دروس في مسائل علم الأصول - ج ٦

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-62-8
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مما ورد في القرعة مشكل فإن بعض الأخبار الواردة فيها لسانها يساوق لسان أصالة الحلية والطهارة من ثبوت الواقع وتعينه والشك فيه كرواية محمد بن حكيم قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن شيء فقال لي : كل مجهول فيه القرعة قلت له : إن القرعة تخطئ وتصيب ، قال : كلّما حكم الله به ليس بالمخطئ» (١) وظاهرها جريان القرعة في كل مجهول له تعين واقعي ولكن يظهر من بعض الأخبار عدم اعتبار التعين الواقعي وفي صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام : عن رجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم قال : كان علي عليه‌السلام يسهم بينهم» (٢) ومن الظاهر أن الحكم في الواقعة ليس مجهولا ومشكلا ؛ لأن مقتضى الوصية ولاية الوصي والورثة على اختيار الثلث نظير الوصية بثلث المال في غير هذا المورد وكذا في مورد قسمة المال المشترك ، وظاهر بعض الأخبار استعمال القرعة في موارد قطع المشاجرة كما في صحيحة جميل حيث قال : زرارة إنما جاء الحديث بأنه : «ليس من قوم فوضوا أمرهم إلى الله ثمّ اقترعوا إلّا خرج سهم المحق» (٣) والأظهر في موارد الرجوع إلى القرعة أن يقال : إن الموارد التي يعلم فيها الحكم الظاهري من حيث التنجيز والتعذير فيها مع قطع النظر عن ورود الأمر بالقرعة فيها يقتصر على العمل بالقرعة فيها مع ورود الأمر بالقرعة فيها كما في مثال الغنم حيث إن مقتضى العلم الإجمالي بكون بعض الغنم في الواقع موطوءا الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه طرفا للعلم الإجمالي ، وكذا يعمل بها في الموارد التي ورد الأمر فيها بالقرعة مع عدم الواقع

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٨٩ ، الباب ١٣ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ١١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩١ ، الباب ١٣ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ١٦.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٣٨ ، عنه في الوسائل ١٨ : ١٨٨ ، الباب ١٣ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ٦.

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

المعين فيها وكان الحكم الواقعي فيها معلوما مع قطع النظر عن ورود الأمر بالقرعة فيها كما في مورد الوصية بعتق ثلث العبيد فإن الأمر بعتق ثلثهم كالوصية بثلث ماله في وجوه الخير يكون بالتقسيم بتراضي الوصي والورثة في تعيين الثلث ولكن حيث ورد الأمر في تعيينه بالقرعة يؤخذ في الأول بالقرعة لورود الأمر فيه بتعيين ثلث العبيد بها.

وأما المجهول الواقعي الذي لا يعلم واقعه بوجه ولم يكن المطلوب فيه إحراز التعذير والتنجيز فيرجع فيه إلى القرعة أخذا بقوله عليه‌السلام : «ليس من قوم تقارعوا ثمّ فوضوا أمرهم إلى الله إلّا خرج سهم المحق» بناء على عدم ظهوره في خصوص القرعة في مقام تعيين السهم في القسمة في الشركة في القيميات كما يفصح عن ذلك مورده.

وأما المجهول الواقعي الذي يكون فيه الموضوع للتعذير والتنجيز فالمرجع فيه إلى الاصول العملية كالاستصحاب والبراءة ونحوهما وأما مثل رواية محمد بن حكيم أن «كل مجهول فيه القرعة» (١) فمقتضاها على ما يقال اعتبار القرعة في كل مشتبه حتى ما لو كان حكمه الظاهري معلوما من غير ناحية القرعة فتعارض الروايات الواردة في سائر الاصول العملية ومنها الاستصحاب ولكن لا يمكن المساعدة عليها لضعف الخبر سندا ودلالة فإن ظاهره المجهول مطلقا أو من الجهة التي لا بد من العلم به من تلك الجهة وما ثبت فيه الحكم الظاهري يعلم حاله ولا يقاس بخطاب «كل شيء حلال حتى تعرف الحرام» (٢) و «كل شيء نظيف حتى

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٨٩ ، الباب ١٣ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ١١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٦٠ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تعلم أنه قذر» (١) حيث إن ظاهرهما الجهل بالحرمة الواقعية والقذارة الواقعية بقرينة الغاية الواردة فيهما فإنها تكشف عن أن المفروض فيهما الشك في الحرمة الواقعية والقذارة الواقعية بخلاف «كل مجهول فيه القرعة» فإنه ليس فيه قرينة على إرادة خصوص المجهول الواقعي بل يعم المجهول الظاهري أيضا نظير الولد المردد بين كون أبيه زيدا أو عمرا كما هو مورد بعض الروايات الواردة في القرعة. نعم ، لا يصدق المجهول إلّا إذا كان له تعين واقعا هذا كله فيما إذا لم تكن القرعة مورد التراضي في معاملة كما في قسمة المال المشترك وإلّا تكون مشروعة بمشروعية التراضي.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ : ١٠٥٤ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤.

