دروس في مسائل علم الأصول - ج ٤

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-6-5
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٣

مخصصة بالأدلة الآتية على اعتبار الأخبار.

وأما عن الروايات فبأن الاستدلال بها خال عن السداد [١] فإنها أخبار آحاد.

______________________________________________________

[١] لا يخفى أنّ الأخبار المشار إليها لا تصلح لإسقاط خبر العدل أو الثقة عن الاعتبار للعلم لصدور الأخبار الكثيرة عن الأئمة عليهم‌السلام في بيان أحكام الشريعة الموكول بيانها للأنام إليهم عليهم‌السلام من قبل النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله مع سكوت الكتاب المجيد عن بيان تلك الأحكام ، بل يعلم بورود التقييد والتخصيص للمطلقات والعمومات من الكتاب المجيد ، وإذا كانت الأحكام التي بيّنوها عليهم‌السلام منقولة إلينا بخبر العدل والثقة وثبت بما نذكره فيما بعد أن الخبر مع كون مخبره ثقة أو عدلا علم بقولهم عليهم‌السلام يخرج ذلك عن مثل ما ورد : وما لم يعلم أنه قولنا فردّوه علينا (١) ، فالأخبار المشار إليها يراد بها ، إما الأخبار التي تصل إلى الناس من مخبر متّهم في نقله أو كان ما يرويه مخالفا للكتاب المجيد بالتباين أو بالعموم من وجه ، أو كان في تعارض الخبرين الذين يكون أحدهما موافقا للكتاب والآخر مخالفا له ، وعلى الجملة الأخبار المشار إليها وإن تكن من قبيل المتواتر إجمالا والحكم في المتواتر الإجمالي الأخذ بالأخص منها مضمونا والأخص منها مضمونا الأخبار المأثورة المخالفة مع الكتاب المجيد بالتباين أو بالعموم من وجه ، ودعوى أنّ المكذبين للأئمة عليهم‌السلام لم يكونوا يضعون الحديث المباين لظاهر الكتاب بنحو التباين فلا يمكن حمل الأخبار عليه لا يمكن المساعدة عليها ؛ لأنهم كانوا يضعون الحديث لإسقاط الأئمة عليهم‌السلام عن أعين الناس وإشاعة أنهم يخالفون ، والأئمة عليهم‌السلام سدّوا الطريق إلى مثل هذه المحاولات بكثرة تعرضهم إلى أن ما خالف الكتاب المجيد ليس من قولهم وأنهم لا يخالفون قول ربّهم إلى غير ذلك مما ورد في تلك الأخبار.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٢٠ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٧.

١٢١

لا يقال : إنها وإن لم تكن متواترة لفظا ولا معنى ، إلّا أنها متواترة إجمالا ، للعلم الإجمالي بصدور بعضها لا محالة.

فإنه يقال : إنها وإن كانت كذلك ، إلّا أنها لا تفيد إلّا فيما توافقت عليه ، وهو غير مفيد في إثبات السلب كليا ، كما هو محل الكلام ومورد النقض والإبرام ، وإنما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة [١]. والالتزام به ليس بضائر ، بل لا محيص عنه في مقام المعارضة.

وأما عن الاجماع ، فبأنّ المحصّل منه غير حاصل ، والمنقول منه للاستدلال به غير قابل خصوصا في المسألة [٢] كما يظهر وجهه للمتأمل ، مع أنه معارض بمثله ، وموهون بذهاب المشهور إلى خلافه.

وقد استدل للمشهور بالأدلة الأربعة :

______________________________________________________

[١] لا يقال : لو اخذ بتلك الأخبار في مورد مخالفة الخبر للكتاب والسنة فاللازم عدم جواز تخصيص عموم الكتاب أو السنة بالخبر الواحد وكذلك عدم جواز تقييد إطلاقهما به ، فإن المفروض أن الخبر المخالف لهما داخل في جميع تلك الأخبار وحمل المخالفة على التباين أو العموم من وجه يحتاج إلى ورود خبر فيها يكون مختصا بهذه المخالفة ليقال : إنه أخص مضمونا من مطلق المخالفة وفيه ما لا يخفى ، فإنه قد تقدم أن صدور الأخبار الكثيرة عنهم عليهم‌السلام مما يخالف عموم الكتاب وإطلاقه معلوم لنا وجدانا والمتعيّن حمل المخالفة على غير الموارد التي يكون فيها جمع عرفي وقد ورد في الخبرين المتعارضين الأخذ بما يوافق الكتاب وترك ما خالفه فالأمر بالترك في موارد الجمع العرفي يختص بما إذا كان في البين معارض لذلك الخبر المخالف.

[٢] قد تقدم أن القائل باعتبار الإجماع المنقول يدّعي أنه من أفراد خبر الثقة والعدل بقول المعصوم عليه‌السلام ولكن حكايته قوله عليه‌السلام حدسي لا اعتبار به مطلقا

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

خصوصا في مسألة اعتبار خبر الواحد وعدم اعتباره ومع ذلك نقل الإجماع على عدم الاعتبار موهون وخلاف الواقع لذهاب المشهور إلى خلافه.

١٢٣
١٢٤

فصل

في الآيات التي استدل بها فمنها آية النبأ ، قال الله تبارك وتعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [١].

