دروس في مسائل علم الأصول - ج ٤

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-6-5
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يقال : إن التنصيف في الدرهم مصالحة قهرية على المالكين ، حيث إن للشارع الولاية في الحكم بها على الناس في أموالهم وقد جوّز أكل المارّ من الثمرة التي في طريقه مع كونها ملك الغير ولو مع عدم رضاه ، وفيه أنّ ظاهرهم أنّ هذا حكم شرعي لا حكم ولائي كما هو الحال في تجويز الشارع في أكل الثمرة من طريقه ، وعلى الجملة الحكم في المقام من قبيل كون خمس المال المختلط بالحرام لأرباب الخمس فيكون حكما واقعيا ، أو أنّه من قبيل الحكم الظاهري ، فإن كان من قبيل الحكم الظاهري فلا يجوز للثالث الجمع بينهما في ملكه لعلمه بعدم انتقال أحدهما من مالكه الواقعي ، ولذا لو علم أحدهما بعد الحكم بالتنصيف أن المسروق كان ماله فعليه أن يردّ النصف المأخوذ أو بدله إلى صاحبه ، ولا يستفاد من الروايتين الواردتين المرويتين في باب الصلح أزيد من الحكم الظاهري ، نظير ما إذا كان درهم في يد شخصين لا يعلم أنه لأيّ منهما أو كان مال لم يكن له يد وادعاه اثنان حيث يحكم لكلّ منهما بنصفه.

وكما إذا اختلف البائع والمشتري في الثمن أو المثمن لا بنحو الأقل والأكثر بل بنحو التباين ، بأن قال البائع بعت الجارية بمائة دينار ، وقال المشتري اشتريتها بمائتي درهم ، أو قال البائع بعت الجارية بمائة وقال المشتري اشتريت العبد بمائة ، وفي مثل ذلك لو لم يقم أحد البيّنة على دعواه يحلف كلّ منهما على نفي دعوى الآخر فتسقط كلتا الدعويين ويرجع المالان إلى مالكيهما ، ولو أخذ ثالث العبد والجارية في شراء واحد منه فيعلم تفصيلا ببطلان الشراء ولو كان اختلافهما في الثمن من حيث الزيادة والنقيصة يكون مقتضى القاعدة كون مدعي الزيادة مكلفا بإقامة البينة على دعواه ، إلّا أنّه قد ورد النص أنّه ما دام المبيع موجودا يحلف البائع على الزيادة وتؤخذ في

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

غير مورد النص بالقاعدة ، والجواب أنّ مع التحالف ينفسخ البيع الواقع فيكون أخذ العبد والجارية من مالكهما الواقعي ، ولو قيل بأنّ التحالف لا يوجب الانفساخ واقعا وكذا قضاء القاضي بالانفساخ ، ولذا لو تذكّر أحدهما بالواقعة وجب تسليم حق صاحبه إليه كما هو مقتضى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان ... فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنّما قطعت له به قطعة من النار» (١) فيمكن الجواب بأنّ للمالك الأصلي الإمساك بما باعه لا تقاصا ليقال بعدم جواز التقاص بعد تمام القضاء ، بل الإمساك لجواز فسخ البيع من بايعه لعدم وصول ثمنه إليه ، ولذا يجوز للثالث أخذ الثمن والمبيع منهما ولو فرض أنّ البائع والمشتري لم يفسخا البيع انتظارا لوضوح الحال للآخر فلا يجوز لثالث أخذ الثمن والمثمن منهما وهكذا.

ومن الموارد التي ذكرت لجواز مخالفة العلم ما إذا اختلفا في سبب الانتقال ، كما إذا قال مالك : المتاع بعتك إيّاه بكذا وقال الآخر : وهبتني ، فإنّه لو لم يثبت شيء من الدعويين يتحالفان ويرجع المتاع إلى مالكه الأصلي مع علمه بانتقاله عن ملكه إما بالبيع أو الهبة.

أقول : قد يقال إذا كانت العين تالفة أو كان المدعي للهبة من ذي الرحم يحلف مدعي الهبة على عدم الشراء لجريان أصالة عدم جريان البيع منه من غير أن يعارضها أصالة عدم الهبة منه ، فإن أصالة عدم الهبة لا أثر لها بعد تلف العين أو كون المدعي من ذي الرحم ، إلّا أن يثبت وقوع البيع ، نعم مع بقاء العين وعدم كون مدعي الهبة من ذي الرحم فعلى المالك أن يرجع إلى متاعه أخذا بإقرار المشتري حيث إنّه اعترف

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٧ : ٢٣٢ ، الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث الأول.

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بأنّ للمالك الرجوع إلى متاعه فلا مورد للحلف ولا علم بمخالفة التكليف لا تفصيلا ولا إجمالا حيث إنّ للبائع الرجوع إلى المبيع مع عدم تسليم صاحبه الثمن إليه.

ومنها : ما إذا وجد اثنان منيا في ثوب مشترك بينهما بحيث يعلمان جنابة أحدهما ، فإنّه قد ذكروا أنّه لا يجب على كلّ واحد لصلاته إلّا الوضوء لجريان الاستصحاب في ناحية عدم الجنابة في حقهما بلا تعارض ، ومقتضى ذلك جواز اقتداء أحدهما بالآخر في صلاته ويجوز للثالث الاقتداء بهما في صلاتين مترتبتين ، وهذا يوجب علم المأموم ببطلان صلاته لجنابته أو جنابة امامه وعلم الثالث ببطلان صلاته الثانية لجنابة أحد الإمامين.