٨٣
٨٤

المقصد الثامن

(في تعارض الأدلة والأمارات)

٨٥
٨٦

المقصد الثامن

في تعارض الأدلة والأمارات [١]

______________________________________________________

في التعادل والتراجيح

[١] الظاهر اتحاد المراد من الدليل والأمارة أو كون الأمارة أخصّ من الدليل وهو طريق الحكم والمجعول الشرعي الكلي ، وما عن الشيخ قدس‌سره من أنّ الطريق المعتبر في الأحكام يسمّى بالدليل ، وفي الموضوعات يسمّى بالأمارة ، غير مراد للماتن قدس‌سره لأنّ البحث في الطرق المعتبرة إلى الموضوعات غير مقصود في المقام ، والمقصود في المقام البحث في تعارض ما يكون طريقا إلى الأحكام والمجعولات الشرعيّة من الأحكام الفرعيّة الكليّة وما يلحق بها.

ثمّ إنّ الشيخ قدس سرّه قد تبع سلفه في بحث التعادل والتراجيح في جعله خاتمة الكتاب المشعر بخروج البحث من مسائل علم الاصول كخروج مباحث الاجتهاد والتقليد منها ، والوجه في ذلك أنّهم التزموا بكون مباحث الاصول هي المسائل التي يكون المحمول فيها من عوارض الكتاب والسنة حيث جعلوا الموضوع لعلم الاصول الأدلّة الأربعة وبما أنّ البحث في التعادل والتراجيح راجع إلى عوارض الحاكي عن السنة ولا يقع التعارض ولا الترجيح في نفس السنة فلا تكون هذه المباحث داخلة في مسائل علم الاصول.

وقد تقدّم في أوّل (١) الكتاب الرّد والنقض فيما التزموا به ، ولكنّ الماتن التزم بأنّ مسائل علم الاصول هي التي تكون نتائجها واقعة في طريق الاستنباط وتحصيل

__________________

(١) دروس في مسائل علم الاصول ١ : ١٥.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نفس الحكم الشرعي الفعلي أو حاله من حيث التنجّز والعذر عنه ، بلا فرق بين أن يكون المحمول في تلك المسائل من عوارض الأدلّة الأربعة أو غيرها ولذا أدخل مباحث التعادل والتراجيح في مسائل علم الاصول ، وجعل من مقاصد الكتاب ، وهذا هو الصحيح ، فإنّه كيف يصحّ الالتزام بخروج مباحث التعارض والتراجيح من مسائل علم الاصول مع أنّ عمدة الدليل في المسائل الفقهيّة هي الأخبار المأثورة عن أهل البيت والعصمة سلام الله عليهم أجمعين ، وتلك الأخبار في غير واحد من الموارد مختلفة في مضامينها ومنافية بعضها مع بعضها الآخر في مداليلها فيحتاج استنباط الحكم الشرعي الفرعي الكلّي منها إلى علاج المخالفة وملاحظة موجب التعارض.

ثمّ إنّ المراد بالتعادل تكافؤ المتعارضين ، وعدم ثبوت المزيّة لأحدهما الموجبة لتقديمه ، بخلاف الترجيح فإنّه يكون بثبوتها لأحدهما الموضوع لاعتبار ذيها مع المعارضة ككون أحد الخبرين موافقا للكتاب العزيز أو مخالفا للعامّة ونحو ذلك ، ولا يراد الترجيح في مقامات حصول الجمع العرفي التي يكون فيها أحد الخطابين قرينة على التصرف في الآخر أو كان في البين قرينة على ذلك فإنّه في هذه الفروض لا يكون في البين تعارض كما يأتي.

٨٨

فصل

التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلّة بحسب الدلالة ومقام الإثبات [١] على وجه التناقض أو التضاد حقيقة أو عرضا.

