دروس في مسائل علم الأصول - ج ٦

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-62-8
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٦

قلت : رجوعه إليه فيها إنما هو لأجل اطلاعه على عدم الأمارة الشرعية فيها ، وهو عاجز عن الاطلاع على ذلك ، وأما تعيين ما هو حكم العقل وأنه مع عدمها هو البراءة أو الاحتياط ، فهو إنما يرجع إليه ، فالمتبع ما استقل به عقله ولو على خلاف ما ذهب إليه مجتهده ، فافهم.

وكذلك لا خلاف ولا إشكال في نفوذ حكم المجتهد المطلق إذا كان باب العلم أو العلمي له مفتوحا [١].

______________________________________________________

تقليد الانسداديّ الأعلم خصوصا بالإضافة إلى القائل بتماميّة مقدّمات الانسداد على الكشف.

[١] قد تقدّم أنّ للمجتهد المطلق منصب الإفتاء في الوقائع ، والفتوى إظهاره الحكم الشرعيّ الفرعيّ الكلّي في الوقائع على ما استنبطه من مدارك الأحكام ، وهذا شروع في أنّ له منصب القضاء أيضا ، والقضاء عبارة عن إنشائه الحكم الجزئيّ ، لثبوت موضوعه فيما إذا ترافع إليه عند الاختلاف في ثبوته وعدمه ، كما إذا كانت الكبرى الشرعيّة المجعولة عند المتخاصمين محرزة ، والاختلاف والتخاصم وقع بينهم في ثبوت موضوعها وعدم ثبوته خارجا ، أو وقع المخاصمة بينهم في واقعة ، لاختلافهم في الكبرى الشرعيّة المجعولة في الشريعة فيها ، كما في اختلاف زوجة الميّت مع ساير الورثة في إرثها من العقار الذي تركه زوجها.

وعلى الجملة ثبوت منصب القضاء وإنهاء الخصومة ـ في موارد الدعاوى الماليّة وساير الحقوق التي تقع المخاصمة بين المترافعين ـ للفقيه الجامع لشرائط الفتوى ثابت.

وأمّا الحكم الابتدائي من الفقيه ـ سواء كان حكمه بثبوت الموضوع ، كحكمه بتحقّق رؤية الهلال أو من قبيل تعيين الوظيفة للناس بالنظر إلى رعاية المصالح العامّة اللازم رعايتها بنظره ، كترك الناس بعض المباحات في زمان ونحوه ـ فهذا محلّ

٢٤١

وأما إذا انسد عليه بابهما ففيه إشكال على الصحيح من تقرير المقدمات على نحو الحكومة ، فإن مثله ـ كما أشرت آنفا ـ ليس ممن يعرف الأحكام ، مع أن معرفتها معتبرة في الحاكم ، كما في المقبولة ، إلّا أن يدعى عدم القول بالفصل ، وهو وإن كان غير بعيد ، إلّا أنه ليس بمثابة يكون حجة على عدم الفصل ، إلّا أن يقال

______________________________________________________

الخلاف والإشكال في نفوذ هذا القسم من الحكم ، وقد تعرّضنا لذلك تفصيلا في بحث القضاء كما تكلّمنا في منصب القضاء الثابت له على التفصيل.

والماتن قدس‌سره تأمّل في ثبوت منصب القضاء وفصل الخصومة للمجتهد المطلق الانسداديّ ، وعمدة القول في نفوذ هذا القسم من الحكم ما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة من قوله عليه‌السلام : «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على الله» (١) والمناقشة في نفوذ هذا الحكم تدور بين الإشكال في سندها أو دلالتها أو فيهما معا.

وأمّا السند فلا بأس به ؛ لأنّ عمر بن حنظلة من المعاريف الذين لم يرد في حقهم قدح.

نعم ، يناقش في دلالتها بأنّ ما قبل هذا الكلام قرينة جليّة على أنّ المراد بالحكم القضاء وفصل الخصومة ، وأنّ النظر في المصالح العامّة ورعايتها لم يكن في زمان صدور الأخبار من المقبولة وغيرها بيد المؤمنين حتّى يجعل الإمام عليه‌السلام منصب الحكومة على الرعيّة لرواة أحاديثهم والناظر في حلالهم وحرامهم ، بل ربّما يقال لا يستفاد من المقبولة النصب وجعل منصب القاضي المنصوب بحيث يجب على الخصم الحضور إذا أحضره للمرافعة بل غاية مدلولها النصب بنحو قاضي التحكيم ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٣٤ ، الباب ٢ من أبواب مقدمات العبادات ، الحديث ١٢.

