نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


المحقق: الشيخ أبو الحسن القائمي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-40-X
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٤٦٤

فمن التفت إلى الجميع فهو مأمور واقعا بالجميع.

ومن التفت إلى البعض فهو واقعا مأمور بالبعض.

وليس في أخذ الالتفات الى ذات الجزء محذور أخذ النسيان ، كما لا يلزم منه سائر المحاذير الواردة على سائر الأجوبة.

ومع معقولية هذا الاحتمال لا قطع بالأمر الواقعي بالتمام بالاضافة إلى الناسي ، حتى يكون الشك فيه راجعا إلى سقوطه بإتيان ما عدا المنسي لحصول ملاكه به.

بل شك في أصل تعلق التكليف به مع عدم الالتفات إليه.

هذا كله بالنظر إلى مقام الثبوت ، وإمكان الأمر بما عدا المنسي.

وأما بالنظر إلى مقام الاثبات :

فربما يقال (١) : بأن إطلاق دليل الواجب من حيث قطعات الزمان ومنها زمان النسيان ، معارض باطلاق دليل الجزئية ، والترجيح للثاني.

بيانه : أن مقتضى إطلاق دليل الواجب لزمان النسيان هو أن الأمر بالصلاة موجود حتى في زمان النسيان ، وحيث إن الأمر بالمركب من المنسي وغيره غير معقول ، لعدم القدرة على ايجاد المنسي. فلا محالة يكون الأمر متعلقا بما عدا المنسي.

ومقتضى إطلاق دليل الجزئية الوضعية لحال النسيان كون المنسي جزء للصلاة حتى حال النسيان.

وحيث إن عدم القدرة على الجزء موجب لعدم القدرة على المركب فلا أمر بالمركب ، ولا دليل على أمر آخر بما عدا ذلك الجزء ، فاطلاق دليل الجزئية لا مانع منه.

__________________

(١) القائل هو المحقق النائيني قده. أجود التقريرات ٢ / ٣٠٥.

٣٤١

وفيه : أن الجزئية تارة : تلاحظ بالاضافة إلى الوفاء بالغرض ، وهي من الأمور الواقعية التي لا مدخل للعلم والجهل والذكر والنسيان فيها.

وأخرى : تلاحظ بالاضافة إلى مرحلة الطلب وكون الشيء بعض المطلوب ، وهذه حالها حال الأمر بالمركب ، لأن مصحح انتزاعها هو الأمر بالمركب ، فاذا لم يعقل الأمر بالمركب من المنسي وغيره ، لم يعقل جزئية المنسي بالجزئية الوضعية الجعلية التي بيانها وظيفة الشارع.

وحيث إن ظاهر الارشاد الى الجزئية هي الجزئية شرعا لا واقعا ، فانه أجنبي عن الشارع بما هو شارع وجاعل للاحكام ، فلا محالة يكون حاله حال الأمر النفسي التحليلي المتعلق بالجزء من حيث اختصاصه بغير صورة النسيان وعدم القدرة.

ومما ذكرنا يتبين : أنه لا فرق بين أن يكون لسان دليل الجزء لسان التكليف أو لسان الوضع ، ولا فرق بين أن يكون دليل التكليف بالجزء متكفلا للتكليف الحقيقي الذي هو انحلال الأمر المنبسط على الاجزاء ، أو كان إرشادا إلى الجزئية الوضعية المعدودة من أحكام الوضع ، فاما أن لا يعقل الكل أو يعقل الكل بلا فرق بين الاقسام المزبورة.

وعن الشيخ الأعظم (قدس سره) في رسالة (١) البراءة الفرق بين ما إذا كانت المانعية مسببة عن التكليف النفسي ، كالنهي عن لبس الحرير ، وما إذا كان التكليف مسببا عن المانعية ، فان المانعية على الأول مختصة بحال القدرة دون الثاني.

وعن بعض (٢) الأعلام تقريبه ، بأن الوجوب والحرمة متضادان ، فعدم

__________________

(١) فرائد الأصول المحشى ٢ : ١٣٣.

(٢) وهو المحقق النائيني قده. فوائد الأصول ٤ / ٦ ـ ٢٤٥. أجود التقريرات ٢ / ٣٠٦.

٣٤٢

الوجوب متوقف على وجود الحرمة ، ومع عدمها لا مانع من الأمر ، فجعل المسألة متوقفة على توقف عدم أحد الضدين على الآخر.

فاورد عليه بعدم التوقف ، وأن عدم الأمر ووجود النهي ملزومان لثالث ، وهي المبغوضية الناشئة عن المفسدة ، وعدم أحد الملزومين لخصوصية لا يوجب ارتفاع الملزوم الآخر مع بقاء علته واقعا.

وفيه مواقع للنظر :

منها : دعوى ابتناء كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) على القول بالمقدمية في مسألة الضد ، مع أن مسلكه (قدس سره) ومسلك جل المحققين عدم المقدمية.

ومنها : كونهما ملزومين لثالث وهي المبغوضية ، مع أن عدم الأمر بعدم المصلحة أو بعدم صلاحيتها للتأثير لأقوائية المفسدة ، فعلة عدم الأمر عدم علة وجوده لا علة وجود ضده ، كما هو واضح.

