نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


المحقق: الشيخ أبو الحسن القائمي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-40-X
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٤٦٤

واما لدوران الأمر بين التخيير والتعيين ، وهو مورد الاشتغال.

فهي مدفوعة : بأن الانقياد للأمر المحتمل ـ كالانقياد للأمر المعلوم ـ حسن بذاته بحكم العقل ؛ إذ لا نعني بذلك إلا ما ينطبق عليه عنوان ممدوح عليه عند العقلاء.

وعدم التمكن إما دخيل في تحقق أصل الانقياد المحكوم بالحسن ذاتا ، وإما دخيل في حسنه الفعلي ، فهو على الأول مقوم الحسن الذاتي ، وعلى الثاني مقوم الحسن الفعلي.

ولا ريب أن عدم التمكن من الامتثال ليس دخيلا في تحقق الانقياد ، فلا يكون مقوما لحسنه الذاتي.

كما لا ريب في أن ما كان حسنا بذاته ـ أي لو خلي ونفسه ـ يصدر في الخارج حسنا بالفعل ، إلا إذا انطبق عليه عنوان قبيح ، كالصدق المعنون بعنوان المهلك للمؤمن.

ومن الواضح : أن التمكن من الامتثال ، لا هو عنوان قبيح ولا موجب لعنوان قبيح ، حتى يمنع من صيرورة الحسن الذاتي فعليا.

وبعد كون الانقياد المنطبق على الاتيان بداعي الأمر المحتمل حسنا ذاتا وفعلا نقول : إن العبادة وغيرها تمتازان بمساوقة الغرض اللازم لوقوع الشيء حسنا مضافا إلى المولى ، وبعدم كونه مساوقا له ، فلا مجال للشك في حصول الغرض ، ولا في حصول القرب ، ولا في حصول الفعل معنونا بعنوان يؤثر فيهما ، فضلا عن الحكم جزما بعدم الحسن ، أو بعدم التعبدية (١) ، أو بعدم حصول الغرض ، فتدبر جيدا.

__________________

(١) كذا في الأصل ، والصحيح : بعدم التّعبد به.

٤٠١

١٢٤ ـ قوله (قدس سرّه) : بل يحسن أيضا فيما قامت الحجة على البراءة (١) ... الخ.

توضيح المقام : أن رجحان الاحتياط إما عقلي أو شرعي ، والحجة تارة على البراءة عن التكليف كأدلة البراءة الشرعية ، وأخرى على نفي الوجوب أو الحرمة واقعا كالدليل الاجتهادي مثل الخبر الصحيح.

فان كان الاحتياط راجحا شرعا وقامت الحجة على البراءة ، سواء كان مفاد أدلة البراءة المعذريّة عن مخالفة الواقع أو رفع الوجوب الفعلي أو الحرمة الفعلية ، فلا ينافي احتمال التكليف الموضوع لرجحان الاحتياط ، ضرورة اجتماع المعذّرية مع التكليف الواقعي ، كاجتماع عدم الفعلية ظاهرا مع ثبوت التكليف الواقعي.

وإن كان الاحتياط راجحا شرعا وقام الخبر الصحيح على عدم التكليف واقعا ، فلا ريب في رفع موضوع الاحتياط بنحو الحكومة. أو الورود التنزيلي ، لأن معنى الأمر بتصديق العادل الحاكي عن عدم الوجوب واقعا إلغاء احتمال خلافه ، وخلاف عدم الوجوب هو الوجوب ، ومعنى إلغاء احتمال الخلاف إلغاء حكمه ، وهو وجوب الاحتياط أو استحبابه ، هذا على الحكومة كما يراها (٢) شيخنا العلامة الانصاري (قدّس سره).

وأما الورود التنزيلي فتقريبه : أن مفاد أدلة حجية الخبر جعل الوصول الظني بالخبر منزلا منزلة الوصول الحقيقي ، الذي أثره التنجيز تارة والاعذار أخرى ، أو جعل الحكم المماثل بلسان وصول الواقع عنوانا كما سيجيء (٣) ـ إن شاء

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٧٤.

(٢) فرائد الأصول المحشى ٢ / ٣ ـ ٣٣٢.

(٣) محل التفصيل هو مبحث التعادل والترجيح ولم يذكر فيه هذا العنوان مشروحا وإنما أشار إلى

٤٠٢

الله تعالى ـ تفصيله في محله ، فمع الوصول التنزيلي لا شك ولا احتمال تنزيلا كي يترتب عليه حكمه ، براءة كان أو احتياطا ، أو لا واقع عنوانا حتى يحتمل ، فيرتّب عليه حكمه.

وأما إن كان الاحتياط حسنا وراجحا عقلا فقط ، فلا حكومة ولا ورود تنزيلي لدليل الحجية ؛ إذ لا حكم للاحتمال شرعا حتى يعقل التعبد بعدمه بأحد الوجوه المتقدمة.

