دروس في مسائل علم الأصول - ج ٦

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-62-8
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)(١) وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا)(٢) ومفهوم قوله سبحانه : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٣).

واستدلّ من الروايات بما ورد في : أنّ القضاة أربعة وأنّ ثلاثة منهم في النار ، وواحد في الجنة وهو رجل قضى بالحقّ وهو يعلم (٤). وبما ورد في خبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا» (٥) وفي معتبرته قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فإنّي جعلته حاكما فتحاكموا إليه» (٦) وصحيحة الحلبي قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ربما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشيء فيتراضيان برجل منّا ، فقال : ليس هو ذلك ، إنّما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط» (٧) إلى غير ذلك.

ولكن لا يخفى أنّ الآية الشريفة بعنوان القضية الشرطيّة ناظرة إلى لزوم رعاية العدل في الحكم وعدم الانحراف عنه ، وأمّا أيّ شخص له ولاية الحكم والقضاء

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٥٨.

(٢) سورة المائدة : الآية ٨.

(٣) سورة المائدة : الآية ٤٧.

(٤) وسائل الشيعة ٢٧ : ٢٢ ، الباب ٤ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦.

(٥) المصدر السابق : ١٣٩ ، الباب ٢ ، الحديث ٦.

(٦) المصدر السابق : ١٣ ، الباب الأول من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥.

(٧) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٥ ، الباب الأول من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٨.

٣٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا تدلّ على تعيينه.

وأمّا الآية الثانية فهي ظاهرة في حثّ الناس على الاستمرار والمداومة على إقامة القسط والعدل سواء كان في القضاء والشهادة أو غيرهما ، ولكن لا دلالة لها على شرائط نفوذ القضاء أو الشهادة ؛ ولذا يمكن الاستدلال بالآية على وجوب الشهادة على كلّ شخص يعلم الحقّ ولكن لا تدلّ على نفوذ شهادته.

وعلى الجملة ظاهر مقبولة عمر بن حنظلة اعتبار الاجتهاد في ولاية القضاء ونفوذ الحكم ، كما هو مقتضى موردها من كون الشبهة في قضية المنازعة المفروضة فيها حكميّة ، وكلّ من الحاكمين فقيها يستند في حكمه إلى ما وصل إليه من الحديث ، وقوله عليه‌السلام فيها : «ينظران إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا» الخ (١). وظاهر النظر اعتبار الاجتهاد ، وقد تقدّم اعتبار الرواية سندا حيث إنّ عمر بن حنظلة من المشاهير الذين لم يرد فيهم قدح ، ويؤيّده التوقيع المنقول عن صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله» (٢) فإنّ المراد من «رواة حديثنا» الفقهاء ممّن يعتمدون في أقوالهم على أحاديثهم عليهم‌السلام في مقابل فقهاء العامّة حيث لا يعتمدون في فتاويهم وقضائهم إلى أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام ، وإلّا فمجرّد نقل الرواية من غير نظر واجتهاد في الروايات والأحاديث المنقولة عنهم عليهم‌السلام لا يوجب انكشاف الحكم والقضاء في الحوادث الواقعة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٣٤ ، الباب ٢ من أبواب مقدمة العبادات ، الحديث ١٢.

(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩.

٣٨٢

ولا يجوز الترافع إليه ، ولا الشهادة عنده [١] والمال الذي يؤخذ بحكمه حرام وإن كان الآخذ محقّا [٢].

______________________________________________________

وكيف ما كان فالتوقيع لا يعمّ من كان يعلم الحكم في الوقائع لا عن أحاديثهم عليهم‌السلام وإنّما يعرف فتوى من يرجع إليه في الأحكام ، وأمّا ما ذكر في «الجواهر» من التمسّك بصحيحة الحلبي فلا يمكن الاستناد إليه في نفي اشتراط الاجتهاد ، فإنّ الوارد فيها أنّ التراضي بقضاء رجل منكم خارج عن المراجعة بحكّام الجور ، والمفروض أنّ الرجل لا بدّ من أن يكون عالما بميزان القضاء فيه ولو كان منشأ المخاصمة من قبيل الشبهة الحكميّة وحتّى ما إذا كانت القضية المرفوعة من مجتهدين ، والعلم بالقضاء في هذه الموارد في تلك الأزمنة لم يكن إلّا بالطريق المعهود بين الرواة الفقهاء كما لا يخفى.

[١] إذا كان الترافع إلى القاضي الذي ليس من أهل الإيمان فالمراجعة إليه من ترويج الباطل وإعانة الظالم على ترويج أمره ، وإن كان للقضاء منصوبا من قبل الجائر فهو من الإيمان بالجبت والطاغوت كما في الروايات.

وممّا ذكر يظهر الحال إذا كان الفاقد للأوصاف متصدّيا للقضاء حيث إنّ المراجعة إليه أيضا ترويج للباطل وترغيب لفاقد الأوصاف على بقائه في تصدّيه الباطل ، ويظهر الحال أيضا في الشهادة عنده حيث يوجب ذلك كون الشاهد من أعوان الظلمة ومن المرغّبين للباطل.

[٢] وقد يقال بدلالة مقبولة عمر بن حنظلة على ذلك حيث ورد فيها : «من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى طاغوت ، وما يحكم له فإنّما يأخذه سحتا وإن كان حقّه ثابتا ؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت» (١).

__________________

(١) المصدر السابق : ١٣ ، الباب الأول ، الحديث ٤.

٣٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ودعوى أنّ المراد بالحقّ الدين المأخوذ كما هو ظاهر الحقّ فلا يشمل ما إذا كان المأخوذ بحكمه عين ماله ، لا يمكن المساعدة عليها ؛ لأنّ الوارد في صدر المقبولة هو اختلاف المترافعين في دين أو ميراث وتنازعهما فيها ، ومن الظاهر أنّ الميراث يعمّ العين بل يكون غالبا العين.

