دروس في مسائل علم الأصول - ج ٤

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-6-5
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٣

فصل

الإجماع المنقول بالخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص من جهة أنّه من أفراده [١]. من دون أن يكون عليه دليل بالخصوص ، فلا بد في اعتباره من شمول أدلة اعتباره له ، بعمومها أو إطلاقها. وتحقيق القول فيه يستدعي رسم أمور :

______________________________________________________

الإجماع المنقول

[١] قد ذكر الشيخ قدس‌سره أنّه قدّم البحث في اعتبار الإجماع المنقول بالخبر الواحد على البحث في اعتباره للتعرض بالملازمة بين اعتبار الخبر الواحد واعتباره وعدمها ، حيث إنّ أكثر من ذهب الى اعتبار الإجماع المنقول ذكروا أنّه من أفراد الخبر الواحد فيعمّه ما دلّ على اعتباره.

أقول : المناسب تأخير البحث في الإجماع المنقول عن البحث في اعتبار الخبر الواحد حتى يلاحظ ما دلّ على اعتبار الخبر الواحد ، ويتّضح عمومه أو إطلاقه بالإضافة إلى الإجماع المنقول وعدمه.

وعلى الجملة لا مورد عندهم لدعوى اعتبار الإجماع المنقول بالخبر الواحد مع عدم اعتبار الخبر الواحد ، وإنّما يجري احتمال اعتباره بعد فرض قيام الدليل على اعتبار الخبر الواحد بدخوله في ذلك الدليل لكونه من أفراده ، وهذا يقتضي الفراغ عن ملاحظة ذلك الدليل ، وكيف كان ينبغي في المقام ذكر امور :

الأول : أنّ المخبر به في الخبر الواحد على أنحاء ، أولها : أن يكون أمرا حسيّا بنفسه كسماع قول أو رؤية واقعة إلى غير ذلك ، ثانيها : أن يكون أمرا حدسيّا ولكن له

١٠١

الأول : إن وجه اعتبار الإجماع ، هو القطع برأي الإمام عليه‌السلام ، ومستند القطع به لحاكيه ـ على ما يظهر من كلماتهم ـ هو علمه بدخوله عليه‌السلام في المجمعين شخصا ، ولم يعرف عينا ، أو قطعه باستلزام ما يحكيه لرأيه عليه‌السلام عقلا من باب اللطف ، أو عادة أو اتفاقا من جهة حدس رأيه ، وإن لم تكن ملازمة بينهما عقلا ولا عادة ، كما هو طريقة المتأخرين في دعوى الإجماع ، حيث إنهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلية ولا الملازمة العادية غالبا وعدم العلم بدخول جنابه عليه‌السلام في المجمعين عادة ، يحكون الإجماع كثيرا ، كما أنه يظهر ممن اعتذر عن وجود المخالف بأنه معلوم النسب ، أنه استند في دعوى الإجماع إلى العلم بدخوله عليه‌السلام وممن اعتذر عنه بانقراض عصره ، أنه استند إلى قاعدة اللطف.

هذا مضافا إلى تصريحاتهم بذلك ، على ما يشهد به مراجعة كلماتهم ، وربما

______________________________________________________

آثار حسيّة بحيث يكون حس تلك الآثار يعد حسّا له ، كإحراز عدالة شخص بالممارسة معه مدة بحيث يطّلع فيها عادة على حالته النفسانيّة من ملكة العدالة وإيمانه الموجب لاستقامته في دينه وكإحراز شجاعة الشخص وقوة نفسه إلى غير ذلك وثالثها : أن يكون المخبر به أمرا حدسيّا وله آثار ومقارنات خارجة عن الحسّ وبعيدة عنه كلا أو بعضا ، ورابعها : أن يكون أمرا يمكن إحرازه بالحسّ ولو بمقدمات أو آثار محسوسة ويمكن إحرازه بمقدمات إحرازية بعيدة عن الإحساس كلّا أو بعضا.

ثم بناء على اعتبار الخبر الواحد يكون الخبر معتبرا في القسمين الأولين إذا كان المخبر به موضوعا للحكم الشرعي أو نفس الحكم الشرعي ، أو كان الإخبار به موضوعا لحكم شرعي ، وأمّا الإخبار في القسم الثالث فلا يكون في البين اعتبار إلّا فيما كان المخبر من أهل خبرة ذلك الأمر الموضوع لحكم شرعي ويكون حدسه معتبرا بالإضافة إلى غير المتمكن من الحدس به وهذا داخل في الرجوع إلى أهل

١٠٢

يتفق لبعض الأوحدي وجه آخر من تشرفه برؤيته عليه‌السلام وأخذه الفتوى من جنابه ، وإنما لم ينقل عنه ، بل يحكي الإجماع لبعض دواعي الإخفاء.

الأمر الثاني : إنه لا يخفى اختلاف نقل الإجماع ، فتارة ينقل رأيه عليه‌السلام في ضمن نقله حدسا كما هو الغالب ، أو حسا وهو نادر جدا ، وأخرى لا ينقل إلّا ما هو السبب عند ناقله ، عقلا أو عادة أو اتفاقا ، واختلاف ألفاظ النقل أيضا صراحة وظهورا وإجمالا في ذلك ، أي في أنه نقل السبب أو نقل السبب والمسبب.

