دروس في مسائل علم الأصول - ج ٦

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-62-8
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد تقدم أن الدخول في غير لاعتبار مضي المحل لا أنه تعبد آخر بقيد آخر في جريان قاعدة التجاوز وقلنا إذا كان مضي محل الشيء بالدخول في غير كما إذا شك في غير الجزء الأخير من العمل فلا بد من الدخول في نفس الجزء الآخر المترتب عليه أو في جزء جزئه ، ولا يكفي الدخول في مقدمة الجزء الآخر وقد يتوهم أن المستفاد من صحيحة إسماعيل بن جابر أن الشك في السجود بعد ما قام من الدخول في مقدمة الجزء مع أن الشك فيه محكوم بعدم الاعتناء حيث إن القيام من السجدة الثانية معتبر في القراءة أو التسبيحات الأربع في غير الركعتين الأوليتين ، ولكن الوهم فاسد فإن الدخول في الركعة الاخرى يحصل بالقيام من بعد السجدة الثانية فالسجدة الثانية محلها الشرعي قبل الدخول في الركعة الاخرى فالركعة الاخرى جزء من الصلاة من حين تحققها إلى انقضائها غاية الأمر يجب فيها القراءة أو التسبيحات فالدخول في القيام جزء من الصلاة وشرط للقراءة أو الذكر الواجب في الركعة فعدم الاعتناء بالشك في السجود بعده غير الشك في السجدة عند الأخذ بالقيام فإن الأول شك بعد مضي المحل والثاني شك قبل مضيه.

ومنها ـ أنه هل تجري قاعدة الفراغ في العمل بمجرد الشك في صحته وفساده بعد مضيه والفراغ عنه مطلقا أو ينحصر جريانها فيه عند الشك بعد العمل على صورة احتمال الخلل فيه ناشئا عن احتمال الغفلة عند العمل. ولذلك صورتان :

الاولى ـ ما إذا علم الغفلة حال العمل ولكن مع ذلك يحتمل صحة العمل لمجرد احتمال اتفاق الصحة كما إذا اغتسل المكلف أو توضأ مع الخاتم بيده وعلم أيضا أنه لغفلته لم يعالج لوصول الماء تحت الخاتم عند الاغتسال أو التوضؤ ومع ذلك يحتمل اتفاق وصول الماء تحته فإنه قد يقال بجريان قاعدة الفراغ بالإضافة إلى

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

وضوئه أخذا بالعموم في قوله عليه‌السلام : «كلما شككت فيه مما قد مضى فليس عليك شيء» وقد يقال بعدم جريانها في شيء من موارد إحراز الغفلة حال العمل واحتمال صحته اتفاقا فإن ترك بعض ما يعتبر في العمل عمدا غير داخل في اعتبار القاعدتين بل الداخل فيهما احتمال الخلل لاحتمال الغفلة كما هو مقتضى قوله عليه‌السلام في حسنة بكير بن أعين : «حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» وقوله عليه‌السلام : «وكان حين انصرف أقرب إلى الحق بعد ذلك» (١) فإن مدلول الأول إذا كان أذكر فلا يترك ولا ينقض من العمل فيختص التعبد بما إذا احتمل الذكر حال العمل ، ومدلول الثاني إذا احتمل كونه حين الفراغ أقرب إلى الحق فلا يجري التعبد في ما إذا علم عدم الفرق بين زمان حصول الشك وزمان الفراغ كما هو الحال في موارد إحراز الغفلة.

وعن المحقق النائيني قدس‌سره بأنه لا يختص جريان قاعدة الفراغ بصورة احتمال الخلل لاحتمال الغفلة بل إذا احتمل الصحة في العمل الماضي ولو اتفاقا جرت قاعدة الفراغ ؛ لأن الوارد في الروايتين من بيان الحكمة للتعبد بالصحة فلا يكون الحكم بها دائرا مدار حصولها ، ولا يخفى أن التعبد في الحسنة بالذكر حال الوضوء وإذا علم الغفلة حاله لا يمكن التعبد به.

ودعوى أن التعبد بالذكر فيها حال العمل أو كونه عند الفراغ أقرب إلى الحق في الصحيحة لا تنافي التعبد بالتمام والصحة في سائر الروايات يمكن دفعها بأن ظاهر الروايات الواردة في قاعدة الفراغ أن المتعبد به فيها أمر واحد ، وأن قوله عليه‌السلام «وكان حين انصرف أقرب إلى الحق» من قبيل التعليل لعدم الاعتناء بالشك بعد العمل ،

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٣ ، الباب ٢٧ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣.

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وحمله على بيان الحكمة خلاف الظاهر ؛ لأن قاعدة الفراغ مفادها أمر ارتكازي وهو بما أن الفاعل لفعل لا يترك خللا فيه مع معرفته العمل إلّا مع الغفلة عن حال العمل يكون الشارع في تلك الروايات بصدد بيان اعتبار هذا الأمر الارتكازي.