______________________________________________________

المناقشة في الاستدلال على اعتبار خبر الواحد بآية النبأ

[١] وقد يستدلّ على اعتبار خبر العدل أو الثقة بالآيات منها آية النبأ وقوله عزّ من قائل (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١) وتقريب الاستدلال بمفهوم الشرط تارة وبمفهوم الوصف اخرى وينبغي قبل التعرض لتقريب دلالتها بمفهوم الشرط على ما قيل بيان أمرين ، الأول : أنه لا يختلف مقام الثبوت بين كون الشيء قيدا للحكم في الخطاب أو قيدا لموضوع ذلك الحكم ، حيث إن قيد نفس الحكم أيضا يفرض في مقام جعل الحكم مفروض الوجود كما يفرض قيد الموضوع في جعله كذلك ، وإذا ورد في الخطاب إذا كان الماء كرا لا ينجسه شيء ورد في خطاب آخر أن الماء الكر لا ينجسه شيء ، يكون المستفاد منهما اعتصام الماء الكر بحسب مقام الثبوت وإنما يختلف كون شيء قيدا لنفس الحكم في الخطاب أو لموضوعه فيه في مقام الإثبات والدلالة ، بمعنى انه إذا كان شيء في الخطاب قيدا لنفس الحكم يكون مقتضى إطلاق القيد وعدم ذكر العدل له في الخطاب انتفاء ذلك الحكم في فرض انتفاء ذلك القيد على ما تقدم بيانه في مفهوم الشرط من أن المفهوم مقتضى تعليق طبيعي الحكم في جميع الحالات على حصول القيد المذكور في الشرط ، بخلاف ما إذا ذكر القيد في الخطاب في

__________________

(١) سورة الحجرات : الآية ٦.

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ناحية الموضوع فإنه لا يكون لذلك الخطاب دلالة على ثبوت الحكم أو انتفائه عن ذلك الموضوع عند حصوله بشيء آخر على ما تقدم في بيان عدم المفهوم للوصف.

الأمر الثاني : أن المذكور في ناحية الشرط في القضية الشرطيّة قد لا يكون أمرا زائدا على حصول نفس الموضوع أو ما يتوقف عليه متعلق الحكم الوارد في الجزاء ، كما في قوله : إذا ركب الأمير فخذ ركابه ، وإن رزقت ولدا فاختنه ، فإن الأخذ بالركاب أو الختان يتوقف على ركوب الأمير وحصول الولد ، وفي مثل ذلك لا تدلّ القضيّة الشرطية على المفهوم بل يكون انتفاء الحكم الوارد في الجزاء بانتفاء الشرط من قبيل ارتفاع الحكم بانتفاء الموضوع ، وقد يكون المذكور في الشرط أمرا زائدا على حصول الموضوع ولا يكون مما يتوقف عليه متعلق الحكم خارجا ، كما في قوله : إذا جاءك زيد فأكرمه ، فإن إكرام زيد غير موقوف على مجيئه ، وفي مثل ذلك يكون ظاهر تعليق مضمون الجملة الجزائية على حصول الشرط من غير ذكر عدل له ، عدم تحقق مضمونها بلا حصوله ، ومنشأ الظهور مع فرض التعليق عدم ذكر عدل للشرط وعدم ضم أمر آخر إليه وتشخيص أن الشرط الوارد في القضية الشرط من القسم الأول أو الثاني ، فيما إذا كان المذكور في الشرط أمرا واحدا ظاهر ، وأما إذا كان أمرين أو أكثر فلا بد من ملاحظة أن أيا من الأمرين أو الامور مما يتوقف عليه حصول متعلق الحكم الوارد في الجزاء ، وأن أيا منهما أو منها المعلق عليه لمضمون الجملة الجزائية ، كما إذا قيل إذا ركب الأمير وكان يوم الجمعة فخذ ركابه ، فإن الأمر الأول المذكور في الشرط محقق لمتعلق الحكم خارجا ، والأمر الثاني المعلق عليه للحكم فيكون للقضية الشرطية مفهوم بالإضافة إلى الأمر الثاني أيضا.

وعلى ذلك فيقال : إن المذكور في آية النبأ في ناحية الشرط أمران أحدهما

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حصول النبأ ، والثاني كون الآتى به فاسقا ، والأول محقق للموضوع ولا مفهوم بالإضافة إليه ، والثاني قيد للحكم فيكون مفاد الآية أن النبأ يجب التبين فيه إذا كان الآتى به فاسقا ومفهوم عدم وجوب التبين إذا لم يكن الآتى به فاسقا ، وبهذا يظهر الخلل في كلام الماتن حيث ذكر أنه لو كان الشرط نفس تحقق النبأ ومجيء الفاسق به لكانت القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع.

أقول : الملاك في الدلالة على المفهوم فيما كان المذكور في الشرط أمرين أو أزيد ويكون الموضوع في الجزاء مفروض الوجود على تقدير ما ورد في الشرط وعدمه وعلق الحكم الثابت له على تحقق ذلك الأمر ، فيكون للقضية مفهوم بالإضافة إلى فرض عدم تحققه ، وأما إذا كان الموضوع في الجزاء أمرا لا يكون له وجود إلّا مع تحقق الأمرين معا ، كما في قوله إذا أعطاك زيد مالا فتصدق به فلا تعليق فيه بالإضافة إلى حكم المال المضاف إلى زيد.