الأمر الثالث : إنه لا إشكال في حجية الإجماع المنقول بأدلة حجية الخبر ، إذا كان نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حس ، لو لم نقل بأن نقله كذلك في زمان الغيبة موهون جدا ، وكذا إذا لم يكن متضمنا له ، بل كان ممحضا لنقل السبب

______________________________________________________

الخبرة ، وأمّا الإخبار بالنحو الرابع فالظاهر كما يأتي اعتبار الخبر فيه أيضا ما لم تقم قرينة عامة أو خاصّة على أنّ المخبر قد اعتمد في إخباره به على حدسه.

الأمر الثاني : أنّ اعتبار الخبر فيما كان المخبر به حكما شرعيا نفسيا أو طريقيا أو كان موضوعا لأحدهما وكان الإخبار به على النحوين الأولين أو بالنحو الرابع من المذكورات في الأمر السابق ظاهر ، وأمّا إذا لم يكن بنفسه حكما شرعيا أو موضوعا له بل ملازما للحكم أو الموضوع له فاعتبار الخبر فيه يختص بمورد يرى المنقول إليه الملازمة بين المخبر به وذلك الحكم أو الموضوع.

وبتعبير آخر : لو كان المخبر صادقا فيما أخبر به لكانت الملازمة بينه وبين الحكم الشرعي أو موضوعه تامة فإنّ في مثل ذلك يعتبر الخبر وذلك لكون الدليل على اعتبار خبر الثقة أو العدل السيرة العقلائية الجارية في المتشرعة أيضا وهم لا يفرقون في الاعتماد على الخبر بين هذا الفرض وبين ما كان المخبر به بنفسه أثرا أو ذا أثر عندهم ، ألا ترى أنّه لو سقطت طائرة ركاب وتلاشت كليّا بحيث لا يسلم

١٠٣

عن حس ، إلّا أنه كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتفاقا ، فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصل في الالتزام بمسببه بأحكامه وآثاره.

وأما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس ، بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه إشكال ، أظهره عدم نهوض تلك الأدلة على حجيته ، إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك ، كما أن المنصرف من الآيات والروايات ذلك ، على تقدير دلالتهما ، خصوصا فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد الملازمة ، هذا فيما انكشف الحال.

______________________________________________________

عادة في مثله أحد من ركابها ، فلو أخبر ثقة أو جماعة من الثقات بأنّهم رأوا زيدا أنّه ركبها قبل إقلاعها وأنّه كان من ركّابها فيحكمون بموته حتى فيما إذا لم ير المخبر بسقوطها الملازمة بين سقوطها وموت جميع ركّابها ، وأمّا إذا لم تكن هذه الملازمة عند المنقول إليه فلا يعتمد على الخبر المزبور في موت زيد حتى في صورة اعتقاد المخبر بالملازمة بينهما ، ولو أخبر ثقة بأنّ زيدا سافر إلى بلد تكون نار الحرب فيه مشتعلة ويرى المخبر بذلك الملازمة بين دخوله ذلك البلد والهلاك ، ولا يرى المنقول إليهم هذه الملازمة فإنّهم لا يعتمدون على الخبر المزبور بالإضافة إلى موت زيد.

الأمر الثالث : أنّ الإجماع وهو اتفاق العلماء على الفتوى بحكم في مسألة لا يكون بنفسه حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي بالإضافة إلى المجتهد عندنا إلّا بالإضافة إلى نفس الإخبار بالاتفاق ، وأما بالإضافة إلى نقل قول المعصوم عليه‌السلام بكون إخبار الناقل به إمّا بالحسّ كما إذا سمع الحكم عن كل واحد من جماعة يعلم أنّ أحدهما الإمام عليه‌السلام فيروي قوله عليه‌السلام في ضمن نقل أقوالهم ، ولكن نقل قوله عليه‌السلام من ناقلين للإجماع كذلك خصوصا في زمان الغيبة موهون جدا ، لأنّ احتمال تشرف

١٠٤

وأما فيما اشتبه ، فلا يبعد أن يقال بالاعتبار ، فإن عمدة أدلة حجية الأخبار هو بناء العقلاء ، وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم أنه عن حس ، يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس ، حيث إنه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشيء على التوقف والتفتيش ، عن أنه عن حدس أو حس ، بل العمل على طبقه والجري على وفقه بدون ذلك ، نعم لا يبعد أن يكون بناؤهم على ذلك ، فيما لا يكون هناك أمارة على الحدس ، أو اعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة.

هذا لكن الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا ، فلا اعتبار لها ما لم ينكشف أن نقل السبب كان مستندا إلى الحس ، فلا بد في الإجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من استظهار

______________________________________________________

الناقل في خدمة إمام العصر «عجل الله تعالى فرجه الشريف» وأخذ الحكم منه ، ونقل قوله عليه‌السلام لذلك لبعض دواعي الإخفاء وإن كان أمرا ممكنا ولكن احتماله موهون خصوصا بملاحظة كلمات كثير من نقلة الإجماع حيث يذكرون في وجه اعتباره ما لا يناسب إحراز قوله عليه‌السلام كذلك.