لكنك قد عرفت سابقا : أن رجحان الاحتياط شرعا بمعنى تعلق الطلب الوجوبي أو الاستحبابي من الشارع بما هو شارع بملاك مولوي لا يعقل إلا مع رجحان الاحتياط نفسيا.

وهو خلاف ظاهر عنوان الاحتياط الذي ليس له شأن إلا التحفظ على الواقع ، فلا غرض منه إلا الواقع ، فلا معنى لرجحانه الشرعي.

بل الأوامر الاحتياطية إما إرشادية أو طريقية لا مصلحة فيها إلا الواقع.

فعلى الارشادية لا حكم من الشارع حتى يتوهم التعارض أو الورود والحكومة.

وعلى الطريقية فمعناها جعل الاحتمال مبلغا للمحتمل إلى مرتبة الفعلية ، وجوبا كان أو استحبابا ، فاذا كان الخبر الحاكي عن عدم الحكم طريقيّا أيضا كان معناه جعل عدمه فعليا ، فلا محالة يتعارض دليل الاحتياط الشرعي ودليل حجية الخبر على وجه الطريقية بالمعنى المذكور.

ثم إن رجحان الاحتياط عقلا ليس بملاك إحراز المصلحة والتحرز عن

__________________

الورود التنزيلي بمعنى جعل الحكم المماثل بقوله وأما الحكومة بالمعنى الآخر في آخر التعليقة الرابعة وبمعنى جعل الوصول الظني بالخبر منزلة الوصول الحقيقي في آخر التعليقة السادسة.

نهاية الدراية ٦ : التعليقة ٤ و ٦.

٤٠٣

المفسدة ، كما هو ظاهر المتن ، بل لأن الانقياد للأمر المحتمل من حيث إنه انقياد للمولى حسن بل الانقياد فيه أعظم من الانقياد للأمر المعلوم.

والسر في عدم رجحانه بعنوان إحراز المصلحة والتحرز عن المفسدة. أن الفعل ما لم يرتبط بالمولى بنحو من الارتباط لا يتعنون بعنوان حسن ، بملاك التحسين والتقبيح العقليين الراجعين إلى كونه بحيث يمدح عليه فاعله ، أو يذم عليه فاعله ، لما فيه من مصلحة عامة ينحفظ بها النظام ، أو مفسدة عامة يختل بها النظام ، فاحراز المصلحة بما هي هنا كجلب المنفعة في غيره ليس داخلا في مورد التحسين والتقبيح العقليين ، فتدبر.

* * *

٤٠٤

[ شرط اجراء البراءة العقلية ]

١٢٥ ـ قوله (قدس سرّه) : وأما البراءة العقلية فلا يجوز اجراؤها (١) ... الخ.

بأحد تقريبين :

الأول : أن المراد بالبيان ما يصلح لقطع عذر العبد في مخالفة التكليف ، والدليل على التكليف إذا كان بحيث لو تفحص عنه لظفر به كان صالحا لقطع عذر العبد ، فاحتماله قبل الفحص احتمال البيان المصحح للعقوبة ، فموضوع القاعدة وهو عدم البيان غير محرز حتى يقبح العقاب.

والوجه في صلوحه لقطع العذر أن ملاك الوصول الذي تكون المخالفة معه ظلما على المولى هو وصوله العادي ، وهو قهرا متقوم بمقدار من الفحص ، إذ ما كان عليه طريق منصوب من قبل المولى لا يصل عادة إلا بالفحص عنه.

الثاني : أن الاقتحام في المشتبه ـ مع أن امر المولى ونهيه لا يعلم عادة إلا بالفحص عنه ـ خروج عن زي الرقية ورسم العبودية ، فالاقتحام بلا فحص ظلم.

والفرق بين الوجهين : أن العقوبة في الأول على مخالفة التكليف الذي عليه حجة واقعية ، وفي الثاني على الاقدام بلا فحص ، فانه بنفسه ظلم.

وملاك استحقاق العقاب تحقق عنوان الظلم ، سواء كان مخالفة للتكليف حقيقة أو لا ، كما في التجري.

ومجرد كون المتجري بملاحظة علمه لا عذر له لا يكون فارقا ؛ إذ عدم

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٧٤.

٤٠٥

الحجة للعبد على مولاه لا يسوّغ العقوبة.

بل لا بد للمولى من حجة على عبده في مؤاخذته ، وليست الحجة له عليه إلا كونه ظالما على مولاه ، فلا فرق بين ما نحن فيه وبين التجري.

وعليه فموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان وإن كان محرزا إلا أنها تنفي العقاب على مخالفة التكليف ، لا العقاب. ولو من أجل انطباق عنوان آخر ، فمعاقبة المولى عبده على مخالفة التكليف ظلم من المولى على عبده ، كما أن إقدام العبد بنفسه بلا فحص ظلم منه على مولاه ، ولكل واحد منهما حكمه.