ومنها : أن المفسدة الواقعية وإن كانت لا تتغير بالقدرة وعدمها ، إلا أن تأثيرها في المبغوضية الفعلية المؤثرة في الزجر الجدي منوط بها ، فمع عدم القدرة حيث لا مبغوضية فعلية فلا نهي فعلا ، فلا مزاحم لتأثير المصلحة الموجودة في وجود الأمر ، كما اوضحناه في مسألة (١) اجتماع الأمر والنهي ، وهذا هو الوجه فيما افاده الشيخ (قدس سره) ، لا مسألة المقدمية.

نعم الكلام في الشق الآخر وهو انبعاث النهي عن المانعية علم حاله مما قدمناه.

هذا تمام الكلام في نسيان ذات الجزء.

وأما نسيان الجزئية ابتداء ، فهو كالجهل بالحكم ، لا يعقل أن يؤخذ في موضوع ذلك الحكم ، للزوم الدور على المشهور ، والخلف على التحقيق.

__________________

(١) نهاية الدراية ٢ : التعليقة ٦٠.

٣٤٣

وقد مر مرارا (١) أن مقتضى النظر الدقيق عدم ورود ما تقدم من المحذور.

وربما يوجه (٢) ذلك بالالتزام بأمرين :

أحدهما : أمر عام بعنوان المكلف توطئة وتمهيدا لأمر آخر.

ثانيهما : تقييد ذلك الأمر بما إذا التفت المكلف إلى جزئيته بمقتضى الأمر الأول ، فيكون ما أتى به الناسي مطابقا لذلك الأمر العام ، بعد تقييده بما لا جزئية له إلا في حق الملتفت.

وفيه أن الأمر الأول : إن كان بداع البعث والتحريك الذي هو الحكم الحقيقي المقتضي للامتثال ، فلا محالة يكون منبعثا عن المصلحة القائمة بذوات الأجزاء في حق المكلف بعنوانه ، فكيف يقيد بالالتفات إلى جزئية بعض أجزائه في حق الملتفت الى جزئيته؟

وإن كان لابداع البعث الحقيقي ، فهو غير منبعث عن مصلحة الفعل ، ولا هو مناط الامتثال ، ليكون موافقته امتثالا من الناسي ؛ فإن الانشاء بداع التوطئة بنفسه مقدمة لأمر آخر ، لا يطلب منه إلاّ التوطئة لفعل الأمر ، من دون مساس له ببعث المأمور.

ويمكن أن يقال : إن الأمر الأول بداع البعث حقيقة ، وهو منبعث عن مصلحة الفعل المركب من الأجزاء ، من دون دخل للالتفات بكون الفعل ذا مصلحة ، بل الالتفات إلى الجزئية بهذا البعث دخيل في ترتب المصلحة على الفعل ، لا في اقتضائه لها ، غاية الأمر : أن القيد سنخ قيد لا يجب تحصيله كما مر (٣) نظيره سابقا ، فيشك حينئذ في شمول ذلك البعث العام بالاضافة إلى المنسي في حق الناسي ، فتدبر.

__________________

(١) منها في مبحث حجية القطع التعليقة ٢٧.

(٢) هذا التوجيه موجود في الكفاية / ٣٦٨ ، وفي التعليقة على الفرائد / ١٥٧ ـ ١٥٨.

(٣) في هذه التعليقة.

٣٤٤

[ التنبيه الثالث ]

١٠٦ ـ قوله ( قده ) : حال زيادة الجزء اذا شك في اعتبار عدمها (١) ... الخ.

تحقيق المقام في تحقق الزيادة ـ بحيث لو اعتبر عدمها في المركب كان من باب اعتبار عدم المانع ، لا بحيث يرجع إلى نقص الجزء ـ يتوقف على بيان اعتبارات الجزء فنقول :

تارة : يلاحظ الجزء بشرط لا ، فيعتبر الركوع الغير الملحوق بمثله جزء في الصلاة ، فمع لحوق الركوع بمثله لم يتحقق ما هو جزء الصلاة ، فلا موقع لاعتبار عدمه في الصلاة من باب اعتبار عدم المانع ، بل اعتبر عدمه باعتبار نفس الجزء ، فهو وإن كان زيادة في الصلاة بنحو من الاعتبار ، لكن مثل هذه الزيادة لا حكم لها بما هي زيادة ، لما عرفت.

وأخرى : يلاحظ الجزء لا بشرط ، بمعنى أخذ طبيعة الجزء بنحو تصدق على الواحد والمتعدد والقليل والكثير ، فيكون من موارد التخيير بين الأقل والأكثر ، فلا يتحقق موضوع الزيادة أصلا ، كما لا يلزم منه النقص رأسا ، فيخرج عن محل الكلام أيضا.

وثالثة : أخذ الجزء لا بشرط ، بمعنى اللابشرط القسمي ـ أي لا مقترنا بلحوق مثله ولا مقترنا بعدمه ـ فاللاحق لا دخيل في الجزء ولا مانع عن تحققه ، وإلا فمصداق طبيعة الجزء المأخوذ في الصلاة أول ركوع مثلا يتحقق منه.

وليكن مراد من يقول باعتبار الجزء لا بشرط هذا المعنى ، لا اللابشرط

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٦٨.

٣٤٥

المقسمي ؛ لأن اللابشرط المقسمي كما مر (١) مرارا هو اللابشرط من حيث تعيناته الثلاثة ، وهي بشرط الشيء وبشرط لا ولا بشرط ، لا اللابشرط من حيثية أخرى غير تلك الحيثيات.