وقد يقال : بأن المستفاد من بعض الروايات أن الشارع قد حكم بصحة العمل المفروغ حتى في صورة العلم بالغفلة واحتمال الصحة الواقعية ، ويدلّ على ذلك صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخاتم إذا اغتسلت قال : حوله من مكانه وقال في الوضوء : تدره فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة» (١) والوجه في دلالتها أنه لو لم تجر قاعدة الفراغ في نفس الوضوء فالصلاة تكون محكومة بالبطلان ، وكذا الحال في الغسل فإنه لو لا اعتبار قاعدة الفراغ في الغسل بعد الدخول في الصلاة كما استفدنا ذلك من صحيحة زرارة المتقدمة أيضا لما أمكن الحكم بصحة الصلاة التي دخل فيها ، ولكن لا يخفى ما في الاستدلال فإنه لم يظهر من الرواية أن نظر السائل استعلام حال الوضوء والغسل عند احتمال عدم وصول الماء تحت الخاتم في الوضوء أو الغسل بل من المحتمل لو لا الظهور احتماله كون الخاتم في اليد عند الوضوء أو الغسل مانعا عنهما أو نزعه واجبا أو مستحبا ولذا فصل الإمام عليه‌السلام في الجواب بين الوضوء والغسل ، وذكر في الوضوء بالإدارة ، وفي الغسل بالتحويل ، ولو لا كونها في بيان الحكم الأدبي في الغسل والوضوء لم يكن وجه للتفصيل بين الوضوء والغسل بما ذكر.

أقول : رواية بكير بن أعين مضمرة لم يعلم المسئول هو الإمام عليه‌السلام ومع الغمض

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٢٩ ، الباب ٤١ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

عن ذلك فلا يستفاد منها إلّا حكم الوضوء وإن الحكم بصحته في فرض احتمال الذكر وإحرازه عند التوضؤ تمامه فإن للوضوء خصوصية كعدم جريان قاعدة التجاوز فيه ما دام لم يحصل الفراغ منه فلا تنافي الأخذ بالعموم في مثل قوله عليه‌السلام : «كلّما شككت فيه مما قد مضى فليس عليك شيء» (١).

ودعوى أن الإمام عليه‌السلام في روايات قاعدة الفراغ بصدد بيان الأمر الارتكازي لا يمكن المساعدة عليها فإن العمدة في ذلك مضمرة بكير بن أعين ، وأما ما في صحيحة محمد بن مسلم من قوله عليه‌السلام : «وكان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك» فظاهرها اعتبار قاعدة اليقين في الصلاة أي إذا حصل الشك في عدد الركعات بعد الصلاة مع أن اليقين حال الانصراف غير دخيل في الحكم بصحة الصلاة بل إذا كان ظانا حين التسليمة أو غافلا عن حاله فشك بعد التسليمة بين الثلاث والأربع يحكم بصحة صلاته فاليقين في مورد الرواية لا اعتبار به فضلا عن التعدي إلى غير مورده.

وعلى الجملة مقتضى الإطلاق في اعتبار قاعدة الفراغ غير بعيد ، ولكن الاقتصار على موارد احتمال الغفلة أحوط. نعم ، لو كان الشك بعد الإتيان بعمل بعد خروج وقته مما يجب قضاؤه على تقدير فوته يجري في ناحية ذلك العمل أصالة البراءة عن وجوب قضائه كما إذا صلى بعد الغسل أو الوضوء المفروض وبعد خروج وقت الصلاة شك في وصول الماء إلى تحت خاتمه مع العلم بغفلته حال الوضوء أو الغسل عنه فلا بأس بالرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب قضاء الصلاة لأن وجوب

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٣٦ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

القضاء بتكليف جديد عند الاشتغال بالصلاة أيضا.

الصورة الثانية ـ ما إذا أحتمل صحة عمله السابق من جهة مصادفته للواقع مع علمه فعلا بجهله بالصحيح عند العمل من جهة تركه الاجتهاد والتقليد في الشبهة الحكمية وفي هذه الصورة لو كانت صورة ما عمله سابقا محفوظة عنده فيمكن إحراز صحته وفساده بالطريق الفعلي المعتبر في حقه شرعا وأما إذا لم تكن صورة ما عمله سابقا محفوظة عنده فلا يمكن إحراز صحته بقاعدة الفراغ وذلك فإن ما دل على قاعدة الفراغ ناظر إلى صورة احتمال الغفلة عند العمل مع العلم بالحكم والتكليف لا صورة احتمال الخلل عند العمل للجهل بأحدهما أو حتى للغفلة الناشئة من الجهل بالحكم والتكليف.

وبتعبير آخر : إنما تجري قاعدة الفراغ إذا كان احتمال الخلل فيما بعد العمل ناشئا من احتمال طرو الغفلة حال العمل. نعم ، لو احتمل أن العمل كان على تقليد صحيح واحتمل أنه لم يأت بالعمل على طبق ذلك التقليد للغفلة حال العمل فلا بأس بالرجوع إلى قاعدة الفراغ ؛ لأن المعتبر في أجزاء العمل الاستناد إلى الحجة والإتيان به على طبق ذلك وهذان الأمران يحرزان بقاعدة الفراغ الجارية في أعماله السابقة التي لا يحفظ صورتها فعلا.