نعم التحقيق : أن الظلم غير منطبق على الاقدام والاقتحام ؛ فان ترك الفحص ليس عنوانا لهما ، بل مقارن لهما وإنما ينطبق الظلم على نفس ترك الفحص عن التكليف الذي لا يعلم عادة إلا بالفحص ، وهذا أيضا فرق آخر بين الوجهين.

وفي كلا الوجهين نظر :

أما في الأول ، فلما تقدم (١) في البحث عن الشبهة الموضوعية ، من أن الحكم ما لم يصل حقيقة بوجوده العلمي في افق النفس غير قابل للباعثية أو الزاجرية بنفسه على أي تقدير.

بداهة أن وجوده الواقعي لا يعقل أن يكون موجبا لانقداح الداعي في النفس ، بل بوجوده الحاضر في افق النفس ، لعدم السنخية والمناسبة إلا بين وجوده النفساني وانقداح الداعي في النفس.

ومن الواضح أن الأمر بدعوته بوجوده العنواني ـ لفنائه في معنونه ، وهو الأمر بوجوده الخارجي ـ يوجب اتصاف الأمر الخارجي بالدعوة بالعرض ، كما في المعلوم بالذات والمعلوم بالعرض ، والمراد بالذات والمراد بالعرض.

__________________

(١) التعليقة ٥٥.

٤٠٦

ومن البين أيضا أن الأمر بوجوده الحاضر في النفس إنما يكون داعيا على أي تقدير اذا كان داعيا بوجوده العلمي التصديقي.

وأما الأمر المحتمل ، فانما يوجب اتصاف الامر الخارجي بالدعوة بالعرض على تقدير مطابقة الاحتمال للواقع.

ففرض جعل الأمر الخارجي داعيا بدعوة الأمر بوجوده النفساني ـ بنفسه ، لا على تقدير ـ هو فرض جعل وجوده العلمي التصديقي داعيا لا الأعم منه ومن وجوده الاحتمالي ، فكون وجوده الاحتمالي داعيا على أي تقدير ، يستدعي جعل الاحتمال منجزا.

والمفروض أنه ليس في البين إلا التكليف الواقعي الذي قام عليه طريق واقعي.

وعليه : فلا يغفل فعلية الأمر الواقعي الذي عليه طريق واقعي بنحو الباعثية والمحركية إلاّ بعد وصوله حقيقة ، وإذا لم يكن فعليا وباعثا حقيقيا فكيف يعقل أن يكون منجزا ، حتى يكون احتماله احتمال المنجز ليمنع من جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

كما أن الأمر الطريقي الموجب لحجية الخبر مثلا حيث إنه بداعي ايصال الواقع بعنوان آخر ، أو إنه يوجب اعتبار الخبر وصولا ، فلا محالة ليس وجوده الواقعي كوجود التكليف الواقعي فعليا يترتب عليه الأثر ، إذ ما لا وصول له فعلا كيف يكون وصولا للواقع عنوانا او اعتبارا؟

فاحتماله احتمال حكم طريقي غير فعلي ، ومجرد الاحتمال لا دليل عقلا على كونه مبلغا للحكم الطريقي إلى مرتبة الفعلية.

كما لا يشك أحد في أنه لا يكون مبلغا للواقع إلى مرتبة فعلية الباعثية والزاجرية ، فتدبره فانه حقيق به.

وأما في الثاني ، فبيانه : أن مورد الاحتياط تارة : يكون فيما إذا كان علم

٤٠٧

إجمالي بعناوين خاصة ، كوجوب الظهر أو الجمعة ونحوهما.

وأخرى : فيما إذا كان علم إجمالي بواجبات ومحرمات لا بعناوين خاصة ، كما للمكلف في بدو أمره قبل الاطلاع على التكاليف الشرعية نوعا فانه لا علم إجمالي له بالواجبات بعناوينها الخاصة أو المحرمات كذلك ، بل يعلم إجمالا بتعلق التكاليف نحو أفعال وتروك لا يعرفها بعناوينها الخاصة ولو إجمالا.

وثالثة : ما إذا لم يكن له علم إجمالي بأحد الوجهين ، كما إذا ظفر بمقدار معلومه الاجمالي ، وإنّما يحتمل بدوا تعلق التكليف بشيء بعنوانه الخاص.

ولا ريب في وجوب الاحتياط عليه في الأول من دون لزوم فحص عليه في تعيين معلومه بالاجمال.

كما أنه لا ريب أيضا في لزوم الفحص عليه في تعيين الواجبات والمحرمات ، ولو بنحو الاجمال في الثاني مقدمة للامتثال.

والكلام في الثالث ، ولا نسلم أن ترك الفحص عن مثله خروج عن زي الرقية ورسم العبودية ، إذ ليس قبل وصول التكليف إليه بنحو من الأنحاء ما يكون ترك الفحص عنه خروجا عن زي الرقية.

فلا يقاس ترك الفحص في الشبهة البدوية المحضة بترك الفحص عما لا يعرفه بعنوانه الخاص ولو اجمالا.