ومنها أن يكون إحراز قوله عليه‌السلام بالحدس إمّا بقاعدة اللطف التي اعتمد عليها الشيخ قدس‌سره واعتبر الإجماع على تلك القاعدة بدعوى أنّه يجب على الله سبحانه اللطف بالعباد بإرشادهم إلى ما يقرّبهم إليه سبحانه وإلى ما يجب عليهم الاجتناب عنه وكون ارتكابه موجبا للبعد عنه تعالى ، وعلى ذلك فإن اتفق علماء العصر على حكم يعلم أنّه موافق لحكم الإمام عليه‌السلام وإلّا يكون مقتضى قاعدة اللطف أن يظهر الخلاف بين الرعية لئلا يقع العباد في خلاف الحق والباطل.

وبتعبير آخر يجب على الإمام عليه‌السلام عند اتفاق العلماء على خلاف الحق أن يلقي الخلاف بينهم على ما هو مقتضى اللطف الموجب لنصبه لكل عصر.

١٠٥

مقدار دلالة ألفاظها ، ولو بملاحظة حال الناقل وخصوص موضع النقل ، فيؤخذ بذاك المقدار ويعامل معه كأنه المحصل ، فإن كان بمقدار تمام السبب ، وإلّا فلا يجدي ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل له من سائر الأقوال أو سائر الأمارات ما به تم ، فافهم.

فتلخص بما ذكرنا : أن الإجماع المنقول بخبر الواحد ، من جهة حكايته رأي الإمام عليه‌السلام بالتضمن أو الالتزام ، كخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه عليه‌السلام وما نقله من الأقوال ، بنحو الجملة والإجمال ، وتعمه أدلة اعتباره ، وينقسم بأقسامه ، ويشاركه في أحكامه ، وإلّا لم يكن مثله في

______________________________________________________

ولكن لا يخفى أنّ الاعتماد على هذه الطريقة في استظهار قوله عليه‌السلام ضعيف غايته ، فإنّ اللطف الواجب على الله بمقتضى حكمته تشريع الأحكام وإيصالها إلى العباد بالنحو المتعارف ، وإذا اتفق علماء الامة على خلاف الحق في بعض تلك الأحكام الواقعية بفعل بعض الظلمة الذين سدّوا طريق وصول بعض الخطابات الشرعيّة إلى العباد في بعض الأزمنة فربّما تكون المصلحة في تركهم بحالهم فترة في العمل على مقتضى الخطابات الاخرى والاصول العمليّة خصوصا فيما كان خطاؤهم بحسب الالتزام فقط كما إذا اتفق العلماء على حرمة فعل كان في الواقع مباحا أو على وجوب فعل كان في الواقع مستحبا ولذا لا يمكن الاعتقاد بأنّه إذا انحصر الفقيه في عصر بشخص أو شخصين تكون فتواه أو فتواهما مطابقا للحكم الواقعي لا محالة وقد يورد على قاعدة اللطف بالنحو الذي ذكر بأنّه لو كان مقتضاها إظهار الإمام عليه‌السلام ما عنده من الحكم الواقعي بلا إثبات إمامته فلا فائدة في إظهار الخلاف بصورة دعوى الحكم الشرعي وإذا كان مع إثبات أنّه إمام عليه‌السلام ليؤخذ بقوله فلزوم الإظهار كذلك مقطوع العدم.

١٠٦

الاعتبار من جهة الحكاية.

وأما من جهة نقل السبب ، فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الأقوال التي نقلت إليه على الإجمال بألفاظ نقل الإجماع ، مثل ما إذا نقلت على التفصيل ، فلو ضم إليه مما حصله أو نقل له ـ من أقوال السائرين أو سائر الأمارات ـ مقدار كان المجموع منه وما نقل بلفظ الإجماع بمقدار السبب التام ، كان المجموع كالمحصل ، ويكون حاله كما إذا كان كله منقولا ، ولا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه ، أو ما له دخل فيه وبه قوامه ، كما يشهد به حجيته بلا ريب في تعيين حال السائل ، وخصوصية القضية الواقعة المسئول عنها ، وغير ذلك مما

______________________________________________________

وفيه أنّه يمكن للإمام عليه‌السلام إثبات ما عنده من الحكم الواقعي بطريق الاستدلال لعالم شاخص في الرعية ولو بنحو الاستدلال على خطئه في مسائل اخرى بحيث يوجب ذلك رجوعه إلى ذلك القول ولو مع عدم الالتفات إلى أنّه الإمام عليه‌السلام.

وبتعبير آخر لا ينحصر إظهار الخلاف بأحد فرضين في كلامه بل يمكن ببعض وجوه اخرى ولو كان ذلك موجبا لعلم بعض علماء العصر أو العالم الشاخص فيما بعد أنّه كان الإمام عليه‌السلام روحي وأرواح العالمين لمقدمه الشريف الفداء.

وإمّا أن يكون الحدس بقوله عليه‌السلام باعتقاد الملازمة بين اتفاق العلماء أو المشاهير منهم على حكم ، وقوله عليه‌السلام بذلك الحكم وطريق الحدس أنّ ناقل الإجماع بالظفر بفتوى بعض العلماء الكبار بحكم يحصل له الظنّ بأنّه هو الحكم الواقعي ويقوى هذا الظنّ شيئا فشيئا بالظفر بفتاوى سائر العلماء حتى يبلغ ظنّه مرتبة الاطمينان بل إلى العلم بالحكم الواقعي ، وإن شئت فلاحظ من وصلت إليه الأخبار عن حادثة ما ، شيئا فشيئا فإنّه بكثرة النقل عن تلك الحادثة يقوى الظنّ بها إلى أن تصل كثرة النقل بحيث توجب الاطمئنان أو العلم بها.

