساقط ، فتدبر جيّدا.

* * *

٣٨٨

١١٧ ـ قوله (قدس سره) : لا أنها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه (١) ... الخ.

ليس المراد من عدم سقوطه بنفسه بقاءه في عهدة المكلف ، وهو الذي ينسب إلى نفس الميسور ، لا إلى حكمه حتى لا يعم المستحبات ، إذ لا عهدة لها ، وليس المراد من عدم سقوطه كونه مطلوبا بالمطلوبية المطلقة حتى لا يجدي في الواجبات ، بل ثبوت الموضوعات وسقوطها التشريعي المناسب لإخبار الشارع ثبوتها على وجه الموضوعية لحكمها أو سقوطها عن الموضوعية ، فالميسور من الواجب باق على موضوعيته للوجوب ، والميسور من المستحب باق على موضوعيته للاستحباب.

وحيث إن الظاهر تعلق عدم السقوط بنفس الميسور الذي له معنى معقول ، فلا داعي إلى صرفه عن ظاهره بارادة عدم سقوط حكمه.

بل المسامحة فيه أهون من المسامحة في عدم سقوط حكمه ، لأن وجوبه الغيري ساقط قطعا ، ولا يعقل التعبد بعدمه ووجوبه النفسي غير ثابت من رأس ، فلا سقوط له ، ولا عدم السقوط. فلا بد من المسامحة بأحد (٢) الوجوه المتقدمة في الاستصحاب.

بخلاف عدم سقوطه عن الموضوعية للحكم ، فان الغرض أن موضوعيته للحكم مستمرة غير ساقطة ، وإن كان حكمه فعلا غير حكمه قبلا ، فان سقوط حكمه الأول مع قيام حكم آخر مقامه لا يوجب بقاء الحكم ، لكن كونه على أي تقدير موضوعا للحكم يوجب بقاءه على صفة الموضوعية.

وهذا أيضا وإن كان بنحو من المسامحة ، لأن تشخص الحكم بتشخص

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٧١.

(٢) في التعليقة ١١٤.

٣٨٩

موضوعه ، وحيثية موضوعيته لحكم غير حيثية موضوعية لحكم آخر ، لكن هذا بالدقة العقلية لا بالنظر العرفي ، فتأمل.

ولا يخفى عليك أن المسامحة هنا ليس كالمسامحة في الاستصحاب موضوعا أو من حيث المستصحب ، لإمكان عدم الالتزام بالمسامحة هناك ، وملاحظة المستصحب أو الموضوع على وجه الدقة ، إلا أنه هنا مما لا بد منه لفرض الميسور والمعسور في المركب من الأجزاء ، فالتعبد بعدم السقوط مبني على مقدار من المسامحة وإلاّ كانت القاعدة بلا مورد ، إلا أن يحمل على الأفعال المتعددة ، فان ثبوتها وسقوطها تحقيقي غير مبني على المسامحة.

لكنك قد عرفت أنه لا موجب لتوهم السقوط ، حتى يقوم الشارع بصدد التعبد بالثبوت وعدم السقوط.

١١٨ ـ قوله ( قده ) : واما الثالث ، فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي (١) ... الخ.

قد عرفت سابقا (٢) : أن الموصول لا يكنى به إلا عن الواحد لا عن المتعدد وإن كان عاما ، فان معنى عمومه كل فعل لا يدرك ، لا كل أفعال لا تدرك.

ومن الواضح : أن الفعل الواحد لا كل له إلا إذا كان له بعض ، فلا محالة يراد منه المركب من الأجزاء ، فانه القابل لأن يكون له كل وبعض.

نعم لا مانع من إرادة الكلي الذي يندرج تحته أفراد ، بأن يراد : أن الكلي الذي لا يدرك بكليته لا يترك بكليته ، فهو من حيث وحدته يكنى عنه بالموصول ، ومن حيث سعته لأفراده له الكلية ، فالموصول يعم المركب والكلي.

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٧٢.