كما لا يقاس بوجوب النظر في معجزة من يدعي النبوة ، فانه تارة يكون قبل ثبوت نبوّة نبيّ رأسا ، فان الوجه فيه علمه بأنه لا بد من نبي مبلغ عن الله تعالى ، فتجب معرفته ، ويتوقف على الفحص بالنظر إلى معجزة من يدعيها فيجب.

وأخرى ـ يكون بعد ثبوت نبوة نبي فانه لا علم له بنبوة غيره لإمكان بقاء شريعته بعده ، وعدم لزوم معرفة غيره.

لكنه حيث يحتمل بعثة نبي آخر ، كما هو سنة الله تعالى في عباده ، فيحتمل

٤٠٨

صدق مدعي النبوة ، ولمكان أهمية أمر النبوة ، وأنه لو كان نبيا كان إنكاره موجبا للخلود في النار يحكم العقل بمنجزية احتمال نبوته ، لمكان الاهمية على تقدير واقعيتها.

ومثله أيضا لو فرض في التكاليف ، كما في الشبهات الموضوعية ، يستكشف منه جعل احتماله منجزا شرعا أيضا ، بخلاف مطلق التكاليف بعد إحراز مقدار المعلوم بالاجمال وتمحّض الشك في التكليف ، فليس سد باب وصول مطلق التكاليف كسد باب الوصول في النبوّات.

* * *

٤٠٩

[ شرط اجراء البراءة العقلية ]

١٢٦ ـ قوله (قدّس سره) : وأما البراءة النقلية فقضية إطلاق أدلتها (١) ... الخ.

بيانه : أن المراد من عدم العلم المأخوذ في موضوع أدلة البراءة الشرعية ، إن كان عدم الحجة القاطعة للعذر فحالها حال البراءة العقلية ، من حيث إن وجود الحجة الواقعية إذا كانت بحيث لو تفحص عنها لظفر بها كاف في تنجيز الواقع ، فمع احتمالها قبل الفحص يشك في تحقق موضوع البراءة ، وحينئذ لا مجال لاطلاقها.

وإن كان نفس عدم العلم الوجداني ، فهو قابل للاطلاق من حيث التمكن من الاستعلام إلا مثل قوله ( ما حجب الله علمه عن العباد ) : لا من حيث إن المراد به ما حجب الله علمه بعدم الوحي أو الالهام إلى النبي أو الوصي.

ولا من حيث إن المراد به ما لم يأمر تعالى نبيه أو وليه بتبليغهما ، فانهما أجنبيان عما نحن فيه ، اذ الكلام في الاطلاق وعدمه ، لا في الدلالة على البراءة وعدمها.

بل من حيث إن الحجب ، وإن شمل الحجب بالواسطة ، ولو بأسباب طارئة نظير قوله عليه السلام : ( ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر ) (٢) إلا أن الحجب هنا ليس بواسطة أسباب طارئة ، بل بترك الفحص من المكلف ، فهو الحاجب للتكليف عن نفسه ، لا هو تعالى شأنه بواسطة الأسباب الطارئة ،

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٧٤.

(٢) الكافي ٣ / ٤١٣ لكن فيه : فالله أولى بالعذر.

٤١٠

فتدبر.

وعليه ، فمقتضى الاطلاقات جريان البراءة شرعا ـ قبل الفحص وبعده ـ في الشبهة الحكمية والموضوعية ، فلا بد من التماس مقيد لها بالاضافة إلى ما قبل الفحص في الشبهة الحكمية.

فان قلت : المقيد لها عقلي ؛ لأن الغرض من التكليف صيرورته باعثا وداعيا او زاجرا وناهيا بوصوله العادي ، فسد باب وصوله العادي بالترخيص في ترك الفحص نقض للغرض.

وأما بعد الفحص ، فعدم وصول التكليف بعدم الطريق العادي المؤدي إليه ، لا بترخيص الشارع في الاقدام والاقتحام.

بخلاف الشبهة الموضوعية ؛ فان المفروض فيها وصول التكليف الكلي ، فليس ترخيصه في ترك الفحص عن الموضوع الجزئي سدّا لباب الوصول ، المضاف إلى التكليف المجعول ، حتى يكون نقضا للغرض من الانشاء بداعي جعل الداعي بوصوله العادي.

قلت : أولا : إن الغرض من التكليف إذا كان صيرورته داعيا بوصوله العادي ، فلا يعقل دعوته كذلك إلا بوصول نفس التكليف ، وموضوعه الكلي وموضوعه الجزئي ، وإلا لا يعقل باعثيته وانقداح الداعي المحرك للعضلات نحو فعل شيء خارجا مثلا ، كما مرّ (١) بيانه في البحث عن الشبهة الموضوعية ، فلا فرق في هذه الجهة بين وصول التكليف الكلي ، وتطبيقه على الموضوع الجزئي.