١٠٧

له دخل في تعيين مرامه عليه‌السلام من كلامه.

وينبغي التنبيه على أمور :

الأول : إنه قد مر أن مبنى دعوى الإجماع غالبا ، هو اعتقاد الملازمة عقلا ، لقاعدة اللطف ، وهي باطلة ، أو اتفاقا بحدس رأيه عليه‌السلام من فتوى جماعة ، وهي غالبا غير مسلّمة ، وأما كون المبنى العلم بدخول الإمام عليه‌السلام بشخصه في الجماعة ، أو العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من الفتاوى ، فقليل جدا في الإجماعات المتداولة في ألسنة الأصحاب ، كما لا يخفى ، بل لا يكاد يتفق العلم بدخوله عليه‌السلام على نحو الإجمال في الجماعة في زمان الغيبة ، وإن احتمل تشرف بعض الأوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا ، فلا يكاد يجدي نقل الإجماع إلّا من باب نقل

______________________________________________________

وفيه أنّ التوافق في الفتاوى مجرد إحرازه لا يوجب الاطمينان بالحكم الواقعي فضلا عن اليقين به ؛ لأنّ الفتوى حدس من المفتي بحكم الواقعة ويمكن فيه الخطأ من الجلّ والمعظم بخلاف الإخبار بحادثة يقع بها الحسّ ، فإنّ كثرة الحسّ توجب الاطمينان والعلم بعدم الخطأ فيه ، وإذا كان هذا حال رؤية كثرة الحدس فلا يزيد نقله عن تحصيله ، وهذا فيما كان أمر أو امور يطمئنّ الشخص أو يحتمل أنّها مستند فتوى العلماء ، وقد يكون في مسألة خصوصيّة يكون إحراز اتفاق العلماء في حكمها موجبا للحدس بالحكم الواقعي أو قول المعصوم عليه‌السلام اطمينانا أو علما ، كما إذا كان الحكم المتّفق عليه مخالفا للأصل ولا سبيل للعقل إليه ، ولا دلالة في الكتاب المجيد أو في الأخبار الواصلة إلينا عليه ، فإنّه مع ملاحظة ذلك ولحاظ أنّ فقهاءنا قدس‌سرهم عدول لا يحكمون بحكم بغير مستند له ، فيعلم أنّه كان في البين ما يصلح مدركا له لم يصل إلينا ذلك المدرك ولو كان ذلك من قبيل تسالم المتشرعة على الحكم في ذلك الزمان وكونه من مرتكزاتهم المتلقاة من أئمتهم عليهم‌السلام ، وإذا كان الإجماع كذلك فإن احرز

١٠٨

السبب بالمقدار الذي أحرز من لفظه ، بما اكتنف به من حال أو مقال ، ويعامل معه معاملة المحصل.

الثاني : إنه لا يخفى أن الإجماعات المنقولة ، إذا تعرض اثنان منها أو أكثر ، فلا يكون التعارض إلّا بحسب المسبب ، وأما بحسب السبب فلا تعارض في البين ، لاحتمال صدق الكل ، لكن نقل الفتاوى على الإجمال بلفظ الإجماع حينئذ ، لا يصلح لأن يكون سببا ، ولا جزء سبب ، لثبوت الخلاف فيها ، إلّا إذا كان في أحد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه‌السلام لو اطلع عليها ، ولو مع اطلاعه على الخلاف ، وهو وإن لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها

______________________________________________________

بالنقل أنّ الإجماع المنقول كذلك فاللازم رعايته ولو بالاحتياط في مورده.

الأمر الرابع : أنّه يتعيّن ملاحظة نقل الإجماع في المسائل فإن كان في مسألة يمكن فيها الوصول إلى ما يحتمل استناد المجمعين إليه فلا أثر لذلك النقل وإن لم يكن في المسألة ما يحتمل الاستناد إليه وكان نقله معارضا بنقل الخلاف فيسقط نقله عن الاعتبار ، وكذا لو كانت في البين قرينة على أنّ ناقل الإجماع لم يحرز الاتفاق بالحسّ بل بالحدس بأن استفاد اتفاقهم على ذلك الحكم من اتفاقهم على أصل أو قاعدة معتمد عليها عندهم كدعوى السيد المرتضى قدس‌سره الإجماع على جواز الوضوء بالمضاف واستفادة اتفاقهم عليه من تسالمهم على قاعدة الحل وأصالة البراءة.

الأمر الخامس : قد ظهر مما تقدم حكم نقل الإجماع بالإضافة إلى قول المعصوم عليه‌السلام المعبّر عنه في عبارة الماتن بنقل المسبّب وأنّه لا ملازمة بين اتفاقهم على حكم وكونه موافقا للحكم عند الإمام عليه‌السلام ، وأما اعتبار نقله بالإضافة الى اتفاق العلماء على الفتوى المعبّر عنه في كلامه قدس‌سره بالسبب فيتّبع فيه كلام الناقل بملاحظة القرائن من حاله في الاطلاع على فتاوى العلماء وخصوصية المسألة من

١٠٩

مفصلا ببعيد ، إلّا أنه مع عدم الاطلاع عليها كذلك إلّا مجملا بعيد ، فافهم.