٢٤٢

بكفاية انفتاح باب العلم في موارد الإجماعات والضروريات من الدين أو المذهب ، والمتواترات إذا كانت جملة يعتدّ بها ، وإن انسد باب العلم بمعظم الفقه ، فإنه يصدق عليه حينئذ أنه ممن روى حديثهم عليهم‌السلام ونظر في حلالهم عليهم‌السلام وحرامهم عليهم‌السلام : وعرف أحكامهم عرفا حقيقة. وأما قوله عليه‌السلام في المقبولة (فإذا حكم

______________________________________________________

بمعنى نفوذ قضائه إذا ترافع المتخاصمون إليه ورضوا أن يحكم في مرافعتهم ، حيث لا يجوز الإغماض عن حكمه إذا حكم.

وهذا الكلام وإن لا يخلو عن التأمّل ، فإنّ ظاهر معتبرة سالم بن مكرم الجمّال هو النصب بمنصب القاضي في وجوب الترافع إليه وقبول حكمه إذا حكم ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم ، فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه» (١) ووجه ظهوره أنّ تفريع وجوب الرجوع والتحاكم إليه على جعله عليه‌السلام قاضيا ظاهره إعطاء منصب القضاء ، ولتمام الكلام محلّ آخر.

نفوذ قضاء المجتهد الانسداديّ وعدم نفوذه

ثمّ ذكر الماتن قدس‌سره أنّ نفوذ القضاء من المجتهد الانسداديّ على تقريره مقدّمات الانسداد على نحو الحكومة مشكل ، فإنّ مثله لا يعرف الأحكام ، ومعرفتها قيد للموضوع في ثبوت منصب القضاء.

أقول : لا فرق على مسلكه في حجيّة الأمارات من أنّ المجعول لها المنجّزية والمعذريّة دون اعتبار الأمارة علما بالحكم الواقعيّ في الوقائع ، فالانفتاحيّ أيضا لا يعرف في الوقائع أحكامها وإن كان تنجّز التكاليف على تقدير ثبوتها في موارد

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣ ـ ١٤ ، الباب الأول من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥.

٢٤٣

بحكمنا) فالمراد أن مثله إذا حكم كان بحكمهم حكم ، حيث كان منصوبا منهم ، كيف وحكمه غالبا يكون في الموضوعات الخارجية ، وليس مثل ملكية دار لزيد أو زوجية امرأة له من أحكامهم عليهم‌السلام فصحة إسناد حكمه إليهم عليهم‌السلام إنما هو لأجل كونه من المنصوب من قبلهم.

______________________________________________________

الأمارات القائمة بها كافية في صدق العنوان ، فالمجتهد الانسداديّ على تقرير الحكومة أيضا يعرف تنجّزها في موارد الظنّ بها على تقدير ثبوتها واقعا.

نعم على القول بأنّ اعتبار الأمارة اعتبارها علما بالواقع فاللازم الاستشكال في ثبوت منصب القضاء للانسداديّ القائل بالحكومة ، دون القائل بالكشف فضلا عن الانفتاحيّ.

اللهم إلّا أن يقال : إنّ الترافع في ثبوت الموضوع في الوقائع المعلوم حكمها الواقعيّ وعدم ثبوته ، وكذا فيما إذا كان منشأ الترافع والمخاصمة الاختلاف في نفس الحكم الشرعيّ المجعول في الواقعة مع علم الانسداديّ بالحكم الواقعيّ فيها داخل في مدلول معتبرة سالم بن مكرم ، حيث إنّ الوارد فيها : «انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا» ، فلا يكون نفس كون المجتهد انسداديّا قائلا بانسداد باب العلم والعلميّ في معظم الوقائع ، وتقرير مقدّماته على نحو الحكومة لا يمنع عن نفوذ حكمه في الاختلاف والترافع في الموضوعات أو بعض الأحكام المشار إليها ، ولا يحتاج إلى دعوى عدم القول بالفصل ، غاية الأمر لا ينفذ حكمه في غير الموردين ، لعدم علمه في غيرهما كما هو ظاهر الفرض.

٢٤٤

وأمّا التجزّي في الاجتهاد ففيه مواضع من الكلام :

الأوّل : في إمكانه [١]. وهو وإن كان محل الخلاف بين الأعلام إلّا أنه لا ينبغي الارتياب فيه ، حيث كانت أبواب الفقه مختلفة مدركا ، والمدارك متفاوتة سهولة وصعوبة ، عقلية ونقلية ، مع اختلاف الأشخاص في الاطلاع عليها ، وفي طول الباع وقصوره بالنسبة إليها ، فرب شخص كثير الاطلاع وطويل الباع في مدرك باب بمهارته في النقليات أو العقليات ، وليس كذلك في آخر لعدم مهارته فيها وابتنائه عليها ، وهذا بالضرورة ربما يوجب حصول القدرة على الاستنباط في بعضها لسهولة مدركه أو لمهارة الشخص فيه مع صعوبته ، مع عدم القدرة على ما ليس