وثانيا : إن الغرض من التكليف دائما هو صيرورته داعيا بوصوله ، إلا أن الغرض من التكليف : تارة : يكون من الأهمية ، بحيث يوجب قيام المولى مقام إيصاله بنصب طريق موافق أو بجعل الاحتياط الراجع إلى جعل احتماله منجزا ،

__________________

(١) التعليقة : ٥٥.

٤١١

لئلا يفوت الغرض الواقعي بسبب عدم وصوله حقيقة.

وحينئذ ، فعدم جعل الاحتياط خلف ، وجعل الترخيص مضادّ لما فرضناه من الأهمية.

وأخرى يكون الغرض لا بتلك الاهمية ، بل بحيث يوجب ايكال المولى للعبد إلى طرقه العادية ، فسدّ باب وصوله العادي حينئذ نقض للغرض.

وثالثة : يكون الغرض بحدّ لو وصل التكليف من باب الاتفاق لكان لازم التحصيل ، وحينئذ فسد باب وصوله العادي لا ينافي كون الغرض غرضا لو وصل من باب الاتفاق (١).

والاطلاق كاشف عن أن سنخ الغرض من قبيل الثالث.

كما أن جعل الاحتياط في بعض الشبهات كاشف عن أن سنخ الغرض من قبيل الأول ، كما أنه إذا ثبت التفصيل بين الشبهات الحكمية والموضوعية ، كان كاشفا عن أن سنخ الغرض ، بحيث لو كان الموضوع معلوما يمنع من سدّ باب وصوله العادي لا مطلقا.

وبالجملة فأصل الغرض تام الاقتضاء من حيث السببية للانشاء بداعي جعل الداعي الى الموضوع الواقعي كما هو ظاهر الادلة.

إلاّ أن اقتضائه لجعل احتمال التكليف المنبعث عنه منجزا على أي حال أو منجزا قبل الفحص أو عدم منجزيته رأسا يختلف باختلاف الاغراض من حيث الاهمية مطلقا أو بمرتبة من الاهميّة أو عدمها مطلقا فتدبر جيّدا.

وحيث عرفت عدم المقيّد العقلي للاطلاقات بما بيناه ، وعدم صلوح الاجماع للتقييد بما في المتن ، وعدم العلم الاجمالي كما هو المفروض فاعلم أنه ينحصر المقيد في الاخبار الدالة على وجوب التفقه والتعلم ونحوهما المختصة

__________________

(١) جواب ( لو ) غير مذكور ، فكأنه اكتفى بالمذكور قبله لكونه قرينة عليه.

٤١٢

بمعرفة الاحكام الكلية بالفحص عن طرقها وسيجيء (١) إن شاء الله تعالى بيان مفاد هذه الاخبار.

١٢٧ ـ قوله (قدّس سره) : فلا مجال للتوفيق بحمل هذه (٢) ... الخ.

قد مرّ أن العلم بوجود الواجبات والمحرمات لا ينافي عدم العلم ولو إجمالا بعناوينها الخاصة ، فمع العلم الاجمالي بأصل الواجبات والمحرمات يبقى مجال لتحصيل العلم ولو إجمالا بعناوينها الخاصة مقدمة للعمل ، فيكون التوبيخ على ترك التعلم مع العلم الاجمالي بهذا الاعتبار ، ولعله أشار (قدس سره) إليه بقوله : فافهم.

١٢٨ ـ قوله (قدّس سره) : أما التبعة فلا شبهة في استحقاق العقوبة (٣) ... الخ.

ينبغي التكلّم في مقامات ثلاثة :

الأول : أن العقاب هل هو على ترك الفحص ، أو على مخالفة التكليف قبل الفحص.

الثاني : أن الحكم المزبور يختص بصورة الالتفات إلى التكليف المحتمل أم يعم صورة الغفلة عنه.

الثالث : هل الحكم يختص بالتكاليف المطلقة الغير الموقتة ، أم يعم المشروطة والموقتة؟

فنقول : أما الأول ، فلزوم الفحص : إن كان لأجل أن ترك الفحص ـ عن تكليف المولى ، الذي لا يعلم عادة إلا بالفحص والبحث عنه ـ ، ظلم بنفسه

__________________

(١) في التعليقة : ١٢٨.

(٢) كفاية الأصول : ٣٧٥.

(٣) كفاية الأصول : ٣٧٦.

٤١٣

فالعقاب على نفس ترك الفحص ، دون مخالفة التكليف المحتمل مع ثبوته واقعا.

وإن كان لأجل أن الحجة الواقعية إذا كانت بحيث إذا تفحص عنها المكلف ظفر بها ، تكون منجزة للتكليف ، فمع احتمالها لا يجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، لاحتمال البيان المصحح للعقوبة ، فلا محالة يكون العقاب على مخالفة التكليف إذا كان ثابتا.

إلا أن الأمر فيه دائر بين أمور :

منها : كون احتمال التكليف قبل الفحص منجزا للواقع ، فعلى تقدير ثبوته واقعا يعاقب على مخالفته ، لفرض تنجزه باحتماله.

