دروس في مسائل علم الأصول - ج ٦

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-62-8
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

العمل لا يختص بالوضوء بل كل فاعل عند العمل الذي يريده لا يترك منه شيئا إلّا مع الغفلة ومثلها كما تقدم صحيحة محمد بن مسلم المروية في آخر السرائر حيث ورد فيها «وكان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك» (١) وأما صحيحة عبد الله بن يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء وإنما الشك في شيء لم تجزه» (٢) فلا ظهور لها في العموم لاحتمال كون المراد بالشيء في القضية الحصرية ما يعتبر في الوضوء والضمير في «لم تجزه» راجع إلى نفس الوضوء ولو بقرينة ما ورد في عدم اعتبار قاعدتي التجاوز والفراغ أفعال الوضوء قبل الفراغ من الوضوء والقيام عنه ، وبعض روايات قاعدة الفراغ في نفسها قاصرة عن العموم كقوله عليه‌السلام «كلّما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فأمضه» (٣) كما ذكرنا ولكن يكفي في الالتزام بعمومها ما ذكرنا.

وأما بالإضافة إلى عموم قاعدة التجاوز وعدم عمومها فالعمدة في قاعدته صحيحة زرارة حيث ورد في ذيلها «إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكك ليس بشيء» (٤) وموردها شاهد قطعي بأن المراد الخروج من محل الشيء ، ولكن قد يقال كما أن موردها قرينة على أن المراد تجاوز محل الشيء كذلك قرينة على كون المراد من الشيء المذكور بنحو النكرة ما هو معتبر في الصلاة من أجزائها أو يعتبر

__________________

(١) السرائر ٣ : ٦١٤.

(٢) الوسائل ١ : ٣٣٠ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل ١ : ٣٣١ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٦.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٣٦ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث الأول.

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

قبلها في كمالها مما أمر به قبلها كالأذان والإقامة ، ومع الإغماض عن ذلك وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع عن تمامية مقدمات الحكمة.

وفيه أن تطبيق الكبرى على موارد الشك في الوجود بعد مضي محلها يعد قرينة على أن المراد من الخروج من الشيء الخروج من موضعها ولا تكون قرينة على أنها مختصة بالشك في الوجود بعد مضي محلها في خصوص تلك الموارد الواردة في السؤال وأن وجود القدر المتيقن بهذا النحو لا يمنع عن انعقاد الظهور الإطلاقي في الكبرى وإلّا بطل التمسك في الإطلاقات الواردة في الجواب عند السؤال عن بعض الموارد والصغريات كما قرر في الاصول ومع الإغماض عن ذلك فقد ورد في صحيحة إسماعيل بن جابر العموم الوضعي قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (١) وقد ذكر في بحث العام والخاص أن أداة العموم بوضعها متكفلة لبيان شمول الحكم الوارد في الخطاب لجميع مصاديق المدخول لا ما احتمله في الكفاية في ذلك البحث أنه لا بد في إثبات المراد من المدخول أولا بمقدمات الحكمة أنه مطلق أو مقيد ثبوتا لتكون الأداة دالة على شمول الحكم في أفراد ذلك المراد حيث إن لازم ذلك كون الإرادة تأكيدا ، وعلى الجملة فقاعدة التجاوز كقاعدة الفراغ عامة ما لم يقم في مورد دليل على إلغائها في ذلك يؤخذ بعمومها ويؤيد عمومها ما ورد في الشك في الطواف بعد الفراغ منه.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٩٣٧ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٤.

٢٢

في اعتبار الدخول في الغير في جريان قاعدة التجاوز أو قاعدة الفراغ أيضا أم لا

ثمّ إنه يبقى الكلام في امور :

منها ـ أنه يعتبر في جريان قاعدة التجاوز الدخول في غير فإنه لا ينبغي التأمل في اعتبار الدخول فيه فيما كان مضي محل الشك بالدخول فيه كمضي محل القراءة في الدخول بالركوع ، وأما إذا لم يتوقف مضيه على الدخول في غير كما إذا شك في الجزء الأخير من العمل بعد فعل المنافي كأن شك في التشهد والتسليمة بعد الحدث أو استدبار القبلة ونحوها فهل تجرى قاعدة التجاوز لعدم اعتبار الدخول في غير أو لا تجري؟ أو فيما إذا شك في العمل بعد مضي الوقت المضروب له كما إذا شك في الإتيان بالصلاة بعد خروج وقتها أو شك في طواف الحج وسعيه بعد مضي ذي الحجة ، وكذا فيما إذا شك في سعيه خاصة بعد مضيه.

فقد يقال باعتبار الدخول في غير المترتب عليه ؛ لأن العمدة في دليل قاعدة التجاوز صحيحة زرارة وصحيحة إسماعيل بن جابر والوارد فيهما «إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره» (١) و «كل شيء مما جاوزه ودخل فيه غيره» (٢) وفي موارد عدم الدخول في غير مع فرض تجاوز المحل لا بد من الأخذ بذيل قاعدة الفراغ بدعوى أن الفراغ يحصل بالإتيان بالفعل المنافي كما يأتي.