فتحصل مما ذكرنا أن شرائط العمل إذا كانت من قبيل فعل المكلف ففي الشك في الإخلال بها عند العمل للغفلة لا يعتني بالشك ، وأما إذا كان الشرط من الأمر غير المقدور للمكلف كدخول الوقت بالإضافة إلى الصلاة ، وكذا إذا صلى إلى جهة ثمّ شك في أنها كانت هي القبلة أو أن القبلة كانت في جهة اخرى فلا مجال لقاعدة الفراغ في الأول ؛ لأن القاعدة تختص بموارد الشك في أن الامتثال للتكليف المحرز كان بنحو الصحيح والمجزي أو كان فيه خلل وفي المقام شك في حدوث التكليف بما

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أتى به لا في الشك بعد الفراغ في امتثال التكليف المحرز حال العمل ، ونظير ذلك ما إذا اغتسل غسل الجنابة ، وبعد تمامه شك في أنه كان جنبا قبل الاغتسال أم لا فإنه لا يجوز له الصلاة بلا وضوء ، وكما إذا صلى تماما ثمّ شك في أنه كان قاصدا للإقامة قبلها أو وقع التمام اشتباها ففي هذه الموارد ونظائرها مما يكون الشك في صحة العمل ناشئا من ثبوت التكليف به قبل العمل لا يجري قاعدة الاشتغال ؛ لأن ظاهر ما ورد في اعتبار قاعدة الفراغ هو أن الشك كان في عمله بعد إحراز التكليف به فلا تكون موارد حفظ صورة العمل عند الشك وكون شكه في صحة عمله ناشئا عن ثبوت التكليف به مجرى لقاعدة الفراغ. نعم ، لو احتمل أنه كان عند الدخول في العمل محرزا التكليف به وأن إحرازه كان صحيحا فلا بأس بجريان القاعدة ، وكذا لا تجري القاعدة في مثل مثال القبلة لحفظ صورة العمل عند الشك حيث إن حال المكلف حال العمل لا يختلف عن حاله عند الشك وعدم الجريان مبني على اعتبار احتمال الذكر حال العمل واحتمال الخلل فيه لاحتمال غفلته عند العمل كما أنه كان عالما بالقبلة في جهة وشك بعد الصلاة أنه صلاها بتلك الجهة أو الجهة الاخرى اشتباها.

ومثله ما إذا توضأ أو اغتسل بمائع ثمّ شك في أن ذلك المائع ماء أو مضاف بخلاف ما إذا أحرز أن المائع ماء والآخر مضاف وشك في أنه توضأ أو اغتسل بالماء أو اشتبه فتوضأ أو اغتسل من المضاف فإنه يحمل وضوءه أو غسله على الصحة بقاعدة الفراغ.

وعلى الجملة : كلّما احتمل أنه عند العمل أحرز الشرط والتكليف بوجه معتبر وأتى بالعمل على وجه الصحة يجري قاعدة الفراغ في ذلك وإن لم يثبت وجود ما يسمى بالشرط أو التكليف في ذلك الزمان. هذا كلّه في ما إذا شك في شرط صحة العمل بعد الفراغ منه ، وأما إذا شك في صحته أثناء العمل فللشرط أنحاء :

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فتارة ـ يكون الشرط معتبرا في تمام العمل حتى في الآنات المتخللة بين أجزائه بحيث إذا لم يكن الشرط حاصلا من الابتداء بالعمل لم يكن حصوله بالإضافة بعد ذلك كالطهارة من الحدث فإنها معتبرة في الصلاة من حين الشروع فيها إلى إتمامها حتى في الآنات المتخللة بحيث لو لم يتوضأ المحدث بالأصغر قبل الصلاة فلا يمكن تداركها أصلا ، وفي مثل ذلك إذا شك المكلف في الأثناء في أنه توضأ قبل الصلاة أم لا؟ يجب عليه استئناف الصلاة بعد التوضؤ ؛ لعدم جريان قاعدة الفراغ فيما أتى به من بعض الصلاة ؛ لأنها لا تثبت الطهارة بالإضافة إلى الباقي كما لا تجري في ناحية التوضؤ قبل الصلاة قاعدة التجاوز ؛ لأن الوضوء غير مشروط بوقوعه قبل الصلاة بل الصلاة مشروطة بوقوعها مع الوضوء من المحدث بالأصغر نعم لو أحرز الوضوء حال الصلاة بالاستصحاب كما إذا كانت الحالة السابقة الطهارة وشك في بقائها تحرز الطهارة حال الصلاة بالاستصحاب وهذا خارج عن مورد الكلام.

واخرى ـ يكون الشرط معتبرا في تمام العمل ولكن يمكن إحرازه بالإضافة إلى الباقي بالوجدان ، كما إذا أحرز المكلف ستره في أثناء الصلاة وبعد الإحراز شك في ستره المعتبر بالإضافة إلى الأجزاء السابقة والآنات المتخللة بينها ، وفي الفرض لا بأس بجريان قاعدة الفراغ بالإضافة إلى السابقة ، والمفروض أنه كان محرزا للباقي وأن شكه الستر بالوجدان ، نعم إذا كان شاكا في ستره حتى زمان شكه لم تجر قاعدة الفراغ ، ولا قاعدة التجاوز لعين ما تقدم.

وثالثة ـ يكون الشرط شرطا في أجزاء العمل خاصة لا في الآنات المتخللة ففي هذا الفرض إذا أحرز الشرط بالإضافة إلى الجزء التالي وشك في حصول الشرط في الجزء السابق كما إذا انتصب من الركوع أو فرغ من ذكره الواجب وشك في أنه كان

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ركوعه مع الاستقرار أو بدونه يحكم بصحة صلاته.