(٢) لم يتقدم منه قده ما يدل على أن الموصول لا يكنى به عن المتعدد وإنما الذي تقدم منه أن لفظ الشيء لا يكنى به عن المتعدد بل عن الواحد. التعليقة ١١٥.

٣٩٠

وعن الشيخ الأعظم (قدّس سره) (١) : انه لو أريد من الموصول الأفعال المتعددة كان الكل مجموعيا أيضا ، إذ لو كان أفراديا لكان معناه أن ما لا يدرك شيء منه لا يترك شيء منه ، ولا معنى له ، إذ المفروض عدم إدراك هذا الفرد ، وذلك الفرد إلى آخر الافراد ، فكيف يعقل أن يقال : لا يترك شيء منه؟

وأورد عليه بأن كون الكل مجموعيّا أو أفراديّا لا مدخل له في ذلك ، بل المناط كون العموم مسلوبا أو السلب عامّا ، مستشهدا بأن الحكم في المحصورة على الأفراد ولا يكون مفاد ليس كل حيوان إنسانا بنحو الكل المجموعي ، بل بنحو الكل الأفرادي ، وانما السلب فيه من باب سلب العموم لا من باب عموم السلب.

وعليه ، فاذا كان ما لا يدرك كله بنحو سلب العموم ، يجدي فيما نحن فيه وإن كان الكل أفراديا.

ويندفع : بأن ما ذكره أهل الميزان من أن الحكم في المحصورة على الأفراد في قبال القضية الطبيعية التي يكون الحكم فيها على الطبيعة ـ بما هي طبيعة كلية ـ.

فلا منافاة بين أن يكون الحكم على الأفراد ، وأن يكون المراد تارة كل واحد من الأفراد وأخرى مجموع الأفراد.

وأما أن سلب العموم يجامع الكل الأفرادي ، ففيه : أن السلب في سلب العموم واحد ، وفي عموم السلب متعدد ، ومقتضى التضايف بين السلب والمسلوب والمسلوب عنه. أن وحدة السلب يقتضي (٢) وحدة المسلوب والمسلوب عنه ، ويستحيل وحدة السلب وتعدد المسلوب ، ويستحيل وحدة المسلوب وتعدد المسلوب عنه.

__________________

(١) فرائد الأصول المحشى ٢ / ١٤٤.

(٢) كذا في الأصل ، لكن الصحيح : تقتضي.

٣٩١

كما أن تعدد السلب يقتضي تعدد المسلوب والمسلوب عنه بعين هذا البرهان ، فمع لحاظ الكل أفراديا بملاحظة الكثرات ـ بما هي كثرات ـ يستحيل وحدة الايجاب ووحدة السلب.

غاية الأمر أن سلب العموم ، تارة لسلب مجموع الأجزاء ، وأخرى لسلب مجموع الأفراد ، فالحق حينئذ مع الشيخ (قدّس سره) حيث أفاد : أن مفاد القضية هو الكل المجموعي وإن أريد من الموصول الأفعال المتعددة.

ثم إن فعل المجموع مساوق لفعل الجميع ، فتركه البديل له أيضا مساوق لترك الجميع. فصح أن يقال : ما لا يدرك مجموعه لا يترك مجموعه ، ولازمه فعل البعض حتى لا يكون المجموع المساوق للجميع متروكا.

١١٩ ـ قوله (قدس سره) : ثم إنه حيث كان الملاك في قاعدة (١) ... الخ.

لا يخفى عليك أن الخاص بما هو خاص مباين لذات الخاص عقلا ، وإن كان غير مباين له عرفا أحيانا ، وكذا المركب بما هو مباين عقلا لما هو فاقد لجزء منه ولو يسيرا ، وإن كان غير مباين عرفا لفاقد اليسير.

إلا أن موضوع القاعدة هو الميسور في قبال المعسور ، وليس هو إلا المقدور عقلا وشرعا وعرفا.

ومن البين : أن الجزء الواحد مقدور من العشرة ، وذات الخاص مقدور من الخاص بما هو خاص عقلا وشرعا وعرفا.

