دروس في مسائل علم الأصول - ج ٦

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-62-8
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أو إبرائه المديون عن الدين ، ولكن لا يخفى ما فيه فإن الصحة المترتبة على فعل البائع وهو الإيجاب هي الصحة التأهلية لا الصحة الفعلية بمعنى أنه لو وقع قبول الإيجاب ممن هو سلطان على قبوله تم البيع ، وأما إنه وقع القبول كذلك أم لا فلا يثبت لصحة الإيجاب فالتفصيل على فرض عدم الجريان عند الشك في القابلية لا أثر له لا يقال : إذا جرت أصالة الصحة في فعل البائع يمكن تصحيح الشراء أيضا بقاعدة الفراغ فإن الشراء فعل نفس الشاك ولا يعتبر في جريان قاعدة الفراغ إلّا مضي نفس العمل والشك في صحته بعد ذلك ، وإذا أحرز صحة فعل نفسه والمفروض إحراز فعل البائع يحقق الموضوع للصحة الفعلية فإنه يقال : لا يثبت بلوغ المشتري لا بأصالة الصحة في فعل البائع ولا بقاعدة الفراغ لعدم اعتبار الأصل المثبت والشك في الصحة ناش من الشك في البلوغ على ما تقدم في بيان الفرق بين قاعدة التجاوز والفراغ وقاعدة الفراغ ، تتكفل لإحراز العمل الصحيح في مقام الامتثال لا لإثبات الحكم وإحرازه بإحراز الموضوع.

وعلى الجملة : قاعدة اليد الجارية على المال الذي بيده مقتضاها كونه ملكا له فلا تصل النوبة إلى أصالة عدم وقوع الشراء على ذلك المال : لأنه لا يترتب عليه إلّا عدم كونه مالكا لذلك المال فتكون قاعدة اليد حاكمة عليها والعجب من الشيخ قدس‌سره حيث يلتزم في بعض الامور الآتية أن أصالة الصحة في الإيجاب لا تثبت وقوع القبول.

جريان أصالة الصحة في الأفعال التي عناوينها قصدية

الرابع ـ هو أن جريان أصالة الصحة في عمل غير ينحصر في ما إذا أحرز أصل صدور العمل عن غير وكان الشك في صحته وفساده ، وأما إذا لم يحرز أصل العمل فلا موضوع لأصالة الصحة ، وعلى ذلك لو وقع الشك في زوال عين النجاسة عن

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

الثوب الذي غسله غير لا تجري أصالة الصحة في غسله فإن مع احتمال بقاء العين لا يحرز غسل موضعها بخلاف ما إذا أحرز زوال العين ، ولكن شك في طهارة الثوب ونجاسته للشك في ورود الماء على الثوب المتنجس أو وروده على الماء القليل المغسول به فإنه لا بأس بأصالة الصحة ، ونظير ما ذكر ما إذا شك في كون الصادر عن غير بقصد النيابة عن غير أم لا فإن قصد النيابة يوجب استناد الفعل إلى المنوب عنه وأصالة الصحة لا تثبت حصول ما كان على المنوب عنه ولذا يتعين إحراز صدور الفعل عن الأجير بقصد النيابة في القضاء عن المنوب عنه ولو كان الإحراز بإخبار الأجير إذا كان ثقة وكذا بإخبار غاسل الثوب بإزالة العين.

نعم ، بعد إحراز أن فعل الأجير وصدور العمل عنه بقصد النيابة يحمل عمله على الصحيح إذا كان ممن يحتمل في حقه علمه بالصحيح والفاسد بخلاف ما إذا لم يعلم صدور الفعل عنه بقصد النيابة فإنه لا مجرى لأصالة الصحة مع عدم العلم بصدور العمل بقصدها.

وعن الشيخ قدس‌سره أن ما يأتي به الشخص من العمل الذي على عهدة غير كالصلاة عن الميت لها جهتان : إحداهما ـ أن ما يأتي به هو العمل على غير ، والاخرى ـ أنه عمل المباشر ، وللفعل المأتي به آثار الجهتين مثلا يراعي في صلاته عن الميت ما على الميت من القصر والتمام ، ومن حيث إنها فعله يراعي وظيفة الجهر والإخفات والستر وترك لبس الحرير وعلى ذلك فإن شك في قصده النيابة لا يترتب عليه سقوط ما كان على الميت وإن يستحق الاجرة بمقتضى أصالة الصحة ، ولكن لا يخفى ما في تفكيكه قدس‌سره بين استحقاق الاجرة وسقوط ما على المنوب عنه فإنه مع إحرازه قصد النيابة لا يحرز تسليم العمل المستأجر عليه حتى يستحق المطالبة بالاجرة.

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وبتعبير آخر أصالة الصحة في عمل النائب لا تثبت وقوعه بقصد النيابة عن غير واستحقاق الاجرة مترتب على وقوعه صحيحا بقصد النيابة ، وما دام لم يثبت ذلك فلا يستحق الاجرة ثمّ إن وقوع العمل منه بقصد النيابة أم لا ، لا يعلم إلّا من قبل العامل نوعا ولا سبيل للغير إلى العلم بقصده فهل يكتفي في إحراز ذلك مجرد أخباره بوقوع العمل بقصدها على ما هو المعروف في الألسنة أن كل ما لا يعلم إلّا من قبل الشخص يقبل قوله فيه ، أو لا بد من إحراز ثقته أو عدالته حتى يقبل قوله فيه ، وقد أشرنا إلى كفاية إخباره إذا كان ثقة ولا تعتبر العدالة حيث إن مقتضى السيرة العقلائية الاكتفاء بخبر الثقة في مثل هذه الموارد وأما ما هو معروف في الألسنة فلا دليل عليه على عمومه.