عدم جريان قاعدة الفراغ أو قاعدة التجاوز في الشك في العناوين القصدية في قصد عناوينها

وينبغي أن نختم المقام بذكر أمرين :

الأول ـ ما تقدم من جريان قاعدة الفراغ فيما إذا أحرز الفراغ ومضى العمل وشك بعده في صحته وفساده ، وحيث إن تحقق العمل في الأفعال التي عناوينها قصدية موقوف على قصد تلك العناوين فلا تجري قاعدة الفراغ فيما إذا شك بعد العمل في قصد عنوانه كما إذا صلى الظهر أو المغرب ثمّ دخل في صلاة اخرى ثم شك في أنه أتى بالصلاة الاخرى أو دخل فيها بقصد صلاة العصر أو العشاء أو دخل فيها بقصد صلاة الظهر أو المغرب بزعم أنه لم يصل الظهر أو المغرب ففي هذه الصورة لا يحكم بوقوعها عصرا أو دخل فيها عشاء لا بقاعدة الفراغ ولا بقاعدة التجاوز ؛ أما عدم جريان قاعدة الفراغ ؛ لأنه لم يحرز أصل الإتيان بصلاة العصر أو الإتيان والشروع في صلاة العشاء ، وكذا الأمر في قاعدة التجاوز فإنه لم يحرز أن الجزء المأتي به من العصر أو العشاء ويشك في الجزء المتقدم عليه. نعم ، ربما يقال في الصلاة إنه إذا رأى نفسه يأتي بنية العصر أو العشاء وشك في أنه كان ينوي من الأول كذلك أو كان قصده في الأول الظهر والمغرب بزعم أنه لم يصلّها أنه يجري قاعدة التجاوز في قصد العصر والعشاء ، وأنه من الشك بعد تجاوز المحل وهذا مبني على أن قصد العنوان في مثل الصلوات معتبرة شرعا ومحلها شرعا عند الدخول في العمل خصوصا بملاحظة ما ورد في روايات معتبرة في أنها على ما افتتحت (١) ، وقد التزم بذلك السيد اليزدي قدس‌سره في مسائل العدول في النية.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٧١٢ ، الباب ٢ من أبواب النية ، الحديث ٢. وفيه : «هي على ما افتتح الصلاة عليه».

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمر الثاني ـ أنه إذا فرغ من صلاته وشك في أنه صلاها عصرا بزعم أنه صلى الظهر قبل ذلك أو صلاها ظهرا وقد فرغ منها فالصلاة التي أتى بها محكومة بالصحة سواء نواها ظهرا أو عصرا والصحة على الأول ظاهرة ، وعلى الثاني فإن ترتب العصر على الظهر اشتراطه ذكري فمع الغفلة تصح عصرا ، والصلاة التالية مرددة بين كونها عصرا أو ظهرا فيأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمة ، وأما إذا صلى أربع ركعات بعنوان صلاة العصر زاعما أنه صلى الظهر قبلا ثمّ بعد الفراغ شك في أنه صلى الظهر قبلها أم لا فلا ينبغي التأمل في وجوب صلاة الظهر بعد ذلك ؛ لأن صحة صلاة العصر مقطوعة ؛ لأن اعتبار وقوعها بعد الظهر ذكري يسقط مع الغفلة والعذر ، ولا تجري قاعدة الفراغ في ناحية صلاة الظهر لعدم إحراز الإتيان بها أصلا كما لا تجري في ناحيتها قاعدة التجاوز لعدم الاشتراط في ناحيتها بوقوعها قبل العصر بل الاشتراط في ناحية العصر فقط بأن تقع بعد صلاة الظهر حال الذكر. نعم ، ربّما يقال : لزوم الإتيان بصلاة الظهر إنما هو في صورة الشك في الوقت المشترك ، وأما إذا وقع الشك في الوقت المختص بالعصر كما إذا شك في ذلك وقد بقي إلى الغروب مقدار أربع ركعات فتجري قاعدة التجاوز في ناحية صلاة الظهر لمضي وقتها ببقاء مقدار أربع ركعات إلى غروب الشمس ، ولكن لا يخفى بأنه لم يقم على هذا الوقت الاختصاصي دليل والثابت عدم مزاحمة وجوب صلاة الظهر لوجوب صلاة العصر في مقدار أربع ركعات مع الإتيان بالعصر قبل ذلك المقدار ولم تكن في البين مزاحمة.

فصل : تمتاز أصالة الصحة الجارية في عمل غير عن قاعدة الفراغ في جهتين :

الاولى ـ أن قاعدة الفراغ تجري في عمل نفس المكلف بعد الفراغ عنه والشك

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

في صحته وفساده بعده بخلاف أصالة الصحة فإنها تجري في عمل غير مع الشك في صحته وفساده.

الثانية ـ أن قاعدة الاشتغال مجراها عند حصول الشك في العمل بعد الفراغ عنه بخلاف أصالة الصحة فإنها تجري في عمل غير حتى حين الاشتغال بذلك العمل.

في أصالة الصحة الجارية على عمل غير

ثمّ إن أصالة الصحة الجارية في عمل غير تطلق على معنيين :

الأول ـ حمل عمله على الصحيح في مقابل القبيح والحرام بأن لا ينسب صدور الحرام إلى غير ولو بصورة الاحتمال فيما إذا احتمل كونه حلالا ويختص ذلك بما إذا كان غير أخا في الدين بل في الإيمان ويدلّ على ذلك قوله سبحانه : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)(١) وقوله سبحانه : (قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(٢) بقرينة ما ورد في تفسيره «لا تقولوا إلّا خيرا» (٣) وفي صحيحة إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء» (٤) وعلى الجملة الروايات : «المستفادة منها حمل فعل الأخ في الإيمان على الصحيح وسلب جهة السوء ونفي الحرام منه كثيرة لا حمل فعله على الصحيح بمعنى ترتيب الأثر المترتب على عنوان الخاص من الصحيح عليه كما إذا تردد

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ١٢.