______________________________________________________

في تعريف التعارض بتنافي مدلولي الدليلين أو الأدلّة

[١] قد ذكر الشيخ قدس‌سره في التعادل والتراجيح أنّ موردهما تعارض الدليلين فيجب معرفة التعارض أوّلا ، وفسّره بتنافي الدليلين في مدلولهما سواء كان التنافي بينهما بنحو التناقض أو التضاد ، والمراد بالتناقض أن يكون مدلول أحدهما ثبوت أمر ومدلول الآخر عدم ثبوته كما أنّ المراد بالتّضاد أن يكون مدلول أحدهما ثبوت أمر ، ومدلول الآخر ثبوت أمر آخر ولا يمكن ثبوت كلا الأمرين أو يعلم بعدم ثبوتهما معا ويعبّر في مورد العلم بعدم ثبوتهما معا بالتعارض بالعرض ، بخلاف الأوّلين فإنّ التعارض يكون بالذات.

وربّما أن التعريف المذكور في كلام الشيخ يعمّ ما إذا كان بين الدليلين جمع عرفي ، كما إذا كان أحد الخطابين متضمنا لحكم الشيء بعنوانه الأوّلي والخطاب الآخر متضمنا للحكم الآخر بالعنوان الثانوي ، بل يعمّ التنافي في مدلولين لموارد الحكومة وإن أتعب قدس‌سره نفسه في إخراج اجتماع الاصول الشرعيّة والأمارة وساير موارد الحكومة عن التعريف ؛ لئلا يورد عليه بأنّه لا يكون في الموارد بين الأدلّة القائمة على الأحكام الواقعيّة والاصول العمليّة فيها تعارض ، مع أنّ تنافي مدلولي الدليلين يعمّها ، وذكر في وجه الخروج بأنّه يختلف الموضوع للحكم الواقعي الذي هو مدلول الدليل مع الموضوع في الأصل العملي ، فإنّ الموضوع للحكم الواقعي الشيء بما هو هو ، وفي الأصل العملي الشيء بوصف كونه مشكوك الحكم ، وإذا قام الدليل على حرمة العصير العنبي بعد غليانه ، فإن كان ذلك الدليل موجبا للعلم

٨٩

بأن علم بكذب أحدهما إجمالا مع عدم امتناع اجتماعهما أصلا ، وعليه فلا تعارض بينهما بمجرّد تنافي مدلولهما إذا كان بينهما حكومة رافعة

______________________________________________________

بالواقع فلا يكون في العصير مورد للأصل العملي ، وكذا فيما إذا لم يكن موجبا للعلم ولكن ثبت اعتباره بدليل علمي ، فإنّ الأصل العملي كالبراءة العقليّة والاشتغال وأصالة التخيير تنتفي موضوعاتها مع قيامه ، والأصل العملي الشرعي كالاستصحاب وإن لا ينتفي الموضوع له حقيقة إلّا أنّه ينتفي حكمه بمعنى أنّه يحكم بقيام تلك الأمارة بخروج موردها عن مورد الأصل وموضوعه.

ثمّ تكلّم في تقرير الحكومة وبيان الفرق بينها وبين التخصيص بأنّ المخصّص بيان لمدلول العامّ بحكم العقل لا بمدلوله اللفظي ، بخلاف الخطاب الحاكم فإنّه مبيّن للمراد من الخطاب المحكوم بمدلوله اللفظي ؛ ولذا يقدّم الدليل الحاكم على الخطاب المحكوم ولو كان الخطاب الحاكم أضعف الظنون المعتبرة بالإضافة إلى الخطاب المحكوم ، بخلاف الخاصّ والعامّ ، فإنّ الخطاب الخاصّ فيما كان نصّا وقطعيّا من جهة السند والدلالة يكون واردا على أصالة الظهور في ناحية العامّ ، وإذا كان ظنيّا في بعض الجهات يكون حاكما على أصالة العموم ، وظاهر هذا الكلام على ما فهم الماتن وغيره هو أنّ ما فسّر به تعارض الدليلين بالتنافي في مدلوليهما يتحقّق بين خطابي العامّ والخاصّ فيما كان الخاصّ ظنيّا من حيث الصدور أو الدلالة أيضا ، غاية الأمر يكون الخاصّ فيما كان قطعيّا ونصّا واردا على أصالة العموم ، وإن كان ظنيّا من بعض الجهات يكون حاكما على أصالة العموم ، وبما أنّ الوجدان شاهد بعدم التعارض في موارد الجمع العرفي سواء كان اجتماعهما قرينة على المراد ، كما إذا كان أحد الخطابين دالّا على حكم لموضوع بعنوانه الأوّلي والخطاب الآخر دالّا على ثبوت حكم مخالف له بعنوانه الثانوي أو كان أحد الخطابين دالّا على وجوب أمر في

٩٠

للتعارض والخصومة [١] بأن يكون أحدهما قد سيق ناظرا إلى بيان كميّة ما اريد من الآخر.