وبتعبير آخر المفروض فيها بحسب المدلول الاستعمالي تملك المال من زيد والحكم عليه بالتصدق ، لا فرض وجود المال وتعليق الحكم بالتصدق به على إعطاء زيد كما هو مفاد قوله : المال إذا أعطاه زيد فتصدق ، والمدلول الاستعمالي للآية المباركة أيضا من قبيل إذا أعطاك زيد مالا فتصدق به ، لا قوله المال إذا أعطاه زيد فتصدق به كما يظهر ذلك بالتأمل ، وأما ما ذكر الماتن قدس‌سره من أنه لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيء الفاسق به كانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع لا يمكن المساعدة عليه ، بل كان الصحيح أنه لو كان الشرط مجيء الفاسق بنبإ كانت الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، وإلّا فلو كان الموضوع طبيعي النبأ وعلق التبين فيه على مجيء الفاسق به كانت القضية الشرطية ذات مفهوم كما ذكر قدس‌سره في

١٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تقريبه دلالتها على المفهوم.

ثم إنه قد يقال : بأنّه لو كان الموضوع للحكم في الجزاء نفس طبيعي النبأ ، وأن الحكم بالتبين معلق على مجيء الفاسق به وأن مقتضى التعليق عدم لزوم التبين فيما إذا كان الآتى به غير فاسق فلا يمكن أيضا الالتزام بالمفهوم ؛ لأنّ ما ورد في ذيلها يمنع عن انعقاد المفهوم لها وهو تعليل لزوم التبيّن بما يجري في خبر العادل أيضا ، وأجاب الشيخ قدس‌سره عن ذلك بأن المراد من الجهالة في التعليل ليس مقابل العلم ليعم التعليل خبر العادل أيضا وتكون قرينة على عدم إرادة المفهوم حيث إن التعليل أقوى ظهورا ، بل المراد منها السفاهة وفعل ما لا ينبغي فعله ، ومن الظاهر أن هذا المعنى لا يجري في العمل بخبر العادل ، فإن العمل به لا يكون أمرا سفهيا ، كيف وبناؤهم على العمل بأخبار العدول والثقات ، لا يقال : لا يمكن أن يكون المراد من الجهالة السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره عن عاقل ، حيث إن الآية نزلت في واقعة ترتيب الأثر على خبر الوليد بارتداد القوم ولا يمكن الالتزام بأن أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا بصدد القيام بأمر سفهي ، فإنّه يقال : كان قصدهم العمل لغفلتهم عن حال الوليد وان التعليل بلحاظ فسق المخبر لا بلحاظ الغفلة عن حاله والاعتقاد والوثوق بصحة خبره فلا ينافي ذلك إرادة السفاهة من الجهالة.

في الاستدلال على اعتبار خبر العدل بآية النبأ

وقد يقال : لو كان المراد من الجهالة خلاف العلم لما كان أيضا في التعليل ما يمنع عن دلالة الآية بالمفهوم لاعتبار خبر العدل حيث إن مقتضى المفهوم كون خبر العدل علما ، ولذا لا ينافي التعليل الوارد في الآية اعتبار سائر الأمارات كالظواهر ولكن لا يخفى ما فيه ، فإن المفروض في المقام استفادة اعتبار خبر العدل من مفهوم

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الآية بحيث لو لم يكن في البين ما دلّ على اعتبار خبر العدل لاستفيد اعتباره من مفهومها ، ومن الظاهر أنه ليس مفهومها كون خبر العدل علما ليخرج خبر العدل عن التعليل ، بل لو كان المستفاد منها عدم وجوب التبين في خبر العادل يستلزم ذلك اعتبار كون خبره علما ، والإشكال في المقام هو أن التعليل الوارد في الآية يمنع عن انعقاد المفهوم بعدم وجوب التبين في غير خبر الفاسق وربما يقال لو كان المراد بالجهالة السفاهة لما أمكن أيضا استفادة اعتبار خبر العدل منها ، حيث إن التعليل فيها غير مقصود بقوله سبحانه (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) بل ذكر فيه (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١) ففي الحقيقة إيجاب التبين في خبر الفاسق من جهة أن العمل به بلا تبين تعريض للنفس بالندامة ، وهذا يجرى في خبر العادل أيضا فإنه قد يوجبها العمل به ولكن لا يخفى ما فيه ؛ لأنّ الندامة بالإضافة إلى التكاليف عدم كون المكلّف معذورا في مخالفتها ، والابتلاء بمخالفة الواقع مع كون المكلف معذورا لا يوجب الندامة بخلاف الموارد التي يكون الغرض فيها مجرد الوصول إلى الواقع ، ودعوى أن حمل الندامة على ما ذكر لا يناسب مورد الآية ، حيث لا يمكن الالتزام بأن الندامة في قضية خبر الوليد كان موجبا للعقاب يدفعها ما تقدم من أن التعليل كان بلحاظ فسق المخبر واقعا لا بلحاظ الغفلة عن حاله أو الاعتقاد بصحة إخباره ، وعلى الجملة فمفاد الآية على تقدير كون الجهالة بمعنى السفاهة ، أن الفاسق يكون العمل بخبره بلا تبين تعرضا للندامة ، وهذا إذا لم يكن العمل به مع الاعتقاد بعدم فسقه بخلاف خبر العدل فإنّه ليس العمل به تعريض للنفس بالندامة هذا أولا.