______________________________________________________

التجزّي في الاجتهاد

[١] قد قيل بعدم إمكان التجزّي في الاجتهاد أي في ملكة الاجتهاد ، فالتجزّي في الاجتهاد بمعنى ان تستنبط بعض الأحكام من مداركها ويترك استنباط بعضها الآخر فإمكانه بل وقوعه ممّا لا كلام فيه ، وموضوع البحث في المقام أن يكون الشخص له اقتدار على استنباط بعض الأحكام من مداركها كالمجتهد المطلق ، وليس له اقتدار على استنباط جملة اخرى ، فهذا هو الذي قيل بعدم إمكانه ، لكون ملكة الاستنباط والاقتدار عليه أمر بسيط كسائر الملكات ، فلا يقبل التبعّض كما هو مقتضى بساطة الشيء ، ولكن ضعفه ظاهر ، فإنّ مسائل الفقه وأبوابها مختلفة بحسب المدارك ، والمدارك تختلف بحسب السهولة والصعوبة ، فربّ مسألة يكون المدرك فيها رواية أمر سندها ودلالتها مما لا صعوبة فيه ، بخلاف بعض المسائل الاخرى ، فإنّه ربّما تكون الروايات الواردة فيها متعدّدة مختلفة يحتاج إحراز تعارضها أو الجمع العرفيّ بينها إلى كثرة الخبرة والانس بالخطابات الشرعيّة والروايات والتأمّل في المداليل ، وقد تكون مسائل فيها استنباط الأحكام محتاجا إلى ضمّ مقدّمة أو

٢٤٥

كذلك ، بل يستحيل حصول اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق بالتجزي ، للزوم الطفرة. وبساطة الملكة وعدم قبولها التجزئة ، لا تمنع من حصولها بالنسبة إلى بعض الأبواب ، بحيث يتمكن بها من الإحاطة بمداركه ، كما إذا كانت هناك ملكة الاستنباط في جميعها ، ويقطع بعدم دخل ما في سائرها به أصلا ، أو لا يعتني باحتماله لأجل الفحص بالمقدار اللازم الموجب للاطمئنان بعدم دخله ، كما في الملكة المطلقة ، بداهة أنه لا يعتبر في استنباط مسألة معها من الاطلاع فعلا على مدارك جميع المسائل ، كما لا يخفى.

الثاني : في حجية ما يؤدي إليه على المتصف به ، وهو أيضا محل الخلاف ، إلّا أن قضية أدلة المدارك حجيته ، لعدم اختصاصها بالمتصف بالاجتهاد المطلق ، ضرورة أن بناء العقلاء على حجية الظواهر مطلقا ، وكذا ما دلّ على حجية

______________________________________________________

مقدّمات عقليّة ، ويختلف الأشخاص بحسب قصور الباع وطوله بالإضافة إلى تنقيح تلك المقدّمات وتطبيقها على مواردها ، فيوجب كلّ ذلك حصول الاقتدار وحصول بعض مرتبة منه قبل حصول مرتبة اخرى إلى أن تكمل المرتبة العليا ، وليس المراد أنّ حصول مرتبة منه من المقدّمة لحصول مرتبة أعلى منه كما هو ظاهر الماتن قدس‌سره حيث ذكر لزوم التجزّي ، وعدم حصول الاجتهاد المطلق بدونه عادة ، وعلّله بلزوم الطفرة.

وعلى الجملة الاقتدار على استنباط أحكام المعاملات وتعيين المشروع منها عن غير المشروع غير الاقتدار على استنباط ما يعتبر في العبادات والتكاليف المتعلّقة بها ، حيث إنّ المدار في جلّ المعاملات أي العقود والإيقاعات لقلّة الخطابات الشرعية الواردة فيها سهلة تبتني في غالبها على بعض الخطابات من الآيات والروايات والقواعد العامّة ، فيكون الاقتدار على الاستنباط فيها غير ملازم لحصول الاقتدار على الاستنباط في العبادات والفروع الجارية فيها ، حيث إنّ الروايات فيها كثيرة وفي غالبها مختلفة كما

٢٤٦

خبر الواحد ، غايته تقييده بما إذا تمكن من دفع معارضاته كما هو المفروض.

الثالث : في جواز رجوع غير المتصف به إليه في كل مسألة اجتهد فيها ، وهو أيضا محل الإشكال ، من أنه من رجوع الجاهل إلى العالم ، فتعمّه أدلة جواز التقليد ، ومن دعوى عدم إطلاق فيها ، وعدم إحراز أن بناء العقلاء أو سيرة المتشرعة على الرجوع إلى مثله أيضا ، وستعرف إن شاء الله تعالى ما هو قضية الأدلة.