الثالث : إنه ينقدح مما ذكرنا في نقل الإجماع حال نقل التواتر ، وأنه من حيث المسبب لا بد في اعتباره من كون الإخبار به إخبارا على الإجمال بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر به لو علم به ، ومن حيث السبب يثبت به كل مقدار كان إخباره بالتواتر دالّا عليه ، كما إذا أخبر به على التفصيل ، فربما لا يكون إلّا دون حد التواتر ، فلا بد في معاملته معه معاملته من لحوق مقدار آخر من الأخبار ، يبلغ المجموع ذاك الحد.

نعم ، لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة ـ ولو عند المخبر ـ لوجب ترتيبه عليه ، ولو لم يدل على ما بحد التواتر من المقدار.

______________________________________________________

كونها معنونة في الكتب من قديم الزمان أو في ذلك الزمان ونحو ذلك ، فإن كان المنقول بحيث لو كان محرزا لنا بالوجدان وبنحو التحصيل كان موجبا للوثوق بالحكم الواقعي بنفسه أو بضميمة الاتفاق الحاصل بعد زمان الناقل أيضا فيعتبر ، حيث يكفي في اعتبار الخبر كون المخبر به دخيلا في إحراز الحكم الشرعي كما في اعتبار الخبر بوثاقة الراوي أو سؤال الراوي الدخيل في ظهور الجواب عنه ، وقد ذكر الماتن قدس‌سره أنّه ربّما يكون الاتفاق المحرز بنقل الإجماع بحيث على تقدير تحصيله مع ضميمة سائر الأمارات التي يحصّلها المنقول إليه بمقدار السبب التام فيعتبر ، ولكن لا يخفى أنّه لو كان في البين سائر الأمارات يحتمل كون مدرك الاتفاق بعضها أو كلها فلا يبقى لإحراز قول المعصوم عليه‌السلام من ذلك الاتفاق مجال.

١١٠

فصل

مما قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى [١].

______________________________________________________

الشهرة في الفتوى

[١] يقع الكلام في الشهرة في الفتوى في جهتين.

الاولى : هل كونها من الأمارات المعتبرة بالخصوص بالإضافة إلى الحكم الشرعي الذي اشتهرت الفتوى به ولا يلتفت ما في مقابله بالقول الشاذّ والنادر.

والثانية : هل تكون الشهرة في الفتوى بمضمون رواية في طريقها ضعف جابرة لها بحيث تكون بموافقتها الفتوى المشهورة صالحة للاعتماد عليها في الفتوى بها ، وأنّ الرواية ولو صحّ سندها ولكنها بفتوى المشهور على خلاف مدلولها تكون ساقطة عن الاعتبار فلا يمكن الفتوى بمدلولها على ما هو المعروف في الألسنة من أنّ عمل المشهور برواية جابر لضعفها ، وإعراضهم عنها موهن لها ، أمّا الكلام في الجهة الاولى فقد يقال : إنّه يستفاد اعتبارها بنفسها مما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة من الأمر بالأخذ بالمجمع عليه بين أصحابك (١) ، وفي المشهور من الأمر بالأخذ بما اشتهر بينهم (٢) ، ولكن لا يخفى أنّ الروايتين ناظرتان إلى الشهرة في الرواية بأن تكون إحداهما مشهورة بحسب النقل والاخرى شاذّة بحسبه ، وهذا يوجب الأخذ بالرواية المشهورة وترك الرواية الشاذّة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٦ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.

(٢) مستدرك الوسائل : ١٧ : ٣٠٣ ، الباب ٩ من أبواب كتاب القضاء ، الحديث ٢. عن عوالي اللآلي ٤ : ١٣٣.

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وبتعبير آخر كلمة (ما) في الروايتين وإن كانت موصولة والموصول من المبهمات يكون تعيينه بالصلة ، إلّا أن التعيين فيه لا ينحصر على الصلة فقط فإنّه إذا وقع الموصول في الجواب عن السؤال عن شيء يكون المراد منه ذلك الشيء ، وكذا الحال إذا كان مورد وروده شيئا ، مثلا إذا قيل : أي الدارين أحب إليك؟ فأجبت : ما كان منهما أكبر ، فلا يقتضي كون كل أكبر من كل شيء أحب من غير الأكبر ، وذكرنا أنّ المراد بالشهرة والمجمع عليه الشهرة بحسب النقل لا الأعم منه ومن الشهرة في العمل بها ، وذلك فإنّه قد ورد في المقبولة بعد الأمر بالأخذ بالمجمع عليه عند أصحابك وبترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عندهم «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ... فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم» وفرض الشهرة في كلا الخبرين شاهد بأنّ المراد خصوص الشهرة في النقل ؛ ولذا كما أنّ المقبولة لا تدلّ على اعتبار الشهرة في الفتوى بنفسها ، كذلك لا تدلّ على كونها مرجّحة لإحدى الروايتين بالإضافة إلى الاخرى ، وهذا كلّه مع الإغماض عن سند المرفوعة فإنّها مرفوعة رواها في عوالي اللآلي وقد ناقش في الكتاب ومؤلفه من ليس دأبه الخدشة في سند الروايات.

وقد يستدل على اعتبار الشهرة في الفتوى بفحوى ما دلّ على حجية الخبر الواحد بدعوى أنّ الظن بالحكم الواقعي الحاصل من الشهرة أقوى من الظنّ الحاصل بالخبر الواحد ، ولكن لا يخفى ما فيه فإنّ كون تمام الملاك في اعتبار الخبر الواحد الظنّ بالواقع غير معلوم بل عدمه معلوم ، وإلّا كان مقتضاه اعتبار كل ظنّ بالحكم الواقعي بشرط كونه مساويا أو أقوى من الظنّ الحاصل من الخبر الواحد.