والصحيح في الجواب أنّ المقبولة ناظرة جوابا عمّا فرضه عمر بن حنظلة من اختلاف الشخصين فيما كانت من الشبهة الحكميّة ، ولا بأس بالالتزام فيها بأنّه لا يجوز التصرّف في المأخوذ فيها بحكم القاضي المفروض في الصدر حتّى فيما كان المأخوذ له واقعا ، لأنّه لم يحرز أنّه ملكه بقضاء صحيح ، وإنّما استند في كونه له بقضاء الجور ، ولا أقلّ من الالتزام باستحقاقه العقاب بتصرّفه فيه ؛ لأنّ التصرّف فيه مع عدم إحراز كونه له بوجه معتبر يعدّ من التجرّي ، ولعلّ المراد بالسحت ذلك لا عدم كون المأخوذ ليس له واقعا أو أنّه مما لم يتملّك لو كان هو الوارث له ، ولو فرض إطلاق المقبولة حتّى فيما إذا كانت المخاصمة في الموضوعات ، وكان كلّ من المدّعي والمنكر جازمين في الدعوى والإنكار فلا بدّ من حمل المقبولة على ما ذكر جمعا بينها وبين موثّقة الحسن بن علي بن فضّال قال : قرأت في كتاب أبي الأسد إلى أبي الحسن الماضي عليه‌السلام وقرأته بخطّه : سأله ما تفسير قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ؟) فكتب بخطّه : «الحكّام القضاة ثمّ كتب تحته : هو أن يعلم الرجل أنّه ظالم فيحكم له القاضي فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي قد حكم له إذا كان قد علم أنّه ظالم» (١). فإنّ مقتضى الذيل أنّه لا بأس بالمأخوذ فيما

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٥ ، الباب الأول من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩. والآية :

٣٨٤

إلّا إذا انحصر استنقاذ حقّه بالترافع عنده [١].

______________________________________________________

إذا لم يحرز أنّه ظالم وأنّه لا يأكل المال بالباطل.

[١] المذكور في كلمات الأصحاب جواز الترافع إلى حكام الجور فيما إذا توقّف استنقاذ الحقّ أو دفع المظلمة على ذلك ، فإنّه وإن ورد تحريم الرجوع إليهم في جملة من الروايات بنحو الإطلاق ، إلّا أنّ الحرمة المستفادة منها كالحرمة الواردة في الروايات في سائر الأفعال حيث يرفع اليد عن إطلاق حرمتها في موارد جريان رفع الاضطرار وحكومة ما ورد في نفي الضرر ، مع أنّ جواز الرجوع إليهم في موارد التوقّف والانحصار مما لا يحتمل تحريمه ، كما يظهر ذلك بملاحظة التأمّل في الخصومات الواقعة في زمان المعصومين بين مواليهم وسائر الناس.

وربّما يشير إلى الجواز ما في معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : في رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حقّ فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلّا أن يرافعه إلى هؤلاء ، كان بمنزلة الذين قال الله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)(١) حيث إنّ ظاهره أنّ وزر الرجوع إليهم على الممتنع من المرافعة إلّا إلى قضاة الجور. ثمّ إنّ في تعيّن الدين في المال المدفوع فيما إذا كان المتصدّي لأدائه من مال غريمه قاضي الجور ، أو من عيّنه لذلك في صورة توقّف إنقاذ الحق على الترافع عنده إشكال ، ولكن إذا علم من له الحقّ بحقّه مع قطع النظر عن قضاء الجائر كما هو ظاهر الفرض جاز له استيفاؤه تقاصّا لحقّه ولا بأس به ، وأمّا إذا باع قاضي الجور ماله للأداء فالاستيفاء مشكل جدّا ، إلّا إذا كان الخصم منهم فيجوز أخذا ١٨٨ من سورة البقرة.

__________________

(١) المصدر السابق : ١١ ـ ١٢ ، الحديث ٢. والآية : ٦٠ من سورة النساء.

٣٨٥

(مسألة ٤٤) يجب في المفتي والقاضي العدالة وتثبت العدالة بشهادة عدلين ، وبالمعاشرة المفيدة للعلم بالملكة أو الاطمئنان بها ، وبالشياع المفيد للعلم [١].

(مسألة ٤٥) إذا مضت مدّة من بلوغه وشكّ بعد ذلك في أن أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا ، يجوز له البناء على الصحّة [٢] في أعماله السابقة ، وفي اللاحقة يجب عليه التصحيح فعلا.

______________________________________________________

بقاعدة الإلزام.

[١] قد تقدّم اعتبار العدالة في المفتي ، وما ذكرنا في وجه اعتبارها فيه يجري في القاضي أيضا ، فإنّ القاضي هو المنصوب لاستيفاء حقوق الناس بعضهم من بعض ودفع المظلمة عنهم ، فلا يحتمل إيكال هذا المنصب إلى الفاسق وغير المبالي للدين مع أنّ القضاوة في أصلها منصب للنبيّ والوصيّ للنبيّ كما هو مدلول صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة فلا يحتمل إيكاله إلى غير المبالي في دينه.

ثمّ إنّه قد ذكرنا أنّ عدالة الشخص كسائر الموضوعات في أنّه يكفي في ثبوتها خبر العدل والثقة العارف بالعدالة ولا يعتبر خصوص البيّنة ، ولا يعتبر في اعتبار خبر العدل والبيّنة أن يكون المخبر به أو المشهود نفس العدالة ، بل يكفي الخبر والشهادة بحسن الظاهر الذي هو طريق شرعيّ إلى عدالة الشخص ، وأيضا لا يعتبر في ثبوت العدالة بالشياع خصوص العلم بالعدالة أو بحسن الظاهر بل يكفي حصول الاطمينان بالعدالة أو بحسن الظاهر.