وأما جواز حكومته ونفوذ فصل خصومته فأشكل ، نعم لا يبعد نفوذه فيما إذا عرف جملة معتدة بها واجتهد فيها ، بحيث يصح أن يقال في حقه عرفا أنه ممن عرف أحكامهم ، كما مر في المجتهد المطلق المنسد عليه باب العلم والعلمي في معظم الأحكام.

______________________________________________________

أشرنا إليها ، وإن شئت فلاحظ الاقتدار على مسائل علم وتنقيحها غير الاقتدار على العلم بمسائل علم آخر ، وكذلك الاقتدار في مسائل علم واحد.

ثمّ إنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ المتجزي مع اجتهاده الفعليّ في بعض المسائل كالمجتهد المطلق يجوز له العمل باجتهاده ، كما هو مقتضى اعتبار العلم والأمارة والاصول حيث إنّ المفروض أنّ المتجزّي يعتمد في تلك المسائل على العلم والأمارة بعد الفحص اللازم فيها ، ومع فقدها يعتمد على الأصل ، كما لا يبعد أن يعتمد العاميّ ويرجع إليه فيها في تلك المسائل إذا لم يعلم مخالفة نظره لمجتهد آخر مساو له أو مجتهد مطلق ـ تفصيلا أو إجمالا ـ كما هو مقتضى أدلّة جواز التعلّم والأخذ بمعالم الدين من العارف بها الثقة المأمون ، ولا يبعد نفوذ قضائه أيضا فيما حصّله من أحكام الوقائع وكيفيّة الحكم المعتبر ، حيث يعمّه قوله عليه‌السلام : يعلم شيئا من قضاياهم ويروى أحاديثهم وينظر في حلالهم وحرامهم ، إذا كان بمقدار معتدّ به ، لا مثل استنباط مسائل قليلة معدودة كما لا يخفى.

٢٤٧
٢٤٨

فصل

لا يخفى احتياج الاجتهاد إلى معرفة العلوم العربيّة في الجملة ، ولو بأن يقدر على معرفة ما يبتنى عليه الاجتهاد في المسألة بالرجوع إلى ما دوّن فيه ، ومعرفة التفسير كذلك [١].

______________________________________________________

العلوم التي تعدّ من مبادئ الاجتهاد

[١] تعرّضوا في مباحث الاجتهاد لما يتوقف عليه من العلوم المعدودة من مباديه ، وذكر الماتن قدس‌سره من المبادئ وعدّ كغيره من مبادئ الاجتهاد علوم العربيّة ، فإنّ المستند للأحكام الشرعيّة الفرعيّة في غالبها الكتاب والسنة يعني الأخبار المأثورة من المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم) ، ومن الظاهر أنّ استظهار أيّ حكم في الوقائع منهما يتوقّف على العلم بمعاني اللغات ومفاد الهيئات التركيبيّة على اختلافها ، والمتكفّل لذلك علم اللغة والصرف والنحو ، ولا يعتبر حضور الذهن بها في الاجتهاد ، بل بحيث لو راجع إلى الكتب المدوّنة فيها تمكّن من معرفتها ، وليس لازم ذلك اعتبار قول اللغويّ أو النحويّ في نفسه ، بل المراجعة إلى تلك الكتب ربّما يوجب تعيين ظهور الآية أو الخبر الموضوع للاعتبار بعد الفحص عن القرينة على خلافه أو إحراز عدم المعارض له.

وقد ذكر من تلك العلوم علم التفسير ، فإنّ معرفته أيضا من مبادئ الاجتهاد ، والمراد من معرفته التمكّن من عرفانه ولو بالمراجعة إلى مصادره ، فإنّ التفسير يطلق على معنيين ؛ أحدهما : تعيين المراد من المجمل والمتشابه ، والثاني : تعيين المراد فيما يكون على خلاف ظاهر الآية أو بيان أن المراد المعنى العامّ ، يعمّ غير معنى ظاهره.

٢٤٩

وعمدة ما يحتاج إليه هو علم الأصول ، ضرورة أنه ما من مسألة الا ويحتاج في استنباط حكمها إلى قاعدة أو قواعد برهن عليها في الأصول ، أو برهن عليها مقدمة في نفس المسألة الفرعية ، كما هو طريقة الأخباري ، وتدوين تلك القواعد

______________________________________________________

وممّا ذكر يعلم أنّ التفسير لا بدّ من أن يكون دليله نفس الكتاب المجيد أو من السنة والأخبار المعتبرة والنقل المتواتر الإجماليّ ، وهذا النحو من الدليل لا يتعرّض له تماما في الكتب المرسومة في التفسير ، فلا بدّ للمجتهد من معرفة مصادره ولو من غير كتب التفسير من كتب الأخبار ، وأمّا تشخيص ظواهر الآيات من حيث المواد والهيئات التركيبيّة ، وهيئات الألفاظ الواردة من المشتقات فقد تقدّم أنّ المتكفّل لمعرفتها علوم العربيّة.