نعم : قام الدليل في بعض الموارد على قبول قول الشخص فيه من غير اعتبار كونه ثقة كقبول قول المرأة في حيضها وطهرها وكونها معتدة أو انقضت عدتها ، وأما بالإضافة إلى الأفعال التي لا تكون عناوينها قصدية ومع ذلك يتصف الفعل بالصحة تارة وبالفساد اخرى فالحمل على الصحة فيها فيما إذا احرز أو احتمل أن الفاعل يعلم الصحيح منه والفاسد أو احتمل ذلك في حقه على ما تقدم فإنه مع هذا الفرض في مورد يحمل فعله على الصحيح ، وعلى ذلك فإن علم أن غاسل الثوب لا يعلم نجاسته أو لا يعلم كيفية تطهيره من نجاسة البول مثلا فلا مورد لأصالة الصحة ، وهل يعتبر في الحمل على الصحة مضافا إلى ما ذكر إحراز أن الفاعل يريد الفعل الصحيح؟ كما إذا كان للفعل عنوانان كغسل الثوب المتنجس فإنه ينطبق عليه عنوان الغسل وعنوان التطهير إذا روعي في الغسل شرائط التطهير فهل يكتفي في الحمل على الصحة ما إذا احرز أن الفاعل قصد غسله أو يعتبر إحراز قصده عنوان التطهير فإن لم يحرز ذلك فلا تجري أصالة الصحة ؛ لأن الدليل على اعتبارها هي السيرة

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المشار إليها ولم يحرز ثبوتها مع عدم إحراز العنوان الثاني كما إذا احتمل أن الفاعل ممن لا يبالي بوقوع الفعل صحيحا أو فاسدا ولا يبعد أن يكون إحراز السيرة في خصوص إحراز قصد الصحيح في الموارد المذكورة.

الخامس ـ ذكر الشيخ قدس‌سره أن مقتضى أصالة الصحة في عمل تحققه واجدا لما يعتبر في ترتب الأثر المقصود منه مثلا صحة الإيجاب كونه بحيث إن تحقق معه قبول مع سائر ما يعتبر في ترتب الأثر المرغوب منه ترتب ذلك الأثر من انتقال المالين في البيع والإجارة ونحوهما والزوجية في النكاح إلى غير ذلك ولو شك في كون الصادر عن الموجب فاسد بمعنى عدم كون إيجابه واجدا لما يعتبر في الإيجاب ككونه بالعربي يحكم بكونه صحيحا ، ولكن إذا شك في حصول القبول أو في تحقق القبض المعتبر في الهبة وبيع السلم والصرف إلى غير ذلك فلا يقتضي حمل الإيجاب على الصحة تحققها ؛ لأن الثابت بأصالة الصحة الجارية في الإيجاب الصحة التأهلية وهي كونه بحيث يترتب عليه الأثر المرغوب على تقدير حصول غيره مما يعتبر من القبول والقبض إلى غير ذلك.

ثمّ قال : وعلى ذلك فلو رجع المرتهن عن إذنه للراهن في بيع الرهن وشك في أن بيع الراهن كان قبل رجوعه عن إذنه أم بعده فلا يمكن الأخذ بأصالة الصحة في إذنه في الحكم بصحة البيع ، ولا بأصالة الصحة في رجوعه في الحكم بفساده ؛ لأن أصالة الصحة في الإذن معناه أنه لو وقع البيع بعده وقبل الرجوع حصل انتقال الرهن إلى المشتري والثمن إلى الراهن وهذه الصحة التأهلية قطعية حتى على فرض إحراز وقوع البيع بعد الرجوع كما أن صحة الرجوع معناها أنه على تقدير وقوع البيع بعده لما ترتب عليه النقل والانتقال كما لا تجري أصالة الصحة في نفس البيع فإنه لا تثبت وقوع البيع بعد الإذن وقبل الرجوع إلّا أن يتمسك في إثبات صحة البيع بالصحة الفعلية بالاستصحاب في

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ناحية بقاء الإذن عند البيع وعدم الرجوع فيه إلى تمام العقد ولكن هذا التمسك مع أنه لا يرتبط بأصالة الصحة يعارضه الاستصحاب في ناحية عدم البيع إلى زمان الرجوع ، ولا يخفى أن ما ذكره في المقام ينافي ما تقدم منه قدس‌سره من أنه لو شك في أن شراءه السابق كان حال بلوغه أو صغره تكون أصالة الصحة الجارية في بيع البائع موجبا للحكم بصحة الشراء.

أقول : لا يخفى أنه لو كان إذن المرتهن في بيع الرهن إسقاطا لحق الرهانة فلا يفيد رجوعه عن إذنه ويصح بيع الراهن وإن لم يكن إسقاطا له فأصالة الصحة وإن لا تجري في بيعه إلّا أنه يحكم بصحة بيعه للاستصحاب في بقاء إذنه وعدم رجوعه إلى تمام البيع ، ولا يعارض هذا الاستصحاب بالاستصحاب في عدم وقوع البيع إلى زمان الرجوع فإن هذا الاستصحاب لا يثبت وقوعه بعد رجوعه وبتعبير آخر وقوع البيع محرز وكأن المرتهن قد أذن في البيع قبل ذلك ، وإذا أحرز عدم رجوعه وبقاء إذنه إلى زمان البيع يتم موضوع النقل والانتقال.