[٢] الجاري في أعماله السابقة أصالة الصحة كما هو مفاد قاعدة الفراغ ، فإن أحرز أنّ أعماله السابقة كانت على طبق التقليد ، ولكن شكّ فعلا أنّ تقليده السابق كان صحيحا بحيث تكون تلك الأعمال مجزية في حقّه أم كان تقليده ممّن يكون

٣٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

التقليد منه غير صحيح فلا تكون مجزية في حقّه على تقدير وقوع الخلل فيه ، فإن كان احتمال الخلل في تقليده لاحتمال غفلته عند التقليد فتجري أصالة الصحة في تقليده ويحكم بإجزاء الأعمال السابقة ، وأمّا بالإضافة إلى الأعمال اللاحقة فلا بدّ من إحراز صحة تقليده فيها ، ولا يخفى أنّه بناء على الإجزاء في تقليده الصحيح يكون التقليد الصحيح شرطا في صحة أعماله السابقة التي وقع فيها الخلل بالإضافة إلى الخطابات الواقعيّة ، سواء كانت تلك الأعمال من العبادات أو من المعاملات بمعنى العقود والإيقاعات. وأمّا بناء على عدم الإجزاء ولزوم تدارك الخلل الواقع فيها بمقتضى الأدلة الأوليّة الواردة في أجزاء العبادات فتجري أصالة الصحة في نفس أعماله السابقة في موارد احتمال الخلل المبطل فيها ، بل فيما كان تداركها بالقضاء الذي موضوع وجوبه فوت الواقع تجري أصالة عدم الفوت ، ولا أقلّ من أصالة عدم وجوب القضاء.

وكيف كان فأصالة الصحة في تقليده في أعماله السابقة تفيد في الإجزاء بالإضافة إليها ، وأمّا بالإضافة إلى أعماله الآتية فاللازم إحراز صحّة تقليده فعلا ؛ لأنّ الأعمال المستقبلة ليست مورد قاعدة الفراغ ، كما أنّ الصحة في تقليده السابق لا تثبت صحة تقليده فعلا.

نعم إذا أحرز تقليده السابق على الموازين الشرعيّة بلا خلل في ذلك التقليد وشكّ في صحّته فعلا لاحتمال زوال بعض الأوصاف عن المجتهد فيجري الاستصحاب في بقائها ، ولا يكفي في إحراز الصفات سابقا أصالة الصحة الجارية في تقليده السابق ؛ لأنّ إثبات الأوصاف بأصالة الصحة من الأصل المثبت حيث إنّ إثبات الموضوع بالتعبّد بالحكم ليس من الترتّب الشرعيّ ، بخلاف إثبات الحكم

٣٨٧

(مسألة ٤٦) يجب على العاميّ أن يقلّد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم [١] أو عدم وجوبه ، ولا يجوز أن يقلّد غير الأعلم إذا أفتى بعدم وجوب

______________________________________________________

بإثبات الموضوع لذلك الحكم فتدبّر.

[١] قد تقدّم أنّ على العاميّ أن يحرز جواز التقليد ولا يجوز أن يستند في جواز تقليد مجتهد على قول ذلك المجتهد بجواز التقليد ، وعليه فاللازم على تقدير علمه بجواز التقليد في الجملة أن يقلّد المجتهد الذي هو القدر اليقين من جواز التقليد ، فلا يجوز له الاكتفاء بتقليد غير الأعلم في الفرعيّات بقول غير الأعلم بجواز التقليد من غير الأعلم فيها ؛ لأنّ تقليده في الفرعيّات من غير الأعلم اعتمادا على فتوى غير الأعلم بجوازه يكون دوريّا ، ويتعيّن عليه تقليد المورد اليقين وهو تقليد الأعلم فيها.

نعم قد ذكروا أنّه إذا قلّد الأعلم في مسألة جواز تقليد غير الأعلم بأن أجاز الأعلم تقليد العاميّ في المسائل الفرعيّة من غير الأعلم جاز للعاميّ تقليده اعتمادا على قول الأعلم ، ولكن أشكل الماتن قدس‌سره في ذلك أيضا ؛ لأنّ العاميّ لا يحرز جواز التقليد من غير الأعلم في الفرعيّات بهذه الفتوى من الأعلم ، بل القدر اليقين عنده من جواز التقليد من كان أعلم في الفرعيّات.

أقول : قد جوّز الماتن قدس‌سره البقاء على تقليد الميّت إذا أفتى الحيّ بجوازه مع أنّ القدر اليقين عند العاميّ ـ من جواز التقليد ـ الحيّ.

وعلى الجملة مسألة جواز التقليد عن غير الأعلم في الفرعيّات كمسألة جواز البقاء على تقليد الميّت فإن جاز تقليد الأعلم في الثانية جاز في الاولى أيضا ، ومسألة جواز تقليد غير الأعلم من نفس المسائل الفرعيّة فإذا أفتى أعلم الأحياء بجوازه ففتواه قدر اليقين في الاعتبار في تلك المسألة ، فيجوز للعاميّ أن يعتمد على فتواه في العمل بفتاوى غير الأعلم.

٣٨٨

تقليد الأعلم ، بل لو أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم يشكل جواز الاعتماد عليه ، فالقدر المتيقّن للعاميّ تقليد الأعلم في الفرعيّات.

(مسألة ٤٧) إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات والآخر أعلم في المعاملات ، فالأحوط تبعيض التقليد [١] وكذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات مثلا والآخر في البعض الآخر.