وأما لحاظ الجزء بذاته مع قطع النظر عن جميع الاعتبارات ، فهو لحاظه بنحو الماهية المهملة ، والماهية من حيث هي ، وقد مرّ (٢) مرارا أنه لا يصح الحكم عليها إلا بذاتها وذاتياتها ، لقصر النظر على ذاتها.

فما عن بعض (٣) أجلاء تلامذة شيخنا العلامة الأنصاري ( قدس سرهما ) أن محل الكلام هو هذا القسم الأخير غير صحيح ، كما أن إرادة اللابشرط المقسمي أيضا غير صحيحة كما عرفت ، بل الصحيح ملاحظة الجزء على الوجه الثالث.

ومن الواضح أنه لا منافاة بين عدم كون اللاحق ضائرا بالمأتي به أوّلا ، من حيث جزئيته ، وكون عدمه بنفسه جزء معتبرا في المركب ، كما أن الركوع بالاضافة إلى السجود مثلا كذلك ؛ فانه مطلق من حيث فعله وتركه ، ففعله غير دخيل في ذات الجزء شرعا ، ولا مانع عن تحقق ذات الجزء ، مع أن فعله بنفسه معتبر في المركب على حد اعتبار الركوع.

ولا فرق في هذا المعنى بين الجزء الوجودي والعدمي. وربما يقال (٤) :

__________________

(١) منها ما تقدم في مبحث المطلق والمقيد. نهاية الدراية ٢ : التعليقة ٣٢١.

ومنها ما تقدم في مبحث البراءة التعليقة ٥٥.

ومنها ما تقدم في مبحث الظن. نهاية الدراية ٣ / ٦٩.

(٢) راجع التعليقات الثلاثة التي أشرنا إليه ، فانه قده حينما يتعرض للماهية اللابشرط المقسمي يذكر الماهية المهملة وسائر اعتبارات الماهية.

(٣) وهو المحقق الآشتياني قده. بحر الفوائد ٢ / ١٨١.

(٤) القائل هو المحقق النائيني قده. أجود التقريرات ٢ / ٣٠٨.

٣٤٦

تارة : بأن الجزء وإن لوحظ بشرط لا ، إلا أن لحوق الجزء وان كان موجبا لنقص الجزء السابق ، لكنه لا منافاة بينه وبين كونه زيادة عرفا.

وقد مرّ دفعه (١) بأنه لا كلام في زيادته عرفا. إلا أن مثله لا يعقل أن يكون له اعتبار المانعية شرعا ، بعد فرض اعتبار عدمه شرعا بعين اعتبار الجزء بشرط لا.

وأخرى (٢) : بأن الجزء هو ناقض العدم ، وهو أول الوجودات ، فلا محالة يكون ما عداه زيادة.

وفيه : أن اعتبار أول الوجودات إن كان بنحو البشرطلائيّة أي لا غيره ، عاد محذور البشرطلائيّة ، وإن كان بنحو اللابشرطية من حيث الوحدة والتعدد ، لأن الاثنين والثلاثة فرد واحد للطبيعة الجامعة بين الأقل والأكثر ، فيكون ناقض عدم الطبيعة تارة هو الأقل ، وأخرى هو الأكثر ، فيعود محذور عدم تعقل الزيادة ، فلا بد من فرض اللابشرطية بالمعنى الذي قدمناه.

كما أن ما اجيب به ثالثة : من أن المعتبر جزء عدد خاص ، فيكون غيره زائدا عليه.

مدفوع بأن مراتب الأعداد إذا لوحظت بحدها الذي يتحقق به تعدد المرتبة ، فمعناه ملاحظة العدد بشرط لا ، فعاد المحذور ، وإن لم يعتبر إلا ذات العدد ، فالواحد في ضمن الاثنين محفوظ أيضا ، كيف والأعداد تتقوم بالآحاد؟

وعليه فالواحد الملحوظ لا بشرط يوجب عود محذور اللابشرطية.

فالصحيح في معنى اللابشرطية ما ذكرناه من دون لزوم التزام بهذه

__________________

(١) في أول التعليقة.

(٢) هذا الوجه وما ذكره بعده بقوله كما أن ما أجيب به ثالثة ايضا من المحقق النائيني قده. أجود التقريرات ٢ / ٣٠٧.

٣٤٧

التكلفات ، فافهم واستقم.

واذا عرفت أن تحقق أصل زيادة الجزء منوط بملاحظة الجزء بنحو اللابشرط القسمي على الوجه الثالث ، فاعلم أن مثل هذا الزائد إذا اعتبر عدمه في المركب ، كان ذلك زيادة من وجه ونقصا من وجه آخر ، فمن حيث نفسه زيادة ، ومن حيث إن نقيضه معتبر بنفسه في المركب نقص في المركب.

فكونه زيادة لا يتوقف على ثبوت حكم من الشارع ، بخلاف كونه نقصا ، فانه بملاحظة اعتبار عدمها في المركب بأدلة مانعية الزيادة التي لا معنى لها إلا اعتبار عدمها في المركب.

ثم إن اعتبار عدم شيء في المركب بأحد نحوين : إما بعنوان الجزئية ، فيكون المركب مؤتلفا من أجزاء وجودية وعدمية.

وإما بعنوان الشرطية الحقيقية ، فان الشرط ـ بمعنى ما له دخل في فعلية تأثير المركب أثره ـ أمر خارج عن المركب من الأجزاء ، فنقيض هذا العدم زيادة بنفسه ، ونقص الشرط بلحاظ حكمه ، وهو اعتباره في المركب بنحو الشرطية.