__________________

(١) سورة الحجرات : الآية ٦.

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانيا : يمكن أن يراد بالندامة ما يحصل من العمل بمخالفة الواقع لكذب الخبر ، وهذا الأمر غالبي في خبر الفاسق بخلاف خبر العادل فإن الندامة في العمل به أمر اتفاقي ، ولذا لا يكون التعليل المزبور مانعا عن انعقاد المفهوم لو لم تكن الشرطية مسوقة لتحقق الموضوع.

وقد يشكل على الاستدلال بالآية على اعتبار خبر العدل مع قطع النظر عن التعليل الوارد فيها بأنه لا مفهوم لها ؛ لأنّ الحكم الوارد في الجزاء ليس حكما شرعيا ليقال إنّ تعليقه لموضوعه على حصول الشرط وعدم ذكر العدل للشرط مقتضاه انتفاؤه عن موضوعه بانتفاء الشرط ، حيث إن المراد بالتبين هو العلم ، واعتباره ولزوم العمل به عقلي لا يرتبط بشيء ولا يعلق على مجيء الفاسق بالنبإ.

وبتعبير آخر حكم العقل بلزوم اتباع العلم أو تحصيله بالأحكام الكليّة لا يكون معلقا بشيء ليقضي بانتفائه بانتفاء الشرط ، هذا إذا اريد من التبيّن العلم الوجداني ، وأما إذا اريد منه الوثوق ليكون الأمر بتحصيل الوثوق والعمل به طريقيا دالّا على اعتباره فلا يمكن الجمع بين منطوق الآية ومفهومها ، فإن مقتضى المنطوق جواز العمل بخبر الفاسق مع حصول الوثوق بالمخبر به ، ومفهومها جواز العمل بخبر العدل ، حصل الوثوق بالمخبر به أم لا ، والالتزام بالمنطوق والمفهوم كما ذكر إحداث قول ثالث ، فإن القائل بالخبر الموثوق به يلتزم باعتباره سواء كان مخبره عادلا أو فاسقا والقائل باعتبار خبر العدل دون الفاسق يلتزم باعتبار الأول دون الثاني سواء كان موثوقا به أم لا ، فالجمع بين اعتبار خبر العدل مطلقا واعتبار خبر الفاسق الموثوق به يكون قولا ثالثا في المسألة. وفيه ، أنه يمكن أن يكون الإرشاد إلى لزوم تحصيل العلم عند خبر الفاسق للنهي الطريقي عن الاعتماد على خبره فيكون مفهومه عدم

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا النهي في خبر العادل بالإرشاد إلى عدم لزوم تحصيل العلم في مورده ، ولو اريد بالتبيّن الوثوق لكان المفهوم عدم لزوم تحصيله في خبر العدل ولا محذور في الالتزام بذلك بل لا مناص عنه كما سيأتي.

وقد يقال : بأن في القضية الشرطية قرينة على أنها ليست بذات مفهوم ، فإنه إذا وصل في واقعة خبران أحدهما من الفاسق والآخر من العادل ولو كان معنى منطوق الآية أن طبيعي الخبر إذا جاء به فاسق ، فاللازم التبين فيه لزم في الفرض التبين من خبر العادل أيضا ، لأنّه يصدق أن الطبيعي جاء به فاسق ، فاللازم التبين من الطبيعي الصادق على خبر العادل أيضا فيلزم القول باعتبار خبر العادل إذا انفرد ، وعدم اعتباره إذا انضم إليه خبر الفاسق ، ولكن لا يخفى أن مناسبة الحكم والموضوع مقتضاها اختصاص التبين بصورة اختصاص المخبر بالواقعة بالفاسق.

وقد يقال : بعدم المفهوم للقضية الشرطية ؛ لأنّ المفهوم على تقديره لا يمكن أن يؤخذ به في مورد نزول الآية حيث إن ارتداد شخص أو قوم لا يثبت بالخبر الواحد سواء كان المخبر عادلا أو فاسقا ، والالتزام بخروج المورد عن المطلق أو العام مستهجن فيتعيّن الالتزام بأن الآية إرشاد إلى عدم اعتبار خبر الفاسق خاصة.

والجواب كما عن الشيخ الأنصاري قدس‌سره أنه لا يلزم على البناء للمفهوم إخراج المورد ، فإن المراد من الفاسق المضاف إليه النبأ طبيعي الفاسق لا فاسق واحد ليكون المفهوم اعتبار خبر العدل الواحد ، بل المراد في نبأ العادل أيضا نبأ طبيعي العادل فالمنطوق مدلوله أن النبأ إذا جاء به الفاسق فما دام لم يظهر صدقه لا يجوز الاعتماد عليه والعمل به ، بخلاف خبر طبيعي العادل فإنّه يجوز الاعتماد عليه كما هو مقتضى المفهوم حتى في مورد نزول الآية ، غاية الأمر العمل به في مورد نزولها مقيّد بما إذا

١٣١

ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه : أظهرها أنه من جهة مفهوم الشرط ، وأن تعليق الحكم بإيجاب التبين عن النبأ الذي جيء به على كون الجائي به الفاسق ، يقتضي انتفاءه عند انتفائه.