ولكن لا يخفى أنّ جواز اقتداء أحدهما بالآخر أو جواز اقتداء الثالث بهما في صلاتين لم يرد في شيء من الخطابات الشرعية ، فإن قيل بأنّ صلاة الإمام إذا كانت بحسب نظره صحيحة يجوز الاقتداء به فلا إشكال ، وأمّا بناء على كون الشرط في جواز صحة صلاة الامام واقعا بحيث لو انكشف الحال له لم يجب عليه إعادتها فلا يجوز لصاحبه الاقتداء به ، كما لا يجوز للغير الاقتداء بهما في صلاة أو صلاتين ، وقد يقال : بلزوم الجمع بين الوضوء والغسل على كلّ منهما إذا كان صاحبه ممن يمكن استيجاره قبل اغتساله لكنس المسجد ونحوه ، مما لا يجوز للجنب ، ولكن لا يخفى ما فيه ، فإنّه إن كان المراد من عدم جواز الاستيجار الحكم الوضعي يعني الحكم ببطلان إجارته فالوضع يترتب على المعاملة بعد حصولها ، وإن كان المراد عدم جوازه تكليفا ؛ لأنّه من التسبيب إلى الحرام أي إدخال الجنب المسجد فإن إدخاله كدخول الجنب فيه محرم فلا يخفى ما فيه ، فإن التسبيب يتحقق مع جهل المباشر بالحال لا مع علمه كما هو الفرض ، فغاية الأمر يكون استيجار أحدهما الآخر

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

من الإعانة على الإثم ، والإعانة عليه في غير الظلم غير محرّم.

ومنها : ما إذا كانت عين في يد شخص وادعاها اثنان واعترف ذو اليد بتلك العين بتمامها لأحدهما ثم اعترف بتمامها للآخر ، فإنّهم ذكروا بكونها للمقرّ له الأول ويغرم ذو اليد بدلها للثاني ، فإن مقتضى ذلك جواز أخذ الثالث العين من الأول وبدلها من الثاني ويشتري بهما متاعا مع علمه بعدم انتقال المتاع إليه لعدم كون تمام الثمن ملكه.

ويجاب عن ذلك بأن إقرار ذي اليد حجة يؤخذ بها ، ومقتضى الأخذ بالإقرار الأول الحكم بكون العين ملكا للمقرّ له الأول كما أنّ مقتضى نفوذ الإقرار الثاني كون ذلك الإقرار اتلافا للعين على الثاني فيضمن له البدل.

ثم إنّه لو قيل بأنّ الحكم الظاهري لشخص موضوع للحكم الواقعي للآخرين فيجوز للثالث أخذ العين والبدل منهما وإلّا فلا يجوز له الأخذ عن أحدهما فضلا عن شراء المتاع بهما.

لا يقال : كيف يجوز للحاكم الحكم بإعطاء العين للأول والبدل للثاني مع أنّه يعلم بمخالفة أحد حكميه للواقع ، وبتعبير آخر الإقرار إما من قبيل الأمارة أو الأصل ولا اعتبار بشيء منهما مع التعارض.

فإنّه يقال : حكم الحاكم كإفتائه لكلّ من واجدي المني في الثوب المشترك بوجوب الوضوء لصلاتهما ، فإنّ الموجب لسقوط الأصل في أطراف العلم لزوم الترخيص القطعي في التكليف الواصل بالإضافة إلى المكلف لا لزوم الترخيص في التكليف المتوجه إلى أحد المكلفين.

وأما الإقرار فاعتباره وإن كان من جهة كونه طريقا إلّا أنّ مقدار اعتباره بالإضافة

٢٤

الأمر السابع : إنه قد عرفت كون القطع التفصيلي بالتكليف الفعلي علة تامة لتنجزه لا تكاد تناله يد الجعل إثباتا أو نفيا فهل القطع الإجمالي كذلك؟ [١]

______________________________________________________

إلى ما كان الإقرار على النفس ولو كان ذلك الإقرار مدلولا التزاميا ، وحيث إنّ الدليل قام بنفوذ الإقرار الأول دون الإقرار الثاني في مدلوله المطابقي يكون الإقرار الثاني مع نفوذ الإقرار الأول إقرارا بإتلاف العين على المقر له الثاني ، فيرجع الثاني إلى بدلها نظير رجوع الشاهدين عن شهادتهما بعد القضاء ، وعلى الجملة لا علم للقاضي بالترخيص القطعي في مخالفة أحدهما في تكليفه الواقعي بعد احتمال أنّ الإقرار الأول إتلافا ظاهريا على الثاني بإقرار العين للمقر له الأوّل.

ومنها : تجويز مخالفة التكليف في مورد الشبهة غير المحصورة فإنّها مخالفة مع العلم بالتكليف وفيه ما لا يخفى ، فإنّ خروج بعض الأطراف فيها عن ابتلاء المكلف وتمكّن ارتكابه يوجب جريان الأصل النافي في الأطراف الداخلة في محلّ الابتلاء بلا معارض ، أو أن كثرة الأطراف توجب الاطمئنان في البعض بعدم الحرام فيه مما يريد ارتكابه فلا تجويز في مخالفة التكليف المعلوم حتّى بنحو الإجمال وتمام الكلام في محلّه.

[١] يقع الكلام في العلم الإجمالي في مقامين :

احدهما : اعتبار العلم الإجمالي في ثبوت التكليف وإحراز تنجّزه ، وبتعبير آخر هل يتنجّز التكليف المعلوم بالإجمال كتنجّزه بالعلم التفصيلي.