ولا فرق بين مطلق الميسور والميسور من الشيء ، إلا بعدم لزوم الارتباط في الأول ولزوم الارتباط في الثاني. إما بأن يكون جزء من مركب أو فردا من عام.

نعم كونه ميسورا بلحاظ مقام تعلق الحكم ، أو بلحاظ مقام الوفاء

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٧٢.

٣٩٢

بالغرض ـ الراجع في الحقيقة إلى ثبوته بلحاظ تعلق الحكم به ، أو ثبوته بلحاظ وفائه بالغرض اللازم في صدق عدم سقوطه ـ ، ربما يختلف العقل والشرع والعرف فيه ، مثلا الجزء وان كان يسيرا مما تعلق به الحكم فله ثبوت عقلا ، فيصح أن يتقيّد (١) بعدم سقوطه.

وأما ذات الخاص ، فلا تعلق للحكم به (٢) عقلا وإن كان يختلف بنظر العرف : فربما يرى تعلق الحكم به لوحدة الواجد والفاقد عرفا.

وربما لا يرى تعلق الحكم به لتباين الواجد والفاقد عرفا.

وكذا في مقام الوفاء بالغرض : فان كان الميسور واقعا وافيا بالغرض فله ثبوت موجب للتعبد بعدم سقوطه.

وان لم يكن وافيا به فلا ثبوت له حتى يتعبد بعدم سقوطه.

لكن هذا المعنى لا يوجب أن يكون الاخراج عن الحكم أو الادراج في الحكم من باب التخطئة :

أما من حيث الوفاء بالغرض فهو ، وإن كان له واقع محفوظ ، لكنه لا طريق للعرف إليه حتى يعقل تصويب نظرهم وتخطئة نظرهم.

وأما من حيث تعلق الطلب به : فان كان الموضوع ما يراه العرف مما له حكم ثابت سابقا بما هو كذلك ، بحيث كان نظرهم مقوم الموضوع ، فلا محالة يكون الاخراج تقييدا في الحكم ؛ لأن الموضوع بحده محفوظ.

وإن كان الموضوع ما له ثبوت واقعا وكان نظر العرف طريقا إلى الموضوع ، فالجزء وإن كان يسيرا له الحكم واقعا بحكم العقل دائما ، وذات الخاص لا حكم له (٣) واقعا دائما ، فكيف يعقل التصويب تارة والتخطئة أخرى؟

__________________

(١) كذا في الأصل ، والصحيح : يتعبّد.

(٢) كذا في الأصل ، لكن الصحيح : بها ، وكذا الأمر في باقي الضمائر ، فان المرجع : ذات الخاص.

(٣) هكذا في نسخة المصنف قده ، لكن الصحيح : لها.

٣٩٣

فلا معنى لجعل نظره حجة بالاطلاق ، وتخطئته في الاخراج والادراج.

بل الواقع معلوم دائما ؛ إذ لا مقام للثبوت من حيث الحكم إلا مرحلة تعلق الحكم ، بل تقييد في مرحلة الاخراج وتشريك في مرحلة الادراج.

فعلم : أن التخطئة والتصويب مما لا مجال له ، لا من حيث صدق الميسور بذاته ، ولا من حيث ثبوت الحكم ، ولا من حيث الوفاء بالغرض. وأن الجزء الميسور مما تعمه القاعدة مطلقا ، وأن ذات المشروط مما لا تعمه القاعدة.

نعم المشروط بالشرط الحقيقي الذي له دخل في التأثير ، لا بمعنى المقوّم للجزء ، له الحكم دائما وان سقط الحكم عن شرطه ، كما بيناه سابقا (١).

١٢٠ ـ قوله (قدس سرّه) : كان المرجع هو الاطلاق (٢) ... الخ.