______________________________________________________

زمان ، والخطاب الآخر دالّا على وجوب عمل آخر فيه مع علمنا بعدم وجوبهما معا فيحمل الأمر في كلّ منهما على التخيير إذا احتمل التخيير واقعا أو كان أحد الخطابين معيّنا قرينة على التصرف في الآخر ، كما في خطاب المقيّد والخاصّ بالإضافة إلى خطاب المطلق والعامّ ؛ ولذا أضاف في «الكفاية» على تعريف التعارض بتنافي الدليلين أو الأدلّة بحسب مقام الإثبات والدلالة.

وحذف ما في الرسالة قيد (مدلولهما) الظاهر في المدلول الاستعمالي كما ظهر من تقرير كلامه قدس‌سره ، وعلى ما ذكر الماتن قدس‌سره تخرج الموارد المشار إليها يعني موارد الجمع العرفي عن تعريف التعارض بين الدليلين أو الأدلّة ، ووجه الخروج أنّه في تلك الموارد لا يكون تناف في كشف الدليلين عن مقام الثبوت المعبّر عن هذا الكشف بمقام الإثبات والدلالة على مقام الثبوت ، فإنّه يكون المراد في مورد الحكم بالعنوان الأوّلي والحكم الآخر بالعنوان الثانوي هو أنّ الشيء محكوم بالحكم الأوّلي ما لم يطرأ عليه العنوان الثانوي ، وفي الخطاب الآخر ثبوت الحكم الآخر له بعد طروّه فلا منافاة ، كما أنّ خطاب المطلق لا يكشف مع خطاب المقيّد عن ثبوت الحكم لذات المطلق ثبوتا لينافي كشف خطاب المقيّد عن ثبوته للمقيّد ، وهكذا في ساير موارد الجمع العرفي.

عدم التعارض في موارد الحكومة والجمع الدلالي بين الأدلّة

[١] قد فرّع قدس‌سره على ما ذكره من التعريف وأنّ التعارض تنافي الدليلين بحسب الدلالة والكشف عن مقام الثبوت ، عدم المعارضة بين الخطابين في موارد الحكومة وموارد الجمع العرفي ، وفسّر الحكومة بأن يكون أحد الدليلين ناظرا ومتعرضا لبيان

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

المراد من الخطاب الآخر بأن يكون المدلول الاستعمالي لأحدهما بيان ما أريد من الخطاب الآخر جدّا حيث إنّ مع أصالة التطابق في الخطاب الناظر لا يكون بين الخطابين تناف بحسب تلك الدلالة سواء كان خطاب الحاكم متقدّما عليه صدورا أو متأخرا.

أقول : مجرّد التنافي بين المدلول الاستعمالي لخطاب مع المدلول الاستعمالي لخطاب آخر لا يوجب التعارض بينهما ، بل ملاكه أن لا يكون لشيء من الخطابين مع لحاظه مع الآخر مدلول تصديقي ، بأن لا يكون لهما دلالة على مقام الثبوت لتمانعهما بالذات أو بالعرض في تمام مدلولهما أو بالإضافة إلى مورد اجتماعهما ، وإنّما يفرض الدلالة لكلّ منهما على مقام الثبوت عند الإغماض عن الآخر ولحاظه ، فيقال بأنّ المدلول التصديقي لهذا مناف للمدلول التصديقي للآخر ، وهذا بخلاف موارد الحكومة والجمع العرفي بين الخطابين ، فإنّه يثبت لهما المدلول التصديقي ولو عند لحاظه مع الخطاب الآخر ، وعلى ذلك فلا تكون موارد حكومة أحد الخطابين فيها على الآخر أو ثبوت الجمع العرفي بينهما داخلة في المتعارضين ، فإن كان مراد الشيخ قدس‌سره من مدلولي الدليلين مدلولهما التصديقي المذكور فلا يختلف تعريفه بتنافي مدلولي الدليلين عما ذكره الماتن قدس‌سره وإن كان تعريف الماتن أوضح في المراد.

في حكومة أدلّة اعتبار الأمارة على خطابات الاصول الشرعيّة

ثمّ إنّ الماتن قدس‌سره بعد التزامه بما تقدّم في معنى الحكومة من كون مدلول أحد الخطابين هو التعرض لبيان كميّة المراد من الخطاب الآخر أورد على ما ذكره الشيخ قدس‌سره من حكومة الأدلّة والأمارات في موارد قيامها على خطابات الاصول الشرعية.

٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال في وجه الإيراد عليه بأنّ مفاد خطابات الاصول بيان الحكم عند الشكّ في الحكم الواقعي للشيء ، ومفاد دليل اعتبار الأمارة عند الشيخ قدس‌سره وجوب العمل بمدلولها عند قيامها ، وليس مفاد دليل اعتبارها نفي الجهل بالواقع عند قيامها ، ليكون حاكما على دليل اعتبار الأصل كحكومة خطاب نفي الشك عن كثير الشك (١) بالإضافة إلى خطاب : «إذا شككت في الركعتين الأوّلتين فأعد الصلاة» (٢).

والحاصل مجرّد تشريع وجوب العمل بالأمارة في مورد قيامها كما عليه الشيخ قدس‌سره لا يحقّق الحكومة ونفي الجهل بالواقع الموضوع للأصل العملي.

ولو كان وجوب العمل بمدلول الأمارة المنافي عقلا لاعتبار الأصل في موردها موجبا للحكومة ، لكان دليل اعتبار الأصل أيضا المقتضي للعمل بمفاده مقتضيا لترك العمل بالأمارة التزاما ، فإنّ مدلوله الحكم في الواقعة عند الجهل وهو مفاده.

أقول : دليل اعتبار الأمارة كما ذكرنا في بحث اعتبار الأمارات لحاظ الأمارة القائمة في موارد قيامها علما بالواقع ، كما يظهر ذلك لمن تتبع السيرة الجارية في موارد العمل بخبر الثقات وغيره من الأمارات التي اعتبارها في الشرع إمضائية ، ومع اعتبارها كذلك لا يبقى في مواردها موضوع للأصل العملي حتّى في موارد الاستصحاب ، ولو قلنا إنّ مفاد خطابات الاستصحاب اعتبار اليقين بالحالة السابقة علما ببقائها.

وذلك لأنّ الأمارة تتضمن في نفسها ومع قطع النظر عن دليل اعتبارها نحو كشف عن

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٢٧ ، الباب ١٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) وسائل الشيعة ٨ : ١٩٠ ، الباب الأول من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ١٤.

٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الواقع ولو ناقصا ، فيعتبر الشارع تلك الجهة المفروضة كشفا تامّا ، وهذا بخلاف الاستصحاب فإن مقتضى خطاباته اعتبار اليقين بالحالة السابقة علما ببقائها أيضا من حيث العمل من غير أن يلاحظ جهة كشف في مورده أصلا.

وعلى الجملة : العلم بالحالة السابقة علم ببقائها من جهة العمل خاصّة.

ومع الإغماض عن ذلك ففي موارد الأمارة كالخبر الواحد يكون اختصاص اعتباره بموارد الجهل بالواقع بالتقييد العقلي ، لاستقلال العقل بأنّ العالم بالواقع وجدانا لا يقبل التعبد بالوفاق أو بخلاف علمه ، ولا يمكن اعتبار الأمارة أو غيرها في حقّه ، بخلاف الأصل الشرعي ولو كان هو الاستصحاب ، فإنّ الجهل بالواقع موضوع في خطاب اعتباره شرعا فشمول دليل اعتبار الأمارة للأمارة القائمة على وفاق الحالة السابقة أو على خلافها بلا مانع ؛ لعدم العلم الوجداني بالخلاف أو الوفاق ، وبشموله لها يرتفع في المورد الموضوع للأصل العملي يعني الجهل بالواقع ، من غير لزوم تخصيص في دليل اعتبار الأصل. وأمّا تقديم الأصل على الأمارة يحتاج إلى التخصيص بلا وجه.

هذا بالإضافة إلى ما اخترناه في اعتبار الأمارات ، وأما بناء على مسلك الشيخ قدس‌سره من أنّ اعتبار الأمارة هو تنزيل مؤدّاها منزلة الحكم الواقعي لتكون النتيجة إيجاب العمل بمدلولها بجعل مدلولها حكما طريقيّا ، فتكون الأمارة حاكمة على الأصل الشرعيّ في مورد قيامها أيضا ، فإنّه إذا نزّل مدلولها منزلة الحكم الواقعي يكون العلم بمدلولها علما بالحكم الواقعي قهرا ، لا لتنزيل آخر في نفس العلم بمدلولها بل بمجرّد التنزيل في مدلول الأمارة ، وعلى ذلك فشمول دليل اعتبار الأمارة لتلك الأمارة في مورد الأصل العملي بلا محذور ؛ لما تقدّم من أنّ تقييد الاعتبار والتنزيل في مورد الأمارة بمن ليس له علم ، من

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ناحية حكم العقل بأنّ العالم بالعلم الوجداني لا يتعبّد بالوفاق أو الخلاف ، بخلاف اعتبار الأصل العملي ، فإنّ شمول دليل اعتباره لمورد الأمارة يحتاج إلى المقيّد والمخصّص لدليل اعتبار الأمارة فلا تغفل.