______________________________________________________

[١] قد يتّفق أن يكون أحد المجتهدين أعلم من الآخر في بعض أبواب الفقه كالعبادات لتضلّعه فيها في الأخبار وكونه أجود اطلاعا على خصوصيّاتها ووجه الجمع بين مختلفاتها في موارد الجمع العرفيّ ، بخلاف مجتهد آخر فإنّه لا يكون في العبادات التي غالب المدرك في مسائلها الروايات ذلك التضلّع والإحاطة ، ولكنّه في المعاملات التي يكون مدرك الحكم في مسائلها القواعد العامّة أكثر خبرة ، ويفرض ذلك حتّى في العبادات بالإضافة إلى مجتهدين يكون لأحدهما أكثر ممارسة لمصادر الأحكام في بعض العبادات وتضلّعه في فروعها ، بخلاف الثاني فإنه يكون كذلك في بعض العبادات الاخرى. ولو اتّفق هذا الفرض وأحرز ذلك بوجه معتبر فاللازم على العامي التبعيض في تقليده ، فيقلّد من هو أعلم في الوقائع التي يبتلى بها أو يحتمل ابتلاءه بها إذا علم ولو إجمالا اختلاف الأعلم مع غير الأعلم في مسائل العبادات والمعاملات أو في المسائل الراجعة إلى العبادات ولو كان غير الأعلم في بعضها أعلم في مسائل البعض الآخر ؛ وذلك لما تقدّم من أنّ دليل اعتبار الفتوى كدليل اعتبار سائر الحجج لا يشمل المتعارضين فيسقط التمسّك به في صورة التعارض ، غير أنّ السيرة العقلائيّة وسيرة المتشرّعة الناشئة من السيرة الاولى من غير ردع مقتضاها اتّباع قول من هو أعلم بحكم الواقعة أو يحتمل أعلميّته.

٣٨٩

(مسألة ٤٨) إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه إعلام من تعلّم منه [١] ، وكذا إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه يجب عليه الإعلام.

______________________________________________________

[١] إذا نقل فتوى المجتهد خطأ يكون النقل والخطأ فيه في الالزاميّات بمعنى أنّ المجتهد كانت فتواه الحكم الإلزاميّ أو الوضع الموضوع للإلزام ونقل عن المجتهد بأنّ فتواه في مسألة عدم التكليف ثمّ ظهر أنّه أخطأ في نقله ، ففي هذه الصورة يجب على الناقل الإعلام فيما إذا علم أو اطمأنّ بأنّ المنقول إليه يعتمد على نقله ويعمل على طبقه أو أحرز كذلك أنّ ما بين المستمعين من يعمل على طبق نقله. والوجه في وجوب الإعلام أنّ نقل فتوى المجتهد بنحو الخطأ في الفرض تسبيب إلى مخالفة التكليف الواقعيّ من المستمعين وذلك غير جائز ، حيث إنّ المتفاهم العرفيّ من خطابات تحريم المحرّمات والتكاليف بالواجبات عدم الفرق في الحرمة وعدم الجواز بين أن يكون ارتكاب الحرام أو ترك الواجب بالمباشرة أو بالتسبيب ، فلو باع الدهن المتنجّس أو الطعام المتنجّس ثمّ تذكّر بعد بيعه أنّه كان نجسا فعليه إعلام المشتري بالحال ، ولا يكون اشتباهه أو نسيانه عند البيع عذرا في ترك الإعلام بعد العلم والتذكّر.

وأمّا إذا كان الخطأ في النقل في غير الإلزاميّات بأن نقل عن المجتهد الإلزام والتكليف أو الوضع الموضوع له ثمّ التفت ، بأنّ المجتهد لم يفت بذلك بل أفتى بالترخيص وعدم الإلزام بحيث لا ينجرّ عمل المستمع على طبق نقله إلى مخالفة المستمع التكليف الواقعيّ لا يجري في الفرض التسبيب إلى ارتكاب الحرام أو ترك الواجب ، فلا موجب لوجوب إعلامه إلّا إذا يؤدّي عدم إعلامه بزوال اعتماد المستمعين على غيره من الناقلين للفتوى أو وقوع بعضهم في الضرر أو الحرج ، كما نقل عن المجتهد بأنّ الدهن المتنجّس لا يجوز بيعه مطلقا ، ونحو ذلك مما يعلم بعدم

٣٩٠

(مسألة ٤٩) إذا اتّفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له أن يبني على أحد الطرفين بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة ، وأنّه إذا كان ما أتى به على خلاف الواقع يعيد صلاته ، فلو فعل ذلك وكان ما فعله مطابقا للواقع لا يجب عليه الإعادة [١].

______________________________________________________

رضا الشارع في إيقاع الناس في الضرر أو الحرج أو سلب اعتمادهم على المتصدّين لإبلاغ الأحكام الشرعيّة إلى الناس.

هذا كلّه فيما إذا كان الاشتباه من ناقل الفتوى ، وأمّا إذا كان الخطأ في نقل الفتوى من نفس المجتهد ففي الإلزاميات كما تقدّم في الخطأ في ناقل الفتوى فعليه الإعلام بفتواه فإنّه مضافا إلى التسبيب المتقدّم يجري فيه ما دلّ على ضمان المفتي.

أمّا إذا كانت فتواه عدم التكليف وأفتى بالتكليف خطأ فإن كان المورد ممّا فيه احتمال التكليف واقعا فلا يجب عليه الإعلام ؛ لأنّ المترتب على خطئه رعاية المستفتي احتمال التكليف الواقعيّ ، وأمّا إذا لم يكن الأمر كذلك فيجب عليه الإعلام ؛ لأنّ إرشاد الجاهل إلى تكليفه وحكم الشريعة في حقّه واجب كفائي كما هو مفاد آية النفر وغيرها من الآية والروايات.