وثانيهما : في سقوط التكليف بامتثاله الإجمالي مع التمكّن من امتثاله التفصيلي بمعنى يجوز للمكلف الاقتصار على امتثال التكليف بالعلم الإجمالي مع تمكّنه من امتثاله التفصيلي بلا فرق بين موارد الشبهة الحكمية والموضوعية ، مثلا إذا لم يدر في مورد أنّ وظيفته القصر أو التمام أو تردد الثوب الطاهر بين ثوبين أن يأتي بالقصر

٢٥

فيه إشكال ، ربما يقال : إن التكليف حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف ، وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة ، جاز الإذن من الشارع بمخالفته احتمالا بل قطعا ، وليس محذور مناقضته مع المقطوع إجمالا إلّا محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الواقعي في الشبهة الغير المحصورة ، بل الشبهة البدوية ، ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعي والإذن بالاقتحام في مخالفته

______________________________________________________

والتمام أو كرّر صلاته في كلّ من الثوبين مع تمكّنه على معرفة وظيفته من الصلاتين أو تمكّنه من الإتيان في ثوب طاهر آخر.

في تنجيز العلم الإجمالي

أما الكلام في المقام الأول فيقع في جهتين.

إحداهما : عدم جواز المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال.

وثانيهما : لزوم الموافقة القطعية في التكليف المعلوم بالإجمال.

وقد ذكر الماتن قدس‌سره في الجهة الأولى أنّه لا مانع من جعل الحكم الظاهري في كلّ من أطراف العلم الإجمالي بالتكليف ولو لزم من العمل بالحكم الظاهري في كلّ الأطراف العلم بمخالفة التكليف المعلوم بالإجمال ؛ لأنّ مرتبة الحكم الظاهري محفوظة في كلّ منها وهو الشك في تعلق التكليف به واقعا ودعوى مناقضة الترخيص في الارتكاب في كلّ من الأطراف مع التكليف المعلوم بالإجمال بينها مدفوعة ، بأنّ المناقضة هي المناقضة الموهومة بين الحكم الظاهري والواقعي وبما أنّ مرتبة الحكم الظاهري متأخرة عن تعلق الحكم الواقعي فلا مناقضة بينهما ، وإلّا جرت المناقضة بين الحكم الظاهري المجعول في أطراف الشبهة غير المحصورة والتكليف المعلوم بينها بل تجري في الشبهة البدوية أيضا ، لاحتمال ثبوت التكليف

٢٦

بين الشبهات أصلا ، فما به التفصي عن المحذور فيهما كان به التفصي عنه في القطع به في الأطراف المحصورة أيضا ، كما لا يخفى ، [وقد أشرنا إليه سابقا ، ويأتي إن شاء الله مفصلا].

نعم كان العلم الإجمالي كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء ، لا في العليّة التامة ، فيوجب تنجز التكليف أيضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا ، كما كان في أطراف كثيرة غير محصورة ، أو شرعا كما في ما أذن الشارع في الاقتحام فيها ، كما هو ظاهر (كل شيء فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال ، حتى تعرف الحرام منه بعينه).

______________________________________________________

الواقعي فيها.

لا يقال : فرق بين الشبهة المحصورة وبين غير المحصورة والشبهة البدوية فإن التكليف في الشبهة المحصورة فعلي بين أطرافها ، بخلاف غير المحصورة والشبهة البدوية إذا اتفق التكليف الواقعي فيها.

فإنّه يقال : لا فرق في ذلك بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة وكذا الحال في الشبهة البدوية ، حيث يحتمل فيها أيضا التكليف الفعلي ، وإلّا لم يكن للأصل النافي معنى.

وعلى الجملة لو كان تأخر مرتبة الحكم الظاهري مفيدا في الشبهة غير المحصورة والبدوية لكان مفيدا أيضا في المحصورة ولو لم يكن تأخرها مفيدا في دفع المناقضة وتوقف الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري على الالتزام بعدم فعلية التكليف الواقعي لأمكن الالتزام بعدم الفعلية حتّى في أطراف الشبهة المحصورة ، وأنّ فعليته ما لم يمنع عنه مانع عقلا أو شرعا ، فالأول كما في كثرة الأطراف ، والثاني كما في إذن الشارع في الاقتحام في المشتبه كما هو ظاهر قوله ٧ : «كلّ شيء فيه حلال وحرام

٢٧

وبالجملة : قضية صحة المؤاخذة على مخالفته ، مع القطع به بين أطراف محصورة وعدم صحتها مع عدم حصرها ، أو مع الإذن في الاقتحام فيها ، هو كون القطع الإجمالي مقتضيا للتنجز لا علة تامة.

وأما احتمال أنه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية ، وبنحو العلية بالنسبة إلى الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية ، فضعيف جدا.

ضرورة أن احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة ، فلا يكون عدم القطع بذلك [١].

______________________________________________________

فهو لك حلال أبدا حتّى تعرف الحرام منه» (١).

وعلى الجملة صحة مؤاخذة المكلف على مخالفة التكليف مع القطع به في أطراف محصورة وعدم صحتها مع عدم حصرها أو مع الإذن في الاقتحام في الأطراف أن يكون العلم الإجمالي مقتضيا لتنجّز التكليف به لا علّة تامّة ، نظير العلم التفصيلي بالتكليف.

[١] لعلّ هذا الكلام مستدرك فإن القطع بالتكليف الفعلي في أطراف الشبهة غير المحصورة واحتماله في الشبهة البدوية قد فهم مما ذكر قبل ذلك ، وأما بدون ما ذكر كما في موارد الخطأ والقطع بالخلاف فلا يكون مورد لجريان الأصل ، والتكليف الواقعي فيها إنشائي محض على مسلكه قدس‌سره فلا موجب لذكره من موارد الإذن الشرعي في الارتكاب بعنوان الحكم الظاهري.