وقد تحصل مما تقدم أنه لو أحرز حصول الفعل ممن له سلطنة على ذلك الفعل في مورد قابل له فمع احتمال أن الفاعل يعلم بكيفية الفعل الصحيح يحمل فعله على الصحة ، وإن توقفت الصحة الفعلية على حصول فعل شخص آخر لا يعلم بحصوله فلا يحرز حصوله بأصالة الصحة في فعل ذلك الفاعل كما إذا شككنا في حصول القبول للطرف الآخر في العقد فلا يثبت حصوله بأصالة الصحة في إيجاب الموجب ، وكذلك إذا شككنا في حصول القبض من المتهب فإن أصالة الصحة في الإيجاب والقبول لا تثبت تحقق القبض بلا فرق بين القول بأن القبض وصول المال إلى يد المتهب أو التخلية بينه وبين المال بحيث يمكن له أخذه.

٦٥

عدم اعتبار أصالة الصحة في موارد جريانها بالإضافة إلى مثبتاتها

السادس ـ لا يخفى أن أصالة الصحة في عمل غير إنما تقتضي ترتيب الأثر المترتب على ذلك الفعل وأما اللازم لصحته أو ملازمها فلا يثبت شيء منهما مع الشك في وجودهما بأصالة الصحة في ذلك العمل بأن يترتب الأثر الشرعي على ذلك اللازم أو الملازم أيضا ، وهذا لعين ما ذكرناه في عدم اعتبار الاستصحاب أو قاعدة الفراغ بالإضافة إلى مثبتاتها سواء قلنا بأن أصالة الصحة في عمل غير كقاعدة الفراغ والاستصحاب من الاصول العملية أو أنها من الأمارات فإن عمدة الدليل على اعتبارها السيرة الجارية من العقلاء حتى عند المتشرعة منهم ، والسيرة في إثبات ما ذكر غير محرزة إن لم يحرز عدم ثبوتها ، وقد فرع الشيخ قدس‌سره على ذلك ما إذا شك في أن شراء المشتري من البائع كان بعين مملوكة له أو كان الثمن في الشراء الخمر أو الخنزير فيحكم بأصالة الصحة بصحة الشراء ولكن لا يحكم بخروج تلك العين عن ملك المشتري ومن تركته إن مات ودخولها في ملك البائع لأصالة عدم انتقالها عن ملكه ، وهذا نظير ما تقدم من أنه لو شك في صلاة العصر أنه صلى الظهر قبل ذلك أم لا أنه يحكم بفعل الظهر من حيث كونه شرطا لصلاة العصر لا فعل الظهر من حيث هو واجب نفسي حتى لا يجب إتيانه ثانيا إلّا إذا كان الشك في الشيء بعد خروج وقته.

ولا يخفى ما في كلامه في مسألة الشك في أن الشراء كان بما يملكه من العين أو بما لا يملكه من الخمر والخنزير حيث تقدم أنه لا مجرى لأصالة الصحة إلّا مع إحراز قابلية المورد ومع الشك المفروض لا يحرز قابلية العوض للشراء به فيؤخذ بالاستصحاب في بقاء تلك العين في ملك المشتري إلى زمان موته فإن كان المبيع موجودا يحكم ببقائه على ملك بايعه أخذا بالاستصحاب بلا فرق بين أن يكون ذلك

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المبيع بيد بايعه أو بيد المشتري فإنه إن كان بيد بايعه فالأمر ظاهر لقاعدة يده عليه ، وإن كان بيد المشتري لوقوع المعارضة بين يده على المبيع ويده على تلك العين ، وبعد تساقطهما يرجع إلى بقاء المالين على حالتهما الأولية.

وأما ذكره قدس‌سره من التنظير فلا يمكن المساعدة عليه سواء كان الشك في الإتيان بالظهر أثناء صلاة العصر أو بعد الفراغ عنها فإنه إن وقع الشك لم تجر قاعدة الفراغ ولا التجاوز في صلاة الظهر حيث إن صلاة العصر من أولها إلى آخرها مشروطة بوقوعها بعد الظهر. ومع الشك في أثناء شك في صحة العصر قبل الفراغ منها وصلاة الظهر غير مشروطة بوقوعها قبل العصر ليجري فيها قاعدة التجاوز فالوظيفة حينئذ العدول من العصر إلى الظهر ، وأما إذا شك في إتيان الظهر بعد الفراغ من العصر فصلاة العصر صحيحة قطعا ؛ لأن اشتراط الترتيب ذكري وعليه الإتيان بالظهر للاستصحاب في عدم الإتيان بها ولكون الشك فيه قبل خروج الوقت.

ثمّ إن الشيخ قدس‌سره تعرض لما ذكره العلامة في القواعد من آخر كتاب الإجارة قال العلامة في مسألة اختلاف المؤجر والمستأجر : كما إذا قال المؤجر آجرتك الدار كل شهر بدرهم وقال المستأجر استأجرتها منك سنة بدينار ففي تقديم قول المستأجر نظر حيث إن أصالة الصحة في الإجارة لا تعين السنة ، وإن قلنا بتقديم قول المالك فالأقوى صحة العقد في الشهر الأول (١).

أقول : لا يمكن القول في فرض المسألة بصحة الإجارة في الشهر الأول : لأن المؤجر يدعي إجارة كل شهر بدرهم فيطالب المستأجر في الشهر الأول بدرهم

__________________

(١) قواعد الاحكام ٢ : ٣١٠.

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والمستأجر يدعي الإجارة في سنة بدينار ، وبناء على انحلال الإجارة يدعي المشتري تملك منفعة الدار في الشهور الباقية أيضا في مقابل دينار وإذا كان الدينار بعشرة دراهم تكون الاجرة الواقعة في شهر أقل من درهم فلا اتفاق بينهما في الإجارة بشيء حتى في الشهر الأول فيكون المرجع التحالف لأصالة عدم جريان الإجارة لا على سنة ولا على شهر على ما يذكره مالك الدار.