وقد ذكر قدس‌سره أنّ عمدة ما يتوقف عليه الاجتهاد هو معرفة المسائل الاصوليّة وتنقيح نتائجها ، فإنّه ما من مسألة فرعيّة في الفقه يتوقّف استنباط الحكم الشرعيّ فيها على ضمّ مقدّمة أو مقدّمات احرزت في علم الاصول وتحسب من نتائج مسائله ، وتدوين تلك المسائل مستقلا وتسميتها بعلم الاصول أو تنقيحها في الكتب الفقهيّة تمهيدا لمسائلها من غير تدوينها في كتاب مستقلّ وتسميتها بعلم الاصول غير فارق ، حيث

إنّ تدوين تلك القواعد وجمعها في كتاب مستقلّ ليس إلّا كجمع مسائل الفقه وبيان أدلّتها في كتاب مستقلّ. وكذا الحال في غيرها من العلوم ، فليس للأخباريّ الدعوى لكون علم الاصول بدعة إلّا تحاشي تدوين تلك المقدمات مستقلا لا إنكار أصلها رأسا.

وقد ذكرنا أنّ التدوين مستقلا لا يدخل في موضوع البدعة ، ودعوى أنّ الاجتهاد والفقاهة كان في الصدر الأوّل ولم تكن تلك القواعد كما ترى ، فإنّ جملة من تلك القواعد كحجيّة الظواهر والأخبار والعلاج في التعارض بين الأخبار وغير ذلك

٢٥٠

المحتاج إليها على حدة لا يوجب كونها بدعة ، وعدم تدوينها في زمانهم عليهم‌السلام لا يوجب ذلك ، وإلّا كان تدوين الفقه والنحو والصرف بدعة.

وبالجملة لا محيص لأحد في استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها إلّا الرجوع

______________________________________________________

كانت في الصدر الأوّل ولم تكن مدوّنة في كتاب مستقلّ ، وبعض القواعد كمباحث الاستلزامات ، كمسألة اقتضاء النهي عن معاملة أو عبادة ومسألة جواز اجتماع الأمر والنهي كانت في أذهان الفقهاء في ذلك الزمان بصورة الارتكاز ، فإنّهم أيضا يرون أنّ مقتضى النهي عن التصرف في ملك الغير والأمر بالوضوء أو الاغتسال أو الصلاة في ملك الغير يرفع اليد عن إطلاقات خطابات الأمر بها بخطاب النهي ، ولكن بما أنّه حدث في الأزمنة المتأخرة شبهة إمكان الأخذ بالإطلاق في كلّ من خطابي الأمر والنهي صارت مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي وعدم جوازه بالصورة الفعلية ، وأنّهم يفهمون من مثل قوله سبحانه (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(١) وجوب الوضوء ومن مثل قوله عليه‌السلام : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل» (٢) وجوب الغسل ، ووقع في كلام المتأخرين أنّ الأمر في مثل هذه الموارد إرشاديّ وليس بمولويّ ، فادعى بعضهم أنّ الأمر فيها مولويّ غيريّ ، لأنّ الأمر بالشيء وإيجابه يستلزم إيجاب مقدّمته ، والكلام وقع في صحة أحد النظرين والثمرة بينهما ، فاخرجت مسألة مقدّمة الواجب والبحث عن الملازمة بين الإيجابين بصورة فعليّة إلى غير ذلك.

ثمّ إنّ الماتن قدس‌سره لم يتعرض لعلم المنطق ، ولم يذكر أنّه من مبادئ الاجتهاد ، ولعلّه لكون ما هو لازم في الاجتهاد من كلّية الكبرى وكون صغراها موجبة ونظائر

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٦.

(٢) وسائل الشيعة ٣ : ٤٠٥ ، الباب ٨ من أبواب النجاسات ، الحديث ٢.

٢٥١

إلى ما بنى عليه في المسائل الأصولية ، وبدونه لا يكاد يتمكن من استنباط واجتهاد ، مجتهدا كان أو أخباريا. نعم يختلف الاحتياج إليها بحسب اختلاف المسائل والأزمنة والأشخاص ، ضرورة خفة مئونة الاجتهاد في الصدر الأول ، وعدم حاجته إلى كثير مما يحتاج إليه في الأزمنة اللاحقة ، مما لا يكاد يحقق ويختار عادة إلّا بالرجوع إلى ما دوّن فيه من الكتب الأصولية.