(٢) سورة البقرة : الآية ٨٣.

(٣) تفسير البرهان ١ : ٢٦٣ ، طبعة الأعلمي ، الطبعة الاولى ، ١٤١٩ ه‍ ـ ١٩٩٩ م.

(٤) الوسائل ٨ : ٦١٣ ، الباب ١٦١ ، من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأول.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الصادر عن غير بكونه سبا له أو سلاما فإن الوظيفة سلب كونه سبا لا ترتيب أثر كونه سلاما بأن يجب عليه ردّ التحية ، وكذا إذا سلّم عليه ودار أمر سلامه بين كونه تحية له أو استهزاء فيحمل على الصحيح بأن لا ينسب إليه أنه يستهزئ والرد إنما يجب إذا أحرز أنه تحية كما هو ظاهر السلام مع عدم القرينة على الخلاف لا ما إذا اقترن ببعض الامور التي توجب سلب هذا الظهور.

الثاني ـ حمل الفعل الصادر عن غير على التمام والمراد الحمل العملي يعني ترتيب الأثر العملي التام على الصادر عن غير كما إذا طلق غير زوجته فيجوز للشاك في أن الطلاق الصادر عن الزوج صحيح أم لا التزوج بمطلقته بعد انقضاء عدتها حملا لطلاق زوجها على الصحيح ، وإذا شك المأموم في صحة صلاة الإمام أو فسادها يجوز له الاقتداء بصلاته لحملها على الصحة إلى غير ذلك ويستدل على اعتبار أصالة الصحة بهذا المعنى بالكتاب والسنة والإجماع :

أما الكتاب فقوله سبحانه : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) بدعوى أن الخطاب متوجه إلى عامة المكلفين فالوفاء من غير المتعاقدين ترتيب الأثر على العقد الصادر من المتعاقدين ، وفيه ما ذكرنا في بحث الفقه من أن الأمر بالوفاء بالعقود انحلالي وفي مثل البيع الصادر من المتعاملين إرشاد إلى لزوم العقد وعدم انحلاله وليس متضمنا للتكليف أصلا مثلا بالبيع فينتقل المبيع إلى المشتري والثمن إلى بايعه وإذا أمسك البائع بالمبيع ولم يقبضه مع تسلمه الثمن من المشتري يكون إمساكه عدوانا على المشتري ولو كان القبض بعنوان الوفاء واجبا تكليفيا للزم أن يلتزم باستحقاق البائع

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ١.

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

عقابين وأنه ارتكب أمرين : أحدهما حرام ، والآخر ترك واجب ، وهذا ينافي ما ورد في بائع أمسك بالمبيع من استحقاق المشتري تسليمه وقبضه ومع الإغماض عن ذلك ودعوى ظهوره في أنه خطاب لملاك العقد وأرباب العقود فلا ينبغي التأمل في أن وجوب الوفاء في العقود ورد عليه التخصيص أو اعتبر في كل عقد قيدا أو قيودا كاعتبار الكيل في بيع المكيل وتعين الثمن ومدته وإذا فرض في مورد بالشبهة الخارجية في كون العقد الصادر عن غير باقيا تحت العموم أو خارجا عنه يكون التمسك بالعموم في الآية من التمسك بالعام في شبهته المصداقية أضف إلى ذلك أن الآية لا تدل على الحكم في الإيقاعات.

والصحيح أنه لا يمكن إثبات اعتبار أصالة الصحة بمعناها الثاني من الكتاب المجيد كما لا يمكن التمسك في اعتبارها بذيل الإجماع فإن الاتفاق على حمل عمل غير على الصحيح وإن كان أمرا محققا على ما نذكر كما يظهر من كلماتهم في الفروع المتعددة في الأبواب المختلفة خصوصا في مسائل الخصومات في المعاملات ونحوها إلّا أن كونه من الإجماع التعبدي بحيث وصل إليهم ما لم يصل إلينا من المدرك غير معلوم بل من المحتمل جدا لو لا دعوى اليقين أن المستند عندهم ما نذكر من الروايات ، والسيرة المستمرة الجارية من المتشرعة وغيرهم من غير ردع من ناحية الشرع من حمل الفعل الصادر عن غير على التمام.

في الاستدلال على اعتبار أصالة الصحة

وقد يستدل على اعتبار أصالة الصحة في المقام بما ورد من التعليل في رواية حفص بن غياث الواردة في اعتبار قاعدة اليد من قوله عليه‌السلام : «لو لم يجز هذا لما قام

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

للمسلمين سوق» (١) بدعوى أن هذا التعليل يجري في أصالة الصحة أيضا فإنه لو لم تعتبر أصالة الصحة لما قام أيضا سوق وناقش في ذلك المحقق النائيني قدس‌سره بأن الحاجة إلى أصالة الصحة ليست بمثابة يلزم من عدم اعتبارها العسر والحرج وقاعدة اليد تغني في الأكثر عن اعتبار أصالة الصحة ، ولكن فيه ما لا يخفى ، وأن القاعدة لا تغني عن أصالة الصحة فإن اليد لا اعتبار بها فيما إذا علم وجه جريان اليد على المال فلا بد في ترتيب الأثر تصحيح الوجه الذي جرى معه اليد على المال كما إذا علم أن المال الذي كان بيد زيد أمانة عنده اشتراه من مالكه وإذا لم يجري أصالة الصحة في ذلك الشراء خصوصا مع دعوى المالك فساده كيف يجوز الشراء من زيد؟ وإذا كان الحال كذلك في بعض موارد اليد فكيف الحال في غير مواردها؟ مما أشرنا إليها من أفعال غير والصحيح في الجواب مع الغمض عن السند أن غاية ما يقتضي التعليل المذكور اعتبار أصالة الصحة في المعاملات الجارية على الأموال ، والمدعى في المقام اعتبار الصحة في أفعال غير من الواجبات وغيرها مما يطلق عليه المعاملة بالمعنى الأعم ، ويمكن اتصافها بالصحة والفساد.