وأما التقيد الراجع الى المقوم ، فالمركب بما هو لا وجود له غير وجود اجزائه حتى يتصور تقيده بشيء مع لا بشرطية اجزائه ، فلا محالة يرجع الى اخذ اجزائه بشرط لا ، فيخرج عن محل الكلام ، فان اعتبار العدم حينئذ بنفس اعتبار الاجزاء الخاصة ، لا باعتبار عدم المانع في المركب.

وحيث إن جزئية الامر العدمي للمركب المؤثر في وجود شيء غير معقولة ، فلا محالة ليس اعتبار هذا العدمي إلا بنحو الشرطية ، لكون نقيضه مانعا عن تأثير المركب ، وعدم المانع شرط.

فالشرطية في مقام الثبوت تابعة للمانعية.

وفي مقام الاثبات : ربما يكون الأمر بايقاع الصلاة في حال عدم شيء ، فالشرطية مستفادة بالأصالة والمانعية بالتبع.

٣٤٨

وربما يكون النهي عن ايقاع الصلاة في حال وجود شيء ، فالمانعية مستفادة بالأصالة والشرطية بالتبع ، فتدبر.

١٠٧ ـ قوله ( قده ) : وإلاّ لم يكن من زيادته بل من نقصانه (١) ... الخ.

قد عرفت (٢) الوجه فيه ، إلا أن الحكم بعدم كونه زيادة باعتبار عدم صلوحه للحكم عليه بالمانعية ، حيث إنه اعتبر عدمه بنفس اعتبار الجزء ، لا باعتبار نفس موضوع الزيادة ، فانه زيادة موضوعا في المركب ، بناء على أن الزيادة مجرّد المأتي به بقصد الجزئية ، لا بمعنى ما يوافق الجزء بحده ، فان الجزء بحده هو الركوع مثلا بشرط لا لا ذات الركوع ، إلا انه لا حكم لها.

وعليه فان قلنا : بأن الجزء اللاحق منهيّ عنه ، لكونه نقيضا لما اعتبر في الجزء المأمور به ، أو لحرمة إبطال العمل ، فلا يمكن التدارك به.

وأما إن قلنا : بان نقيض الخاص تركه ، وهو المنهيّ عنه ، وترك ذات الخاص كترك الخصوصية لازم النقيض ، وحرمة الشيء لا تسري إلى لازمه ، وأن الابطال المحرم ابطال العمل التام كالصلاة ، لا مثل جزء الصلاة ، فلنا أن نقول : بإمكان جعل الركوع الثاني مثلا المفسد للاول تداركا له ؛ حيث إن الأمر بالركوع الخاص باق على حاله ، وسقوط الركوع الأول عن القابلية لوقوعه امتثالا لأمره مقارن لوقوع الثاني امتثالا للأمر بالخاص ، فلا نقص كما لا زيادة موضوعا وحكما.

إلا أن يقال : إن الجزء اللاحق حيث إنه مصداق للمأمور به لغرض وقوعه بشرط لا فلا يعقل أن يكون محققا للزيادة ، بل قد عرفت (٣) أن مثل هذه

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٦٨.

(٢) في التعليقة السابقة.

(٣) في اول التعليقة حيث قال إلاّ أن الحكم بعدم كونه زيادة باعتبار عدم صلوحه للحكم عليه بالمانعية حيث إنه اعتبر عدمه بنفس اعتبار الجزء.

٣٤٩

الزيادة لا يمكن اعتبار مانعيته ، إلا ان الجزء السابق ـ بعد سقوطه عن الصلاحية ، لوقوعه مصداقا للجزء بشرط لا ـ يكون مصداقا للزيادة بقاء ، بحيث يمكن اعتبار مانعيتها حيث لا مانع منه.

ولو نوقش في شمول الزيادة للزيادة من حيث البقاء ، لعدم وقوعه زيادة حال حدوثه ، فلا مانع من اعتبار الزيادة إذا قصد إتيان ذات الجزء ملحوقا بمثله ، فانه زيادة من حال حدوثه. فتدبر.

ثم إن هذا كله إذا أريد بالبشرطلائيّة عدم لحوقه بمثله.

ولو كان أعم من عدم لحوقه وعدم سبقه بمثله فلا يحقّق شيء من الركوعين مصداقا للجزء ، فالأول يوجب نقص الثاني ، والثاني يوجب نقص الأول ، فكل منهما حيث أتي بهما بقصد الجزئية يكون زيادة ، فتدبر.

١٠٨ ـ قوله ( قده ) : وذلك لاندراجه في الشك في دخل شيء (١) ... الخ.

أما إذا كان اعتبار عدم الزيادة بنحو الجزئية في المركب ، فلأن الجزء العدمي كالوجودي في انبساط الأمر على كل جزء ، فينحل عقلا عندنا.

كما أنه لا فرق بينهما في رفع الجزئية المشكوكة عندنا وعنده (قدس سره).

نعم أصل جزئية العدم غير معقول ، وفرض مانعية الزيادة فرض شرطية عدمها ، لا فرض جزئية عدمها.

وأما إذا كان اعتبار عدم الزيادة بنحو الشرطية للمركب ، فقد عرفت سابقا أن الشرطية الحقيقية المنبعثة عن دخل الشيء في فعلية ترتب المقتضى على المقتضي قابلة للانحلال ، لأن الشرط الخارج عن حقيقة المركب لا يعقل أن

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٦٨.