وعلى الجملة : يحتمل أن يكون في ملاك اعتبار خبر العدل والثقة عن المعصوم عليه‌السلام مع

١١٢

ولا يساعده دليل ، وتوهّم دلالة أدلة حجية خبر الواحد عليه بالفحوى ، لكون الظن الذي تفيده أقوى مما يفيده الخبر ، فيه ما لا يخفى ، ضرورة عدم دلالتها على كون مناط اعتباره إفادته الظن ، غايته تنقيح ذلك بالظن ، وهو لا يوجب إلّا الظن بأنها أولى بالاعتبار ، ولا اعتبار به ، مع أن دعوى القطع بأنه ليس بمناط غير مجازفة.

______________________________________________________

كونه أكثر تطابقا للواقع جهة اخرى ملحوظة.

كما أنّه ربّما يستدلّ على اعتبار الشهرة بالتعليل الوارد في آية النبأ الدالّة على عدم جواز الاعتماد على خبر الفاسق معلّلا بقوله سبحانه (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١) فإنّه بناء على كون المراد من الجهالة السفاهة كما هو ظاهرها بملاحظة موردها يكون مقتضاها جواز العمل بما لا يكون العمل به سفاهة ولا يكون العمل بالشهرة في الفتوى سفاهة وعملا سفهيا وفيه إن مقتضى التعليل عدم جواز العمل بكل ما يكون العمل به سفهيا ، لا جواز العمل بكل ما ليس بسفهيّ ، كما أنّ مقتضى تعليل حرمة الخمر بإسكاره حرمة تناول كلّ مسكر ، لا جواز تناول كل شيء لا يكون مسكرا مع أنّ عمل فقيه بفتوى فقيه آخر مع إحراز مدرك فتواه واحتمال خطئه لعله داخل في العمل السفهيّ ، نظير عمل من هو من أهل الخبرة بقول خبرة آخر مع احتمال الخطأ في حدسه.

أمّا الكلام في الجهة الثانية فإن أحرز أو احتمل أنّ عمل المشهور برواية ضعيفة في سندها كونها مطابقة للاحتياط أو مخالفة لما عليه العامة ، ونحو ذلك مما لا يصلح بمجرده في النظر لصيرورتها معتبرة فلا وجه للاعتماد عليها والفتوى بمضمونها ، وإن لم يحرز أو لم يحتمل وجه العمل بها فيما وصل بأيدينا بأن حصل الوثوق بأنّ وجه

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ٦.

١١٣

وأضعف منه ، توهم دلالة المشهورة والمقبولة عليه ، لوضوح أن المراد بالموصول في قوله في الأولى : (خذ بما اشتهر بين أصحابك) وفي الثانية : (ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به ، المجمع عليه بين أصحابك ، فيؤخذ به) هو الرواية ، لا ما يعم الفتوى ، كما هو أوضح من أن يخفى.

نعم بناء على حجية الخبر ببناء العقلاء ، لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجيته ، بل على حجية كل أمارة مفيدة للظن أو الاطمئنان ، لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد.

______________________________________________________

فتواهم بذلك كان أمرا لو وصل إلينا لكان صالحا للاعتماد عليه ككون الحكم المشهور الذي تضمنته الرواية المزبورة كان من المتسالم عليه في ذلك الزمان بين الشيعة ، وهذا لو فرض تحقّقه كان بنفسه موجبا للاعتماد عليه ، ولا تجعل الرواية المزبورة معتبرة لكي يصحّ التمسّك بها في حكم آخر تضمّنته أو خصوصيّة اخرى وردت فيها لثبوت الحكم الآخر ، والمراد بالشهرة في المقبولة كما تقدّم ، الشهرة في الرواية ولا تحصر بما إذا دخل الخبر معها في السنّة وإلّا كان المتعيّن تقديم الحكم ممن كان مستنده الخبر المشهور كما لا يخفى مما يستفاد من غيرها ، وبذلك يظهر الحال في كون إعراضهم عن رواية تامة في سندها تركها المشهور حيث إنّه لو احرز أو احتمل وجه تركهم ولم يتمّ ذلك الوجه عندنا لا يكون مجرد إعراضهم موهن لها ، بخلاف ما إذا حصل الوثوق والاطمينان بخلل فيها لم يصل إلينا بحيث لو وصل إلينا كان ذلك موجبا لحملها على الاشتباه من الرواة في نقلها ونحوه ، مما تسقط عن الاعتبار بذلك ومثل هذه الرواية قد توجد بين رواياتنا.

١١٤

فصل

المشهور بين الأصحاب حجيّة خبر الواحد في الجملة بالخصوص ولا يخفى أنّ هذه المسألة من أهم المسائل الاصوليّة [١].

______________________________________________________

حجية الخبر الواحد

[١] لا ينبغي التأمل في أنّ اعتبار الخبر الواحد بالخصوص من أهم المسائل الاصولية فإن بإثبات اعتباره بالخصوص بضميمة ما تقدّم من اعتبار الظهورات ينفتح باب العلمي في معظم الأحكام ، حيث إنّ حصول العلم الوجداني في غالب الأحكام وتحصيله غير ممكن والكتاب العزيز لا يتكفّل ببيان جميع أجزاء العبادات وشرائطها وما يتعلق بها فضلا عن غير العبادات من المعاملات بالمعنى الأعم.