[١] إذا أمكن للعاميّ الاحتياط بعد اتّفاق المسألة ، كما إذا شكّ في قراءة الحمد بعد الشروع في السورة ولم يدر أنّه يصحّ له المضيّ في صلاته بالبناء على قراءة الحمد أو أنّ عليه استيناف القراءة ، ففي مثل ذلك يصحّ له العود إلى قراءة الحمد بقصد الأعمّ من قصد كون قراءتها جزءا أو قرآنا ، ففي هذا الفرض يتعيّن عليه هذا النحو من الاحتياط بناء على عدم جواز قطع الصلاة الفريضة كما عليه دعوى الإجماع خصوصا إذا لم يتعلّم حكم المسألة من الأوّل مع احتماله الابتلاء بها ، فإنّ حرمة قطع الصلاة في الفرض كانت منجّزة عليه بأخبار وجوب التعلّم.

٣٩١

(مسألة ٥٠) يجب على العاميّ في زمان الفحص عن المجتهد أو عن الأعلم أن يحتاط في أعماله [١].

______________________________________________________

وأمّا إذا لم يمكن له الاحتياط ، كما إذا شكّ حين قصد وضع الجبهة على الأرض للسجود في أنّه ركع في تلك الركعة أم لا فإنّه إن رجع إلى الركوع يحتمل زيادة الركوع وإن مضى على الشكّ يحتمل نقص الركوع ، ففي هذا الفرض إن لم يحتمل الابتلاء بهذه المسألة أثناء الصلاة ليجب عليه تعلّم حكمها ، أو تعلّم حكمها ولكن نسي الحكم عند اتّفاق الابتلاء يجوز له قطع الصلاة واستينافها ؛ لعدم الدليل على حرمة قطع الفريضة عليه في مثل هذا الفرض ، فإنّ المتيقّن من حرمة قطعها صورة قطعها بلا عذر فإنّ الدليل على الحرمة هو الإجماع. وهذا بخلاف صورة ترك تعلّم المسألة من قبل مع علمه أو احتماله بالابتلاء بها أثناء الصلاة حيث إنّ في هذه الصورة يتعيّن عليه البناء على أحد الطرفين ؛ لأنّ حرمة قطعها منجّزة عليه من قبل ، وبما أنّه لا يتمكّن من إحراز الموافقة القطعيّة يراعي الموافقة الاحتماليّة مع الفحص عن حكمها بعد الصلاة وإعادتها على تقدير مخالفة ما بنى عليه مع الوظيفة ويحكم بصحتها على تقدير كونه على وفق الوظيفة ، وكفى البناء على أحد الطرفين مع هذا القصد في حصول قصد التقرّب المعتبر في العبادة عندنا ، ولكن الماتن قدس‌سره قد تأمّل سابقا في حصوله في مورد احتمال كون ما يأتي به إبطالا للصلاة.

[١] وذلك فإنّ مقتضى العلم الإجماليّ بثبوت التكاليف والأحكام الإلزاميّة ـ في غير واحد مما يبتلى به ـ الخروج عن عهدة تلك التكاليف بموافقتها وجدانا أو بطريق معتبر على ما تقدّم في مسألة تخيير العامي بين الأخذ بالتقليد أو الاحتياط في الوقائع المبتلى بها برعاية احتمال التكليف فيها ، وحيث إنّ التقليد في زمان الفحص غير حاصل تعيّن عليه الاحتياط ما دام كذلك. ويكفي في هذا الاحتياط مراعاة

٣٩٢

(مسألة ٥١) المأذون والوكيل عن المجتهد في التصرّف في الأوقاف أو في أموال القصّر ينعزل بموت المجتهد [١] ، بخلاف المنصوب من قبله. كما إذا نصبه متوليا للوقف أو قيّما على القصّر ، فإنّه لا تبطل توليته وقيمومته على الأظهر.

______________________________________________________

الفتوى بالتكليف من فتاوى المجتهدين الذين احتمال الأعلميّة منحصر فيهم ، بأن يأخذ بأحوط أقوالهم ولا عبرة بالتكليف الذي أفتى به غيرهم لعلمه بعدم اعتبار تلك الفتوى على ما تقدّم في مسألة انحصار احتمال الأعلميّة في أحد المجتهدين أو أكثر.

[١] وذلك فإنّ المأذون والوكيل من المجتهد يتصرّف في الأوقاف وأموال القصّر من قبل المجتهد ، كتصرّف الوكيل من قبل موكّله فالتصرّف الواقع من المأذون والوكيل يستند إلى المجتهد ، ويكون المجتهد هو المتصرّف في مال الوقف ويبيع ويشتري للأيتام بالاستنابة ، ولذا يعتبر في الإذن والتوكيل أن يكون الآذن والموكّل مالكا لذلك التصرّف بأن يصحّ منه ذلك التصرف بالمباشرة ، والمجتهد بعد موته ينقضي إذنه وتوكيله فينعزل المأذون والوكيل في الإذن والوكالة وهذا ظاهر ، وهذا بخلاف ما إذا نصبه المجتهد متولّيا للوقف أو قيّما للصغار فإنّ تنصيبه متولّيا أو قيّما من قبيل جعل ولاية التصرّف في الوقف وأموال القصّر ، فإن كان جعل الولاية مقيّدة بما دامت حياة المجتهد فتنتهي الولاية المجعولة بموته ، كما إذا جعل واقف العين التولية للوقف لشخص ما دام حياة الواقف تنتهي ولايته بموت الواقف ؛ لأنّ الوقوف حسب ما يوقفها أهلها ، بخلاف ما إذا جعل التولية للوقف أو القيمومة على الصغار مطلقا فإنّ التولية أو القيمومة تبقى بعد موته أيضا بمقتضى ما دلّ على نفوذ الوقف ونفوذ جعل الوليّ القيّم لصغاره بعد موته. ولكنّ الكلام في المقام في الدليل على أنّ للفقيه الولاية على جعل المتولّي للوقف أو القيّم للأيتام نظير ولاية الواقف والأب أو الجدّ لجعل القيّم لأولاده الصغار.