ولا يخفى أنه على هذا التقرير لا يرد : أن الشرط في القضية لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم له ، أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع ، فافهم.

______________________________________________________

انضم إليه نبأ عادل آخر.

وبتعبير آخر قد ثبت في مورد نزولها تقييد المفهوم بالإضافة إلى المورد لا أن المورد قد خرج عن المفهوم رأسا ولا استهجان في تقييد المفهوم خصوصا مع بقاء المنطوق فيه على إطلاقه.

ولا يخفى أيضا أن الفاسق وإن يعمّ الفاسق المتحرز عن الكذب ، إلّا أنه لا بد من رفع اليد عن إطلاقه بالإضافة إلى المتحرز عنه في غير موارد اعتبار شهادة العدل من الإخبار بالموضوعات والأحكام الكلية بما دلّ على اعتبارهم خبر الثقة ، حيث إن ردع السيرة الجارية على اعتبار خبر الثقة بإطلاق المنطوق غير تام خصوصا بملاحظة التعليل الوارد في ذيل الآية.

في الاستدلال على اعتبار الخبر الواحد بمفهوم الوصف في آية النبأ

ثم إنه قد يوجّه دلالة آية النبأ على اعتبار خبر العدل بمفهوم الوصف ، والمراد من الفاسق ذكر عنوان الفاسق ، فإن قوله سبحانه (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ،) في قوله ، قوله إن جاءكم من هو فاسق بنبإ.

وفيه أن الوصف المعتمد على موصوفه لا يدلّ على المفهوم على ما تقدم الكلام في مفهوم الوصف ، فكيف بغير المعتمد عليه كما في الآية حيث إن غير

١٣٢

نعم لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيء الفاسق به ، كانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، مع أنه يمكن أن يقال : إن القضية ولو كانت مسوقة لذلك ، إلّا أنها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الذي جاء به الفاسق ، فيقتضي انتفاء وجوب التبين عند انتفائه ووجود موضوع آخر ، فتدبر.

______________________________________________________

المعتمد كاللقب في أن إثبات حكم لموضوع لا يدلّ على انتفائه عن غيره بعدم جعل مثله لغيره كما في قوله أكرم العالم.

وذكر الشيخ الأنصاري قدس‌سره أن في العدول عن ذكر العنوان الذاتي إلى العنوان العرضي دلالة على اعتبار خبر العدل لأنّ خبر الفاسق بعنوانه الأولي خبر واحد وبعنوانه الثانوي خبر الفاسق ، ولو كان الخبر الواحد على الإطلاق غير معتبر لكان المناسب أن يقال : إن جاءكم نبأ واحد فتبينوا ففي العدول عن هذا التعبير إلى ما في الآية اقتضاء أن لا يكون خبر الفاسق بعنوانه الأولي محكوما عليه بلزوم التبين ، وهذا لا يكون إلّا باعتبار خبر العدل.

وقد يورد على الاستدلال بأن كون الخبر خبر فاسق كما أنه عنوان عرضي كذلك كون الخبر خبر الواحد ويحتمل دخالة عنوان الخبر الواحد في لزوم التبيّن عند إرادة العمل ، وذكر الفاسق بخصوصه للدلالة على فسق المخبر في مورد نزول الآية ، ولكن لا يخفى أن مراد الشيخ قدس‌سره من العنوان العرضي ليس مقابل الجنس والفصل والنوع ومن الذاتي أحدها ، بل المراد أن عنوان الخبر الواحد ينطبق على خبر الفاسق بلا ملاحظة حال المخبر ، بخلاف عنوان خبر الفاسق أو خبر العادل فإنّ انطباقهما يحتاج إلى ملاحظة حال المخبر.

وبتعبير آخر دعوى عدم دلالة الوصف على المفهوم لاحتمال ذكر عنوان الفاسق في الشرط للدلالة على فسق المخبر في مورد نزولها لا يحتاج إلى المناقشة

١٣٣

ولكنه يشكل بأنه ليس لها هاهنا مفهوم ، ولو سلم أن أمثالها ظاهرة في المفهوم ، لأن التعليل بإصابة القوم بالجهالة المشترك بين المفهوم والمنطوق ، يكون قرينة على أنه ليس لها مفهوم.

ولا يخفى أن الإشكال إنما يبتني على كون الجهالة بمعنى عدم العلم ، مع أن دعوى أنها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة.

ثم إنّه لو سلم تمامية دلالة الآية على حجية خبر العدل ، ربّما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الإمام عليه‌السلام بواسطة أو وسائط [١].

______________________________________________________

في العنوان الذاتي أو العرضي بالمعنى الذي ذكرنا.