______________________________________________________

ذلك من الضروريّات والواضحات لا يحتاج إلى إقامة البرهان ، ولا يتوقّف الاجتهاد على معرفة الاصطلاحات فيها من التسمية بالشكل الأول في القياس ، وكون القضية الموجبة اسمها صغرى ، والمحمول الموضوع في القضية الكليّة مع محمولها كبرى ، إلى غير ذلك من المصطلحات ، كما أنّه لم يتعرض لعلم الرجال ولزوم معرفتها في الاجتهاد ولعلّه ليس هو في الاصطلاح من العلوم ، ولكن بما أنّ المدرك في معظم المسائل الفقهيّة الأخبار المأثورة عن المعصومين عليهم‌السلام ، وكما نحتاج في معرفة مداليلها إلى معرفة العلوم العربيّة كذلك نحتاج في معرفة أسانيدها وتمييز رواتها إلى عرفان الرواة ورجال الطبقات ، هذا بناء على ما هو الصحيح من أنّ الأخبار المخرجة في كتب الأخبار المعروفة في غالبها داخلة في عنوان أخبار الآحاد ، ولا يعتبر منها ما لم يكن مقترنا بقرينة موجبة للعلم بصحتها والوثوق بها غير أخبار الثقات والعدول والحسان.

نعم لو التزم أحد بأنّ الأخبار المخرجة في تلك الكتب هي قول المعصوم عليه‌السلام ، وإنّما ذكر السند لها للزينة وخروجها عن صورة المقطوعة والمرفوعة والمرسلة ، كما زعم ذلك جلّ الأخباريين ، أو التزم بأن كلّ ما عمل به المشهور من أخبارها يكشف عملهم عن إحرازهم القرينة على صحّتها ، وما تركوها كاشف عن إحرازهم القرينة على خلاف ذلك ، فلا تكون حاجة إلى علم الرجال ، ولكن شيء من الالتزامين لم يتمّ

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

له دليل ووجه يمكن الاعتماد عليه ، وتمام الكلام في مقدّمات الطبقات ، وأمّا الاعتذار بعدم كون علم الرجال علما بالمعنى المصطلح فلا يفيد شيئا ، فإنّ علم اللغة أيضا ليس علما بالمعنى المصطلح مع أنّه داخل في المراد من العلوم العربيّة.

٢٥٣
٢٥٤

فصل

اتفقت الكلمة على التخطئة في العقليّات [١].

______________________________________________________

التخطئة والتصويب

[١] لا ينبغي التأمّل ولا خلاف في التخطئة في العقليّات سواء كانت عقليّة محضة كامتناع إعادة المعدوم وإمكان إعادته ، وامتناع الجزء الذي لم يتجزّأ أو إمكانه ، حيث لا يعقل التصويب عن القائلين بكلّ من الإمكان والامتناع ؛ لاستلزامه كون شيء ممكنا وممتنعا ، أو كانت من العقليات التي لها دخل في استنباط الأحكام الشرعيّة كمسألة جواز اجتماع الأمر والنهي في واحد من جهتين ـ سواء كانت الجهتان اتحاديّتين أو كان التركيب بينهما انضماميّا ـ فإنّ الاجتماع كذلك لا يمكن أن يكون ممكنا وممتنعا ، وإنّما وقع الخلاف بيننا وبين مخالفينا في الشرعيّات ، حيث التزم مخالفونا فيها بالتصويب في الاجتهاد ، فإن أرادوا أنّه ليس في الوقائع حكم شرعيّ مجعول مع قطع النظر عن الاجتهاد في حقّ جميع المكلفين في الوقائع ، بل الحكم المجعول في حقّ كلّ مجتهد ومقلّديه ما يؤدّي إليه اجتهاده في المسائل ، ولكن بما أنّ الله سبحانه يعلم ما يؤدّي إليه اجتهاد كلّ مجتهد جعل ذلك الحكم في حقّه من الأوّل ، نظير ما قيل في الواجب التخييريّ من أنّ الواجب في حقّ كلّ مكلف واحد معيّن من الخصال وهو ما يعلم الله سبحانه أنّه يختاره.

وظاهر الماتن قدس‌سره إمكان التصويب بهذا المعنى وأنّه ليس بمستحيل إلّا أنّه مخالف لإجماع أصحابنا ، وللأخبار المستفاد منها أنّ لله في كلّ واقعة حكما يشترك فيه الجاهل والعالم ، وإن أرادوا أنّ الحكم المجعول في حقّ كلّ مجتهد يترتّب على فعليّة اجتهاده بأن لا يكون في كلّ واقعة حكم مجعول قبل اجتهاده ، وإنما يثبت الحكم في الواقعة بعد اجتهاده ، بمعنى أنّ الله يكتب بعد اجتهاده ما أدّى إليه اجتهاده

٢٥٥

واختلفت في الشرعيات ، فقال أصحابنا بالتخطئة فيها أيضا ، وأن له تبارك وتعالى في كل مسألة حكم يؤدي إليه الاجتهاد تارة وإلى غيره أخرى.