ولكن يمكن الجواب بأن ذكر الدخول في غيره في الصحيحتين ؛ لأن الدخول في الجزء المترتب على المشكوك محقق للتجاوز عن محل المشكوك فلا يكون

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٣٦ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل الواقع من الصلاة ، الحديث الأول.

(٢) مرّ تخريجه قبل قليل.

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

القيد أمرا تعبديا بعد ذكر الخروج عن محل الشيء ومضي ذلك المحل فلو فرض تحقق مضي المحل في مورد من غير الدخول في الأمر المترتب عليه يكون ذلك أيضا مجرى قاعدة التجاوز كما إذا شك في الإتيان بالتشهد والتسليمة بعد فعل المنافي أو شك في الواجب بعد انقضاء الوقت المضروب له.

وعلى الجملة : لا يكون الدخول في غير في مورد الصحيحتين قيدا تعبديا زائدا على مضي المحل فلا يكون له ظهور في القيد التعبدي الآخر وراء مضي المحل ليمكن التمسك بإطلاقه هذا كله بالإضافة إلى قاعدة التجاوز ، وأما اعتبار الدخول في غير بالإضافة إلى اعتبار قاعدة الفراغ فلا مجال لدعواه ؛ لأن قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة : «كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو» وقوله عليه‌السلام «حين يتوضأ أذكر» إلى غير ذلك اعتبار مضي نفس العمل والفراغ منه في الحكم بالصحة وتمامية ذلك العمل سواء دخل في غيره من العمل المترتب عليه أم لا.

ودعوى أن الغالب من مضي الشيء والفراغ منه الدخول في غيره مما هو مترتب عليه فيكون الوارد في الروايات من مضي الشيء منصرفا إليه لكون التشكيك في صدق المعنى يوجب الانصراف لا يمكن المساعدة عليها ؛ لأن مجرد الغلبة على تقديرها في أفراد الطبيعي لا يوجب انصراف اللفظ الموضوع للطبيعي إلى تلك الأفراد بل الموجب له غلبة الاستعمال وأرادتها من الطبيعي من غير الإتيان إلّا بنفس اللفظ الموضوع لذلك الطبيعي كانصراف الحيوان إلى غير الإنسان ومجرد التشكيك أيضا لا يفيد شيئا فإن صدق المضي في فرض الدخول في غير وإن كان أوضح إلّا أن ذكر مجرد المضي ما لم يكن في البين ما ذكر مطلق يؤخذ بإطلاقه.

نعم ، ربّما يقال : إن في البين ما يوجب رفع اليد عن الإطلاق واعتبار الدخول

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في غير نظير ما تقدم من القول باعتباره في جريان قاعدة التجاوز وهي صحيحة عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء إنّما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه» (١) ووجه القول المذكور أن قاعدة التجاوز لا تجري في أجزاء الوضوء فالمراد من الشك في شيء من الوضوء مفروض بعد الفراغ عن الوضوء فقوله عليه‌السلام «إذا شككت في شيء من الوضوء» أي بعد مضي الوضوء ودخلت في غير الوضوء فليس شكك بشيء وحيث إن مضي الوضوء لا يتوقف على الدخول في غيره فذكر الدخول في غيره ظاهر في اعتباره في التعبد بقاعدة الفراغ ، ولكن لا يخفى أن صدر الرواية وإن سلم ظهوره في اعتبار الدخول في غير ولكن ذيلها وهو قوله عليه‌السلام «إنما الشك في شيء لم تجزه» ظاهره كفاية مضي الشيء في جريان القاعدة.

وبتعبير آخر ظاهر الصحيحة اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء نظير اعتبارها في أجزاء الصلاة وجعل التسالم وغيره على عدم جريانها في أثناء الوضوء قرينة على أن المراد منها قاعدة الفراغ يستلزم أن يكون القيد الوارد في الصدر بقرينة الحصر الوارد في الذيل قيدا غالبيا أو تحمل الصحيحة على قاعدة التجاوز ، ولكن جريانها في الوضوء مشروط بتجاوز المحل والفراغ من الوضوء بأن كان في قوله عليه‌السلام «إذا شككت في شيء من الوضوء ودخلت في غيره» الضمير في (غيره) يرجع إلى نفس الوضوء لا إلى الشيء المشكوك ومع الإغماض عن ذلك كلّه والإغماض عن إجمال الرواية غايتها اعتبار الدخول في غير في جريان قاعدة الفراغ في الوضوء.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٣٠ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومما ذكر يظهر الحال في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام الواردة في الشك في أجزاء الوضوء قال : «إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حالة اخرى في الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوءه لا شيء عليك فيه فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك فإن لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك وامض في صلاتك» الحديث (١) فإن ذيلها وان كان دالا على عدم اعتبار قاعدة الفراغ في الوضوء قبل صيرورة المكلف في حالة اخرى من صلاة أو غيرها إلّا أن ذكر «حالة اخرى» من القيد الغالبي لكون الشيء في الوضوء يحصل غالبا بعد مدة بحيث يكون المكلف داخلا في حالة اخرى.