نعم ، إذا كانت الاجرة التي يدعيها المالك لكل شهر مساوية للاجرة الانحلالية أو أكثر فأمكن أن يقال بصحة الإجارة في الشهر الأوّل : لأن إجارته متفق عليها بينهما من غير دعوى للمؤجر على المستأجر بخلاف المستأجر فإنه يدعي تملك المنفعة في الشهور الآتية من الثمن فالمالك ينكرها ثمّ ذكر الشيخ قدس‌سره ما ذكره العلامة في آخر كلامه قال العلامة : وكذا الإشكال في تقديم قول المستأجر فيما إذا اختلف المؤجر والمستأجر في تعيين المدة أو الاجرة فادعى المؤجر عدم التعيين وأن الإجارة فاسدة وقال المستأجر التعيين فيهما وأن الإجارة صحيحة ثمّ استقرب العلامة قدس‌سره تقديم قول المستأجر لأصالة الصحة فيما إذا لم يتضمن كلام المؤجر دعوى على المستأجر.

وما ذكر قدس‌سره عن العلامة ثانيا في ذيل كلامه المتقدم في القواعد ما إذا اختلف المؤجر والمستأجر في تعين المدة أو الاجرة فادعى المؤجر عدم التعيين فتكون الإجارة باطلة وقال المستأجر بالتعيين فيهما فتكون صحيحة فإن العلامة قد استشكل في تقديم قول المستأجر لما تقدم من أن أصالة الصحة لا تثبت ما عينه المستأجر من المدة أو الاجرة ثمّ ذكر أن الأقوى التقديم فيما إذا تضمن قول المستأجر دعوى على المالك (١) وقال في

__________________

(١) قواعد الاحكام ٢ : ٣١٠.

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

جامع المقاصد في شرح هذا الكلام أن المستأجر إن ادعى الاجرة المسماة بمقدار اجرة المثل أو الأزيد فلا يكون قوله متضمنا للدعوى على المؤجر وإن كان أقل يكون قوله متضمنا لدعوى الضرر على المؤجر فلا وجه لتقديم قوله حيث إن نقص الاجرة ضرر على المالك وأصالة الصحة لا تثبته.

أقول : يفرض تارة ، اختلافهما بعد انقضاء المدة التي يدعيها المستأجر واخرى قبل انقضائها فإن كان الاختلاف بعد الانقضاء وكون الاجرة المسماة بمقدار اجرة المثل أو الأزيد فلا مورد لأصالة الصحة ؛ لاستحقاق المؤجر الاجرة المساوية لاجرة المثل سواء كانت الإجارة صحيحة أم فاسدة ؛ لأن استيفاء منفعة الدار أو تلفها بيد المستأجر موجب للضمان إذا لم يكن التسليط تبرعيا وأما إذا كان قول المستأجر الاجرة الأقل من اجرة المثل يكون متضمنا للدعوى على المالك بعدم استحقاق مقدار الناقص وأصالة الصحة في الإجارة لا تعين الاجرة الأقل فيحلف المالك على ما يدعيه ويأخذ منه اجرة المثل ؛ لقاعدة الضمان المشار إليها ، وكذا يتضمن قول المستأجر لدعوى على المؤجر إذا كان الاختلاف بينهما قبل انقضاء مدة الإجارة التي يدعيها المستأجر حيث قوله يتضمن دعوى تملكه لمنفعة الدار في تلك المدة فلا يجوز للمؤجر أخذ العين منه فيحلف المالك ويأخذ العين.

بقي في المقام أمر وهو أنه لا ينبغي التأمل في تقديم أصالة الصحة على الاستصحاب الحكمي نظير بقاء المال على ملك مالكه الأولي ، وعدم حدوث الزوجية ، وغير ذلك فإن مع جريان أصالة الصحة في عمل عقدا كان أو إيقاعا أو غيرهما لا يبقى شك في الصحة وما يترتب عليها من سائر الآثار ، وكذلك لا ينبغي التأمل فيما كان مع قطع النظر عن أصالة الصحة أصل موضوع يقتضي بطلان عمل

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

غير عند الشك فيه يسقط عن الاعتبار مع جريان أصالة الصحة ، وإن كان منشأ الشك في الصحة الشك في تحقق ذلك الشيء بأن يحسب ذلك الشيء تحققه موضوعا أو قيدا لموضوع الصحة حيث مع إحراز جريان أصالة الصحة بالسيرة الجارية فيها في المورد يلغى الأصل النافي في المورد كالاستصحاب في عدم ذلك الشيء ، ولا يمكن أن تكون أدلة اعتبار الاستصحاب رادعة من السيرة ؛ لما تقدم في بحث حجية الأخبار أن الردع عن السيرة لا بد من أن يكون واردا في خصوص مورد السيرة كما إذا علمنا بوقوع الطلاق من الزوج لزوجته في حضور شخصين نشك في عدالتهما فمقتضى أصالة الصحة وقوع الطلاق صحيحا فيجوز للغير تزوجها بعد انقضاء عدتها ، ولكن لو كان لعدالتهما أثر آخر غير مربوط بصحة الطلاق لا يترتب على أصالة الصحة ذلك الأثر كما إذا أردنا الاقتداء بأحدهما في الصلاة أو حضرا عند القاضي بالشهادة لأمر فلا يجوز للقاضي الاعتماد على أصالة الصحة في ذلك الطلاق في قبول شهادتهما في المرافعات ؛ لأن الثابت بمقتضى السيرة هو الحكم بصحة طلاق الزوج عندهما إذا احتمل أن الزوج يعرف اشتراط حضور العدلين في طلاق زوجته وأما إذا لم يثبت جريان السيرة على الحمل على الصحة كما في موارد الشك في قابلية الفاعل أو قابلية المورد فيرجع فيها إلى مقتضى الأصل النافي على ما تقدم لعدم اعتبار أصالة الحمل على الصحة فيها ومما ذكرنا يظهر أن ما ذكره الشيخ قدس‌سره في تقريب تقديم أصالة الصحة على الأصل الموضوعي في موارد جريانها.