ومنها : كون احتمال التكليف الذي قام عليه طريق واقعي ، يصل بالفحص إذا كان ، فحينئذ يكون من باب احتمال التكليف المنجّز بوجود الحجة.

فمع عدم الطريق الخاص واقعا لا عقاب على مخالفة التكليف ، وإن كان ثابتا بنفسه واقعا أو بطريقه الذي لا يصل عادة بالفحص عنه.

ومنها : كون احتمال التكليف الذي عليه طريق منجزا للطريق من قبيل منجّز المنجّز لا من باب احتمال التكليف المنجز بالطريق الواقعي ، فالعقاب على مخالفة التكليف الذي قام عليه طريق منجز باحتماله.

والصحيح : هو الوجه الأخير دون الأولين : أما منجزية الاحتمال ، فهي لا توجب الفحص ؛ إذ المفروض استحقاق العقاب على تقدير ثبوته واقعا ، قام عليه طريق أم لا ، والفحص لا يوجب زوال احتمال التكليف ، ولا جزاف في حكم العقل ، بحيث يحكم بمنجزية احتمال التكليف قبل الفحص ، لا بعده ، مع كون الفحص وعدمه لا يوجب زوال الاحتمال ، ولا زوال خصوصية فيه مقتضية للتنجيز ، بخلاف احتمال الحجة ، فانه يزول بالفحص ، فإنه لو كان بحيث يصل لوصل بالفحص.

٤١٤

وأما منجزية الحجة الواقعية ، ليكون احتمالها احتمال المنجز ، فقد عرفت (١) سابقا برهانا : أن الحكم مطلقا ـ طريقيّا كان أو حقيقيّا ـ لا يصير فعليّا إلاّ بوصوله حقيقة ، لا بحيث إذا تفحص عنه لوصل ، خصوصا في الأول ، بخلاف منجزية احتمال الحجة للحجة ، فإنه معقول ، لكنه يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه عقلا.

وأما الدليل النقلي ، فيكفي فيه الأدلة الدالة على التفقه وتحصيل العلم بالأحكام ، إذ بعد ما عرفت أن العلم بالتكليف العملي ليس مطلوبا نفسيا ، لا منشأ للإلزام به إلاّ من حيث الوقوع في عقاب مخالفة الواقع ، لو لم يتفحص عنه ولم يتفقه فيه.

ومن الواضح أن العقاب على مخالفة الواقع بما هي غير معقول ، فلا بد من فرض المنجز ، ووجود الطرق الواقعية بما هي غير منجزة ، لأنها كالواقعيات ، فلو أمكن تنجز الواقع بما هو ، لما كانت حاجة إلى تنجيزها بمثلها ، فلا محالة يكون المنجز هو الاحتمال ، وحيث إن احتمال التكليف لا يتفاوت تنجيزه بالفحص وعدمه ، فالمنجز هو احتمال الطريق من قبيل منجز المنجز ، بأن جعل احتماله للاهتمام به في تنجيز الواقعيات بمنزلة وصوله وقد عرفت أن مثله يتفاوت حاله قبل الفحص وعدمه.

ويمكن أن يقال : بأن الفحص والسؤال بعد ما لم يكن ذا مصلحة نفسية ليكون واجبا نفسيا ، ولا ذا مصلحة مقدمية ليكون واجبا مقدميا ، لأن العلم الحاصل بالفحص ليس مقدمة وجودية للعمل ، ولا معنى للايجاب للغير في قبال الوجوب النفسي والغيري ، فإنّ الايجاب بداعي جعل الداعي لا يعقل إلاّ مع المصلحة المترتّبة على فعل المكلف بأحد النحوين.

__________________

(١) في التعليقة : ١٢٥.

٤١٥

فلا محالة يكون الأمر بالفحص والتفقه بداعي إيصال الواقع بطريقه ، فان الفحص مقدمة لحصول العلم الشرعي ، وهو الخبر المنزل منزلته ، وهذا المعنى من الوصول مترتب على الفحص خارجا ، لا على الأمر به ، فلا منجز لا للواقع ولا للطريق ، فالقابل لأن يكون غرضا ، مترتبا على الأمر بالفحص كون هذا الواصل إيصالا للطريق ، تشريعا لا تكوينا وتنزيلا لا حقيقة.

ومنه تعرف أن المنجز للطريق نفس هذا الأمر ، لا احتمال الواقع أو احتمال الطريق ، كما أنه تعرف أنه يستحيل ترتب العقاب على ترك الفحص ، ولو من حيث استلزامه لمخالفة الواقع ، فإن هذا المعنى شأن نفس

الطريق ، حيث يكون العمل به نفس اتيان ما تكفل لوجوبه ، فان التصديق العملي للخبر ليس إلاّ بفعل صلاة الجمعة مثلا ، ففي مثله يصح أن يقال : إنّه لا فرق بين القول باستحقاق العقاب على مخالفة الواقع ، والقول باستحقاقه على مخالفة الطريق ، بخلاف الأمر بالتفقه بالفحص الذي لا شأن له إلاّ إيصال الطريق تشريعا وتنزيلا ، فتدبره فانه حقيق به.