أقول : أما اختلاف الحكم الظاهري مع الواقعي في المرتبة فقد اعترف قدس‌سره في بحث إمكان التعبد بالأمارة بأنّه غير مفيد في رفع التنافي بين الحكم الواقعي والظاهري ، فإنّه وإن لا يمكن جعل الحكم الظاهري إلّا بلحاظ ثبوت الحكم الواقعي

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٨٧ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول.

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في مورده ، إلّا أنه يثبت في مرتبة الحكم الظاهري الحكم الواقعي أيضا لما تقدم من عدم إمكان جعل الحكم الواقعي في خصوص صورة العلم به فيكون المجعول مطلقا ذاتا ، وأما تقييد فعلية الحكم بعدم المانع بالتقريب المتقدم فهو مبني على ثبوت مرتبتي الإنشاء والفعلية للحكم بالمعنى الذي التزم به ، وقد ذكرنا أنّه غير صحيح وأنّ فعلية الحكم تابعة لكيفية جعله واعتباره فلا تختلف فعلية الحكم عن مقام إنشائه إلّا بتحقق الموضوع له خارجا مع الفعلية وتقدير ذلك التحقق وفرضه في مقام الجعل.

ويمكن أن يكون مراد الماتن قدس‌سره من محفوظية مرتبة الحكم الظاهري في كلّ من أطراف العلم الإجمالي بالتكليف تحقق الموضوع للحكم الظاهري بخلاف العلم التفصيلي ، فإنّه لا موضوع معه للحكم الظاهري ، ولكن مجرّد ذلك لا يصحح جعل الحكم الترخيصي في جميع أطراف العلم الإجمالي بالتكليف ، وذلك فإن الترخيص في الارتكاب في كلّ منها ينافي الغرض من التكليف الواقعي الثابت بينها الواصل بالعلم الإجمالي ، ولا يقاس الترخيص في ارتكاب جميعها بالترخيص في ارتكاب الشبهة البدوية في بعض الأطراف في الشبهة غير المحصورة التي تكون بعض أطرافها خارجة عن تمكن المكلف بارتكابه أو عن ابتلائه لوصول التكليف فيه دونهما.

وعلى الجملة الترخيص القطعي في مخالفة التكليف الواصل بالعلم الإجمالي قبيح من المولى الحكيم إذا كان الغرض منه إمكان انبعاث العبد بالفعل أو الترك بوصوله كما هو الفرض. ودعوى أنّ القبيح هو ترخيص المولى في الارتكاب مع علم العبد حين الارتكاب بأنّ ما يرتكبه مخالفة للتكليف من قبل المولى ، ولذا لا بأس على العبد بالارتكاب في موارد الشبهات البدوية حتّى لو اتفق بعد الارتكاب حصول

٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

العلم له بأنّ بعض ما ارتكبه كان مخالفة للتكليف واقعا لا يمكن المساعدة عليها ، فإنّ الارتكاب مع عدم وصول التكليف الواقعي حينه غير قبيح وحصول العلم به بعد ذلك لا يجعل التكليف السابق واصلا ، إلّا في مورد لزوم تداركه بخلاف وصول التكليف قبل العمل فإن إجمال مورده وعدم تمييزه لا يكون موجبا لرفع قبح الترخيص القطعي في مخالفته ، نعم لا بأس بالترخيص في بعض أطرافه إذا كان لذلك البعض معيّن ، كما في موارد انحلال العلم الإجمالي حكما ، حيث إن الترخيص فيه لا يلازم الترخيص القطعي في مخالفة التكليف الواصل والترخيص في المخالفة الاحتمالية باكتفاء الشارع بالموافقة الاحتمالية المعبّر عنه بجعل البدل في مقام الامتثال واقع كما في موارد جريان قاعدة الفراغ ونحوها ، بل يمكن أيضا الاكتفاء فيها بالأمر أو الترخيص في ارتكاب بعض الأطراف ولو على نحو التخيير في الجملة كمورد الاضطرار إلى شرب أحد الماءين المعلوم إجمالا نجاسة أحدهما ، وإن شئت قلت : التبعيض في تنجيز العلم الإجمالي بالترخيص في ترك الموافقة القطعية مع إحراز الموافقة الاحتمالية لا يعدّ مناقضا مع إحراز ثبوت التكليف الواقعي في البين بخلاف الترخيص في المخالفة القطعية فإنّه ينافي مع احراز المكلف التكليف الموجود بين الأطراف حيث يناقض بالتكليف في البين مع كون الغرض منه الانبعاث بوصوله ، نعم لو فرض كون الغرض من التكليف مختصا بوصوله الخاص لأمكن الترخيص في الارتكاب مع الوصول الآخر وجرى مثل ذلك في مورد العلم بالتكليف تفصيلا على ما مرّ في إمكان تصرف الشارع في منجزية العلم مع خصوص الفرض من التكليف ، ولكن هذا مجرد فرض كما ذكرنا سابقا.

لا يقال : يمكن استكشاف عدم عموم الفرض في الشبهة المحصورة وغيرها من

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الشبهات من مثل قوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان : «كلّ شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه» (١) فإنّ ظاهرها لزوم الاجتناب عن الحرام إذا تعيّن.

أقول : الرواية مختصّة بالشبهات الموضوعية بقرينة ما ورد فيها من أن الشارع جعل لشيء قسمين : قسم حلال وقسم حرام ، وحكم بأنّ ارتكاب ذلك الشيء له حلال إلى أن يعلم أنّ ما يرتكبه قسمه الحرام ، وكلمة (بعينه) تأكيد جيء بها للاهتمام بالعلم ، كما قد يقال : رأيت زيدا بعينه ، ويراد منه دفع توهم وقوع الرؤية بغيره ممن يتعلق به كخادمه أو ابنه ، والتوهم المنفي في الرواية كفاية الظن بالحرام واحتماله.