أي إطلاق المقام لا اطلاق الكلام ، لأن الموضوع هو الميسور واقعا ، ولا يتخلف عنه حكمه ولا يتضيق بالاخراج ولا يتسع بالادراج. بل حيث رتب الشارع الحكم بعدم السقوط على الميسور الواقعي ، ولم يعين طريقا إليه كان نظر العرف طريقا إليه ، وإلاّ لزم نقض الغرض ، فنظر العرف حجة باطلاق المقام وعدم نصب الطريق ، فيكون الاخراج تخطئة للنظر العرفي ، والادراج كذلك.

وأما حديث استكشاف الوفاء بالغرض بتمامه أو بمعظمه ، ففيه :

إن كانت القضية خبرية محضة ، كان بقاء الحكم حقيقة وعدم سقوطه كاشفا عن بقاء ملاكه ، من باب كشف المعلول عن علته.

وإن كانت القضية تعبّدية لجعل الحكم المماثل ، كحرمة النقض في الاستصحاب ، فهو حيث إنه حكم فعليّ مماثل ، يكشف عن انبعاثه عن مصلحة داعية.

أما أنها عين مصلحة الحكم الثابت سابقا أو مصلحة أخرى. فلا دليل

__________________

(١) في التعليقة ١١٤.

(٢) كفاية الأصول / ٣٧٢.

٣٩٤

عليه ، كما هو كذلك في التعبد الاستصحابي.

١٢١ ـ قوله (قدس سرّه) : فيخرج أو يدرج تخطئة (١) ... الخ.

أي على مسلكه (قدّس سره) مطلقا ، وأما على مسلك غيره فمن باب التخصيص في الأول ، ومن باب التشريك المحض في الثاني.

وقوله (قدّس سره) فأفهم : إما إشارة إلى أن الاخراج تخطئة ، حيث إن الحكم مرتب على الميسور الواقعي بطريقيّة الميسور العرفي إليه ، فنفي الحكم لا بدّ من أن يكون من باب تخطئة نظر العرف ، بخلاف الادراج ، فإنه حيث لا يراه العرف ميسورا لا يحكم بعدم سقوطه ، فلا طريق حتى يكون الادراج تخطئة ، لا انه هناك طريق إلى عدمه حتى يتصور التخطئة.

ويندفع : بأن مقتضي ترتيب الحكم على الميسور الواقعي ، وعدم نصب الطريق أن يكون ما يراه العرف ميسورا طريقا إلى موضوع الحكم ، وأن ما لا يراه ميسورا طريقا الى عدمه.

فكما أن القاعدة متكفلة للحكم على الميسور الواقعي بالمطابقة ، ولعدم الحكم بالالتزام ، كذلك في جعل نظرهم طريقا إلى الموضوع ، فمجرد عدم كونه ميسورا بنظرهم كاف في عدم الحكم ، ولا حاجة إلى حكم العرف بأنه ليس بميسور واقعا.

وإما إشارة إلى أن الادراج : إن كان بعنوان أنه ميسور واقعا كان تخطئة لنظر العرف ، وإلاّ لكان تشريكا محضا في الحكم.

ومن البين أنه ليس في الدّليل المتكفل المخالف لظاهر قاعدة الميسور الحكم على شيء بعنوان انه ميسور حتى يكون تخطئة لنظر العرف الحاكم بأنه ليس بميسور.

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٧٢.

٣٩٥

ثم إنه ربما يورد على هذه القاعدة كبعض القواعد الأخر بلزوم التخصيص الكثير أو الأكثر ، بل عن شيخنا (١) الاستاذ (قدّس سره) أن الباقي تحت هذه القاعدة بالنسبة إلى الخارج عنها كالقطرة من البحر.

وأجاب (قدّس سره) على مسلكه بأن الخارج عنها بنحو التخصّص لا التخصيص ، فإن الحكم مرتب على الميسور الواقعي ، ولعل الخارج ليس ميسورا واقعيا بتخطئة نظر العرف.

إلا أنه صحيح بالاضافة إلى نفس موضوع الحكم ، حيث إنه لم يعلم تخلف الحكم عن موضوعه الواقعي ولو في مورد.