وقد يستدل أيضا على اعتبار أصالة الصحة بما ورد في مشروعية التوكيل حيث إنه لا يحرز عادة صحة عمل الوكيل إلّا بالحمل على الصحة ، ولكن لا يخفى ما في هذا الاستدلال أيضا فإن ما دل على مشروعية الوكالة في المعاملة ونحوها مدلولها عدم لزوم الإتيان بها مباشرة ولكن لا دلالة له على اعتبار قول الوكيل في إحراز صحته فضلا عن إحرازها بأصالة الصحة حيث لا منافاة بين مشروعية الوكالة في معامله

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٢١٥ ، الباب ٢٥ ، من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ٢.

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولزوم إحراز صحتها بوجه معتبر ككون الوكيل ثقة أو عدلا عارفا بالصحيح والفاسد وعلى الجملة كما يعتبر إحراز أصل عمل الوكيل في ترتيب الأثر كذلك يعتبر إحراز صحته ولا منافاة بين مشروعية الوكالة ولزوم هذا الإحراز.

وهذا نظير ما دل على صحة الاقتداء بمن يثق بدينه (١) فإن غاية مدلوله إحراز العدالة في إمام الجماعة في جواز الاقتداء به ، وأما إحراز صحة صلاته فيمكن أن لا يعتبر في إحرازها أصالة الصحة فلا منافاة بين جواز الاقتداء بالعادل وعدم اعتبار أصالة الصحة فيقتدى به فيما إذا أحرز ولو بالاطمينان أنه لا يصلي بنحو لا يرى صحتها.

والعمدة كما أشرنا في اعتبار أصالة الصحة جريان السيرة الجارية من العقلاء والمتشرعة من حمل الفعل الصادر عن غير على الصحة أي التام وترتيب الأثر عليه ما لم يحرز الخلاف من غير أن يرد من الشرع ما يدل على إلغاء السيرة.

موارد الرجوع إلى أصالة الصحة في عمل غير

وينبغي التنبيه في المقام على امور :

الأول ـ المراد بالصحة في المقام المحمول عليها فعل غير الصحة الواقعية لا الصحة على اعتقاد الفاعل كما يظهر الحمل على ذلك من بعض كلمات المحقق القمي وغيره ممن استند في اعتبارها لظهور حال المسلم فإن مقتضى الظاهر أي الغلبة في الفاعل المريد لفعل أنه لا يأتي به على الوجه الباطل عنده إلّا مع الغفلة عن بعض خصوصياته التي يعلم باعتبارها فيه والغفلة أمر نادر بالإضافة إلى تذكر الفاعل

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٨٨ ، الباب ١٠ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث ٢.

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والتفاته والوجه في الحمل على الصحة الواقعية لا على الاعتقادية مقتضى السيرة الجارية فإنها لا تتبع ظهور الحال خاصة بل يحمل على الصحة الواقعية حتى فيما لم يحرز موافقة العامل مع الحامل في الخصوصيات المعتبرة في ذلك العمل بل مورد ظهور الحال الموجب للوثوق بصحة عمل غير يكون خارجا عن محل الكلام في أصالة الصحة ؛ لأن الوثوق بالشيء في نفسه حجة عقلائية في غير مقام الدعاوى وأصالة الصحة معتبرة مطلقا.

الثاني ـ قد يعلم عدم علم العامل بالفعل الصحيح والفاسد من جهة جهله بالحكم أو الموضوع فتكون صحة عمله واقعا بمجرد المصادفة والاتفاق وقد لا يعلم حاله من أنه يعلم الحكم أو الموضوع ولذلك يحتمل صحة عمله لاحتمال علمه بالحكم والموضوع مع احتمال فساده لعدم علمه ، وقد يعلم أن العامل يعلم العمل الصحيح والفاسد ومع ذلك يحتمل فساد عمله لاحتمال غفلته حال العمل أو كون الصحيح عنده يغاير الصحيح عند الحامل ، وهل يعتبر أصالة الصحة في جميع هذه الصور أو تخص جريانها لبعضها؟

الظاهر أنه لا يمكن لنا اعتبار أصالة الصحة في الصورة الاولى ؛ لأن الدليل على اعتبارها السيرة المشار إليها ، وثبوتها فيها غير محرز ، ومع عدم الإحراز لا يمكن رفع اليد عن الاستصحاب الجاري في ناحية عدم حدوث ذلك الفعل الصحيح المفروض كونه هو الموضوع للحكم بالإضافة إلى غير ، وما قيل في وجه عدم الجريان من أن الدليل على اعتبارها ظهور حال المسلم ، وأنه لا يقدم على العمل الفاسد ، وهذا الظهور لا يتحقق مع العلم بحال المسلم ، وأنه لا يعرف الصحيح من الفاسد لا يمكن المساعدة عليه لما تقدم من أن اعتبار ظهور الحال غير اعتبار أصالة