ثمّ إنّه لا تنحصر الحكومة على ما إذا كان أحد الخطابين ناظرا إلى كميّة المراد من مدلول الخطاب الآخر ، بل إذا تكفّل أحد الخطابين لبيان أصل المراد أو نفيه من الخطاب الآخر يكون الأوّل حاكما على الخطاب الثاني ، كما إذا ورد في خطاب : «أن الثوب لا يجنب» (١) كناية عن طهارة المني وعدم لزوم غسله عن الثوب ، وورد في خطاب آخر «أنّي قلته اتّقاء الشر» يكون هذا الخطاب الثاني حاكما على الأوّل ، ونظير ما ورد من قوله عليه‌السلام في نجاسة الخمر : «خذ بقول أبي عبد الله عليه‌السلام» (٢) بعد السؤال من الإمام عليه‌السلام أنّه روى زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه لا يصلى في ثوب أصابه الخمر قبل أن يغسل ، وروى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنّه لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه الخمر.

في أقسام الحكومة

وقد يقال (٣) : إن الحكومة على قسمين :

الأول : أن يكون أحد الدليلين بمدلوله الاستعمالي شارحا للمراد من الآخر سواء كان الدليل الشارح مصدّرا بكلمة التفسير من نحو (أي) أو (يعني) أم لم يكن ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ : ١٨٢ ، الباب ٥ من أبواب الجنابة ، الحديث الأول.

(٢) وسائل الشيعة ٣ : ٤٦٨ ـ ٤٦٩ ، الباب ٣٨ من أبواب النجاسات ، الحديث ٢.

(٣) مصباح الاصول ٣ : ٣٤٨.

٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن كان الشارح بحيث لو لم يكن في البين الخطاب المحكوم كان الدليل الحاكم لغوا كقوله عليه‌السلام «لا ربا بين الوالد والولد» (١) حيث لو لم يكن في البين خطاب حرمة الربا حتى في فرض صدوره متأخّرا لكان خطاب نفي الربا بين الوالد والولد لغوا ، والدليل الشارح بالمعنى المذكور يكون ناظرا إلى عقد الوضع من الدليل المحكوم تارة كما في المثال ، وإلى عقد الحمل منه اخرى كما في قوله سبحانه : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) أو «لا ضرر ولا ضرار» (٣) بناء على كون كلّ من الحرج والضرر عنوانا لنفس التكليف والحكم ، فإنّ ظاهر خطابات التكاليف والأحكام ثبوت مداليلها في الشريعة حال الحرج والضرر أيضا ، وقوله سبحانه : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ناظر إلى عدم ثبوت تلك المداليل ثبوتا حال الحرج ، وكذا في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ضرر ولا ضرار».

الثاني : أن يكون أحد الدليلين نافيا لموضوع الحكم المستفاد من الدليل الآخر في مورد أو موارد وإن لم يكن شارحا كالقسم الأول المتقدّم ، بأن لا يكون لغوا لو لم يكن الخطاب المحكوم ، وهذا كحكومة أدلّة اعتبار الأمارات على الاصول الشرعيّة من الاستصحاب وأصالة البراءة وقاعدة الفراغ وغيرها من الاصول الجارية في الشبهات الحكميّة والموضوعيّة ، فإنّ أدلّة اعتبار الأمارات لا تكون ناظرة إلى خطابات الاصول وشارحة لها بحيث لو لم تكن الاصول الشرعيّة مجعولة لكان اعتبار الأمارة لغوا ، فإنّ خبر الثقة أو العدل حجة سواء جعلت الاصول الشرعيّة أم لا ، ولكن

__________________

(١) انظر وسائل الشيعة ١٨ : ١٣٥ ، الباب ٧ من أبواب الربا ، الحديث الأوّل.

(٢) سورة الحج : الآية ٧٨.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩٣.

٩٦

مقدما كان أو مؤخرا ، أو كانا على نحو إذا عرضا على العرف وفق بينهما بالتصرف في خصوص أحدهما ، كما هو مطرد في مثل الأدلة المتكفلة لبيان أحكام الموضوعات بعناوينها الأولية ، مع مثل الأدلة النافية للعسر والحرج والضرر

______________________________________________________

مع ذلك الأمارات بدليل اعتبارها رافعة لموضوع الاصول الشرعيّة تعبّدا ، ولا تنافي بين اعتبار الأصل واعتبار الأمارة في موارد قيامها أصلا ، والوجه في عدم التنافي بين أدلّة اعتبار الأمارات ودليل الأصل الشرعي أنّ كلّ دليل مضمونه مفاد القضية الحقيقيّة يتكفّل للحكم على تقدير الموضوع له ، ولا يدلّ على تحقّق ذلك الموضوع وإحرازه خارجا.