وعلى الجملة : عرفان الحرام بعينه عبارة اخرى عن العلم بوجود الحرام فيما يرتكبه ولو كان ذلك الحرام غير متميّز عن غيره ، وإن ادّعي أنّ كلمة «منه» في الصحيحة ظاهرها عرفان قسم الحرام معينا ، ولكن ذكرنا أن معرفة قسم الحرام بعينه ليس معناه معرفته متميّزا عن غيره حين الارتكاب.

فتحصل مما ذكرنا أنّ فعلية التكليف ووصوله بالعلم الإجمالي لا ينافي الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية والعلم الإجمالي بالتكليف الواصل وكون الغرض منه إمكان الانبعاث علة تامة بالإضافة إلى عدم جواز الترخيص في مخالفته القطعية ، ولكن بالإضافة إلى موافقته القطعية مقتض ، بل الحال في العلم التفصيلي بالتكليف أيضا كذلك فيمكن للشارع الاكتفاء بموافقته الاحتمالية. ودعوى الفرق بينهما بأنّ قاعدة الفراغ ونحوها من حيث المفاد جعل البدل في مقام الامتثال ، بخلاف الأصل النافي

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٨٧ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول.

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

في مقام ثبوت التكليف فإنّه لا يمكن إذا كان مفاده الترخيص في المخالفة الاحتمالية ، حيث إنّه ليس من جعل البدل في مقام الامتثال لا يمكن المساعدة عليها ؛ لانّ مرجع جعل البدل الظاهري إلى الترخيص في مخالفة التكليف الواقعي الواصل كما هو الحال في الترخيص في ارتكاب بعض أطراف العلم ، حيث يمكن فيه أيضا دعوى أنّه من جعل البدل الظاهري للواجب أو الحرام الواقعيين.

في جريان الاصول العملية في اطراف العلم الاجمالي

بقي في المقام أمر ، وهو أنّه قد يقال : بعدم جريان الأصل العملي في شيء من أطراف العلم الإجمالي بالتكليف سواء كان الأصل الجاري في كلّ من أطرافه مثبتا للتكليف وموافقا للعلم الإجمالي به ، أو كان الأصل الجاري في كلّ منها منافيا كما يظهر ذلك مما ذكره الشيخ الأنصاري قدس‌سره من أنّ شمول خطابات الاصول العملية لأطراف العلم الإجمالي بالتكليف يوجب المناقضة بين صدرها وذيلها فإن إطلاق الصدر في مثل قوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشك» جريان الاستصحاب في كل من الأطراف وإطلاق الذيل ، «ولكن انقضه بيقين آخر» لزوم رفع اليد عن الحالة السابقة وعدم جريانه في جميعها ، وكذا في قوله عليه‌السلام «كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه حرام» فإنّ كلّ واحد من الأطراف مشكوك فيه مع قطع النظر عن سائر الأطراف ومقتضى إطلاق العلم في الذيل عدم الحكم بالحلية.

ولكن لا يخفى ما فيه فإنّ ما ورد في الذيل ليس حكما تعبديا بل لبيان ارتفاع الموضوع للحكم الظاهري ومن الظاهر أنّ العلم الذي يرفع الموضوع للحكم الظاهري تعلقه بعين ما تعلق به الشك ، والعلم في موارد العلم الإجمالي يتعلق بأحدهما لا بعينه لا بأحدهما بعينه ، والمورد للحكم الظاهري هو الثاني دون الأول.

٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أضف إلى ذلك أنّه لو فرض إجمال مثل هذه الخطابات بالإضافة إلى أطراف العلم الإجمالي فيرجع في مورد إجمالها بالخطابات التي ليس فيها ذلك الذيل أو التحديد بحصول العلم بالخلاف ، كقوله «رفع عن امتي ما لا يعلمون» (١) و «الناس في سعة ما لا يعلمون» (٢) و «لا تنقض اليقين بالشك» وكيف يلتزم بأن إطلاق العلم والعرفان يشمل العلم والعرفان بالعلم الإجمالي بدعوى لزوم التناقض بين الصدر والذيل مع أنّ لازمه أن لا تجري الاصول العملية في أطراف العلم الإجمالي غير المنجز مما يعبّر عنه بمورد الانحلال الحكمي ، كما إذا كان أحد الإناءين معلوم الطهارة والآخر معلوم نجاسته ثم علم إما بطهارة الأول أو تنجس الثاني بوقوع نجاسة في الثاني أو وقوع المطر في الأول ، حيث إن العلم الإجمالي بعدم بقاء الحالة السابقة في أحدهما يمنع عن شمول النهي عن نقض اليقين بالشك لكلّ منهما.

في جريان الاصول المثبتة في أطراف العلم الإجمالي

وقد ذكر المحقق النائيني قدس‌سره بأنّه لا مجال للاصول التنزيلية في أطراف العلم الإجمالي سواء كان مقتضاها الترخيص في الارتكاب أم لا فلا يجري استصحاب النجاسة في كلّ واحد من الإناءين المعلوم إجمالا طهارة أحدهما مع سبق النجاسة في كلّ منهما ، كما لا يجري الاستصحاب في طهارة كلّ من الإناءين مع سبق طهارتهما والعلم الإجمالي بتنجس أحدهما بعد ذلك ، فإنّ التعبد بالعلم بنجاسة كلّ من الإناءين لا يجتمع مع العلم الوجداني بطهارة أحدهما ، وكذا التعبد بالعلم بطهارة

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث الأول.