وقال مخالفونا بالتصويب ، وأن له تعالى أحكاما بعدد آراء المجتهدين ، فما يؤدي إليه الاجتهاد هو حكمه تبارك وتعالى ، ولا يخفى أنه لا يكاد يعقل الاجتهاد في حكم المسألة إلّا إذا كان لها حكم واقعا ، حتى صار المجتهد بصدد استنباطه

______________________________________________________

فهذا أمر غير معقول ، حيث إنّه إذا لم يكن قبل اجتهاده حكم مجعول في حقّه فكيف يفحص عنه إلّا أن يلتزم بحكم إنشائيّ محض في كلّ واقعة والمجتهد يفحص عنه ، ويصير ما يؤدّي إليه اجتهاده حكما فعليّا حقيقيّا في حقّه سواء صادف ذلك الحكم الإنشائيّ المجعول أم يؤدّي إلى غيره ، وذلك الحكم الإنشائيّ المحض مع قطع النظر عن العلم به ليس بحكم حقيقة ، وهذا القسم من التصويب يلتزم به القائل باعتبار الطرق والأمارات على مسلك السببيّة والموضوعيّة ، وربّما يشير إليه ما عن بعض أصحابنا من أنّ ظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم أي قطعيّة الحكم الفعلي.

نعم بناء على مسلك الطريقيّة في الأمارات والطرق المعتبرة يقال بأنّ مؤدّيات الطرق أحكام شرعيّة طريقيّة لا نفسيّة ، فيوجب عند إصابتها للواقع بلوغ الأحكام الواقعية النفسيّة بمرتبة الفعليّة فتكون منجّزة للواقع ، ويمكن ـ كما تقدّم في بحث الأمارات ـ أنّ مؤدّياتها ليست بأحكام طريقيّة أيضا ، بل للأحكام الواقعيّة فعليّة تبلغ مرتبة التنجّز بقيام الطريق وإصابته الواقع فتكون الأمارات منجّزة ، ولا يكون للواقع تنجّز عند عدم قيام الحجّة عليه ، بل لا يكون للواقع فعليّة حينئذ.

أقول : الالتزام بإمكان كون المجعول في حقّ كلّ مجتهد واقعا ما يؤدّي في علم الله اجتهاده إليه ، وأنّ المجتهد يفحص عنه عند اجتهاده على قرار ما قيل في الواجب التخييريّ أمر غير معقول ؛ لأنّ الاجتهاد عندهم هو تحصيل الظنّ بالحكم

٢٥٦

من أدلته ، وتعيينه بحسبها ظاهرا ، فلو كان غرضهم من التصويب هو الالتزام بإنشاء أحكام في الواقع بعدد الآراء ـ بأن تكون الأحكام المؤدي إليها الاجتهادات أحكاما واقعية كما هي ظاهرية ـ فهو وإن كان خطأ من جهة تواتر الأخبار ، وإجماع أصحابنا الأخيار على أن له تبارك وتعالى في كل واقعة حكما يشترك فيه الكل ،

______________________________________________________

الشرعيّ ، والظنّ ينافي فرض العلم به ، فاللازم أن يكون ما تعلّق به الظنّ غير ما تعلّق العلم والجزم به ، أضف إلى ذلك أنّ ما ذكر البعض في الواجب التخييري باطل ، فإنّه إذا لم يختر المكلّف من الخصال شيئا فلا يكون في حقّه تكليف أيضا ، كالمجتهد الذي لم يجتهد في الحكم الشرعيّ في الوقائع أصلا مع تمكّنه منه حيث لا يكون في حقّه في الوقائع حكم وتكليف أصلا مع كونه متمكّنا منه لكونه ذا ملكة الاجتهاد.

واللازم على القائل بالتصويب أن يلتزم باعتبار الطرق والأمارات على نحو السببيّة والموضوعيّة ، أو يلتزم بالمصلحة السلوكيّة بحيث يكون العمل بالأمارات والطرق عدلا حقيقة للواقع على تقدير خطئها عن الواقع ، لا أن يكون صلاح اعتبارها مجرّد تسهيل الأمر على المكلّفين ، بحيث يكون العمل عليها عند خطئها عذرا في مخالفة الواقع ما لم ينكشف الخطأ على ما تقدّم في بحث إمكان التعبّد بالأمارات حتّى في صورة الوصول إلى الواقع بالعلم الوجدانيّ ، وفي الواقع والحقيقة تكون المصلحة في اعتبارها لا في العمل بها كما بيّنا (١) هناك.

والروايات الواردة في وجوب طلب العلم بمعالم الدين وعدم كون الجهل بها ـ مع التمكّن من تحصيل العلم بها والعمل عليها ـ عذرا ، والأمر بالاحتياط في الشبهات والترغيب إليه فيها ، ومقتضى إطلاقات خطابات الأحكام والتكاليف ،

__________________

(١) مصباح الاصول ٣ : ٤٤٥.