عدم جريان الاستصحاب في ناحية عدم الشرط مع جريان أصالة الصحة

وقد ظهر مما ذكرنا أن الوجه في تقديم أصالة الصحة على الاستصحاب في ناحية عدم حصول الشرط في العقد أو الإيقاع أو غيرهما في موارد إحراز قابلية

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الفاعل ، والمورد هو أن إحراز جريان السيرة على الحمل بالصحة فيه يوجب إلغاء الاستصحاب في ناحية عدم حصول الشرط ؛ لأن مع عدم الإلغاء يوجب لغوية اعتبار أصالة الصحة ؛ لأن في جل موارد الحمل على الصحة يكون مقتضى الاستصحاب فساد العمل نظير ما تقدم في قاعدة الفراغ من أن تقديم الاستصحاب في عدم الوضوء عند ما شك فيه بعد الفراغ من الصلاة يوجب إلغاء قاعدة الفراغ.

ولكن ذكر الشيخ لعدم جريان الاستصحاب مع أصالة الصحة وجها آخر وهو أن الاستصحاب في عدم بلوغ البائع مثلا في العقد الواقع خارجا لا يقتضي بنفسه عدم حصول النقل والانتقال بل بما أن مع صدوره من غير بالغ لا يتحقق العقد الصادر من البالغ وصدوره من البالغ سبب لحصول النقل والانتقال وعدم حصول المسبب مستند إلى عدم حصول السبب لا لصدور العقد من غير بالغ وإذا كان مقتضى أصالة الصحة صدور العقد المفروض من البالغ ثبت السبب ولم يبق مجال لعدم تحقق السبب وبتعبير آخر صدور العقد من غير البالغ ضد للسبب الناقل لا أنه بنفسه يقتضي عدم المسبب ، والذي يقتضي عدم المسبب عدم السبب ولا مجال لعدم السبب مع ثبوت السبب بأصالة الصحة ، ولكن لا يخفى ما فيه فإنه لو لا لزوم اللغوية وعدم المعنى لاعتبار الاستصحاب مع جريان السيرة على الحمل على الصحة كما إذا فرض عدم اللغوية وكون الدليل على اعتبار الحمل على الصحة دليلا لفظيا قابلا للمعارضة والتخصيص لكان الاستصحاب في عدم بلوغ البائع في العقد الصادر خارجا مثبتا لعدم تحقق السبب.

وبتعبير آخر إذا كان مقتضى أصالة الصحة في البيع تحقق السبب وهو وقوع البيع المفروض من البالغ كان مقتضى استصحاب عدم البلوغ في الصادر عنه البيع

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم تحقق السبب الناقل والحاصل الوجه في تقديم أصالة الصحة على الاستصحاب ما ذكرنا من ثبوت حصول الشرط بالإضافة إلى العمل الواقع عن غير لا الحكم بحصوله في نفسه حتى بالإضافة إلى سائر الآثار المترتبة على حصوله.

قاعدة اليد

في تقدم قاعدة اليد على الاستصحاب

لا ينبغي التأمل في عدم جريان الاستصحاب في موارد جريان قاعدة اليد سواء قيل بأن قاعدة اليد من الأمارات أو أنها من الاصول لما تقدم في وجه تقديم أصالة الصحة في عمل غير من أنه لو لا تقدمها على الاستصحاب لاختص جريانها بموارد نادرة حيث إن الوجه المذكور يجري في تقديم قاعدة اليد أيضا وأنه لولاها لما كان للمسلمين سوق فإن الأيدي إلّا في النادر مسبوقة بعدم الملكية وقد اشتهر عدم جريان قاعدة اليد في موردين ، وأنه يؤخذ فيهما بمقتضى الاستصحاب لا لتقديم الاستصحاب على قاعدة اليد بل ؛ لأن قاعدة اليد لا دليل عليها فيهما وإن يظهر من كلام المحقق النائيني واليزدي قدس سرّهما حكومة خطابات الاستصحاب على قاعدة اليد فيهما.

المورد الأوّل ـ ما إذا اعترف ذو اليد بانتقال المال إليه من المدعي أو مورثه فإنهم ذكروا أن قول ذي اليد بأن المال ملكه إذا انضم إليه اعترافه بأن المال انتقل إليه من المدعي بالبيع أو بالهبة أو بغير ذلك ينقلب إلى الدعوى على من اعترف له بأن المال كان ملكا له أو لمورثه فيصير المدعي على ذي اليد منكرا وذو اليد مدعيا حيث إن صاحب اليد يدعي بحسب اعترافه انتقال المال إليه عمن اعترف له بأنه

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كان مالكا والمعترف له ينكر النقل والانتقال وعدم اعتبار قاعدة اليد في الفرض لما ذكرناه من أن عمدة الدليل على اعتبارها السيرة العقلائية حتى من المتشرعة ولا يأخذون باليد في موارد اعتراف ذو اليد في مقابل دعوى المعترف له أو وارثه وأما الرواية أيضا فلا يزيد مدلولها غير إمضاء السيرة العقلائية كما يظهر بالتأمل في مدلولها والتعليل الوارد فيها.