(٢) وسائل الشيعة ٣ : ٤٩٣ ، الباب ٥٠ من أبواب النجاسات ، الحديث ١١.

٣٣

معها موجبا لجواز الإذن في الاقتحام ، بل لو صح الإذن في المخالفة الاحتمالية صح في القطعية أيضا ، فافهم.

ولا يخفى أن المناسب للمقام هو البحث عن ذلك ، كما أن المناسب في باب البراءة والاشتغال ـ بعد الفراغ هاهنا عن أن تأثيره في التنجز بنحو الاقتضاء

______________________________________________________

كلّ منهما مع العلم الوجداني بنجاسة أحدهما ، وأما في الاصول غير التنزيلية التي لا يكون مفادها التعبد بالعلم فعدم جريانها في أطراف العلم يختص بموارد لزوم الترخيص في المخالفة القطعية نظير قوله «كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه حرام» ، أو «رفع عن امتي ما لا يعلمون» إلى غير ذلك.

وفيه أنّ العلم المتعبد به في الاصول التنزيلية هو العلم من حيث الجري العملي في كلّ من الأطراف بخصوصه ، فالمتعبد به من حيث الجري العملي غير مخالف مع مقتضى العلم الإجمالي بالتكليف بحيث لا يلزم المخالفة القطعية من جريان الاصول العملية التنزيليّة فلا محذور في جريانها في أطرافها ، وإلّا كان التعبد بالعلم مع فرض الشك في غير موارد العلم الإجمالي أيضا تعبدا بخلاف الوجدان.

ثمّ إنّه قد يقال : إذا كان الممتنع من الترخيص هو الترخيص في المخالفة القطعية للمعلوم بالإجمال فلا بأس بالأخذ بالاصول المرخصة في كلّ من أطراف العلم ورفع اليد عن إطلاق الترخيص في كلّ منهما بأن يرخص الشارع في ارتكاب كلّ من الطرفين بشرط الاجتناب عن الطرف الآخر ، والمورد من صغريات القاعدة التي تذكر في أنّه كلّما دار الأمر بين رفع اليد عن أصل الحكم المدلول عليه بالخطاب الشرعي ورفع اليد عن إطلاقه ، يتعين رفع اليد عن إطلاقه كما إذا دلّ دليل على وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة ودلّ خطاب آخر على وجوب الجمعة يحمل الخطابان على كون وجوبهما تخييرا.

٣٤

لا العلية ـ هو البحث عن ثبوت المانع شرعا أو عقلا وعدم ثبوته ، كما لا مجال بعد البناء على أنه بنحو العلية للبحث عنه هناك أصلا ، كما لا يخفى.

هذا بالنسبة إلى إثبات التكليف وتنجزه به ، وأما سقوطه به بأن يوافقه إجمالا فلا إشكال فيه في التوصليّات [١].

______________________________________________________

ولكن لا يخفى أنّ هذا فيما إذا احتمل أنّ التخيير هو الحكم الواقعي ، وفيما نحن فيه لا يحتمل كون الحكم الواقعي تخييريا ، كما إذا علم بأن أحد المائعين خمر أو نجس فإنّ الترخيص في ارتكاب كلّ منهما بشرط الاجتناب عن الآخر لا يكون حكما واقعيا لشيء منهما فإنّ أحدهما الذي هو خمر في الواقع يجب الاجتناب عنه مطلقا ، والآخر الذي ليس بخمر لا يجب الاجتناب عنه أصلا.

وعلى الجملة الحكم الظاهري في موضوع لا بد من احتمال مصادفته الواقع ومع العلم بعدم كونه حكما واقعيا لا معنى كونه حكما طريقيا إلى الواقع ، وعلى الجملة الحكم الظاهري المجعول في مورد لا بد من احتمال إصابته الواقع.

وأما ما ذكر النائيني قدس‌سره في وجه عدم إمكان تقييد الترخيص في كلّ من الأطراف بالاجتناب عن الآخر بأنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة ، وإذا امتنع إطلاق الترخيص في كلّ منهما امتنع التقييد أيضا فلا يمكن المساعدة عليه ؛ لما تقدّم من أن امتناع أحدهما يقتضي تعين الآخر ، وقد ظهر مما ذكرنا أنه لو كان معين لبعض أطراف العلم في جريان الأصل الترخيصي فيه فيؤخذ به بلا محذور ، ومن هنا لو علم المكلف إجمالا بنجاسة الماء أو الثوب فلا يجوز الوضوء من الماء والصلاة في الثوب ، وأما شرب الماء فلا بأس به لأصالة الحلية فيه ولا مجرى لها في ناحية الثوب.