وبتعبير آخر تحقّق الموضوع له وعدمه خارج عن مدلوله ، ولذا يقال : إنّ المجعول بنحو القضية الحقيقيّة وهي وإن كانت في الصورة بنحو القضية الحمليّة إلّا أنّها ترجع في الحقيقة إلى القضية الشرطيّة ، وشرطها فعليّة الموضوع وتحقّقه خارجا ، والجزاء ثبوت الحكم له ، ومن الظاهر أن الموضوع في خطابات الاصول الشرعيّة الجهل بالواقع وعدم العلم به ومفادها قضايا حقيقيّة ، ودليل اعتبار الأمارة ومقتضاها العلم بالواقع وعدم الجهل به في مورد قيامها ، مثلا : أنّ خبر الثقة القائم بحرمة العصير بعد غليانه علم بحرمته الواقعيّة فلا يبقى مع قيامه في واقعة العصير شك بالحرمة الواقعيّة.

أقول : قد تقدّم أنّ اعتبار الأمارة القائمة بالتكليف والحكم مقتضاه اعتبارها علما بهما ، فيترتّب عليها ما للعلم بالواقع عقلا من التنجيز والتعذير ، وتنتفي في موردها الأحكام الظاهريّة التي هي مفاد خطابات الاصول الشرعيّة ؛ لانتفاء الموضوع لتلك الأحكام الظاهريّة يعني الجهل بالواقع وعدم العلم به ، ولا تنحصر حكومتها بدليل اعتبارها على تلك الاصول على مسلك تنزيل الأمارة منزلة العلم بالواقع ، بل

٩٧

والإكراه والاضطرار ، مما يتكفل لأحكامها بعناوينها الثانوية ، حيث يقدم في مثلهما الأدلة النافية ، ولا تلاحظ النسبة بينهما أصلا ويتفق في غيرهما ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

لو قيل بأنّ اعتبار الأمارة اعتبار مؤدّاها حكما واقعيّا أيضا يرتفع بقيام الأمارة في مورد الموضوع للأصل ؛ لأنّه إذا كان بمقتضى دليل اعتبار الأمارة مدلولها حكما وتكليفا واقعيّا ولو بالتنزيل ، فالعلم بذلك المدلول يكون علما بالواقع لا محالة فتحصل الغاية في اعتبار الاصول الشرعيّة ، ولو قيل بأنّ معنى اعتبارها تنزيل مؤدّاها منزلة الواقع المعلوم فالأمر أوضح ، وقد تحصّل أنّه في موارد الحكومة بنفي الموضوع لما يتضمّنه خطاب المحكوم لا يلزم أن يكون نفيه مدلولا مطابقيّا لخطاب الحاكم ، بل يكفي فيه أنّ نفيه بالالتزام.

وأمّا إذا كانت الحكومة بنفي الحكم الوارد في الخطاب الآخر سواء كان المنفي أصل إرادة الحكم وجعله من الخطاب الآخر أو نفيه في بعض الموارد ، فلا بدّ من أن يكون هذا النفي مدلولا مطابقيّا وظهورا لفظيا استعماليّا في ناحية خطاب الحاكم سواء كان هذا الظهور بقرينة مقاليّة ، كما في قوله عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس» (١) الناظر إلى خطابات الأجزاء والشرائط للصلاة ، ونظير قوله سبحانه : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الناظر إلى خطابات التكاليف ، أو كان بقرينة حاليّة كما في قوله عليه‌السلام : «إذا مسحت بشيء من رأسك فقد أجزأك» (٢) الناظر إلى قوله سبحانه من الأمر بمسح الرأس (٣) عند الوضوء ، وهذا القسم من الحكومة يفترق الحاكم فيه عن خطاب الخاصّ في موارد التخصيص بأنّ خطاب الخاصّ بمدلوله

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٢٥.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٤١٤ ، الباب ٢٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤.

(٣) في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) سورة المائدة : الآية ٦.

٩٨

أو بالتصرف فيهما [١] فيكون مجموعهما قرينة على التصرف فيهما ، أو في أحدهما المعين ولو كان الآخر أظهر ، ولذلك تقدم الأمارات المعتبرة على الأصول الشرعية ، فإنه لا يكاد يتحير أهل العرف في تقديمها عليها بعد ملاحظتهما ، حيث لا يلزم منه محذور تخصيص أصلا ، بخلاف العكس فإنه يلزم منه محذور التخصيص بلا وجه أو بوجه دائر ، كما أشرنا إليه في أواخر الاستصحاب.