٢٥٧

إلّا أنه غير محال ، ولو كان غرضهم منه الالتزام بإنشاء الأحكام على وفق آراء الأعلام بعد الاجتهاد ، فهو مما لا يكاد يعقل ، فكيف يتفحص عما لا يكون له عين ولا أثر ، أو يستظهر من الآية أو الخبر ، إلّا أن يراد التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعلي ، وأن المجتهد وإن كان يتفحص عما هو الحكم واقعا وإنشاء ، إلّا أن ما أدى إليه اجتهاده يكون هو حكمه الفعلي حقيقة ، وهو مما يختلف باختلاف الآراء ضرورة ، ولا يشترك فيه الجاهل والعالم بداهة ، وما يشتركان فيه ليس بحكم حقيقة بل إنشاء ، فلا استحالة في التصويب بهذا المعنى ، بل لا محيص عنه في الجملة

______________________________________________________

ثبوتها في حقّ كلّ مكلّف حتى في صورة الجهل وإمكان الوصول إلى رعايتها ولو بالاحتياط في موارد احتمالاتها.

والأحكام الظاهريّة في موارد الجهل بها التي تكون مفاد الاصول الشرعيّة لا توجب رفع اليد عن إطلاقاتها ؛ لما بيّناه من عدم المنافاة بين التكليف الواقعيّ والترخيص الظاهريّ مع عدم الوصول إليه بعد الفحص وعدم وجدان ما يدلّ عليه.

وقد يقال (١) : بعدم تحقق التخطئة في موارد الاصول الشرعيّة بل مطلق الاصول العمليّة ، فلا يكون مجتهد يعمل بالأصل العمليّ في مورد مخطئا ومجتهد آخر لا يعمل به مصيبا ، كما إذا رأى مجتهد عدم اعتبار الأخبار الحسان ويعمل في مواردها بالأصل العمليّ ، ويرى مجتهد آخر اعتبار تلك الأخبار ويأخذ بها ويترك الأصل العمليّ ، فلا يكون أحدهما مخطئا والآخر مصيبا ، بمعنى أنّ كلّ واحد يعمل على وظيفته ، فإنّ الأخبار الحسان لو كانت معتبرة واقعا إنّما يكون اعتبارها مع وصول ذلك الاعتبار إلى المكلّف ، ومع فحص المجتهد وعدم وصوله إلى ما يدلّ

__________________

(١) دروس في مسائل علم الاصول ٣ : ١٠٧.

٢٥٨

بناء على اعتبار الأخبار من باب السببية والموضوعية كما لا يخفى ، وربما يشير إليه ما اشتهرت بيننا أن ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم.

نعم بناء على اعتبارها من باب الطريقية ، كما هو كذلك ، فمؤديات الطرق والأمارات المعتبرة ليست بأحكام حقيقية نفسية ، ولو قيل بكونها أحكاما طريقية ، وقد مر غير مرة إمكان منع كونها أحكاما كذلك أيضا ، وأن قضية حجيتها ليس إلّا تنجز [تنجيز] مؤدياتها عند إصابتها ، والعذر عند خطئها ، فلا يكون حكم أصلا إلّا الحكم الواقعي ، فيصير منجزا فيما قام عليه حجة من علم أو طريق معتبر ، ويكون غير منجز بل غير فعلي فيما لم تكن هناك حجة مصيبة ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

على اعتبارها يكون موضوع الأصل العمليّ في حقّه فعليّا بخلاف المجتهد الآخر.

أقول : إن اريد ما ذكر من نفي التخطئة في موارد الاصول العمليّة فله وجه ، وإن اريد غير ذلك فلا يمكن المساعدة عليه ، كالالتزام بالتصويب فيما إذا كان مجتهد يرى اعتبار الاستصحاب مطلقا في الشبهات الحكميّة ، ثمّ تغيّر نظره إلى عدم اعتباره فيها فيأخذ بأصل البراءة في الموارد التي كان يستصحب التكليف ، فإنّ الالتزام بعدم خطئه في كلتا الحالتين كما ترى. ونظير ذلك ما إذا كان نظره إلى قيام الطريق المعتبر إلى التكليف الواقعيّ ، فكان يفتي به ، ثمّ ظهر عدم اعتباره وأنّ المورد من موارد الأصل العملي ، فإنّه لا يتحقّق موضوع الأصل العمليّ من حين تغيّر نظره ، بل يكشف أنّ المورد كان من موارد الأصل العمليّ من الأوّل ؛ لأنّ احتمال الخلاف كان من الأوّل موجودا ، فقد تخيّل أنّ ما قام في المسألة علم بالواقع اعتبارا ، ثمّ ظهر أنّه لم يكن كذلك.

٢٥٩
٢٦٠