[١] حاصل الإشكال أن الآية الشريفة ونحوها مما يدلّ على اعتبار خبر العدل أو الثقة لا يفيد فيما إذا كان الخبر المنقول النبأ عن المعصوم عليه‌السلام بوسائط أو حتى بالإضافة إلى من يصل إليه الخبر عن الإمام عليه‌السلام بواسطة بأن لا يخبر إليه المخبر الخبر عن الإمام بلا واسطة ، وكذلك الحال فيما إذا أخبر العادل بعدالة مخبر حتى فيما إذا كان الإخبار بعدالته مباشرة ، والوجه في الإشكال أنّه إذا كان الواصل إلينا خبر العادل عن الإمام عليه‌السلام بلا واسطة بينه وبين الإمام عليه‌السلام فمقتضى وجوب تصديق العادل فيما أخبر به ترتيب أثر قول الإمام عليه‌السلام على خبره ، وأما إذا كان خبره عنه مع الواسطة فلا يكون دليل اعتبار الخبر مقتضيا لاعتبار الخبر الواصل إلينا فإنه ليس واقع خبر المخبر لنا إلّا خبر الواسطة الذي ليس بنفسه أثر شرعي ، ولا موضوع لأثر شرعي غير وجوب التصديق الذي جعل له هذا الأثر الشرعي بدليل الاعتبار ، ولو كان الأمر بترتيب هذا الأثر مدلولا لدليل الاعتبار لزم كون وجوب تصديق العادل في خبره موضوعا وحكما في دليل الاعتبار ، وهذا معنى اتحاد الحكم والموضوع ، وذكر الماتن قدس‌سره أنه إذا صار خبر العدل عن الإمام عليه‌السلام أو خبره بالعدالة بموضوع ذي حكم

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بخطاب اعتبار خبر العدل ، فيمكن ورود خطاب آخر ينشأ به بالخبر العدل عن المعصوم عليه‌السلام من الأثر على خبر العدل بذلك الخبر ، ومعه ينحل إشكال اتحاد الموضوع والحكم ولكن المفروض في المقام أن ما يستفاد منها اعتبار خبر العدل مع تعدّده لا يستفاد منه إلّا إنشاء واحد وهو ترتيب ما للمخبر واقعا من الأثر على إخبار العادل به.

أقول : لا يكفى الخطاب الآخر إلّا فيما وصل الخبر بقول المعصوم عليه‌السلام بواسطة واحدة وفيما كان بواسطتين أو أكثر يتعين خطاب ثالث أو أكثر ينشأ به أثر الإخبار بالخبر عن المعصوم عليه‌السلام للخبر عن ذلك الإخبار ، وهكذا وإلّا لزم اتحاد الحكم والموضوع بالإضافة.

وأجاب الماتن قدس‌سره عن أصل الإشكال بأنه لم يلاحظ في وجوب تصديق العادل في خبره إلّا طبيعي الأثر ، لا الأثر المفروض للمخبر به مع قطع النظر عن الحكم بترتيبه على الخبر العدل حتى يستشكل في خبر عن المعصوم عليه‌السلام عليه بالواسطة وفي الإخبار بعدالة الراوي ، بل المراد من الأثر للمخبر به المأثور بترتيبه على الخبر طبيعي الأثر ولو كان ذلك الطبيعيّ بنفس ذلك الأمر ، كما يقال مثلا : الكلام ما يصحّ السكوت عليه فإنّ عنوان الحكم بطبيعي الكلام بأنه يصحّ السكوت عليه يعمّ نفس هذا الكلام الذي يتمّ بنفس هذا الحكم.

وبتعبير آخر إذا شمل مفاد دليل الاعتبار لخبر المخبر عن الإمام عليه‌السلام يكون شموله له موجبا لشموله لخبر المخبر بذلك الخبر أيضا ، فإنّه بشمول دليل الاعتبار للمخبر عن الإمام عليه‌السلام وصيرورة الخبر ذا أثر يكون تنزيل الخبر بذلك الخبر أيضا محققا ، وهذا حاصل ما أجاب به أولا.

١٣٥

فإنه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق الذي ليس إلّا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الأثر الشرعي بلحاظ نفس هذا الوجوب ، فيما كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر ، لأنه وإن كان أثرا شرعيا لهما ، إلّا أنه بنفس الحكم في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض.

______________________________________________________

وأجاب ثانيا : بأنه لو فرض عدم شمول دليل الاعتبار للخبر بالخبر بالدلالة اللفظية ثبت اعتبار الخبر مع الواسطة بعدم احتمال الفرق بين الأثر الثابت للمخبر به مع قطع النظر عن خطاب الاعتبار ، وبين الثابت للمخبر به بلحاظ خطاب الاعتبار أضف إلى ذلك عدم القول بالفصل بين ترتيب أثر وأثر آخر.