وبتعبير آخر قوله عليه‌السلام «فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حالة اخرى» تفريع على القضية الشرعية الواردة في صدر الصحيحة من قوله عليه‌السلام «إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر ...» الخ فإن مفاد هذه الشرطية الاعتناء بالشك في الوضوء ما دام قاعدا فيه فالعبرة في لزوم الاعتناء بالشك عدم الفراغ من الوضوء وما دام قاعدا فيه والمذكور في الشرطية المتفرعة على هذا الشرطية من المفهوم والقيد الزائد فيه غير دخيل في الحكم وإنما أتى به باعتبار الغلبة ونحوها وعلى تقدير الإغماض عن ذلك وتسليم ظهورها في اعتبار الدخول في حالة اخرى فلا يعتبر ذلك

__________________

(١) التهذيب ١ : ص ١٠٠.

٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في غير الوضوء ثمّ إنه بناء على اعتبار الدخول في غير في جريان قاعدة التجاوز دون قاعدة الفراغ أنه لو شك في الجزء الأخير من العمل الارتباطي كما إذا شك في الإتيان بالتشهد والتسليمة من الركعة الأخيرة لا مجرى لقاعدة التجاوز سواء كان الشك بعد الدخول في مثل التعقيب مما يستحب فعله بعد تمام الصلاة أم لا وسواء كان الشك قبل فعل المنافي أم بعده فإنه إذا كان الشك قبل الدخول في التعقيب وقبل فعل المنافي فالأمر ظاهر لعدم مضي محلّ التشهد والتسليم وعدم الدخول في غير وكذا إذا كان الشك بعد الدخول في التعقيب وقبل فعل المنافي فإنه مع الشروع في التعقيب لا يتحقق مضي محل التشهد والتسليم ؛ لأنه لم يعتبر في التشهد والتسليم وقوعهما قبل التعقيب بل المعتبر في التعقيب أن يكون بعد الفراغ من الصلاة نظير ما تقدم من أنه لم يعتبر في الوضوء وقوعه قبل الصلاة بل المعتبر في الصلاة أن تكون بعد الوضوء بل ولا تجري قاعدة التجاوز مع فعل المنافي أيضا فإنه اعتبر التشهد والتسليم في الصلاة بعد السجدتين من غير صدور المنافي إلى إتمامها فيوجب وقوعه بطلانها عمدا كان أو سهوا ولذلك يمضي محل التشهد والتسليمة مع صدوره إلّا أن المكلف لم يدخل في الغير والمفروض اعتبار الدخول في غير في جريانها نعم يجري في الفرض بعد فعل المنافي قاعدة الفراغ حيث إن المعتبر في جريانها مضي الشيء بحيث لو أحرز الخلل فيه وجب تداركه بالإعادة أو القضاء والمضي كذلك حاصل في الفرض ، ومع الشك في الخلل يحكم بصحة العمل وتماميته.

وقد يقال كما عن المحقق النائيني قدس‌سره أن المراد بالفراغ في قاعدته مضي معظم العمل ومع الدخول في التعقيب أيضا ولو قبل فعل المنافي يصدق الفراغ بهذا المعنى ، ولكن قد تقدم أن ظاهر ما ورد في قاعدة الفراغ مضي نفس العمل والشك

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

في صحته وفساده فما دام محل الجزء الأخير باقيا لا يحرز مضي نفس العمل بل يحتمل ، كما أنه قد يقال لا يعتبر في جريان قاعدة الفراغ الفراغ الحقيقي بل يكفي الفراغ الاعتقادي ، وما دام المكلف لم يعتقد تمام العمل لا يشرع في التعقيب فيكون مجرد الاشتغال بالتعقيب كافيا في جريان قاعدة الفراغ.

وفيه أيضا ظاهر مضي العمل والشك بعد مضيه وأن يكون الشك بعد العمل بحيث لو علم الخلل لزم تدارك ذلك العمل إما بالإعادة أو قضاء النقص ، ومجرد الاعتقاد بالفراغ من العمل مع بقاء محل المشكوك لا يوجب صدق المضي والاعتقاد بالفراغ والمضي مع عدمهما ليس فراغا ولا مضيا. نعم ، لا ينحصر صدق المضي على موارد يوجب الخلل بطلان العمل رأسا كما هو ظاهر كلام بعض الفحول قدس‌سره.

وعن المحقق النائيني قدس‌سره جريان قاعدة التجاوز أيضا ولو قبل فعل المنافي إذا شك في الجزء الأخير مع الاشتغال بالتعقيب ؛ لأن قوله قدس‌سره في الحكم بتحقق الأذان بعد الدخول في الإقامة شاهد بأنه لا يلزم أن يكون غير ـ الذي اعتبر الدخول فيه في جريان قاعدة التجاوز ـ من أجزاء العمل وفيه ما لا يخفى فإنه قدس‌سره اعتبر في جريان قاعدة التجاوز مضي المحل والدخول في غير ، ومع عدم مضي محل الشيء كيف تجري قاعدة التجاوز واستشهاده بما ورد في صحيحة زرارة بالشك في الأذان والإقامة غير صحيح ؛ لأن المعتبر في كمال الصلاة أن يكون الأذان قبل الإقامة والإقامة بعد الأذان فمع الاشتغال بالإقامة ينقضي محل الأذان بخلاف التشهد والتسليم بالإضافة إلى التعقيب فإنه لا يعتبر في كمال الصلاة وقوعها قبل التعقيب بل يعتبر في التعقيب أن يكون بعد الصلاة.