[١] لا يخفى أنّه لا مورد للتأمل في كفاية الامتثال الإجمالي مع عدم التمكّن من

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الامتثال التفصيلي ، فإنّ الاحتياط غاية ما يمكن للعبد في مقام الامتثال مع عدم التمكّن من الامتثال التفصيلي من غير فرق بين أن يستلزم تكرار العمل أم لا ، وبين موارد تنجز التكليف الواقعي وعدمه كالشبهات البدوية سواء كانت حكمية أو موضوعية ، وكذا كفايته مع التمكّن من الامتثال التفصيلي في التوصليات فإنّ المطلوب والمترتب عليه الملاك نفس الفعل أو الترك المفروض حصولهما بالامتثال الإجمالي ، ومن التوصليات العقود والإيقاعات ويكون الاحتياط فيها بتكرار الإنشاء تارة كما إذا تردّد النكاح الممضي شرعا بين كونه بصيغة أنكحت أو بصيغة زوجت فمع التمكّن من الفحص وتعيين أن الإنشاء بالاولى أو الثانية يكرّر الإنشاء بكلّ منهما ، وكما إذا أراد طلاق زوجة موكّله وتردّدت التي وكّله في طلاقها بين امرأتين له فيجري الطلاق على كلّ منهما لحصول طلاق المرأة التي وكّله في طلاقها ، وقد يشكل في الإنشاء كذلك تارة باختلال الجزم المعتبر فيه ، واخرى بلزوم التعليق في العقد أو الإيقاع ، ولكن لا يخفى أنّ التردّد في صحة أي الإنشاءين شرعا لا يوجب التردّد في النية ، فإن الإمضاء الشرعي خارج عن الإنشاء والمنشأ حكم شرعي يترتب عليهما ، ولذا يحصل الإنشاء والعقد ممن لا يعتقد بالشرع ، أو لا يعتني به ، وأما التعليق فلا حاجة إليه أيضا حتّى فيما إذا كانت زوجة موكّله مردّدة بين امرأتين إحداهما زوجته فإنّه إذا أجرى الطلاق على كلّ منهما يتمّ طلاق من كانت زوجة موكّله ، بل لو علق الطلاق المنشأ على كلّ منهما على كونها زوجة لموكّله ، بأن قال : إن كانت فلانة زوجة موكّله فهي طالق تمّ الطلاق ، فإنّه قد ذكر في بحث التعليق في العقد والإيقاع أنّه لا يضر التعليق بحصول أمر يتوقف عنوان العقد أو الإيقاع على حصوله عند الانشاء ، حيث يكون التعليق في المنشأ لا الإنشاء ، والمفروض أنّ المنشأ

٣٦

وأما في العباديّات فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار [١].

______________________________________________________

لا يتحقق بدون ذلك الحصول حتّى مع إطلاق العقد أو الإيقاع ، ويترتب على ذلك الطلاق احتياطا في موارد الشبهة في الزوجية والعتق في مورد الشك في الرقية ونحو ذلك.

جواز الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي

[١] وأما الامتثال الإجمالي في العبادات فإن كان غير محتاج إلى تكرار العمل كما إذا شك المكلف في اعتبار السورة بعد قراءة الحمد في صلاته فقرأها لاحتمال جزئيتها فلا ينبغي المناقشة في جواز ذلك ولو مع تمكّنه من الامتثال التفصيلي ولو علما فإنّه بالامتثال الإجمالي لا يختلّ شيء مما يعتبر في العبادة من قصد القربة ، بل الوجه والتمييز حتّى لو قيل باعتبارهما زائدا على قصد القربة ، فإن ما لا يحصل بالامتثال الإجمالي تمييز الأجزاء الواجبة عن غيرها وهو غير معتبر في صحتها قطعا حيث لم يرد في شيء من الخطابات الشرعية والروايات التعرض للزومه ، بل ما ورد ما يدفع هذا الاحتمال كصحيحة حريز الواردة في تعليم الإمام عليه‌السلام الصلاة التي ينبغي للمكلف الإتيان بها بذلك النحو ويأتي التوضيح لذلك عند التعرض لاعتبار قصد الوجه والتمييز في العبادات.

وأما إذا كان الاحتياط فيها محتاجا إلى تكرار العمل كما في مورد تردّد الصلاة الواجبة بين القصر والتمام في الشبهة الحكمية أو الموضوعية أو تردّد الثوب الطاهر بين ثوبين فيصلّي صلاته قصرا ويعيدها تماما أو يصلّي في أحد الثوبين ويعيدها في الثوب الآخر إلى غير ذلك ، فقد يقال : بعدم جواز ذلك مع التمكّن من الامتثال بالعلم التفصيلي ؛ لأنّ الامتثال الإجمالي يلازم الإخلال بقصدي الوجه والتمييز أو لكون التكرار يعدّ لعبا وعبثا في مقام الامتثال فلا يناسب العبادة ، والجواب عن ذلك بأنّه

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يكون في الاحتياط بتكرار العمل إخلال بقصد الوجه ، فإنّه إذا أتى المكلّف بالصلاة قصرا وأعادها تماما بقصد تحقق الصلاة الواجبة عليه فقد حصلت الصلاة المأمور بها واقعا بقصد وجهها ، نعم عند العمل لا تتميز تلك الصلاة عن الاخرى وقصد التمييز كذلك غير معتبر في صحة العمل ووقوعها عبادة حتّى بناء على القول بأنّه في الشك في اعتبار القيود الثانوية مما لا يمكن أخذها في متعلق الأمر يلزم رعايتها لاستقلال العقل بلزوم الإتيان بنحو يكون محصّلا للغرض من متعلّق الأمر ، فإنّ مقتضى ذلك القول وإن كان الالتزام بالاشتغال ، إلّا أنّ الالتزام به يختصّ بمورد عدم ثبوت الإطلاق المقامي فيه ، والإطلاق المقامي بالإضافة إلى قصد الوجه وقصد التمييز موجود خصوصا بالإضافة إلى الثاني فإنّهما مما يغفل عامة الناس عن اعتبارهما ولو كانا معتبرين في حصول الغرض لتعرض الشارع له بالتنبيه عليه في بعض خطاباته ، ويقال : في مثل هذا الإطلاق المقامي بأنّ عدم الدليل فيه دليل على العدم ، أضف إلى ذلك أنّه ليس قصد التمييز في الشبهات الموضوعية من الانقسامات الثانوية حيث يمكن أخذه في متعلق الامر كسائر القيود التي يعبّر عنها بالانقسامات الأولية ، بأن يأمر الشارع بالصلاة إلى جهة يعلم حالها أنّها إلى القبلة أو في ثوب طاهر إلى غير ذلك فالإطلاق اللفظي يدفع اعتبار قصد هذا التمييز.