أقول : الصحيح في الجواب أن يقال ليس اعتبار الخبر بمعنى تنزيله منزلة واقعه ، ليقال : إنه لا بد من أن يكون لواقعه أثر مع قطع النظر عن التنزيل أو يكون لواقعه موضوعا أو حكما شرعيا ، بل معنى حجية الخبر اعتباره علما وإحرازا بالمخبر به ، فلا بد من أن يكون في البين ما يوجب خروج الاعتبار عن اللغوية ولو بأن يكون للعلم بالمخبر به أثر من جواز الإخبار به ونحوه ، مثلا إذا روى المفيد عن ابن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن الإمام عليه‌السلام يكون مقتضى دليل الاعتبار أن خبر المفيد إحراز لخبر ابن الوليد فيجوز لنا الإخبار بأن ابن الوليد أخبر المفيد بكذا ، وبعد إحراز خبر ابن الوليد يكون مقتضى دليل الاعتبار خبر ابن الوليد لكون خطاب الاعتبار انحلاليا ، فإن خبر ابن الوليد علم بخبر الصفار فيجوز الإخبار بأن الصفار قد أخبر ابن الوليد ، وخبر الصفار علم بقول الإمام عليه‌السلام وبضميمة أصالة الظهور وجهة الصدور يكون العلم بقول الإمام عليه‌السلام بظاهره وجهة صدوره مستندا للحكم الشرعي الفرعي في الواقعة.

ولو اغمض عن ذلك وقيل بأن معنى اعتبار الخبر تنزيله منزلة واقعه المخبر به

١٣٦

نعم لو أنشأ هذا الحكم ثانيا ، فلا بأس في أن يكون بلحاظه أيضا ، حيث إنه صار أثرا بجعل آخر ، فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع ، بخلاف ما إذا لم يكن هناك إلّا جعل واحد ، فتدبر.

ويمكن ذب الإشكال ، بأنه إنما يلزم إذا لم يكن القضية طبيعية ، والحكم فيها بلحاظ طبيعة الأثر ، بل بلحاظ أفراده ، وإلّا فالحكم بوجوب التصديق يسري إليه سراية حكم الطبيعة إلى أفراده ، بلا محذور لزوم اتحاد الحكم والموضوع.

هذا مضافا إلى القطع بتحقق ما هو المناط في سائر الآثار في هذا الأثر ـ أي وجوب التصديق ـ بعد تحققه بهذا الخطاب ، وإن كان لا يمكن أن يكون ملحوظا لأجل المحذور ، وإلى عدم القول بالفصل بينه وبين سائر الآثار ، في وجوب

______________________________________________________

فيمكن القول بأن المنزل عليه لخبر المفيد ليس خبر ابن الوليد ، ليقال إنّ خبر ابن الوليد ليس بذي أثر مع قطع النظر عن دليل الاعتبار ، بل حيث إن عمدة الدليل على اعتبار خبر العدل أو الثقة سيرة العقلاء وهم لا يفرقون في الخبر بالواقعة بين كون الخبر بواسطة أو بدونها ، فيكون مقتضى السيرة وإمضائها تنزيل خبر المفيد عن ابن الوليد عن الصفار عن الإمام عليه‌السلام تنزيل الخبر بمجموع سنده منزلة العلم بقول المعصوم عليه‌السلام.

نعم إذا كان بعض الوسائط مجهولا أو ضعيفا فلا يكون في الخبر المزبور هذا التنزيل لخروجه عن دائرة السيرة المشار إليها ، ولكن لا يخفى أنّه في إجراء الدفع بأحد الوجهين في الخبر بعدالة الراوى تأمل ، اللهمّ إلّا أن يقال : إن الإخبار بعدالة الراوي إخبار عن موضوع ذي حكم وهو ترتّب وجوب التصديق على خبره ولا يضرّ استفادة حكم ذلك الموضوع من نفس دليل اعتبار الخبر لما تقدم من أن الأثر الملحوظ للمخبر به في دليل الاعتبار طبيعي الأثر الانحلالي بانحلال خبر العدل.

١٣٧

الترتيب لدى الإخبار بموضوع ، صار أثره الشرعي وجوب التصديق ، وهو خبر العدل ، ولو بنفس الحكم في الآية به ، فافهم.

ولا يخفى أنّه لا مجال بعد اندفاع الإشكال بذلك للإشكال في خصوص الوسائط من الأخبار [١].

______________________________________________________

[١] ثم إن في المقام إشكالا آخر في اعتبار الأخبار مع الواسطة وهو أنه إذا شمل دليل الاعتبار لخبر المفيد عن ابن الوليد وباعتبار خبره الثابت وجدانا يحرز خبر ابن الوليد ولكن لا يمكن أن يعم وجوب التصديق لخبر ابن الوليد بأن يثبت وجوب التصديق لخبر ابن الوليد أيضا ؛ لأنّ الحكم لا يعمّ الفرد من الموضوع الذي تتأخّر رتبته عن ثبوت ذلك الحكم للموضوع ، ولكن الإشكال ضعيف فإن الحكم إذا كان انحلاليا وبثبوته لفرد من الموضوع يتحقق أو يحرز فرد آخر من الموضوع ، يثبت الحكم الانحلالي للفرد المتحقق أو المحرز أيضا ، فإن الحكم الثابت فرد آخر من الحكم فلاحظ مسألة الإقرار بالإقرار والبينة على البينة ، فإنه بشمول دليل الاعتبار للإقرار المحرز بالوجدان يحرز الإقرار بالحق ويحكم بنفوذه ، فيثبت الحق ، كما أن بشمول دليل الاعتبار للبينة على شهادة العدلين يحرز البينة بالحق وبنفوذها تثبت الدعوى.