وقد تحصل مما ذكرنا أن محل الجزء الأخير من المركب الارتباطي هو بعد

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الإتيان بسائر الأجزاء وأن لا يقع إلى تمام ذلك الجزء ما يعد مانعا من ذلك العمل كما تقدم ذلك في ركعات الصلاة أيضا من أن محل الركعة الأخيرة من صلاة بعد الإتيان بغيرها من الركعات وأن لا تقع إلى تمامها ما ينافي الصلاة من فوات الموالاة أو وقوع الحدث أو الاستدبار إلى القبلة أو غير ذلك بل وحتى ما إذا تكلم باعتقاد الفراغ ثمّ شك في أنه تشهد وسلم قبله أم لا فلا يجب عليه قضاء التشهد ، ولا سجدتا السهو ، ولا العود إلى التشهد والتسليم ؛ لأن مضي محل الشيء المشكوك غير محله عند إحراز نسيانه.

وعلى الجملة : لو بنى على الاكتفاء في جريان قاعدة التجاوز على مضي المحل من غير اعتبار الدخول في غير جرت القاعدة فيما إذا شك في الجزء الأخير من العمل بعد فعل المنافي الموجب للتدارك بالإعادة أو تدارك النقص بعنوان القضاء ونحوه وإلّا يحكم بتمام العمل بقاعدة الفراغ حيث يكفي في جريانها صدق مضي العمل بحيث يكفي في مضيّه أنه على تقدير الخلل فيه يحتاج إلى الإعادة أو التدارك بقضاء الجزء ونحوه على ما تقدم.

عدم جواز الاكتفاء في جريان قاعدة التجاوز بالدخول في الجزء المستحب وجواز الاكتفاء بالدخول في جزء الجزء

ثمّ إنه هل يعتبر في غير الذي يعتبر الدخول فيه عند الشك في غير الجزء الأخير من العمل أن يكون من الأجزاء المستقلة لذلك العمل أو يشمل جزء الجزء أيضا ، وعلى تقدير الشمول يختص الشمول بأجزاء الحمد والسورة أو يشمل الدخول في مقدمات الأجزاء أيضا كما إذا شك في القراءة عند الهوي إلى الركوع ولما وصل إلى حده أو شك في الركوع عند الهوي إلى السجود ولم تصل مساجده إلى الأرض أو شك في السجود حال النهوض إلى القيام ، وهل يشمل غير الأجزاء

٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المستحبة كما إذا شك في قراءة السورة حال القنوت؟ لا ينبغي التأمل في أنه لا يشمل الدخول في الأجزاء المستحبة نظير الشك في قراءة السورة حال القنوت أو الشك في الإتيان بالذكر الواجب للركوع والسجود حال الاشتغال بالصلاة على النبي وآله بناء على استحبابها بعد الذكر الواجب فيهما والوجه في ذلك أن القنوت والصلاة على النبي وآله مقيدتان بكونهما بعد قراءة السورة والإتيان بالذكر الواجب في الركوع والسجود لا أن قراءة السورة مقيدة بكونها قبل القنوت أو الذكر الواجب في الركوع ، والسجود مقيد بكونه قبل الصلاة على النبي وآله ؛ لأن أجزاء الصلاة من الأركان وغيرها يتعلق بها تكليف واحد ، ومقتضى ذلك كونها ارتباطية ، وكون كل جزء منها مشروطا بوقوعه قبل الجزء التالي ، والتالي مشروطا بوقوعه بعد السابق ولو كان شيء مشروطا بوقوعه بعد جزء ولم يكن ذلك الجزء مشروطا بوقوعه قبل ذلك الشيء فلا يتحقق وجوب واحد بل يكون في البين تكليفان أو وجوب واستحباب كما هو الحال بالإضافة إلى اشتراط صلاة العصر بكونها بعد صلاة الظهر ، ولا يعتبر في صلاة الظهر أن تكون قبل صلاة العصر ، والجزء المستحب في الحقيقة غير جزء من الواجب وكونه جزءا منه في الحقيقة غير معقول فإن لازم كونه جزءا من الواجب أخذه فيه ، ولازم كونه مستحبا عدم أخذه في متعلق ذلك الواجب ، وكل ما يطلق عليه الجزء المستحب في الحقيقة مستحب نفسي يكون ظرف الإتيان به في ضمن الواجب غاية الأمر ربّما ليس له ملاك مستقل بل ملاكه الزيادة في ملاك الواجب.

وبهذا الاعتبار يطلق عليه الجزء المستحب وإلّا يكون كالأدعية المستحبة للصائم في شهر رمضان من ترتب ملاك مستقل عليه إذا صدرت عن الصائم كما يحتمل ذلك بالإضافة إلى القنوت في الصلاة ، وقد تقدم أن قوله عليه‌السلام في صحيحة

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

زرارة بعدم اعتبار الشك في الأذان بعد الشروع في الإقامة لا يدلّ على كفاية الدخول في المستحب المترتب على المشكوك كترتب القنوت على قراءة السورة ؛ لأن الأذان للصلاة أيضا مقيد بوقوعه قبل الإقامة لها وإلّا فلا دليل على مشروعية الأذان للصلاة بلا إقامة.