٣٥٠

يكون مرادا بنفس إرادة المركب ، بل بارادة أخرى.

فاذا شك فيها مع القطع بإرادة ذات المركب جرى فيها البراءة عقلا ونقلا.

نعم الشرط ـ بمعنى مقوم الجزء لا يجري فيه البراءة عقلا ، لكن تقوم المقتضي للأثر الوجودي ـ بأمر عدمي غير معقول.

وليس اعتباره اعتبار عدم المانع ، بل اعتبار مقوم الجزء ، فما هو قابل لاعتبار صحيح يجري فيه البراءة عقلا ونقلا ، وما لا تجري فيه غير معقول في حد ذاته.

فان قلت : فعليه اعتبار الجزء ـ بشرط لا ـ غير معقول.

قلت : أولا إن كونه بشرط لا معناه شرطية العدم للجزء حقيقة ، بمعنى أن فعلية وفاء الجزء بالغرض عند انضمام سائر الأجزاء منوط (١) باقترانه بعدم الزيادة ، لا أن اقتضاء الجزء منوط به.

وثانيا : يمكن أن يكون المراد من الجزء بشرط لا هو الجزء الخاص الملزوم لأمر عدمي ، فاعتبار أول ركوع في المركب أو الموصوف بصفة الوحدة أمر ثبوتي ملزوم لأمر عدمي ، فجزء المقتضي أمر ثبوتي محض ، وإن كان تحديده بأمر عدمي يلزمه ، فتدبر.

١٠٩ ـ قوله ( قده ) : نعم لو كان عبادة وأتى به كذلك على نحو (٢) ... الخ.

لمّا بين (قدس سره) أن مقتضى البراءة نقلا عدم مانعية الزيادة ، وعدم اعتبار عدمها في المركب ، أراد أن يبين عدم المانع من حيث الامتثال أيضا إلا في

__________________

(١) الصحيح : منوطة.

(٢) كفاية الأصول / ٣٦٩.

٣٥١

بعض الصور.

وبيانه : أن الآتي بالزيادة ـ إذا كان العمل عبادة ـ إما أن ياتي بها بقصد الجزئية شرعا أو تشريعا.

والأول على قسمين :

أحدهما : أن يكون الأمر الخاص المتشخص بموضوعه الخاص بحده يدعوه إلى إتيان هذا الخاص المشتمل على الزيادة بحده ، بحيث لو لم يكن مشتملا على هذه الزيادة لما كان الأمر داعيا له.

وهذه الحيثية لبيان دعوة الأمر الخاص بنحو خاص ، لا أن عدم دعوته على تقدير عدم الجزئية مناف لوقوع العمل عبادة ؛ لأن القضية التقديرية لا تنافي الدعوة الفعلية.

وعليه : يجب عليه الاعادة بعد الالتفات إلى أن الأمر لم يكن كما اعتقده ، سواء قطع بعدم جزئية الزائد ، أو لم يقطع بعدمها بل بقي مترددا ، لأنه على أي تقدير لم يقطع بموافقة المأتي به للمأمور به بحده ، والمفروض أنه دعاه الأمر إلى المأتي به بحده.

وإن كان فرض الكلام في الزيادة وبيان حكمها هو فرض الالتفات إلى الزيادة ، وأنه لا دخل لها في المأمور به ، فيقطع بعدم كون المأتي به موافقا للمأمور به بحده.

كما أن ما افاده (قدس سره) لبيان حكم المعتقد للجزئية بعد زوال اعتقاده ، لا لبيان الواقع في نظر الغير ، وإلاّ فلا شبهة أنه زيادة ، وأن العمل على الوجه المزبور باطل لعدم حصول الامتثال ، لا لمانعية الزيادة شرعا ، ولا لبيان حكم المعتقد مع بقائه على اعتقاده ، فانه لا مجال للحكم عليه بالاعادة بقاعدة الاشتغال.

نعم كان الأنسب أن يحكم بالاعادة ، سواء كان الزائد دخيلا في المامور

٣٥٢

به واقعا أم لا ، مع أن ظاهره (رحمه الله) الترديد بين بطلان العمل مطلقا أو في صورة عدم الدخل.

ومما ذكرنا تبين أن تعليل (١) البطلان بأن المأمور به واقعا إما بشرط لا أو لا بشرط فقد قصد خلاف الأمرين.

لا يخلو عن مسامحة ، إذ كون المركب بشرط لا مفروض العدم ، لجريان أدلة البراءة في نفي اعتبار عدم الزيادة في المركب ، فلا قطع بانه مخالف للمأمور به الواقعي. بل مجرد احتمال ـ عدم موافقة المأتي به للمأمور به ـ كاف في الحكم بالاعادة ، إذا دعاه الأمر على الوجه المتقدم لا مطلقا.

ثانيهما : أن يكون الأمر داعيا إلى متعلقه ، وإن اعتقد أن متعلقه هذا الخاص ، فهو قاصد لامتثال الأمر على ما هو عليه لا إلى هذا الخاص بما هو ، بحيث يكون للأمر به ولدعوته إلى الخاص بما هو خاص خصوصية في نظره في مقام امتثال أمر المولى بما هو أمره ، فانه عناية زائدة على امتثال الأمر بما هو. فالمأتي به موافق للمأمور به الواقعي ، والزيادة غير ملحوظة في مقام امتثال الأمر الواقعي على ما هو عليه ، فانه على الفرض قاصد لامتثال الأمر الواقعي على ما هو عليه بما يأتي به خارجا.