وذكروا أن ذلك مقتضى اعتراف ذي اليد لا مقتضى كون المال سابقا ملكا للمدعي لئلا يكون فرق في انقلاب الدعوى بين اعتراف ذي اليد أو قيام البينة بأن المال كان في السابق ملكا للمدعي أو مورثه أو علم القاضي بذلك فإن مقتضى نفوذ الإقرار وترتيب الأثر عليه غير إحراز الواقع وترتيب الأثر عليه كما إذا اعترف ذو اليد بأن المال الذي بيده لزيد ثمّ اعترف ثانيا بأنه لعمرو فإنه ينفذ كلا الإقرارين تؤخذ منه العين فتعطى لزيد وتؤخذ منه القيمة وتعطى لعمرو مع أن المال في الواقع لأحدهما لا لكل واحد منهما. وقد نوقش في الالتزام بالانقلاب بأنه لا يصح عليه المنقول في الاحتجاج وغيره عن أمير المؤمنين قدس‌سره في مخاصمة فاطمة عليها‌السلام مع الأوّل في أمر فدك حيث اعترفت (سلام الله عليها) بأن فدكا كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أخذتها من أبيها نحلة (١).

وحيث إن أبا بكر بزعمهم كان وليا تكون دعواه بأنه صدقة وفيء للمسلمين مع انضمام اعترافها عليها‌السلام بأنها كانت لرسول الله موجبا لانقلاب الدعوى مع أن عليا عليه‌السلام قد أنكر على أبي بكر مطالبته البينة من فاطمة عليها‌السلام على أنه نحلة أبيها وأنه يلزم

__________________

(١) الاحتجاج (للطبرسي) ١ : ٢٣٤. الأسوة للطباعة والنشر.

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مطالبته البينة ممن يدعي على فاطمة عليها‌السلام.

وقد أجاب المحقق النائيني قدس‌سره عن المناقشة بأن اعتراف ذي اليد بكون المال في السابق للمدعي أو مورثه وأن يوجب الانقلاب في الدعوى فيكون ذو اليد مدعيا والمدعي منكرا إلّا أن قضية أمر فدك لا تدخل في هذه الكبرى ، والوجه في ذلك أن التبدل في الملكية التي هي إضافة خاصة بين المال والمالك يكون : بتبدل المالك تارة بأن يقوم غير مقام المالك كما في مورد الإرث فإن الورثة بموت المورث يقومون مقامه فيكون المال المضاف إلى المورث مضافا إليهم ، ويكون بتبدل المملوك اخرى كما في مورد البيع وغيره من المعاوضات المالية فإنه إذا باع المالك داره بثمن كان المضاف إلى مالكها قبل البيع هو الدار وبعد البيع يكون الثمن كما أن الأمر في ناحية المشتري بالعكس ، ويكون ثالثة بتبدل نفس الإضافة كما في مورد الهبة والوصية فإن الواهب عند هبته يوجد إضافة المال الموهوب إلى المتهب ويقطعها عن نفسه كما أن الموصي يقطعها عن نفسه في ظرف موته ويوجدها للموصي له ، ففي قضية فدك المسلمون أو فقراؤهم لم يكونوا وارثين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على طبق الحديث المجعول حتى يكون إقرار فاطمة عليها‌السلام بأن فدكا كانت لأبي وقد جعلها نحلتي حال حياته اعترافا لكونها للمسلمين أو فقرائهم فيوجب الانقلاب في دعواها بل هذا نظير ما كان ذو اليد مدعيا أن المال الذي بيده قد انتقل إليه من زيد المتوفى حال حياته وقال شخص أو أشخاص من غير يد على ذلك المال أن زيدا أوصى لنا ذلك المال فإنه يحسب ذو اليد منكرا وعلى المدعين للوصية لهم إقامة البينة عليها بل الأمر في الحديث المجعول ليس من قبيل الوصية أيضا حيث إن فقراء المسلمين مصرف لذلك المال على طبق ذلك الحديث فلم يبق في مقابل يد فاطمة عليها‌السلام إلّا استصحاب

٧٤

القرعة فالاستصحاب في موردها يقدم عليها وأما القرعة فالاستصحاب في موردها يقدم عليها ؛ لأخصيّة دليله من دليلها لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها ، واختصاصها بغير الأحكام إجماعا لا يوجب الخصوصية في دليلها بعد عموم لفظها لها ، هذا مضافا إلى وهن دليلها

______________________________________________________

بقاء فدك في ملك رسول الله إلى وفاته وهذا الاستصحاب محكوم بقاعدة اليد ، وملخص الكلام إنما تنقلب الدعوى باعتراف ذي اليد إذا كان المدعي في الواقعة نفس المعترف له أي المقر له ويلحق بذلك إذا كان المدعي وارث بحيث يقوم مقام نفس المقر له ففي هذه الصورة لا اعتبار بيد ذي اليد بل يحسب مدعيا وأما إذا كان المدعي أجنبيا عن المقر له المتوفى بأن ادعى شخص أنه أوصى له المتوفى بذلك المال فعليه إقامة البينة على دعوى الوصية له وإلّا يحلف ذو اليد ويسقط بحلفه دعوى المدعي.

المورد الثاني ـ ما إذا علم كون اليد في السابق من ذي اليد يد غير ملك بأن كان المال في يده أمانة أو عارية أو إجارة أو غصبا وشك في تبدلها إلى يد ملك فيقال هذه اليد غير معتبرة ولا تكون مثبتة للملك ، وقيل وجهه كما عن السيد اليزدي في ملحقات العروة والمحقق النائيني قدس‌سرهما أن الاستصحاب الجاري في ناحية حال اليد يخرجها عن موضوع اعتبار قاعدة اليد فإن الموضوع لها اليد المشكوكة ومع الاستصحاب في كونها على ما كان لم يبق شك فيها ، وهذا نظير الاستصحاب في عدم البلوغ في المفتي حيث يخرج فتواه عن الاعتبار ، وفيه ما لا يخفى فإن ظاهر القائلين بعدم اعتبار قاعدة اليد في الفرض أن عدم اعتبارها لا للاستصحاب بل لو لم يجر الاستصحاب أيضا كما لو قيل بعدم اعتبار الاستصحاب لكان المرجع غير قاعدة اليد حيث إن العمدة في دليل اعتبار قاعدة اليد السيرة المشار إليها ولم تحرز السيرة في مفروض المقام ، وما تقدم في رواية حفص بن غياث : «لو لم يجز ذلك لم يقم

٧٥

بكثرة تخصيصه ، حتى صار العمل به في مورد محتاجا إلى الجبر بعمل المعظم ، كما قيل ، وقوة دليله بقلة تخصيصه بخصوص دليل.