وعلى الجملة : الدخول فيما يسمى بالجزء المستحب للعمل لا يوجب تجاوز المحل المشكوك لعدم تقييد الجزء المشكوك بوقوعه قبل ذلك المستحب بل ما يسمى بالجزء المستحب مقيد بوقوعه بعد ذلك الجزء المشكوك.

عدم الاكتفاء في جريان قاعدة التجاوز بالدخول في مقدمة الجزء اللاحق

ومما ذكرنا يظهر الحال في الدخول في مقدمة الجزء اللاحق للعمل كما إذا شك عند الأخذ بالهوى إلى الركعة اللاحقة في سجود الركعة السابقة أو شك في الركوع عند الأخذ بالهوي إلى السجود فإن الأخذ بالقيام أو الهوي إلى السجود غير داخل في الصلاة بل هما أمران قهريان لامتناع الطفرة ، وأخذهما في متعلق الأمر بالصلاة لغو وعليه فلا يوجب الدخول في الهوي تجاوز محل الجزء السابق المشكوك لتجري فيه قاعدة التجاوز ، وأما ما ذكر الشيخ قدس سرّه في وجه عدم كفاية الدخول في مقدمة الجزء اللاحق في جريان القاعدة من أن الشارع قد حدد (غير) في أجزاء العمل دون مقدمات الأجزاء كما في صحيحة زرارة فلا يمكن المساعدة عليه فإن قوله عليه‌السلام بأن الشك في الركوع بعد السجود بيان الصغرى للكبرى الواردة في تلك الصحيحة أو غيرها والعبرة بعموم الكبرى إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره ولو كان الدخول في غير الجزء موجبا لانقضاء محل المشكوك أخذ بالعموم في الكبرى لا لما ذكر من الصغريات قبل الكبرى.

وربّما يفصل في المقام بين الشك في الركوع بعد الأخذ بالهوي للسجود فيقال :

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يعتني بالشك في الركوع ، وبين الأخذ بالقيام إلى الركعة عند الشك في السجود فيقال : بلزوم الاعتناء وأورد على التفصيل بأنه لا وجه له ؛ لأنه إن جرت قاعدة التجاوز جرت في كلا الفرضين ، وإن لم تجر فلم تجر في كلا الفرضين فالتفكيك غير صحيح ، ولكن عدم صحة التفصيل إنما هو بملاحظة قاعدة التجاوز في كلا الموردين وأما إذا قام في أحد الفرضين نص على خلاف القاعدة يلتزم بمدلوله ؛ لأن القاعدة لا تزيد على سائر العمومات والمطلقات التي يرفع اليد عن عمومها أو إطلاقها بورود الخاص أو المقيد على الخلاف والتفصيل بينهما مدركه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لا قال : قد ركع» (١) فاستظهر من هذه الصحيحة عدم الاعتناء بالشك في الركوع بالأخذ بالهوي إلى السجود ، ولكن لا يخفى أن ظاهر أهوى إلى السجود تحقق الهوى وانقضاؤه بوصوله إلى السجود فإنه فرق بين التعبير ب (يهوى) والتعبير ب (أهوى) فلا دلالة في الصحيحة على خلاف القاعدة بل ربّما يقال : إنه إذا شك في السجود بعد الدخول في التشهد لا بد من الاعتناء ويستظهر ذلك من صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (٢) ووجه الاستظهار لم يفصل عليه‌السلام بين بعد ما قام من الركعة الأولى أو الثانية ومقتضى إطلاقها عدم الفرق ، ولكن لا يخفى أن الشك في السجود

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٩٣٧ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٦.

(٢) المصدر السابق : الحديث ٤.

٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد تحقق القيام مورد لقاعدة التجاوز وأما الشك في السجود بعد الدخول في التشهد لم يفرض لا في منطوق القضية الشرطية ولا في ناحية مفهومها فإن مفهومها إن لم يشك بعد ما قام لا أنه شك قبل ما قام في التشهد فالشرطية سيقت لتحقق الشك بعد ما قام فمفهومها إن لم يشك بعد ما قام مع أنا قد ذكرنا أن المعيار في جريان القاعدة الكبرى الواردة في الصحيحة لا بيان الصغريات وإذا شك الرجل في السجود بعد الدخول في التشهد فقد جاوز محل السجود ودخل في غير المشكوك.

والمتحصل مما ذكرنا أنه لم يثبت تعبد في الشك في الركوع والسجود على خلاف قاعدة التجاوز كما ظهر منه أنه لو رفع رأسه من الركوع وانتصب قائما ثمّ شك في أنه وصل إلى حدّ الركوع ثمّ انتصب قائما أو أنه انتصب قبل أن يصل إلى حدّ الركوع يبني على أنه ركع ؛ لأن محل الركوع قبل الانتصاب قائما بخلاف ما إذا كان قائما فشك أنه قيام ما قبل أن يركع أو أنه قيام ما بعد الركوع فإنه يرجع ويركع لعدم إحراز مضي محل الركوع وكون قيامه بعده.

عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء قبل الفراغ منه

بقي في المقام امور :

منها ـ أنه قد ذكروا عدم جريان قاعدة التجاوز في أجزاء الوضوء ما دام لم يفرغ منه ، وهذا الحكم متسالم عليه بين الأصحاب وألحق جماعة الغسل والتيمم به بل الإلحاق منسوب إلى المشهور ، ولكن لم يتعرض لذلك كثير من الأصحاب فدعوى الشهرة لا تخلو عن التأمل بل المنع ، ويستدل على ذلك تارة باختصاص قاعدة التجاوز في أجزاء العمل بالصلاة فلا تجري في أجزاء غيرها ومنه الطهارات الثلاث ،

٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد تقدم عموم قاعدة التجاوز وعدم اختصاصها بالصلاة ، واخرى ما عن الشيخ قدس سرّه بأن الشرط في الصلاة وغيرها مما هو مشروط بالطهارة من الحدث في الحقيقة الطهارة المسببة من الوضوء أو الغسل أو التيمم وإذا شك في شيء من الوضوء والغسل والتيمم أثناء العمل يكون الشك في الطهارة قبل تجاوز محلها ، وهذا نظير ما يقال من عدم جريان أصالة البراءة عند الشك في اعتبار شيء في الوضوء أو الغسل أو التيمم حيث إن التعبد بالصلاة المقيدة بالطهارة من الحدث محرز ويجب إحراز الإتيان بها وليس متعلق التكليف مرددا بين الأقل والأكثر بل متعلقه على كل تقدير صلاة مقيدة بالطهارة فلا بد من إحراز حصولها.

وبتعبير آخر يكون الوضوء باعتبار مسببه أمرا واحدا لا يتجاوز من شيء منه قبل الإتيان بجزئه الأخير.

أقول : قد ذكرنا في بحث الفقه من مبحث الوضوء أن ظاهر الخطابات الشرعية أن الطهارة عنوان لنفس الوضوء بعد الحدث الأصغر لا أنها أمر واقعي مسببة وإلّا فلو قيل بأن الشرط للصلاة ونحوها هي الطهارة المسببة فلا بد في إحرازها من إحراز الوضوء أو الغسل والتيمم بالوجدان فلا مجرى لقاعدة التجاوز ولا لقاعدة الفراغ حتى بعد الفراغ منها لعدم مضي محل الطهارة بمجرد الإتيان بالجزء الأخير من الوضوء أو الغسل أو التيمم ولا يحرز أصل الطهارة لتجري قاعدة الفراغ في صحتها ؛ لأن المفروض أن الطهارة أمر واقعي بسيط أمرها مردد بين الوجود والعدم ولا يجدي في الخروج عن الإشكال دعوى كون الوضوء من أوله إلى آخره عملا واحدا وإذا شك بعد الفراغ منه جرت قاعدة التجاوز حيث إن بالقاعدة لا تحرز تحقق المسبب.

نعم ، إذا كانت الطهارة أمرا اعتباريا مترتبة على الوضوء والغسل والتيمم أمكن

٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

القول بأن تعبد الشارع بحصول أجزاء الوضوء أو تمام الغسل والتيمم تعبد بحصول ذلك الأمر الاعتباري حيث إن ترتبه عليها نظير التعبد بالحكم الوضعي بالتعبد لموضوعه وأما إذا لم يحصل الفراغ من الوضوء أو الغسل أو التيمم لم يقع فيها تعبد وعلى القائل بذلك لا بد من أن يقيم دليلا على أن الإطلاق في دليل قاعدة التجاوز وكذا قاعدة الفراغ بل عمومها مقيد أو مخصص في الطهارات الثلاث أي الوضوء والغسل والتيمم ، كما أن من يقول بأن الطهارة عنوان لنفس الوضوء والغسل والتيمم فلا بدّ له من إقامة الدليل على التقييد والتخصيص وإلّا فالإطلاق والعموم في دليل القاعدتين متحقق والعمدة في المنع عن جريان قاعدة التجاوز بل الفراغ في أجزاء الوضوء روايتان :

إحداهما ـ صحيحة عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه» (١) ولكن يمكن أن يقال هذه الصحيحة لا تنافي اعتبار قاعدة التجاوز والفراغ في أجزاء الوضوء حيث إن الضمير في غيره يرجع إلى غير المشكوك من أجزاء الوضوء كما أن الضمير في الحصر الوارد في الذيل يرجع إلى نفس الشيء المشكوك غاية الأمر هذه الصحيحة بهذا الظهور تنافيها صحيحة زرارة التي هي الرواية الثانية.

والاخرى ـ ومدلولها أن المكلف ما دام قاعدا في الوضوء ولم يفرغ منه فعليه أن يعتني بشكه ويتدارك المشكوك وإذا فرغ منه وقام فلا يعتني بشكه (٢).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣.