واعتقاد جزئية الزائد للمأمور به لا يضر بامتثال الأمر ، حيث لم يقيده به على الفرض وان اعتقد تقيده به ، فتدبر.

والثاني : وهو الاتيان بقصد الجزئية تشريعا ، فهو يتصور على وجوه.

أحدها : أن يشرّع في الأمر بالمشتمل على الزائد ، فيبني على صدور الأمر من الشارع متعلقا بما يعم الزائد ، ويأتي بما بنى على تعلق الأمر به إعمالا لبنائه وتتميما لفرضه وانجازا لتشريعه ، فالفعل صادر عن أمر فرضي بنائي لا واقع له ،

__________________

(١) كما عن بعض الاجلة وهو المحقق الآشتياني قده. بحر الفوائد ٢ / ١٨٢.

٣٥٣

فلا امتثال للأمر الواقعي بوجه.

ثانيها : أن يبني على أن الأمر الواقعي أمر بما يعم الزائد ، فهو في الحقيقة من باب تطبيق الأمر الواقعي على ما فرضه من الأمر ، فانما يأتي بما يأتي به امتثالا للأمر الواقعي ، بعد البناء على أنه بنفسه أمر بما أتى به بحده ، فهو تصرف منه في أمر عقلي بدعوى تطبيق الأمر المحقق على ما نزّله منزلته ، فالعمل صادر عن نفس الأمر الواقعي بعد تنزيله منزلة الأمر بما يعم الزائد.

ثالثها : أن يبني على أن المأتي به مطابق للمأمور به ، من دون تصرف في الأمر لا أصلا ولا تطبيقا ، بل تصرف في ما يوافق متعلقه.

فالمأتي به صادر عن الأمر الواقعي بعد تنزيل الماتي به منزلة المأمور به تطبيقا لا تعلقا ، فان دعوى كون المأتي به في حد ذاته هو المأمور به ، مرجعه إلى دعوى تعلق الأمر به.

بخلاف دعوى أن المأتي به خارجا مطابق للمامور به ، فانه تشريع في مرحلة الامتثال.

وكون مثله داخلا في التشريع الذي هو شأن المولى ـ ليكون تصرفا منه في سلطان المولى حتى يكون قبيحا عقلا ، كما في القسمين الأولين ـ باعتبار أن الفعل المأتي به موجود تسبيبي منه تعالى ، لرجوع أمره تعالى إلى التسبيب إلى ايجاد الفعل من المكلف.

فجعل الفعل المأتي به ، بحيث ينطبق عليه المأمور به ، هو دعوى أنه موجود تسبيبي منه تعالى ، فله مساس بالمولى ، وبما هو تحت سلطانه ، بهذه الملاحظة وبهذا الاعتبار يمكن دعوى أن التشريع عنوان الفعل.

رابعها : أن يبني على وجوب غيري منبعث عن الأمر الواقعي بالاضافة إلى الزائد ، أو يبني على اقتضاء من قبل الأمر الواقعي بالاضافة إليه ، فلا تشريع في أصل الوجوب النفسي المتعلق بالمركب ، ولا في سائر اقتضاءاته لسائر

٣٥٤

الأجزاء.

فما عدا الزائد منبعث عن أمر محقق ينبعث منه وجوبات غيرية حقيقية ، أو عن اقتضاءات واقعية للأمر المحقق ، ونفس الزائد قد انبعث عن ايجاب غيري مفروض ، أو عن اقتضاء فرضي.

ولا يضر هذا البناء والفرض الغير المحقق بذلك الأمر المحقق والاقتضاءات المحققة ، فتدبره فانه حقيق به.

ثم إن هذا كله إذا أتي بالزائد بقصد الجزئية استقلالا.

وهنا صورتان أخريان ، ذكرهما الشيخ الأعظم (قدس سره) في الرسائل (١).

إحداهما : أن يأتي بالزائد والمزيد عليه معا جزء واحدا ، وذلك لا يكون إلا إذا اعتقد كون الجزء جنس الركوع الصادق على الواحد والمتعدد.

وهو بمجرده غير مجد ، لسقوط الأمر بمجرد اتيان الركوع الأول ، بل لا بد من فرض طبيعي الركوع بنحو ينطبق على الواحد بشرط لا وعلى المتعدد ، كما تصورناه في التخيير بين الأقل والأكثر (٢). وقد بنى الشيخ الأعظم (قدس سره) على صحة هذا الفرض ، إذ لا مانع إلا مانعية الزيادة واعتبار عدمها ، وبعد إجراء البراءة عقلا ونقلا يكون العمل صحيحا.

وأنت خبير أن حيثية مانعية الزيادة شرعا مغايرة لحيثية اخلالها بالامتثال عقلا ، فتصحيح هذه الصورة بعدم مانعية الزيادة شرعا وإبطال الصورة الاولى في كلامه بالاخلال بمقام الامتثال بلا وجه ، لاشتراكهما معا في عدم مانعية الزيادة شرعا ، كاشتراكهما في الإخلال بمقام الامتثال.

__________________

(١) فرائد الأصول المحشى ٢ / ١٣٥.

(٢) نهاية الدراية ٢ : التعليقة ١٤١.

٣٥٥

والتحقيق : ما عرفت من أن الأمر إذا كان داعيا إلى متعلقه بحدّه الخاص كان مضرا بالامتثال وإلاّ فلا ، فراجع (١).