وعلى الجملة : ينسدّ باب العلمي في معظم الأحكام بعدم ثبوت اعتبار الخبر الواحد بالخصوص ، ولذا تكون هذه المسألة من أهم المسائل الاصولية ، وذكر الماتن قدس‌سره أن المسألة إذا كانت نتيجتها واقعة في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلّي تكون تلك المسألة من المسائل الاصولية ولو لم يكن المحمول في تلك المسألة من عوارض الأدلة الأربعة وإن اشتهر على الألسن أن الموضوع لعلم الاصول هي الأدلة الأربعة أي الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ، وأنه يبحث في مسائل العلم عن العوارض لموضوع العلم ، ولذلك اشكل على الملتزمين بالأمرين اندراج هذه المسألة في مسائل علم الاصول حيث إن المبحوث فيه في المسألة اعتبار الخبر الواحد ، واعتباره ليس من عوارض السنة ولا يفيد في دخولها في مسائل علم الاصول القول بأنّ البحث عن دليليّة الدليل بحث عن أحوال الدليل ، سواء جعل

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الموضوع لعلم الاصول ذات الأدلة أو الدليل بما هو دليل ، فإن دليليّة السنة بمعنى قول المعصوم وفعله وتقريره خارج عن المقام ، فإن دليلية ما ذكر يتكفلها علم الكلام ومحل الكلام في اعتبار الخبر الحاكي عنها.

وبتعبير آخر إذا جعل الموضوع لعلم الاصول ذات الأدلة فالبحث عن دليليّتها وإن يكن بحثا عن العوارض إلّا أن البحث في اعتبار الخبر الحاكي عن السنة غير البحث عن دليلية السنة ، والبحث في المقام في الأول دون الثاني ، نعم البحث في اعتبار ظواهر الكتاب المجيد يكون بحثا في دليلية الدليل ، ولو كان الموضوع لعلم الاصول الأدلة بوصف كونها أدلة لا يكون البحث في اعتبار ظواهر الكتاب أيضا بحثا في العوارض التي هي بمفاد (كان) الناقصة ، بل من ثبوت الموضوع والذي يكون بمفاد (كان) التامة.

وقد ذكر الشيخ قدس‌سره في توجيه دخول المسألة في مسائل علم الاصول بأنّه يرجع البحث في المقام إلى ثبوت السنة بالخبر الواحد في مقابل ثبوته بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة ، وأورد عليه الماتن بأن المراد في المقام من الثبوت ، الثبوت التعبّدي ، والثبوت التعبّدي من عوارض مشكوك السنّة لا من عوارض السنّة ، مع أنّ الملاك في دخول مسألة في مسائل أي علم العنوان المذكور في ناحية موضوع المسألة ومحمولها لا ما يلزم على المسألة بالعنوان المذكور لها.

وبتعبير آخر لا يكون المراد من الثبوت الثبوت الحقيقي بأن يكون الخبر الواحد علّة لوجود السنّة خارجا ضرورة أنّ الخبر الواحد إذا كان صادقا يكون حاكيا عن السنّة وإلّا فهو خبر غير صادق ولا بد من أن يكون المراد من الثبوت الثبوت التعبّدي ، والثبوت التعبّدي من عوارض نفس الخبر الواحد لا من عوارض السنّة ، وقد يوجّه

١١٦

وقد عرفت في أول الكتاب أن الملاك في الأصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط ، ولو لم يكن البحث فيها عن الأدلة الأربعة ، وإن اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الأصول هي الأدلة ، وعليه لا يكاد يفيد في ذلك ـ أي كون هذه المسألة أصولية ـ تجشم دعوى أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال الدليل ، ضرورة أن البحث في المسألة ليس عن دليلية الأدلة ، بل عن حجية الخبر الحاكي عنها ، كما لا يكاد يفيد عليه تجشم دعوى أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنّة ـ وهي قول الحجة أو فعله أو تقريره ـ هل تثبت بخبر الواحد ، أو لا تثبت إلّا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة؟ فإن التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الأخبار بها ليس من عوارضها ، بل من عوارض مشكوكها ، كما لا يخفى ، مع

______________________________________________________

كلام الشيخ قدس‌سره بأنّ الكلام في المقام ليس في اعتبار ظهور الخبر الواحد فإنّ البحث فيه يدخل فيما تقدّم من بحث اعتبار الظواهر ولا في اعتبار جهة الصدور ، فإنّه لا ينبغي التأمل في أنّ الأصل في كلام كل متكلّم ومنه المعصوم عليه‌السلام كونه لبيان المراد الجدّي على ما تقدّم في بيان أصالة التطابق ولا يحمل كلامه على التقية ونحوها إلّا مع قيام القرينة على الخلاف ، والكلام في المقام في أنّ الكلام الصادر عن الراوي كالصادر عن المعصوم عليه‌السلام بمعنى أنّ مغزى البحث في المقام أنّ خبر العدل منزّل منزلة قول الإمام عليه‌السلام أم لا ، ولو كان في البين دليل على التنزيل يتّصف الخبر بكونه منزلا كما تتّصف السنّة بكونها منزل عليها بالإضافة إلى خبر العدل فيرجع البحث في المقام إلى البحث في عوارض السنّة وأنّها منزل عليها بالإضافة إلى الخبر الواحد أو خبر العدل أم لا ، ولكن يرد على هذا التوجيه أمران.