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : فلو أمكن توجيه صحيحة عبد الله بن أبي يعفور بحيث لا تنافي الصحيحة بإرجاع الضميرين فيها إلى الوضوء وغير الوضوء تكون عمدة الدليل على عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء قبل الفراغ ومضيّه هي صحيحة زرارة ولا دلالة فيها ولا في صحيحة عبد الله بن أبي يعفور على التعرض لحال الشك في الغسل أو التيمم قبل الفراغ منهما أصلا فيؤخذ فيهما بالإطلاق أو العموم المشار إليهما في خطابات القاعدتين. نعم ، لا يتحقق تجاوز المحل بالإضافة إلى الجزء الأخير من الغسل لعدم اعتبار الموالاة بل بالإضافة إلى غسل اليمين واليسار أيضا بناء على عدم اعتبار الترتيب بينهما ، نعم بالأخذ بقاعدة الفراغ بعد تمام المشروط بالغسل كالصلاة يحكم بصحة ذلك المشروط.

وقد يقال : عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء عند الشك في أجزائها قبل الفراغ وكذا عدم جريان قاعدة الفراغ في الشرط في ناحية أجزائها يختص بالشك في أجزائه التي سماها في الكتاب المجيد وكذلك الشرط الوارد فيه من كونه بالماء ، وأما إذا شك في غيرها وشرط غير الماء فلا مانع عن التمسك بقاعدة التجاوز والفراغ ؛ لأن الخارج عن القاعدتين ما ورد في صحيحة زرارة والوارد فيها ما ذكر من الأجزاء والشرط الوارد في الكتاب المجيد.

أقول : هذا مبني على عدم دلالة صحيحة عبد الله بن أبي يعفور على عدم اعتبار قاعدة التجاوز عند الشك أثناء الوضوء ، وكذا عدم اعتبار قاعدة الفراغ في صحة أجزاء الوضوء قبل الفراغ منه وإلّا يؤخذ بإطلاقها وما ورد في صحيحة زرارة من تقييد المشكوك بما سمى الله من أجزائه لا يحسب تقييدا ليرفع اليد به عن الإطلاق في صحيحة ابن أبي يعفور لكون الغالب على الشك في الوضوء الشك في

٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

غسل بعض مواضع الوضوء الواردة في الكتاب المجيد.

أضف إلى ذلك أن التفرقة بين الشرط الوارد في الكتاب المجيد لكونه بالماء ، والوارد في غيره كالشك في طهارة الماء أو رعاية الترتيب في الغسل وغير ذلك مما استفيد من السنة بعيد كما يفصح عن ذلك عدم معهودية هذا التفصيل بين الأصحاب وكون ما ورد في الكتاب فريضة والمستفاد من غيره سنة لا يوجب الاختلاف لجريان قاعدة التجاوز في أجزاء الصلاة والحج وغيرهما من العبادات وكذا قاعدة الفراغ بلا فرق بين استفادة الجزئية والشرطية من الكتاب أو السنة هذا ، بالإضافة إلى الوضوء.

في جريان قاعدة التجاوز والفراغ في الغسل

وأما بالإضافة إلى الغسل فالمستفاد من ذيل صحيحة زرارة أن المكلف إذا دخل في صلاته وشك في غسل موضع من جسده فإن كان بالموضع بلّة يمكن غسل ذلك الموضع بالمسح عليه بتلك البلة مسحة واستأنف الصلاة ، وإن لم تكن بلة بالموضع بأن يبست أعضاء بدنه فليمض في صلاته ومقتضاها جريان قاعدة الفراغ أو التجاوز في غسل الموضع المشكوك فإنه روى عن أبي جعفر عليه‌السلام قلت له : رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة ، فقال : «إن شك وكانت به بلّة وهو في صلاته مسح بها عليه ، وإن كان استيقن رجع فأعاد عليهما ما لم يصب بلّة فإن دخله الشك وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شيء عليه وان استيقن رجع فأعاد عليه الماء وإن رآه وبه بلة مسح عليه وأعاد الصلاة باستيقان وإن كان شاكا فليس عليه في شكه شيء فليمض في صلاته» (١) ومقتضاه عدم جريان شيء من