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الصحة ؛ ولذا تجري أصالة الصحة فيما جهل حال المسلم العامل إذ مع فرض الجهل بحاله لا ظهور في حاله ، وعلى ذلك تجري أصالة الصحة في الصورة الثانية فإن جريانها فيها غير قابل للمناقشة ، وأما الصورة الثالثة فيحمل عمل غير فيها على الصحيح فيما إذا علم موافقة الحامل مع العامل في الاعتقاد ، وكان احتمال الفساد لاحتمال غفلته حال العمل أو علم اختلافهما ، ولكن كان الاختلاف بينهما لا بنحو التباين كما إذا اعتقد العامل صحة الغسل ولو مع عدم الترتيب في غسل اليمين واليسار ، ولكن يرى الحامل اعتباره مع احتماله أن العامل أيضا اغتسل ترتيبا بين يمينه ويساره فيجوز للغير الائتمام بإمام يرى عدم الترتيب بين اليمين واليسار مع احتماله رعايته في اغتساله ، ودعوى عدم إحراز السيرة في فرض هذا الاختلاف كما ترى.

وأما إذا كان الاختلاف بينهما بنحو التباين فلا مورد للحمل على الصحة فإن احتمال الصحة في فعل الفاعل في الفرض لاحتمال غفلته وعدم التفاته ، وليس من ديدن العقلاء والمتشرعة حمل فعل الفاعل على الغفلة في مقام ترتيب الأثر. نعم ، ربّما يعتبر الشارع اعتقاد الفاعل بصحة عمله موضوعا للحكم على السائرين بترتيب الأثر كما هو مفاد قاعدة الالتزام كترتيب الأثر على نكاح غير وطلاقه وهذا غير مورد الكلام في المقام.

ما يقال من عدم جريان أصالة الصحة عند الشك في الأركان

الثالث ـ المحكي عن العلامة والمحقق الثاني أن أصالة الصحة تجري في العقود والإيقاعات فيما إذا كان الشك في غير الأركان منهما ، وأما إذا كان المشكوك الركن فلا تعتبر أصالة الصحة قال : إذا اختلف الضامن والمضمون له فقال الضامن : ضمنت وأنا صبي فلا ضمان عليّ ، وقال المضمون له : ضمنت وأنت بالغ حلف

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الضامن على عدم بلوغه حال الضمان ، ثمّ قال : ولا تجري أصالة الصحة في عقد الضمان ليكون منكرها مدعيا ؛ لأن أصالة الصحة تجري في العقود بعد إحراز أهلية التصرف كما إذا اختلفا في تحقق أمر مبطل ففي مثله يقدم قول مدعي الصحة ، ونظير مسألة الضمان ما إذا قال البائع : بعتك المتاع بعبد ، وقال المشتري : اشتريته بحرّ فإن في هذا المورد أيضا لا تجري أصالة الصحة ليقدم قول البائع بل تجري أصالة عدم بيع المتاع أو قال البائع : بعتك الحر ، وقال المشتري : اشتريت العبد فإنه لا يحمل البيع على الصحة بل الأصل عدم وقوع السبب الناقل بالعبد.

وقال الشيخ قدس‌سره : لم يعلم الفرق بين مسألة الضمان بدعوى الضامن صغره عند الضمان وبين دعوى البائع صغره عند البيع حيث صرح المحقق الثاني والعلامة بجريان أصالة الصحة ثمّ قال : مقتضى النظر إلى الأدلة من السيرة المشار إليها ولزوم الإخلال هو التعميم ولذا لو شك المكلف في أن اشتراءه المتاع في السابق كان صحيحا لبلوغه أم كان صغيرا بنى على الصحة ، ولو قيل : إن الحكم بالصحة في الفرض لجريان أصالة الصحة في فعل البائع وهو تمليكه المتاع المفروض جرى ذلك في مسألة الدعوى والإنكار حيث إن أصالة الصحة الجارية في فعل البائع توجب تقديم قوله على قول المشتري ، وكذا يجري في جميع العقود حيث إن الحكم بصحة فعل أحد الطرفين يوجب الحكم بوقوع الفعل الصحيح من الآخر لعدم تبعض العقد في الحكم بالصحة. نعم ، إذا لم يكن في البين طرف آخر كما في الإيقاعات فلا مورد لهذا الكلام فيها وذكر قدس‌سره أن الخلاف في تحقق شرط مفسد للعقد أو الإيقاع وتقديم مدعى الصحة فيه لا يحتاج إلى أصالة الصحة ؛ لأن الأصل في الاختلاف في الشرط الفاسد أو المفسد عدم اشتراطه ، وإنما الكلام في أصالة الصحة الموارد التي يكون

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الأصل فيها عدم تحقق العقد أو الإيقاع التام ليؤخذ فيها الأصل المذكور ويؤخذ بالتمام لأصالة الصحة الجارية فيها.

عدم جريان أصالة الصحة في موارد الشك في قابلية الفاعل للفعل أو قابلية المورد له

ثمّ إنه قد ينسب إلى المحقق الثاني أن مراده مما سبق عدم جريان أصالة الصحة في موردين :

أحدهما ـ ما إذا شك في قابلية الفاعل لإيجاد الفعل بمعنى ولايته على إيجاد الشيء سواء كان الشك في القابلية العرفية والشرعية كما إذا شك في كون البائع مميزا بالغا أم لا أو في القابلية الشرعية فقط كما إذا علم كونه مميزا والشك كان في بلوغه خاصة أو شك في كون المطلق مجنونا فإنه لا يجري في شيء من قبيل ذلك أصالة الصحة.