لا يقال : كيف يجور تخصيص دليلها بدليله؟ وقد كان دليلها رافعا لموضوع دليله لا لحكمه ، وموجبا لكون نقض اليقين باليقين بالحجة على خلافه ، كما

______________________________________________________

للمسلمين سوق» (١) ظاهرها اليد المشكوكة على المال من حين الحدوث مع أن سندها لا يخلو عن المناقشة ، وقد يقال : إنه يعم المفروض قوله عليه‌السلام في موثقة يونس بن يعقوب من استولى على شيء منه فهو له (٢) رواها في الوسائل في باب حكم اختلاف الزوجين أو ورثتهما في متاع البيت وظاهرها اعتبار اليد والاستيلاء الفعلي وفيه أن ظاهرها أيضا احتمال ملكية المستولي من أوّل استيلائه.

ولكن يمكن الاستدلال على عموم السيرة بما إذا كانت اليد كذلك وادعى كل من ذي اليد وشخص آخر في عرض دعوى ملكية ذي اليد أن المال له فإنه لو كان المدعي هو المالك الأوّل ومع اعتراف ذي اليد أنه كان له فقد تقدم انقلاب الدعوى في الفرض ولو كان غير ذلك المال فاللازم الحكم في المال بالتنصيف كما هو الحال في دعوى شخصين ملكية مال مع عدم اليد لواحد منهما مع أنهم ذكروا أن ذا اليد يحلف على نفي دعوى الآخر مع عدم البينة له فيأخذ المال.

في اعتبار قاعدة اليد في موارد إثبات ملكية المنفعة ونحوها

بقي في المقام أمران :

الأوّل ـ هل اليد على منفعة العين تعتبر في كون ذي اليد مالكا لها كما إذا علم

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٢٥ ، الباب ٨ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ٣.

٧٦

هو الحال بينه وبين أدلة سائر الأمارات ، فيكون ـ هاهنا أيضا ـ من دوران الأمر بين التخصيص بلا وجه غير دائر والتخصّص.

فإنه يقال : ليس الأمر كذلك ، فإن المشكوك مما كانت له حالة سابقة وإن كان من المشكل والمجهول والمشتبه بعنوانه الواقعي ، إلّا أنه ليس منها بعنوان ما طرأ

______________________________________________________

بأن العين وقف وقد تصدى ذو اليد لإجارتها فيحكم بكونه مالكا للمنفعة أو متوليا للوقف فيجوز الاستيجار منه لا يبعد ذلك ؛ لأن اليد على العين كما أنها أمارة ملك العين عند احتماله كذلك أمارة لملك منفعتها والمتبع في السيرة المشار إليها كون يده على منفعة العين ولا يبتني بناؤهم على ذلك على صورة بنائهم على ملك العين خاصة ليلزم عدم البناء في موارد العلم بعدم كون العين ملكا له بل مع احتمال كون ذي اليد ذا حق في العين تكون يده معتبرة في إحراز ذلك الحق كحق الاختصاص والانتفاع.

ولو كانت عين بيد شخص يصرف منافعها وريعها على علماء البلد أو فقرائه بعنوان كونها وقفا عليهم أو وصية وأدعى شخص ملكية تلك العين يكون مدعيا ومثل ذلك الأنهار المملوكة في القرى فإن أهلها ينتفعون بالماء الجاري فيها للشرب وغسل الثياب ونحو ذلك فلا يجوز لمشتري النهر من مالكه أن يمنع أهل القرية عن الانتفاع من مائه في مثل ما ذكر بل لا أثر لمنعه ؛ لأن يد أهل القرية على النهر أمارة كونهم ذوي حق عليه من أول الأمر ولعله يشير إلى ذلك مكاتبة محمد بن الحسين إلى أبي محمد عليه‌السلام : رجل كان له رحى على نهر قرية والقرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلى قريته في غير هذا النهر ويعطل هذه الرحى أله ذلك أم لا؟ فوقع عليه‌السلام : «يتقي الله ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضر أخاه المؤمن» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٤٣ ، الباب ١٥ من أبواب إحياء الموات وفيه حديث واحد.

٧٧

عليه من نقض اليقين بالشك ، والظاهر من دليل القرعة أن يكون منها بقول مطلق لا في الجملة ، فدليل الاستصحاب الدالّ على حرمة النقض الصادق عليه حقيقة ، رافع لموضوعه أيضا ، فافهم.