وأما دعوى كون الاحتياط بتكرار العمل مع التمكّن من الامتثال بالعلم التفصيلي يعدّ من اللعب ولا يناسب العبادة فلا يمكن المساعدة عليها أيضا ، وذلك فإنّه قد يكون تكرار العمل وترك الامتثال التفصيلي لغرض عقلائي أنّ المعتبر في العبادة الاتيان بمتعلق الأمر بقصد التقرب والخصوصيات المقارنة لمتعلق الأمر خارجا أو المتحدة معه الخارجة عن متعلق الأمر لا يعتبر حصولها بقصد القربة

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فالمكلف إذا أتى بصلاته أول الوقت ، أو في مكان خاص بداع نفساني له في أول الوقت أو في الإتيان بها في ذلك المكان صحت صلاته حيث إن المأخوذ متعلق الامر لا بد من وقوعه بقصد القربة لا ما هو خارج عن متعلق الأمر ولا يقاس بما إذا كانت الخصوصية المتحدة مع العبادة واقعا رياء ، فإن قصد التقرب لا يجتمع مع اتحاد متعلق الأمر بما هو محرم ، بل قد يقال : ببطلان العبادة حتّى مع الخصوصية المنضمة إليها رياء بدعوى إطلاق ما دلّ على مبطلية الرياء في العمل ، ولو كان الرياء في الخصوصية المقارنة المنضمة إليها.

والحاصل أنّ الإتيان بالعبادة في ضمن عملين المسمّى بالامتثال الإجمالي من خصوصيات تلك العبادة الخارجة عن متعلق الأمر بها ، ولا يضرّ الإتيان بالخصوصيات الخارجة عن متعلق الأمر بلا داع عقلائي أو بداع نفساني ، وهذا مراد الماتن قدس‌سره من قوله : إنما يضرّ اللعب والعبث إذا كانا بأمر المولى لا في كيفية إطاعته بعد كون الأمر داعيا له إلى أصل الطاعة.

وقد ذكر المحقق النائيني قدس‌سره وجها آخر لعدم جواز التنزل إلى الامتثال الإجمالي مع التمكّن من الامتثال التفصيلي وهو استقلال العقل بأنّ الامتثال الاحتمالي في طول الامتثال العلمي وإذا أتى المكلّف بصلاته قصرا ثم أعادها تماما مع تمكّنه من تحصيل العلم بوظيفته من القصر أو التمام يكون الداعي له إلى الصلاة قصرا احتمال الوجوب ، وهذا الامتثال كما ذكر في طول الامتثال التفصيلي.

وبتعبير آخر للامتثال مراتب أربع لا يجوز التنزل إلى المرتبة اللاحقة إلّا مع عدم التمكّن من المرتبة السابقة ، الامتثال التفصيلي والامتثال بالعلم الاجمالي ، الامتثال الظني والامتثال الاحتمالي كما يأتي التعرض لذلك.

٣٩

كما إذا تردد أمر عبادة بين الأقل والأكثر ، لعدم الإخلال بشيء مما يعتبر أو يحتمل اعتباره في حصول الغرض منها ، مما لا يمكن أن يؤخذ فيها ، فإنه نشأ من قبل الأمر بها ، كقصد الإطاعة والوجه والتمييز فيما إذا أتى بالأكثر ، ولا يكون إخلال حينئذ إلّا بعدم إتيان ما احتمل جزئيته على تقديرها بقصدها ، واحتمال دخل قصدها في حصول الغرض ضعيف في الغاية وسخيف إلى النهاية.

______________________________________________________

أقول : لم يظهر وجه صحيح لكون الامتثال الإجمالي في طول الامتثال التفصيلي بل هما في عرض واحد ، وذلك فإنّ المعتبر في العبادة هو حصول العمل بنحو قربي لا لزوم خصوص الإتيان بالعمل بداعي الأمر به ، نعم هذا من أفراد حصول العمل قربيا كما أنّه يكفي في حصول القربة الإتيان بداعي احتمال كونه متعلق الأمر ، وما يكون في طول الامتثال العلمي الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي مع التمكّن من الامتثال العلمي كما إذا كان المكلف في آخر الوقت بحيث لا يتمكّن إلّا من الاتيان بأربع ركعات قبل خروج الوقت ودار أمره بين أن يصليها في ثوب طاهر معلوم وبين أن يصليها في أحد ثوبين يعلم بطهارة أحدهما ونجاسة الآخر ، فإن العقل في الفرض مستقل برعاية الامتثال التفصيلي وعدم جواز التنزل إلى الاحتمالي ، هذا مع أن الإتيان بالقصر أولا ثم إعادتها تماما يكون بداعي الأمر المعلوم إجمالا المتعلق بأحدهما واقعا ، وهذا الامتثال علمي لا احتمالي غاية الأمر لا يدري حال العمل أنّ ما يأتي به هو متعلق الأمر أو ما يأتي به بعده أو أتى به قبل ذلك فيكون فاقدا لقصد التمييز وقد تقدم عدم اعتباره في صحة العبادة.

جواز الامتثال الإجمالي مع إمكان الامتثال الظني التفصيلي

ثمّ إنّ الماتن قدس‌سره لم يصرح في كلامه دوران الأمر بين الامتثال الإجمالي والامتثال الظني بالظن الخاصّ ، والظاهر أنّه أدرج الامتثال الظني الخاص في الامتثال

٤٠