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وبتعبير آخر قد يقال : ليس للفقيه هذه الولاية في الجعل كما هو مقتضى الأصل ، وإنّما للفقيه التصرّف في أموال الوقف والقصّر فيما إذا لم يكن للوقف متولّ من قبل الواقف وقيّم للصغار من قبل الأب والجدّ سواء كان تصرّف الفقيه بالمباشرة أو بالاستنابة ، فإنّ المقدار المتيقّن من جواز التصرف الذي مقتضى القاعدة الأوّلية عدم جوازه هو هذا المقدار ، فلو جعل الفقيه متولّيا للوقف أو قيّما فهو في الحقيقة استنابة في التصرّف وتوكيل فينتهي بموت المجتهد ، فيحتاج نفوذ تصرفهما إلى الاستيذان والتوكيل عن فقيه آخر.

ودعوى أنّه مع احتمال بقاء التولية والقيمومة بعد موت المجتهد الذي جعل الشخص متولّيا أو قيّما يستصحب بقاء ما كان للشخص المفروض ، فينفذ تصرفاته في الوقف أو مال القصّر بلا حاجة إلى الاستيذان من حاكم آخر ، لا يمكن المساعدة عليها ، فإنّ الاستصحاب المذكور بزعم أنّ المورد من موارد القسم الثاني من الكلّي فيستصحب الجامع بين الولاية والاستنابة فيترتّب عليه نفوذ التصرّف وجوازه ، ولكن إذا جرى عدم الإمضاء بالاضافة إلى ما يقع من التصرّفات بعد موت ذلك المجتهد فلا يبقى موضوع للجواز والنفوذ.

وبتعبير آخر ولاية التصرّف وجوازه ونفوذه قبل موت المجتهد متيقّن ـ سواء كان الموجود سابقا جعل المنصب أو الاستنابة ـ وأمّا الولاية بعد موت المجتهد بمعنى جعل المنصب مدفوع بالاستصحاب في عدم إمضائه ولا يعارض بالاستصحاب في عدم الاستنابة ؛ لعدم الأثر له فعلا حيث إنّ جواز التصرف حال حياة المجتهد متيقّن والاستصحاب في عدم كون الحادث استنابة لا يثبت أنّه كانت ولاية ، كما أنّ دعوى أنّ للمجتهد إعطاء المنصب والولاية للآخر بالاضافة إلى الوقف

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأموال القصّر مستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة ومعتبرة سالم بن مكرم ، لا يمكن المساعدة عليها ، فإنّ المستفاد منها إعطاء ولاية القضاء وفصل الخصومة للفقيه مطلقا أو بنحو قاضي التحكيم على ما تقدّم ، وشيء منهما لا يتضمّن أنّ للفقيه جعل منصب التولية للوقف أو أموال القصّر ، بل قضية التوكيل والاستنابة التي ذكرنا مقتضى كون التصرف في الوقف أو أموال القصّر ونحوهما دليل الحسبة.

ودعوى أنّ مفاد الروايتين إعطاء ولاية القضاء للفقيه بنحو النصب العامّ بما لولاية القضاء من الشئون ونصب المتولّي للوقف أو القيّم للأطفال من شئون ولاية القضاء ، يدفعها أنّ المعطى للفقيه على ما يستفاد منهما هو منصب القضاء أي فصل الخصومة ، لا إعطاء ولاية الحكم والقضاء بنحو كانت عند العامّة من الشئون ، فإنّ المنصوبين للقضاء من ولاة الجور وإن كان كما ذكر إلّا أنّ الروايتين لا تدلّان على أن النصب العامّ من الإمام عليه‌السلام للقضاء كذلك ؛ ولذا لا يمكن الاستدلال بهما على نفوذ الحكم الابتدائيّ من الفقيه ، وأمّا سائر الروايات التي يستند إليها في ثبوت الولاية للفقيه بنحو الشمول بحيث يكون الفقيه مفروض الطاعة كالإمام ، فقد ذكرنا (١) في بحث ولاية الفقيه أنّ دائرة ولايته في الامور الحسبيّة ولا تدلّ في تلك الروايات على كون الفقيه مفروض الطاعة نفسيّا كالإمام عليه‌السلام ، فراجع.

نعم يبقى في البين أمر وهو دعوى أنّ مجرّد الاستيذان والتوكيل من الفقيه في التصدّي لمثل أموال الأيتام والأوقاف لا يوجب انتظام امور الأوقاف وأموال القصّر وغير ذلك مما يعدّ التصرف فيها حسبة ، حيث يعطّل التصرّفات فيها ووضعها بحالها

__________________

(١) إرشاد الطالب ٣ : ٢٦ فما بعد.

٣٩٥

(مسألة ٥٢) إذا بقي على تقليد الميّت من دون أن يقلّد الحيّ في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد [١].

______________________________________________________

إلى حصول الإذن والوكالة من مجتهد آخر بعد موت المجتهد الأوّل. وهذا مما يعلم أنّ التصرّفات في هذه الموارد لا يمكن تعطيلها ، فاللازم أن يكون الصادر عن المجتهد بنحو إعطاء الولاية بجعل الشيخ متولّيا أو قيّما.

[١] ذكر قدس‌سره إذا بقي على تقليد الميّت من دون أن يقلّد الحي في هذه المسألة كان كمن عمل بلا تقليد ، وقد ذكر قدس‌سره في مسألة من عمل في السابق بلا تقليد أنّه لا تجزي أعماله السابقة إلّا إذا كان ما عمله السابق مطابقا لفتوى من يجب عليه الرجوع إليه فعلا ، وإلحاق من بقي على تقليده السابق في أعماله بلا رجوع إلى الحيّ الفعليّ في البقاء بما ذكره في تلك المسألة أن لا يحكم بصحة أعماله أيضا إلّا إذا كان مطابقا لفتاوى الحيّ الفعليّ.