والآخر ـ ما إذا كان الشك في قابلية المورد سواء كانت القابلية العرفية التي أمضاها الشرع أو القابلية الشرعية فقط كما إذا شك في أن العوض في البيع ماله مالية عند العقلاء كبعض الحشرات أو في القابلية الشرعية فقط ككون المبيع خلا أو خمرا فإن هذه الموارد كالصورة الاولى خارجة عن سيرة العقلاء فتكون موارد الحمل على الصحة في العقود أو الإيقاعات فيما إذا كان الشك فيها من غير ناحية قابلية الفاعل والمورد ، وأما إحرازها فلا بد من أن يكون من وجه معتبر غير ناحية أصالة الصحة وبتعبير آخر يمكن إحراز تماميتهما بأصالة الصحة من جهة سائر الامور المعتبرة فيهما.

وقد يقال : لا ينبغي التأمل في عدم جريان أصالة الصحة فيما إذا كان الشرط

٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المشكوك في العقد أو الإيقاع بحيث لو لاه لم يصدق عليه عنوان ذلك العقد أو الإيقاع كالقابلية العرفية في الفاعل أو المورد ، وأما إذا كان بحيث لم يمنع فقده عن صدق عنوانهما فيجري أصالة الصحة كالقابلية الشرعية ؛ لأن السيرة العقلائية في الحمل على الصحة سابق على الاشتراط الشرعي ولا يمكن دعوى حصول السيرة على الحمل بعد تشريع العقود والإيقاعات وعلى ذلك ففي الشك في بلوغ البائع ونحوه أو الشك في أن العوض في البيع الواقع كان خمرا أو خلا فلا بأس بالأخذ بأصالة الصحة.

ولكن لا يخفى ما في هذا القول فإن أصالة الصحة في المعاملات وأن تكون بسيرة العقلاء وسيرتهم سابقة على القيود الشرعية إلّا أن المدعى أنه إذا اعتبر في ناحية قابلية الفاعل أمرا بأن يرى أن الفاعل الفاقد له غير قابل للعمل ، وكذا في مورد المعاملة بأن يرى أن الفاقد غير قابل لتلك المعاملة يعاملون المتشرعة من العقلاء مع القابلية الشرعية معاملة القابلية العرفية ولا يعتمدون على أصالة الصحة إلّا بعد إحرازها والسيرة العقلائية إنما يعتمد عليها مع عدم ثبوت السيرة المتشرعة على خلافها حيث يعتبر سيرتهم ردعا كما أن اعتبار البلوغ من الشارع في العقد والإيقاع ردع عن قابلية المميز عند العقلاء ونفي المالية عن الخمر والخنزير ردع عما عندهم من اعتبارهما مالا.

نعم ذكر الشيخ قدس‌سره أن السيرة الجارية حتى من المتشرعة هي الحمل على الصحة حتى في موارد الشك في القيود الشرعية كما يظهر ذلك لمن تتبع سيرتهم في الأموال المباعة في السوق في أيدي الناس فإنهم يتعاملون معها معاملة الملك حتى فيما إذا كان الشك في انتقالها إلى بعض البائعين من غير البالغين أو في مقابل ما

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يكون مالا شرعا ، ولكن لا يخفى ما فيه فإن معاملة الملك مع تلك الأموال ليس للحمل على الصحة بل لقاعدة اليد الجارية في حق ذي اليد.

ومما ذكر يظهر أنه لو علم أن ما بيده من المال قد اشتراه من غير ، ولكن لم يعلم أنه اشتراه قبل بلوغه أم بعده يحكم بكونه ملكا له لقاعدة اليد نظير ما إذا رأى في يده مالا لم يعلم أنه للغير أو ماله يحكم بكونه له ، وعلى الجملة البناء على ملكية المال في مثل الفروض لقاعدة اليد لا لقاعدة حمل عمل غير على الصحة ويكشف عن ذلك أنه لو رأى أن فلانا طلق زوجة زيد ولكن لم يعلم أنه كان وكيلا من قبل زيد أو أن طلاقه فضولي فلا يحمل فعله على الصحة بأن يتزوج بها بعد انقضاء عدتها مع احتمال أنه لم يكن وكيلا من قبل الزوج ، ونظير ذلك ما إذا رأى شخصا أنه يبيع دار زيد ، ولكن لا يدري أن البائع وكيل عن زيد أو أنه يبيع الدار فضولا فلا يحمل بيعه على الصحة بأن يشتريها منه ويعطي الثمن بيده إلى غير ذلك وإن لم يكن ما ذكرنا محرزا فلا أقل من عدم إحراز الحمل على الصحة في موارد الشك في قابلية الفاعل أو المورد.

وقد ذكر الشيخ قدس‌سره أنه لو تنزلنا عما ذكرنا من جريان أصالة الصحة مع الشك في القابلية فلا تجري أصالة الصحة فيما إذا لم يكن في البين طرف آخر بحيث يلزم لصحة عمله لإحراز القابلية فيه صحة عمل من يشك في قابليته كما إذا شك في أنه عند ما طلق زوجته كان صغيرا فيبطل أم بالغا وأما إذا شك في أنه عند ما اشترى المال كان صغيرا أم بالغا فإنه في هذا الفرض يمكن إحراز صحة شرائه بأصالة الصحة الجارية في بيع البائع فإن صحة البيع لا تتبعض فالحكم بصحته من قبل البائع يلزم الحكم بالصحة من جهة الشراء أيضا بخلاف الشك في بلوغ الزوج عند طلاق زوجته

٦٠