وليس وجه تقديمها حكومتها على أدلتها لعدم كونها ناظرة إلى أدلتها بوجه ، وتعرضها لبيان حكم موردها لا يوجب كونها ناظرة إلى أدلتها وشارحة لها ، وإلّا كانت أدلتها أيضا دالّة ـ ولو بالالتزام ـ على أن حكم مورد الاجتماع فعلا هو

______________________________________________________

اللفظي الاستعمالي غير ناظر إلى بيان المراد من خطاب العامّ ، بل بمدلوله الجدّي الحاصل بأصالة التطابق في ناحيته المعبّر عنها بأصالة الظهور يحسب قرينة على المراد الجدّي من خطاب العامّ بخلاف خطاب الحاكم على ما تقدّم.

[١] (التصرف فيهما) أي في كلا الدليلين عدل لما تقدّم من فرض التصرف في أحدهما ، وقوله قدس‌سره : «فيكون مجموعهما قرينة» الخ من قبيل ذكر النتيجة لما سبق ، فربّما يكون ملاحظة الخطابين معا قرينة على التصرف في كلا الخطابين ، كما إذا قام خبر بوجوب صلاة الجمعة يومها ، وخبر آخر بوجوب صلاة الظهر فيها فيلتزم بوجوب الصلاتين تخييرا برفع اليد عن ظهور كلّ منهما في التعيّن بقرينة صراحة الآخر في الإجزاء ، وقد يكون ملاحظتهما معا قرينة على التصرّف في خصوص أحدهما ، كما تقدّم في الجمع بين الخطاب الدالّ على حكم شيء بعنوانه الأوّلي والخطاب الآخر الدالّ على خلاف ذلك الحكم بعنوانه الثانوي ، حيث يحمل الحكم الوارد فيه على الاقتضائي وأنّه يثبت له ذلك الحكم ما لم يطرأ عليه العنوان الثانوي حيث يثبت حينئذ الحكم الثاني ، وفي بعض النسخ : «ولو كان الآخر أظهر» ولا يخفى

٩٩

مقتضى الأصل لا الأمارة ، وهو مستلزم عقلا نفي ما هو قضية الأمارة ، بل ليس مقتضى حجيتها إلّا نفي ما قضيته عقلا من دون دلالة عليه لفظا ، ضرورة أن نفس الأمارة لا دلالة له إلّا على الحكم الواقعي ، وقضية حجيتها ليست إلّا لزوم العمل على وفقها شرعا المنافي عقلا للزوم العمل على خلافه وهو قضية الأصل ، هذا مع احتمال أن يقال : إنه ليس قضية الحجية شرعا إلّا لزوم العمل على وفق الحجة عقلا وتنجز الواقع مع المصادفة ، وعدم تنجزه في صورة المخالفة.

وكيف كان ليس مفاد دليل الاعتبار هو وجوب إلغاء احتمال الخلاف تعبدا ، كي يختلف الحال ويكون مفاده في الأمارة نفي حكم الأصل ، حيث إنه حكم الاحتمال بخلاف مفاده فيه ، لأجل أن الحكم الواقعي ليس حكم احتمال خلافه ، كيف؟ وهو حكم الشك فيه واحتماله ، فافهم وتأمل جيدا.

فانقدح بذلك أنه لا تكاد ترتفع غائلة المطاردة والمعارضة بين الأصل والأمارة ، إلّا بما أشرنا سابقا وآنفا ، فلا تغفل ، هذا ولا تعارض أيضا إذا كان أحدهما قرينة [١] على التصرف في الآخر ، كما في الظاهر مع النص أو الأظهر ، مثل العام

______________________________________________________

أنّه على ذلك لا تخلو العبارة من التعقيد ، فلا بد من كون (الواو) زائدة ، وهذا كما يتصرّف في خطاب العامّ والمطلق ، لكون الآخر أي خطاب الخاصّ والدالّ على القيد أظهر.

موارد الجمع العرفيّ بين الدليلين

[١] لا يقال : ما الفرق بين القسم الثاني من موارد الجمع العرفي حيث يكون مجموع الخطابين قرينة على التصرف في أحدهما المعين والقسم الثالث الذي يكون فيه أحدهما المعين قرينة على الآخر ، ككون خطاب الخاصّ قرينة على المراد الجدّي من العامّ ، وخطاب المقيّد قرينة على المراد من المطلق.

١٠٠