ثانيتهما : ما إذا أتى بالزائد بدلا عن المزيد عليه ، إما لفساد الجزء السابق ، أو لرفع اليد عنه مع فرض صحته :

فان كان لفساد الجزء السابق ، فالزائد هو الجزء الفاسد ، وإلا فالثاني واقع موقعه ، ولا يعتبر في الزيادة إلا الإتيان بقصد الجزئية ، والمفروض أن الماتي به أوّلا كذلك ، ولا يشرط في صدق الزيادة في المركب سبقه بمثله ، ولا قصد عنوان الزيادة ، ولا كونه ممضي شرعا ، كما ربما يتوهم.

كما لا موجب لتوهم أن تداركه يوجب اتصافه بالزيادة ، فلم يقع حال حدوثه زيادة ، بل التدارك موجب لسد باب النقص في المركب فقط.

واما كون الأول زيادة ، فيكفي فيه مجرد اتيان عمل بقصد الجزئية بحيث لا يحسب من الصلاة شرعا.

نعم لو أمكن افساد الجزء الصحيح ، كان من باب لحوق وصف الزيادة.

مع أن الكلام في مانعية هذا الجزء الفاسد شرعا ، سمي زيادة أم لا ، كان كذلك حدوثا أو بقاء.

وان كان لرفع اليد عن الجزء الصحيح ، فهو : تارة برفع اليد عن جزئيته بهدمه وإسقاطه وجعله كأن لم يكن.

وأخرى برفع اليد عنه بتبديل الامتثال بامتثال أفضل بجعل الامتثال مستقرا على الثاني فقط.

فعلى الأول ، لا زيادة أصلا لسقوط الأول عن الجزئية ، فلا شيء حتى يتصف بالزيادة بقاء ، كما أنه لم يكن حدوثا زيادة ، لوقوعه في محله ، والثاني واقع

__________________

(١) تقدم في : ٣٥١ ـ ٣٥٢.

٣٥٦

في موقعه بعد هدم الأول.

وعلى الثاني يكون الجزء المأتي به اولا زيادة بقاء لا حدوثا ، لأنه حال حدوثه أتى به بعنوان امتثال الأمر به ، وانما سقط عن هذه الحيثية بعد جعل الامتثال مستقرا على الثاني.

وقد مرّ (١) أن البحث عن مانعيته غير منوط بعنوان الزيادة.

إلا أن اخبار الزيادة ربما يدعى عدم شمولها لما صار زيادة ، بل لما أوجد زيادة.

وأما إمكان رفع اليد عن الجزئية أو إمكان تبديل الامتثال بامتثال آخر ، فقد أشبعنا الكلام في الثاني في الجزء الأول من الكتاب في مسألة (٢) الاجزاء.

وأما الأول ، فمجمل القول فيه ، أنه ربما يقال : إن التركيب في المركبات الاعتبارية اعتباري منوط باعتبار الفاعل وإرادته ، فمتى رفع اليد عما اعتبره جزء من المركب ، فقد اختار التئام صلاته مما عداه ، فيكون رفع اليد عن الجزء في المركبات الاعتبارية بمنزلة هدم البناء والاسقاط في المركبات الحقيقية.

والجواب : أن الفرق بين المركبات الحقيقية والمركبات الاعتبارية ـ كما أوضحناه في محله (٣) ـ هو أن المركب :

تارة يتألف من جزءين بحيث يكون لكل منهما جهة افتقار إلى الآخر ، بحيث يكون أحدهما ما به القوة للآخر ، والآخر ما به الفعل لما به القوة ، فلا يكون هناك إلا فعلية واحدة كالمادة والصورة ، لتأبّي كل فعلية عن فعلية أخرى.

فلا محالة يكون لهما الوحدة الحقيقية ، مع قطع النظر عن أمر خارج عن مقام ذات المركب.

__________________

(١) قبيل هذا حيث قال : مع أن الكلام في مانعية الخ.

(٢) نهاية الدراية ١ : التعليقة ٢٠١.

(٣) نهاية الدراية ١ : التعليقة ١٣١.

٣٥٧

وحيث إنه (١) للافتقار الموجب لتقوم كل من الجزءين بالآخر حقيقي تكون الجزئية حقيقية.

وحيث إنه لهما فعلية واحدة ، فالتركب والاتحاد حقيقيان. وينحصر ذلك في النوع المركب من المادة والصورة.

وأخرى يتألف من جزءين أو من أجزاء بحيث يكون لكل واحد فعلية مباينة لفعلية الآخر فلا محالة لا جزئية بالذات ولا وحدة بالذات ، فلا تركب بالذات.

بل لو فرض جزئية ووحدة وتركب فبلحاظ أمر آخر ، كما في الصلاة المركبة من أفراد مقولات متباينة ، فان جهات الوحدة عرضية ، فان جهة الوحدة إما قيام غرض واحد بها ، أو قيام لحاظ واحد بها ، أو تعلق طلب واحد بها.

فالواحد بالحقيقة إما الغرض أو اللحاظ أو الطلب ، وتلك الأفعال المتعددة ذاتا ووجودا واحدة بالعرض وبالاعتبار ، فكلها كل ما يفي بالغرض أو كل الملحوظ أو كل المطلوب ، وكل واحد منها بعض ما يفي بالغرض أو بعض الملحوظ أو بعض المطلوب.