______________________________________________________

الثاني ـ أمارية اليد لملك العين تحتاج إلى انضمام دعوى ذي اليد ملكيتها أو أن اليد بانفرادها أمارة لملكها ما لم يحرز أنه غير مالك أو لم يعترف بعدم كونه مالكا حيث إن اعتبار اليد من الطريقية فلا يكون لها اعتبار مع إحراز الخلاف أو اعترافه بعدم ملكها ، وكذا لا يعتبر في أمارية اليد تصرف ذي اليد فيما بيده في أمارية اليد فإذا مات يحكم بكون ما بيده ملكه ، وداخل في تركته مع عدم إحراز الخلاف ، وهل يقدح في أمارية اليد قوله عدم علمه بكون ما بيده ملكا له أم لا؟ فقد يقال بعدم اعتبارها مع اعتراف ذيها بعدم علمه بكونه له ، ويستظهر ذلك من صحيحة جميل بن صالح المروية في باب اللقطة قال : قلت لأبي عبد الله ٧ : «رجل وجد في منزله دينارا قال : يدخل منزله غيره قلت : نعم كثير ، قال : هذا لقطة ، قلت : فرجل وجد في صندوقه دينارا قال : يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ قلت : لا ، قال : فهو له» (١) ولكنها بذيلها على خلاف الاستظهار أدل ، ولعل الحكم في الصدر باعتبار أن المنزل إذا كان في تناول الأشخاص الكثيرين يكون للواردين أيضا يد عليه بخلاف الصندوق الذي فرض عدم دخوله بيد غيره. نعم ، لا يبعد أن يكون اختصاص اعتبار اليد مع عدم علم ذي اليد بأنه ملكه بما إذا كان من أول وضع يده عليه يحتمل كونه له أو لغيره وأما إذا كان يعلم في أول وضع يده على المال لم يكن مالكا له واحتمل أنه صار ملكا له بالاشتراء أو بغيره فالحكم بكونه مالكا محل إشكال.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٣ ، الباب ٣ من أبواب اللقطة. وفيه حديث واحد.

٧٨

فلا بأس برفع اليد عن دليلها عند دوران الأمر بينه وبين رفع اليد عن دليله ، لوهن عمومها وقوة عمومه ، كما أشرنا إليه آنفا ، والحمد لله أولا وآخرا ، وصلى الله على محمّد وآله باطنا وظاهرا. [١]

______________________________________________________

القرعة

في تقديم الاستصحاب على خطابات القرعة

[١] ذكر الماتن قدس‌سره تقديم الاستصحاب على خطابات القرعة في موارد جريان الاستصحاب وذلك فإن خطابات الاستصحاب أخص بالإضافة إلى خطابات القرعة فإن ما ورد في القرعة من أنها لكل أمر مجهول أو مشكل (١) يعم ما إذا كان المجهول والمشكل معلوما من جهة الحال السابقة أم لا بخلاف خطابات الاستصحاب فإنها تختص بما إذا كانت الحالة السابقة للمجهول محرزة. ثمّ ذكر لا يقال : النسبة بين خطابات الاستصحاب وخطابات القرعة العموم من وجه لاختصاص خطاباتها بالشبهات الموضوعية فإن القرعة لا تجري في الشبهات الحكمية واختصاص خطابات الاستصحاب بما إذا كانت الحالة السابقة محرزة بلا فرق بين الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية ، وأجاب عن ذلك بأن الميزان في ملاحظة النسبة بين الخطابين الظهور الاستعمالي لكل منهما لا الظهور الاستعمالي الذي يكون موردا لأصالة التطابق بينه وبين المراد الجدي على ما يأتي في بحث انقلاب النسبة مع أنه لو كان الملاك ملاحظة النسبة بين الظهور الاستعمالي الذي هو مورد لأصالة التطابق لكان الاستصحاب مقدما أيضا ؛ لقوة خطاباته ؛ لقلة ورود التخصيص عليها بخلاف خطابات القرعة حيث صارت لكثرة ورود التخصيص عليها موهونة ؛ ولذا قيل أن

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٨٩ و ١٩١ ، الباب ١٣ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ١١ و ١٨.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

العمل بما ورد في القرعة في مورد يحتاج إلى الجبر بعمل المعظم.

وأردف على ذلك قوله : لا يقال : كيف يكون خطاب الاستصحاب مقدما على خطابات القرعة مع أن شمولها لمورد يكون موجبا لارتفاع الموضوع للاستصحاب فيه كما هو الحال في ورود بالإضافة إلى الحكم في الخطاب الآخر وذلك فإن المنهي عنه في خطابات الاستصحاب النهي عن نقض اليقين بالشك ومع شمول خطابات القرعة للمورد يكون نقض اليقين فيه بالحجة لا بالشك بخلاف تقديم خطاب الاستصحاب على خطابات القرعة من غير وجه إلّا بوجه دائر.

فإنه يقال : ليس الأمر كما ذكر بل الأمر بالعكس يعني يكون شمول خطاب النهي عن نقض اليقين بالشك لمورد موجبا لارتفاع الموضوع لاعتبار القرعة فيه ؛ لأن الموضوع لاعتبارها المجهول والمشتبه والمشكل مطلقا أي من جهة الحكم الواقعي والظاهري وشمول خطاب الاستصحاب لمورد يعين الحكم الظاهري فيه ، وبتعبير آخر الموضوع لاعتبار الاستصحاب الشك في الواقع بخلاف الموضوع لاعتبار القرعة فإن الموضوع له هو المجهول والمشتبه مطلقا فيكون شمول النهي عن نقض اليقين بالشك موجبا لتعين الحكم الظاهري.

أقول : ما ذكر الماتن قدس‌سره أولا من كون أدلة الاستصحاب أخص من خطابات القرعة ينافي ما ذكره أخيرا من كون دليل الاستصحاب بشموله لمورد يكون واردا على خطابات القرعة حيث ينتفي مع الاستصحاب الموضوع لها بدعوى أن الموضوع لها المجهول بحسب الواقع والظاهر ، ولازم ذلك أن لا يكون موضوع لها أيضا مع أصالة البراءة وأصالة الحلية ويبقى على ذلك إثبات أن الموضوع لاعتبار القرعة هو الجهل بالشيء مطلقا من حيث حكمه الواقعي والظاهري واستفادة ذلك

٨٠