ولكن لا يخفى ما في الإلحاق وذلك فإنّ ما تقدّم في عمل العاميّ بلا تقليد وظيفته بعد تلك الأعمال الرجوع إلى المجتهد الذي تكون فتاويه حجّة فعلا بالإضافة إليه ، فإن كانت تلك الأعمال مخالفة لفتاويه فعليه تداركها على طبق فتاوى المجتهد الفعليّ.

ولا ينفع انكشاف مطابقتها لفتاوى المجتهد الذي كان يتعيّن عليه أن يقلّده في ذلك الزمان أو كان يجوز له التقليد منه حتّى فيما إذا كان أعلم من الحيّ الفعليّ حيث لا يجوز للعاميّ فعلا الرجوع إلى فتاويه ؛ لأنّ التقليد منه يحسب من التقليد الابتدائيّ من الميّت ، بخلاف هذه المسألة فإنّ العاميّ قد عمل على فتاوى الميّت الذي تعلّم الفتاوى منه حال حياته ، غاية الأمر لا يعلم جواز العمل بها بعد موته حيث لم يرجع في جواز البقاء على الحيّ ، وإذا رجع عليه وأوجب ذلك البقاء أو جوّزه تكون فتوى الحيّ في البقاء طريقا معتبرا

٣٩٦

(مسألة ٥٣) إذا قلّد من يكتفي بالمرّة مثلا في التسبيحات الأربع واكتفى بها ، أو قلّد من يكتفي في التيمّم بضربة واحدة ثمّ مات ذلك المجتهد فقلّد من يقول بوجوب التعدّد لا يجب [١] عليه إعادة الأعمال السابقة ، وكذا لو أوقع عقدا أو إيقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحّة ثمّ مات وقلّد من يقول بالبطلان يجوز له البناء على الصحّة ، نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني.

وأمّا إذا قلّد من يقول بطهارة شيء كالغسالة ثمّ مات وقلّد من يقول بنجاسته فالصلوات والأعمال السابقة محكومة بالصحّة ، وإن كانت مع استعمال ذلك الشيء ، وأمّا نفس ذلك الشيء إذا كان باقيا فلا يحكم بعد ذلك بطهارته وكذا في

______________________________________________________

إلى اعتبار فتاوى الميّت بعد موته أيضا ، فالعاميّ المفروض يحرز الإتيان بوظائفه بالأخذ بفتاوى الميّت فيها ، وأمّا فتاوى الحيّ الفعليّ لا يعتبر في حقّ العاميّ في غير مسألة جواز البقاء إمّا لفتواه بوجوب البقاء المسقط لاعتبار فتاويه ، أو لفتواه بجواز البقاء الموجب لعدم اعتبار فتاويه في حقّه في سائر المسائل ما لم يأخذ العاميّ بها ، بخلاف فتاوى الميّت بعد موته فإنّ المفروض أنّه أخذ بها وعمل عليها في زمان حياته ، فلا ترتبط هذه المسألة بمسألة العمل بلا تقليد.

موارد الإجزاء في الأعمال السابقة الواقعة على طبق حجّة معتبرة

[١] قد تقدّم أنّ الوجه في التفصيل هو دعوى العلم أو الاطمينان بأنّ الشارع لا يكلّف العباد بتدارك الأعمال السابقة التي لا يحصل العلم الوجدانيّ ببطلانها واقعا فيما إذا أتى بها حين العمل على طبق حجّة معتبرة ثمّ أحرز بحجّة اخرى أنّها كانت مخالفة للواقع لا بانكشاف وجدانيّ بل بقيام حجّة اخرى بعد سقوط ما كان للعامل عن الاعتبار في الحجّية ، ومورد المتيقّن من هذا الإجزاء ودعوى التسالم في العبادات السابقة والعقود والايقاعات ، وأمّا غيرها من الأعمال مما كان موضوع

٣٩٧

الحلّية والحرمة. فإذا أفتى المجتهد الأوّل بجواز الذبح بغير الحديد مثلا فذبح حيوانا كذلك فمات المجتهد وقلّد من يقول بحرمته ، فإن باعه أو أكله حكم بصحّة البيع وإباحة الأكل ، وأمّا إذا كان الحيوان المذبوح موجودا فلا يجوز بيعه ولا أكله وهكذا.

(مسألة ٥٤) الوكيل في عمل عن الغير كإجراء عقد أو إيقاع أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفّارة أو نحو ذلك يجب [١] أن يعمل بمقتضى تقليد الموكّل لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين ، وكذلك الوصيّ في مثل ما لو كان وصيّا في استيجار الصلاة عنه يجب أن يكون على وفق فتوى مجتهد الميّت.

______________________________________________________

الحكم والتكليف بحسب الحجّة القائمة موجودا فيعمل في ذلك الموضوع على طبق الحجّة القائمة ، وبما أنّ الذبح فيما كان الحيوان المذبوح غير داخل في العبادات والعقود والإيقاعات فاللازم فيه رعاية التقليد الثاني ، نعم ما باع منه قبل ذلك يحكم بصحة ذلك البيع. وعلى الجملة الإجزاء في الأعمال السابقة على خلاف القاعدة بعد سقوط فتوى المجتهد السابق عن الاعتبار وكون المعتبر في الوقائع هو فتوى المجتهد الفعليّ وإحراز فوت الواقع بهذه الفتوى ، كما إذا أفتى باعتبار ضربتين في التيمّم أو فساد النكاح الأوّل بإفتائه باعتبار العربيّة في عقد النكاح ونحو ذلك. نعم الالتزام بالإجزاء في مثل الإخلال بالتعدّد في التسبيحات الأربع على القاعدة ، لحكومة حديث «لا تعاد» في الخلل الحاصل في الصلاة عن عذر في غير الوارد في ناحية المستثنى في ذلك الحديث ، أو غيره كالوارد في الإخلال بتكبيرة الإحرام ، والمتحصّل الالتزام بالإجزاء مع كونه على خلاف القاعدة لما تقدّم من بعض الوجوه التي عمدتها ما أشرنا إليه.