فهذا معنى اعتبارية التركيب واعتبارية الوحدة واعتبارية الجزئية ، لا أن اعتبار شيء جزء من شيء مناط جزئيته للمركب.

وقد ذكرنا في (٢) محله ايضا أنه لا معنى لجعل المركب واختراعه وإحداثه شرعا إلا جعله في حيز الطلب شرعا ، فانه الجعل التشريعي ، وإلاّ فالماهية من حيث هي لا مجعولة ولا غير مجعولة ، وجعلها التكويني في الماهية الشخصية سواء تعلق الجعل بها أو بوجودها قائم بالمصلي ، لا بالشارع.

__________________

(١) الصحيح : حيث إنّ الافتقار ، ويصح ايضا : حيث إنّه الافتقار ، بان يكون الضمير للشأن اسما والجملة التي بعده خبرا.

(٢) نهاية الدراية ١ : التعليقة ٤٥.

٣٥٨

واعتبارها في مقام الطلب ليس إلا لحاظها مقدمة للحكم عليها ، كما في كل موضوع وحكم فلا دخل له بالاحداث والجعل والاختراع ، وعلى أي حال ، فهو اعتبار جاعل الحكم ، لا جاعل الفعل تكوينا حتى يتقوم جزئية الجزء باعتبار المصلي ليرتفع برفعه ، فتدبر جيدا.

١١٠ ـ قوله (قدس سره) : ويأتي تحقيقه في مبحث الاستصحاب (١) ... الخ.

حيث إنه (قدس سره) لم يف بما وعده ، فرأينا من المناسب الوفاء بوعده (قدس سره) هنا.

فنقول : تحقيق حال استصحاب الصحة موقوف على تحقيق المراد من المانع والقاطع ، حتى يعلم أن الصحة المستصحبة بأي معنى.

وملخص الكلام : أنه ليس المانع كل ما اعتبر عدمه في المركب بنحو الجزئية أو بنحو الخصوصية المقومة للجزء.

بل العدم المأخوذ في المركّب ما أخذ بنحو الشرطية ، بمعنى ما له دخل في فعلية التأثير ، ولا دخل للعدم بما هو عدم شيء في التأثير جزافا ، بل لكون وجوده البديل له مانعا ، والمانع ما يزاحم المقتضي الآخر في التأثير ، فلا محالة يكون عدمه شرطا في فعلية التأثير ، وإلا لزم انفكاك المعلول عن علته التامة.

وتقريب مانعيته : بفرض كون كل جزء يوجب مقدارا من الاستعداد الذي يتم شيئا فشيئا إلى أن يحصل المستعد له ، المترقب حصوله من المركب. والمانع يرفع ذلك الاستعداد ويبطله ، فيزاحمه إذا كان بعده بقاء ، كما يدفعه إذا كان مقارنا له حدوثا ، وبعد بطلان الاستعداد الحاصل من الجزء السابق يستحيل تأثير الجزء اللاحق ؛ لأنه يوجب تكميل الاستعداد السابق والطفرة مستحيلة.

__________________

(١) كفاية الأصول / ٣٧٠.

٣٥٩

أو بفرض كون كل جزء يوجب مقدارا من القرب والأثر الناقص ، فيستكمل شيئا فشيئا إلى أن يتم الأثر ، ويحصل الأثر الكامل المترقب من المركب ، والمانع يرفع هذا الأثر ، فيستحيل حصول المراتب المكملة له.

وربما لا يكون المانع رافعا للأثر ، بل دافعا فقط لتأثير اللاحق ، فيوجب وقوف الاستعداد الحاصل على حدّه ، ويمنع عن استكماله فقط.

وربما يكون له الرفع والدفع معا وحينئذ فلا يبقى شأن للقاطع إلا دعوى أن المركب مؤتلف من جزء مادي ، وهي التكبيرة والقراءة إلى آخر الاجزاء ، ومن جزء صوري ، وهي الهيئة الاتصالية المستكشفة عن التعبير بالقاطع.

فالقاطع ليس شأنه ابتداء رفع أثر الجزء المادي أو الصوري ، فانه شأن المانع بل شأنه رفع نفس الجزء الصوري ، فهو مناف لنفس الجزء الصوري ومضاد له ، لا أنه رافع لأثره كي لا يبقى فرق بينه وبين المانع.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : أن الصحة المستصحبة ليست بمعنى موافقة الأمر ، حتى يقال : إنها متيقنة بالفعل لا مشكوكة ، ولا بمعنى أن الأجزاء السابقة بحيث لو انضمت اليها الأجزاء اللاحقة لحصل المركب ، حتى يقال : إن الشرطية متيقنة بالفعل أيضا ، ولا ينافي القطع بها الشك في إمكان الانضمام بعد عروض العارض المشكوك ، فان صدق الشرطية لا يستدعي صدق طرفيها.

بل بمعنى بقاء الأجزاء السابقة على ما كان لها من الاستعداد المترتب عليها ، أو ذلك الأثر الناقص الحاصل منها ، فان بقاءهما بعد عروض العارض مشكوك فيستصحب ، فالصحة بمعنى التمامية من حيث الأثر.

فالاستصحاب من حيث اليقين السابق والشك اللاحق لا محذور فيه.

إلا أن الأثر المترقب منه أمران :

أحدهما : عدم وجوب استيناف الأجزاء السابقة.

وثانيهما : حصول المركب بانضمام ذوات الأجزاء اللاحقة ، فان ترتب

٣٦٠