والتحقيق : أن ما ذكرنا وإن كان كافيا في تنجيز الواقع الذي عليه طريق واقعا ، ويستحق على مخالفته العقاب ، لا على ترك الفحص وترك التفقه من دون محذور.

إلا أن ظاهر الأخبار الآمرة بالتفقه والتعلم ، أن المطلوب بها هو التفقه والتعلم ، وأن الايجاب حقيقي لا بداعي إيصال الواقع أو الطريق.

وتصحيحه بحيث يكون الأمر متكفلا لتكليف عملي ، بلا لزوم محذور ، يتوقف على تمهيد مقدمة :

هي أن الغرض من الواجب غير الغرض من الايجاب ، فان أغراض الواجبات ـ وهي مصالحها ـ مختلفة ، والغرض من الايجاب دائما هو جعل الداعي ، سواء كان الواجب تعبديّا أو توصليا ، وسواء كان نفسيا أو غيريا

٤١٦

مقدميا.

وأيضا ليس تفاوت الواجب النفسي مع الغيري أن الغرض من الأول مطلوب ومحبوب بذاته ، وأن الغرض من الثاني التوصل إلى ذلك المحبوب الذاتي ، فانا قد بينا في (١) مباحث الألفاظ أن النفسي بهذا المعنى منحصر في معرفة الله تعالى ، وإلا فما عداه من الواجبات يكون أغراضها مقدمة لغرض أقصى إلى أن ينتهي إلى الغاية الحقيقية وهي المعرفة.

وكذا ليس ملاك النفسية كون الواجب حسنا بنفسه ، فان الحسن بذاته لا لغاية مترتبة على ذاته أيضا منحصر في المعرفة ، ولا لذاته يوجب انتفاء الفارق بين النفسي والغيري ، لأنها جميعا حسنة بالتبع.

بل الحق في الفرق أن ما وجب على المكلف لا لواجب آخر عليه فهو واجب نفسي ، وما وجب لواجب آخر عليه فهو واجب غيري ، فالصلاة وإن كانت لغرض ، إلا أنها واجبة لا لواجب آخر ، حيث لا يجب الغرض ، وشرائط الصلاة واجبة لوجوب الصلاة.

ولذا قلنا : إنه لو أمر زيدا بشراء اللحم ، فهو واجب نفسي ، وان كان الغرض من شرائه طبخه ثم أكله ، بل ربما يكون الطبخ واجبا على عمرو.

وعليه ، فلا مانع من أن يكون الفحص واجبا نفسيا أي واجبا لا لواجب آخر عليه ، فان الغرض من الفحص هو وصول التكليف المصحح لباعثيّته.

فالغرض منه مرتبط بالغرض من الايجاب ، لا بالغرض من الواجب ، حتى يكون الفحص مقدمة وجودية لترتب الغرض من الواجب الواقعي.

فهو من حيث إنه واجب لا لواجب آخر عليه ، لعدم ترشح وجوبه من وجوبه واجب نفسي.

__________________

(١) نهاية الدراية : ٢ / التعليقة : ٤٦.

٤١٧

وحيث إن الغرض منه جعل التكليف قابلا للباعثية ، فهو واجب طريقي ، فالواجب النفسي في قبال الواجب الغيري ، والواجب الحقيقي في قبال الواجب الطريقي ، فالواجب النفسي على قسمين ، لا أن الواجب الغيري على قسمين ، إيجاب مقدمي غيري ، وايجاب للغير ، كما قيل (١) ، فانه كما مر (٢) بلا وجه ، لانحصار جعل الداعي في الواجب النفسي والواجب المقدمي الغيري ، للبرهان المتقدم.

فإن قلت : إذا كان الغرض من أوامر التفقه إيصال الواقع الذي عليه طريق تنزيلا واعتبارا ، فهو منجّز للواقع المزبور ، وإذا كان بداعي جعل الداعي ، ليحصل العلم حتى يتنجز الواقع بوصوله ، فنتيجة ترك تحصيله عدم وصول المولى إلى غرضه من الايجاب الواقعي ، فيكون تفويتا للتكليف وللغرض منه ، فما المنجز للواقع؟ حتى يستحق على مخالفته العقوبة.

قلت : الغرض من الأمر بالتفقه ، وإن كان بدوا مرتبطا بالايجاب لا بالواجب ولذا جعلناه أمرا طريقيا ، إلا أن تفويت هذا الغرض مستلزم لتفويت الغرض من الواجب.

فان قلت : سلمنا الاستلزام المزبور ، إلا أن تفويت الغرض الغير الواصل لا عقاب عليه ، والمفروض أن الغرض من الواجب الواقعي غير واصل ، لعدم العلم لا حقيقة ولا تنزيلا.