وأما بالاضافة إلى الاطلاق المقتضي لحجية نظر العرف ، وأن كل ما هو ميسور عرفا فهو ميسور واقعا ، فالاشكال باق ؛ اذ لا فرق في الاستهجان بين أن يكون أكثر أفراد الميسور الواقعي خارجا عن حكمه ، وأن يكون أكثر أفراد الميسور العرفي خارجا عن كونه طريقا إلى الميسور الواقعي هذا.

وأما على مسلك من يرى الاخراج تخصيصا والادراج تشريكا ، فقد أجيب عن لزوم الاستهجان بوجهين :

أحدهما : أن يكون موضوع العام معنونا بعنوان واقعي ، لا يكون الخارج عن تحته إلا بنحو الخروج عن موضوعه تخصّصا ، ولو بأن يكون الموضوع محفوفا بقرينة مختفية علينا.

ولذا يقتصر في العمل بمثل هذه القواعد على صورة عمل الأصحاب بها ؛ لأنه يكشف عن تحقق الموضوع بعنوانه ، وأنهم اطلعوا على تلك القرينة المختفية.

لكن هذا الوجه إنما يصح إذا كان عملهم كاشفا قطعيا عن تحقق العنوان ووجود القرينة الحافة باللفظ ، وإلاّ فالظن بالمراد إذا لم يكن ناشئا عن ظهور

__________________

(١) التعليقة على فرائد الاصول / ١٦٢.

٣٩٦

اللفظ لا دليل على حجيته ، وليس كعملهم بالخبر الضعيف ، حتى يكون الخبر بسببه موثوقا به ، ليتم به موضوع دليل حجية الخبر ؛ إذ الحجة في باب الدلالة هو الظهور ، والعمل لا يوجب ظهور اللفظ ، بل يظن به ما يوجب الظهور ، وهي تلك القرينة المختفية عنّا.

ثانيهما : أن يكون الخارج عن تحت العام خارجا عنه بعنوان واحد فليس هناك إلا إخراج واحد ، وان كان المندرج تحت ذلك العنوان أكثر مما بقي تحت العام.

وفيه : أن ذلك إنما يجدي إذا كان مصاديق العام هي العناوين المعبر عنها بعبارة جامعة ، فان خروج عنوان لا يضر.

وأما إذا كان مصاديقه ذوات الأفراد ، فكثرتها موجبة للاستهجان وإن اندرجت تحت عنوان واحد ، حيث إن وحدة العنوان أجنبية عما هو مناط الفردية للعام.

نعم : في أصل استهجان التخصيص الأكثر كلام تعرضنا له في بعض المقامات ، وعلى فرضه ، فالمسلم منه ما إذا كان التخصيص في حدّ ذاته أكثر من الباقي ، لا ما إذا كان أكثر بالاضافة إلى الباقي ، بحيث يكون الباقي في حدّ ذاته كثيرا أيضا ، مع أنه سيأتي (١) في قاعدة الضرر ـ إن شاء الله تعالى ـ أن الخارج ليس بأكثر.

١٢٢ ـ قوله (قدس سره) : لامكان الاحتياط باتيان العمل (٢) ... الخ.

والوجه فيه : أن مورد دوران الأمر بين المحذورين ، يكون المطلوب في

__________________

(١) التعليقة ١٤٤.

(٢) كفاية الأصول / ٣٧٣.

٣٩٧

كل واقعة أحد الأمرين اللذين لا يتمكن من موافقة التكليف فيه ، والفعل في واقعة والترك في أخرى ليس موافقة قطعية للتكليف ، لأنه هناك بعدد الوقائع تكاليف متعددة ، فالفعل موافقة احتمالية لتكليف ، والترك موافقة احتمالية لتكليف آخر ، لا للتكليف في الواقعة الأولى.

بخلاف ما نحن فيه ، فانه ليس المطلوب إلا صلاة واحدة متخصصة ، إما بجزء وجودي أو بجزء عدمي ، ويتمكن من موافقة التكليف بذلك الخاص قطعيا باتيانه مرتين ، فتدبر.