__________________

(١) الوسائل ١ : ٥٢٤ ، الباب ٤١ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قاعدة الفراغ والتجاوز عند الشك قبل الدخول في الصلاة أو غيرها مما يعتبر فيه الطهارة وجريانهما بعد الدخول في الصلاة ونحوها إذا لم يكن في البين بلة يمكن غسله واستيناف الصلاة بعده ، وعدم الجريان قبل الدخول في المشروط بالطهارة على القاعدة عند الشك في أيّ موضع من الجسد بناء على عدم الترتيب بين غسل اليمين والشمال لعدم مضي محل الغسل لعدم اعتبار الموالاة لا بين غسل الرأس والرقبة وبين الجسد ولا في غسل نفس العضو فمحل الغسل الشرعي عند الشك لم يتجاوز منه ، ولا تجري قاعدة الفراغ ؛ لأن الشك في نفس الجزء الأخير من الغسل والجزء الأخير لا ترتيب في غسله ولكن جريانهما بعد الدخول في الصلاة أيضا كذلك فإن الصلاة مشروطة بوقوعها بعد الغسل ، ولا يعتبر في الغسل وقوع الصلاة بعده وجريان قاعدة الفراغ في نفس الصلاة مع وقوع الشك في أثنائها غير ممكن ؛ لأنه لا تثبت صحة الأجزاء اللاحقة من الصلاة وأنها واجدة للطهارة المعتبرة والالتزام بأنه يكفي في جريان قاعدة التجاوز مجرد الدخول فيما هو مترتب عليه كترتب التعقيب على التشهد والتسليم أو ترتب الصلاة على الوضوء والغسل قد تقدم ما فيه من عدم صحة الالتزام ؛ لأن الظاهر من قوله عليه‌السلام : «إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره» الخروج من موضعه المقرر شرعا ولكن لا يبعد الالتزام بهذا الحكم المخالف لقاعدتي التجاوز والفراغ ، وظاهر الصحيحة كما ترى الحكم بتمام الغسل إذا دخل في الصلاة وحصل الشك بعد الدخول وعدم بقاء البلة في البين فلا يحتاج إلى استيناف الصلاة كما لا نحتاج إلى تدارك غسل ما بقي الشك في غسله مع أن مقتضى القاعدة تدارك غسل الموضع المشكوك ، واستيناف الصلاة نعم ، لو حصل هذا الشك بعد الإتيان بالصلاة أو غيرهما مما هو مشروط بالطهارة يحكم بصحة تلك

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة ولكن يجب تدارك غسل الموضع لجريان قاعدة الفراغ في ناحية نفس الصلاة ومقتضى الاستصحاب الجاري في ناحية عدم غسل ذلك الموضع تدارك غسله ، وهذا الاستصحاب وإن سقط اعتباره بالإضافة إلى الصلاة التي فرغ عنها ؛ لحكومة قاعدة الفراغ ، ولكنه يجري بالإضافة إلى الصلاة الآتية بل إذا أحدث بالأصغر قبلها يجب الجمع بين إعادة الغسل والوضوء لحدوث العلم الإجمالي باعتبار الغسل أو الوضوء للصلاة الآتية كما أوضحناه في بحث الفقه في مسائل الجنابة.

ومنها ـ ما أشرنا إليه في المباحث السابقة من أن المراد من التجاوز في قاعدة التجاوز مضي المحل الشرعي للمشكوك ، ولا يكفي مضي المحل العادي سواء كانت العادة شخصية أو نوعية وذلك فإنه إذا قرر الشارع للشيء محلا بحيث يمكن الإتيان به فيه لم يصدق التجاوز والخروج من محله والدخول في غيره مثلا إذا شك المكلف في غسل جانبه الأيسر بعد خروجه من الحمام فلا يمكن له البناء على تمام الغسل مع بقاء محله الشرعي ولو لم يكن هذا ظاهر التجاوز عن موضع الشيء والخروج منه فلا أقل من عدم إحراز الإطلاق فيهما الواردين في صحيحتي زرارة وإسماعيل بن جابر وهذا بخلاف الشك في مسح رأسه ورجليه في الوضوء فإنه مع فقد المولاة بيبس أعضاء الوضوء والشك عنده يحكم بصحة الوضوء بلا فرق بين أن يكون الشك في مسح الوضوء في أثناء الصلاة أو بعد انقضائها ولعله إلى ذلك يشير قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك وإن لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك فامض في صلاتك» (١) فإنه مع

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠٠.

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم بقاء البلل حتى في لحيته يصدق عنوان مضي الوضوء فيحكم بتمامه بقاعدة الفراغ بل بقاعدة التجاوز أيضا فإن محل المسح قبل انقضاء البلل والدخول في غير غير معتبر إلّا من حيث انقضاء المحل.

لا يقال : يمكن أن يقال : بجريان قاعدة الفراغ فيما إذا شك في الإتيان بالجزء الأخير من الشيء مع بقاء محله الشرعي وانقضاء محله العادي كما إذا شك بعد الخروج من الحمام في غسل شيء من جانبه الأيسر أو من جانبه الأيمن بناء على عدم الترتيب بين غسل الجانبين. والوجه في ذلك أن المستفاد من حسنة بكير بن أعين أن عدم الاعتناء بالشك بعد العمل لعدم اعتبار احتمال الغفلة حال العمل حيث ورد فيها قلت له : الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال : «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (١) وإذا كان المكلف بحيث لا يترك الشيء من العمل في محله العادي إلّا لغفلة يكون مقتضى التعليل في الحسنة يعمه فإن المغتسل في الحمام لا يترك غسل شيء من جانبه الأيسر أو الأيمن إلّا بالغفلة ، والغفلة حال العمل ملغاة.

فإنه يقال : التعبد بالغلبة المشار إليها وقع فيما إذا كان الشك بعد مضي العمل والفراغ منه أو مضي محله الشرعي لا مطلقا ولا يحرز مضي العمل والفراغ منه إلّا بعد الإتيان بجزئه الأخير أو حدوث ما لا يمكن معه إتمام العمل بأن يمضي محله الشرعي بحيث لزم تدارك الخلل بعد العمل بالقضاء أو إعادة نفس العمل وكذا لا تجري قاعدة التجاوز أيضا مع انقضاء المحل العادي شخصيا كان أو نوعيا مع بقاء المحل الشرعي.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٣١ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

٤٠