قلت : الأمر بالتفقه حجة بالمطابقة على الغرض من التفقه ، وهو صيرورة الايجاب الواقعي باعثا ، وحجة بالالتزام على الغرض من الواجب الواقعي ؛ لأن الايجاب الواقعي مقدمة لحصول الغرض من الواجب الواقعي بتحصيله ، والحجة على العلّة حجة على معلولها ، فتفويت الغرض من التكليف تفويت

__________________

(١) القائل هو قده في المتن.

(٢) في أوائل هذه التعليقة.

٤١٨

للغرض من المكلف به الواصل بوصوله.

فالفرق بين هذا المسلك والمسلك المتقدم ، أنه لا تكليف عملي على المسلك المتقدم ، فلا موافقة ولا مخالفة ، فعدم العقاب على الأمر بالتفقه بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ، بخلاف هذا المسلك ، فان الأمر بالتفقه تكليف عملي له موافقة ومخالفة ، إلا أن مخالفة مثله لا يوجب العقاب على نفسها ، بل العقاب على ما يستلزمه من مخالفة الواجب الواقعي المنجّز بالالتزام ، فتدبر جيّدا.

وأما المقام الثاني ، فظاهر شيخنا (قدّس سره) في المتن صحة العقاب على التكليف المغفول عنه ، لانتهاء مخالفته إلى أمر اختياري ، وهو ترك الفحص والتعلم. لكنه غير خال عن المحذور ؛ لأن عدم التمكّن من الانبعاث بالبعث الواقعي مستند إلى الغفلة عن التكليف ، لكن الغفلة مستندة إلى ترك التحفظ لا الى ترك الفحص ، والتحفظ غير لازم في صورة العلم بالتكليف فضلا عن احتماله.

مع أن الغفلة مانعة عن توجه التكليف ، لا عن الفعل والترك ، وإلا فالقدرة على الفعل والترك بذاتهما على حالها ، والمفقود هي القدرة على الانبعاث بالبعث المغفول عنه ، ومتعلق التكليف ذات الفعل والترك ، لا الانبعاث بالبعث.

ومنه تعرف : أن معرفة الحكم ليست مقدمة وجودية لمتعلق التكليف ، حتى يستند تركه إلى تركها ، بل مقدمة للانبعاث به على أي تقدير ، وهو غير متعلق التكليف.

نعم : التعلم لموضوع التكليف ، كتعلم القراءة مثلا مقدمة وجودية لمتعلق التكليف ، وهي القراءة ، لكنه أجنبي عن مسألة الفحص عن التكليف ، مقدمة لاجراء البراءة.

مضافا إلى أن الزمان : إن كان بحيث لا يفي بالتعلم والعمل بل بالعمل فقط ، فالتكليف ساقط ، لعدم التمكن من المكلف به ، بسبب ترك التعلم ، لا

٤١٩

بسبب الغفلة ، ففرض الغفلة لغو حينئذ.

وإن كان يفي بهما معا ، فالتكليف ساقط للغفلة ، لا لعدم التمكن بسبب ترك التعلم ، فالجمع بينهما غير وجيه.

ولا يخفى عليك أنه يمكن حمل كلامه ( زيد في علو مقامه ) على صورة استناد الغفلة ـ المسقطة للتكليف المنجز باحتماله ـ إلى ترك الفحص أحيانا.

بتقريب : أنه حيث لم يقم بصدد الفحص عن التكليف المحتمل زالت عن ذهنه صورة التكليف المحتمل ، فالغفلة مستندة إلى عدم قيامه مقام الفحص.

إلا أنه لا يجدي في الموسع إذا عرضه الغفلة المستندة إلى ترك الفحص ، فإنه لا تجب المبادرة إلى الفحص ، فهو معذور في ترك الفحص في أول زمان الالتفات إلى التكليف الذي يحتمله ، فالمخالفة المنتهية بالاخرة إلى ترك الفحص المعذور فيه لا تكون موجبة للعقوبة.

نعم يتم في الواجب المضيق الذي لا يتمكن من الفحص عنه إلا في أول زمان الالتفات إليه ، فلو تركه لم يكن معذورا في تركه عقلا ، فالمخالفة للتكليف المغفول عنه منتهية إلى ترك الفحص الذي لا يعذر فيه ، فتدبر جيدا.

وأما المقام الثالث ، فالاشكال في موردين :

أحدهما : ما إذا لم يمكن فعل الواجب في ظرفه إلا بالتعلم قبل وقته ، لعدم قابلية الوقت لها معا ، ونظيره الغسل قبل الفجر للامساك النهاري ، فامتناع ذي المقدمة حينئذ مستند إلى ترك المقدمة قبل الوقت.

وثانيهما : ما إذا لم يتمكن من فعل الواجب في ظرفه ، للغفلة المانعة عن التكليف الفعلي في وقته ، ولو مع قابلية الوقت له وللتعلم أو سائر مقدماته معا. والأجوبة المذكورة متنا وهامشا من الالتزام بالواجب المعلق ، أو المشروط

٤٢٠