[١] لا ينبغي التأمّل في عمل الوكيل وأنّ اللازم عليه رعاية تقليد الموكّل حيث

٣٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّه وكيل فيما يكون عند موكّله نكاحا أو بيعا أو غير ذلك ممّا على الموكّل من إعطاء ما يجب عليه من الزكاة والخمس حيث إنّه لا يعتبر في إعطائهما المباشرة بل يكفي التسبيب الحاصل بالإذن والتوكيل ، وكذا الحال في الوصيّ فيما لا يجب الإتيان به عن الميّت إلّا بالوصيّة كما في قضاء الصلاة والصوم عنه ، وأمّا إذا كان الإتيان به لخروجه عن أصل التركة بحيث لو أحرز اشتغال ذمته به وجب إخراجه عن تركته وإن لم يوص به ، كاشتغال ذمته بالخمس أو الزكاة والحج فعلى الوصيّ أن يؤدّيها على وجه يحرز به فراغ ذمة الميّت ، فيكفي إحراز الفراغ بحسب تقليد نفسه ، والأحوط لزوما ملاحظة تقليد الورثة أيضا ؛ لأنّ تركة الميّت تنتقل إلى الورثة بعد أداء مثل هذه الديون وإذا كان أداء الوصيّ صحيحا على تقليده وغير صحيح على تقليد ساير الورثة فلا يمكن للورثة تقسيم الباقي من التركة والتصرّف فيه ، كما أنّ ما يجب على بعض الورثة ولو مع عدم الوصيّة كقضاء الفائتة من الأب من صلاته وصيامه ووجوبه على الولد الأكبر فعليه أن يلاحظ تقليد نفسه ، وإذا كان على تقليد الأب المتوفّى صحة التيمم بضربة واحدة وكان على تقليد الولد الأكبر لزوم ضربتين فلا يجوز له أن يقضي ما فات عن أبيه بضربة واحدة ونحو ذلك ، فإنّ القضاء عن الأب تكليف متوجّه إلى الولد الأكبر فعليه إحراز فراغ ذمّة الأب عما عليه من الصلاة والصيام.

وعلى الجملة ما ذكر من أنّ الوصي يراعي تقليد الموصي فوجهه انصراف وصيته إلى الإتيان بما هو صحيح عنده ، وإذا كان الصحيح عنده باطلا على تقليد الولد الأكبر فلا يجوز له الاكتفاء به حتى فيما لو استأجر الوصيّ من يقضي صلاة الأب على طبق تقليد الموصي ، ويجوز في الفرض تقسيم باقي التركة ـ بعد إخراج ثلث

٣٩٩

(مسألة ٥٥) إذا كان البائع مقلّدا لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا أو العقد بالفارسي والمشتري مقلّدا لمن يقول بالبطلان ، لا يصحّ البيع بالنسبة إلى البائع [١] أيضا ؛ لأنه متقوّم بطرفين ، فاللازم أن يكون صحيحا من الطرفين. وكذا في كلّ عقد كان مذهب أحد الطرفين بطلانه ومذهب الآخر صحته.

______________________________________________________

الميّت أو مقدار الوصيّة وإن كان أقلّ من ثلثه ـ بين الورثة حتّى فيما كان ما صرف فيه ثلث الميّت أو مقدار الوصيّة باطلا عند الورثة أو الولد الأكبر ، والفرق بين ما يؤخذ على الميّت من أصل التركة أو من مقدار ثلثه ، بأنّه لا يجوز التقسيم فيما يخرج من أصل التركة إلّا في فرض صحة ما يخرج ، ويجوز التقسيم فيما لا يخرج من أصلها ، ولا يجب الإتيان به إلّا بالوصيّة النافذة من الثلث وإن أحرز الورثة ما صرفه الوصيّ فيه كان باطلا على تقليدهم ، يظهر بالتأمّل فيما ذكرنا.

نعم لو أوصى الميّت بأنّه على الوصيّ إفراغ ذمّة الموصي من صلاته وصيامه ونحو ذلك فلا بأس أن يلاحظ الوصيّ تقليد نفسه ولا يراعي تقليد الموصي.

اختلاف المتعاملين في التقليد

[١] لا أظنّ أن يلتزم الماتن قدس‌سره أو غيره ببطلان المعاملة واقعا فيما كانت المعاملة فاسدة بحسب تقليد أحد المتعاملين أو اجتهاده ، حيث إنّ الصحة الواقعيّة للمعاملة أو فسادها لا تتبع آراء المجتهد أو تقليد المتعاقدين وليكن مراده قدس‌سره أنّه إذا كان العقد باطلا بحسب تقليد أحد المتعاقدين لا يمكن أن يرتّب الآخر آثار الصحة عليه.

لا يقال : إذا لم يمكن التفكيك بحسب الوظيفة الظاهريّة فالحكم بصحته بالإضافة إلى أحد المتعاقدين واقعا يوجب الحكم بصحّته بالإضافة إلى الآخر فما وجه تقديم جانب البطلان؟

فإنّه يقال : المراد هو أنّه إذا حكم ببطلان المعاملة بالإضافة إلى أحد المتعاقدين

٤٠٠