* * *

٣٩٨

[ شرط إجراء أصالة الاحتياط ]

١٢٣ ـ قوله (قدس سرّه) : وتوهم كون التكرار عبثا أو لعبا بأمر المولى (١) ... الخ.

قد مر (٢) في مباحث القطع أنه لا لعب ولا عبث في الاطاعة والامتثال :

لا من حيث انبعاث العمل عن داع شيطاني ، لفرض دعوة الأمر المحتمل في كل عمل.

ولا من حيث انبعاث العمل عن داعي الأمر وداع نفساني ، لفرض استقلال الأمر المحتمل في الدعوة ، وإلا لكان العمل باطلا من حيث التشريك في الداعي ، ولو كان الشريك داعيا عقلائيا.

ولا من حيث انطباق عنوان اللعب على العمل بنفسه ، لأن العمل بنفسه وبذاته عبادة ذاتية ، وانطباق عنوان آخر عليه من قبل الداعي ، بعد فرض دعوة الأمر المحتمل واستقلاله في الدعوة ، غير معقول.

ولا من حيث انطباق عنوان اللعب على العمل المأتي به بداعي الأمر ؛ اذ مثله لا يعقل ، إلا إذا كان الداعي الى جعل الأمر داعيا ، أمرا شيطانيا نفسانيا ، مع أن المفروض أن داعي الداعي هنا كما في غيره وهو إسقاط العقاب أو تحصيل مرضاته تعالى أو غيرهما.

فعلم مما ذكرنا أن الامتثال بجميع ما يتقوم به ليس مصداقا للعب ، فكما لا يكون لاغيا لاعبا في أصل امتثاله ، كذلك في كيفية امتثاله.

وأما اللعب في تحصيل اليقين بامتثال امر المولى الخارج عن مرحلة امتثال

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٧٤.

(٢) نهاية الدراية ٣ : التعليقة ٤٩.

٣٩٩

الأمر واقعا ، فنقول : لا لعب في أصل تحصيل اليقين أيضا ، لأن الداعي إلى أصله هو الداعي إليه في غير المورد ، وهو الخروج عن تبعة التكليف في ظرف وجدان العقل ، فلو كان هناك لعب فهو في كيفية تحصيل اليقين.

بتقريب : أن تحصيل اليقين تارة بتعيين الواجب وإتيانه مرة واحدة ، وأخرى بترك تعيينه تفصيلا والجمع بين محتملاته.

والداعي إلى اختيار هذا الطريق المحصل لليقين أحد أمور :

منها : اشتغاله في مدة من الزمان بالانقياد للمولى ، وهو داع محبوب.

ومنها : كون الجمع بين المحتملات عنده من باب الاتفاق أخف مئونة وأسهل تناولا من تعيين الواجب بتحصيل طريقه ، وهو داع عقلائي.

ومنها : ما لا يكون هذا ولا ذاك ، فلا محالة يكون لاغيا عابثا ، فالداعي إلى تحصيل اليقين بهذه الكيفية داع شيطاني ، لا الداعي إلى نفس فعل المحتملات المتولد منه تحصيل اليقين ، ولا اتحاد بين الفعل التوليدي والمتولد منه كما مر مرارا.

وأما دعوى (١) أن العقل لا يستقل بحسن الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي :

إمّا لحكمه جزما بدخل دعوة شخص الأمر دون احتماله في العبادية المفروض عدم حصول الغرض إلا مع وقوع الفعل على وجه التعبد به.

وإمّا لاحتماله ذلك.

فيكون الفعل المأتي به بداعي احتمال الأمر :

إمّا مشكوك المحصلية للعبادية ، ومع الشك في المحصل والقطع بلزوم أصل التعبد به يجب تحصيل ما يقطع بكونه محصلا.

__________________

(١) المدعى هو المحقق النائيني قده. فوائد الأصول ٣ / ٣ ـ ٧٢. أجود التقريرات ٢ / ٤٤.

٤٠٠