ولكن ذكر الماتن قدس‌سره أنه لا يبقى مجال لهذا الإشكال مع ظهور الجواب عن الإشكال الأول الراجع إلى لزوم اتحاد الحكم والموضوع ؛ لأنّ الموضوع في الحقيقة نفس الأثر الثابت للمخبر به على تقديره ولو كان ذاك الأثر بلحاظ أفراد طبيعي الأثر حتى ما كان مستفادا من خطاب اعتبار خبر العدل ، فإنّه بذلك الدليل يثبت للخبر اللاحق الأثر الثابت للسابق على تقديره.

أقول : قد ذكرنا أن إرجاع وجوب التصديق لخبر العادل إلى الأثر الشرعي

١٣٨

كخبر الصفار المحكي بخبر المفيد مثلا ، بأنه لا يكاد يكون خبرا تعبدا إلّا بنفس الحكم بوجوب تصديق العادل الشامل للمفيد ، فكيف يكون هذا الحكم المحقق لخبر الصفار تعبدا مثلا حكما له أيضا ، وذلك لأنه إذا كان خبر العدل ذا أثر شرعي حقيقة بحكم الآية وجب ترتيب أثره عليه عند إخبار العدل به ، كسائر ذوات الآثار من الموضوعات ، لما عرفت من شمول مثل الآية للخبر الحاكي للخبر بنحو القضية الطبيعية ، أو لشمول الحكم فيها له مناطا ، وإن لم يشمله لفظا ، أو لعدم القول بالفصل ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

بترتيب الأثر الثابت للمخبر به على خبر العدل خلاف اعتبار الأمارة عند العقلاء ، فإن اعتباره عندهم اعتبارها علما بالمخبر به على ما تقدم ، نعم إذا لم يصح أن يعمّ الحكم لجميع أفراد موضوعه حتى الفرد الذي تتأخر رتبته عن الحكم بأن دار الأمر في ذلك الحكم أن يختص بالأفراد التي لا تتوقف فرديتها للموضوع على الحكم المجعول له أو يختص بخصوص الفرد الذي يتوقف فرديته على ذلك الحكم ، كما في قوله كل خبري كاذب فلا يبعد القول بأنّه لا يعمّ الفرد المتوقف فرديته على هذا الحكم ويعدّ اختصاصه به من التخصيص المستهجن ، ومن هذا القبيل تردد شمول دليل اعتبار خبر العدل أو الثقة للأخبار المأثورة عن الأئمة عليهم‌السلام الواصلة إلينا بواسطة العدول والثقات أو للإجماع المنقول في كلام السيد من كون العمل بالخبر الواحد عند أصحابنا نظير العمل بالقياس عندهم مع كون نقله الإجماع موهونا معارضا بالمثل ، وعدم الملازمة بين اعتبار خبر العدل عن المعصوم عليه‌السلام بنحو نقل الرواية وبين نقل مثل الإجماع المزبور ، وأن شمول اعتبار خبر العدل لما نقله من الإجماع غير معقول لأنّه يلزم من شمول دليل الاعتبار له عدم اعتباره ؛ لأنّ غاية الإجماع المنقول أنه خبر الواحد وما يلزم من اعتباره عدم اعتباره غير ممكن الاعتبار.

١٣٩

ومنها : آية النفر ، قال الله تبارك وتعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الآية ، وربّما يستدلّ بها من وجوه.

أحدها : أنّ كلمة (لعلّ) وإن كانت مستعملة على التحقيق في معناها الحقيقي وهو الترجّي الإيقاعي [١] الإنشائي ، إلّا أن الداعي إليه حيث يستحيل في حقه

______________________________________________________

في الاستدلال على اعتبار الخبر الواحد بآية النفر

[١] من الآيات التي استدل بها على اعتبار خبر العدل آية النفر قال الله تعالى (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ)(١) الآية ، وذكر الماتن قدس‌سره أنّه يستدلّ بها على اعتبار خبر العدل من وجوه.

الأول : أنّ كلمة (لعلّ) وإن تكن مستعملة في معناها الموضوع له وهو الترجّي الإنشائي ، إلّا أن الداعي إلى استعمالها فيه لا يمكن أن يكون هو الترجّي الحقيقي الممكن من الجاهل بحقيقة الأمر والواقع ، ويتعيّن كون استعمالها فيه لإظهار مطلوبية الفعل المنشأ له الترجّي ، وإذا ثبت مطلوبيّة التحذّر أي قبول الإنذار والعمل على مقتضاه ثبت وجوبه شرعا لعدم الفصل بين مطلوبيته ووجوبه ، فإن التحذّر لا يقبل الاستحباب فإنّه يجب مع ثبوت مقتضيه ولا يكون مطلوبا أصلا مع عدم مقتضيه ، والثاني ، أن الإنذار الوارد في الآية واجب حيث جعل غاية للنفر الواجب فإن وجوب النفر مستفاد من كلمة لو لا التحضيضية المتضمنة للتوبيخ على ترك الفعل ، وإذا كان الإنذار واجبا وجب ما يترتب عليه من الفرض حيث لا يمكن وجوب شيء وعدم وجوب غايته المترتبة عليه من الغرض.

وعلى الجملة لا يمكن عدم لزوم الغاية التي تقبل التكليف ويترتّب على الواجب وذكر غرضا لذلك الواجب.

__________________

(١) سورة التوبة : الآية ١٢٢.

١٤٠