الأول : ما ذكر الماتن من أنّ الملاك في كون مسألة من أيّ علم العنوان المذكور في المسألة في ناحية موضوعها والمحمول فيها.

١١٧

أنه لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية الخبر ، والمبحوث عنه في المسائل إنما هو الملاك في أنها من المباحث أو من غيره ، لا ما هو لازمه ، كما هو واضح.

وكيف كان ، فالمحكي عن السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدم حجية الخبر ، واستدلّ لهم بالآيات الناهية عن اتّباع غير العلم والروايات الدالّة على ردّ ما لم يعلم [١].

______________________________________________________

وثانيا : أنّ هذا التوجيه مبني على أنّ اعتبار أمارة عبارة عن تنزيلها منزلة الواقع لا اعتبارها علما بالواقع كما اخترنا على ما تقدّم ، وما عن المحقّق النائيني في إرجاع البحث في المقام إلى البحث في السنّة حيث يكون البحث في كون قول العدل وخبره فردا من السنّة يرجع إلى التوجيه المتقدّم ، فإنّ خبر العدل لا يكون فردا حقيقيّا للسنّة بل فردا اعتباريّا وتنزيليّا مع أنّ البحث في كون خبر العدل سنّة ووجودا لها من قبيل البحث عن ثبوت الموضوع لا من عوارضه كما لا يخفى.

[١] المحكي عن السيد المرتضى وابن الجنيد وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدم اعتبار خبر الواحد ، بل عن السيد المرتضى في مواضع من كلامه من أنّ العمل بخبر الواحد كالعمل بالقياس في كون ترك العمل به معلوما من مذهب الشيعة ، ويستدلّ لهؤلاء بالآيات الناهية عن اتّباع غير العلم كقوله سبحانه (لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) و (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٢) وبالروايات الواردة التي هي على طوائف منها ما ورد في ردّ خبر لم يكن له شاهد أو شاهدان من كتاب الله (٣) ، ومنها ما ورد في ردّ ما لم يعلم أنّه قولهم عليهم‌السلام (٤) ومنها أنّ ما لا يوافق كتاب

__________________

(١) سورة الإسراء : الآية ٣٦.

(٢) سورة النجم : الآية ٢٨.

(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٢ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٨.

(٤) المصدر السابق : ١١٩ ، الحديث ٣٦.

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الله زخرف (٥) ، وما لا يصدّقه كتاب الله باطل (٦) ، ومنها النهي عن قبول حديث إلّا ما وافق كتاب الله والسنّة (٧) وبالإجماع المشار إليه في كلام السيد المرتضى وذكر الماتن قدس‌سره في الجواب عن الآيات بعدم ظهور لها في المنع عن اتّباع غير العلم في غير الاعتقاديّات حيث إنّ المنصرف إليه من مدلولها أو المتيقّن اتّباع غير العلم في الاعتقاديّات ولا تعمّ الفروع المدّعى اعتبار خبر الثقة والعدل فيها وعلى تقدير عمومها وإطلاقها يرفع اليد عن العموم والإطلاق بما دلّ على اعتبار خبر الثقة أو العدل في الفروع وقد يقال : إنّ النهي عن اتباع غير العلم وعدم كفاية الظن عن الحق لا يقبل التخصيص والصحيح في الجواب أن مع قيام دليل على اعتبار أمارة كخبر العدل أو الثقة في الأحكام الفرعية أو في غيرها لا يكون اتباعها من اتباع غير العلم كما أن مع قيام الدليل على اعتبار الظواهر لا يكون الأخذ بظاهر الكتاب المجيد ومنها ظواهر الآيات المشار إليها من اتباع غير العلم لا يقال : لو كانت الآيات المانعة غير قابلة للتخصيص فكيف اعتبر الشارع غير العلم وجوز الوقوف بغيره في موارد وحكم بإغنائه عن الحق كما اعتبر سوق المسلمين أمارة للتذكية ، والظن بالقبلة مجزئا ومغنيا عن الحق كما هو مفاد قوله عليه‌السلام : يجزي التحري كلما لم يعلم القبلة (٨).

فإنّه يقال : قد تقدّم قيام الدليل على الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية للتكليف

__________________

(٥) المصدر السابق : ١١٠ ، الحديث ١٢.

(٦) المحاسن ١ : ٢٢١.

(٧) وسائل الشيعة : ١١٣ ، الحديث ٢١.

(٨) وسائل الشيعة ٤ : ٣٠٧ ، الباب ٦ من أبواب القبلة ، الحديث الأول.

١١٩

أنه قولهم عليهم‌السلام ، أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان ، أو لم يكن موافقا للقرآن إليهم ، أو على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله ، أو على أن ما لا يوافق كتاب الله زخرف ، أو على النهي عن قبول حديث إلّا ما وافق الكتاب أو السنة ، إلى غير ذلك.

والاجماع المحكي عن السيد في مواضع من كلامه ، بل حكي عنه أنه جعله بمنزلة القياس ، في كون تركه معروفا من مذهب الشيعة.

والجواب : أما عن الآيات ، فبأن الظاهر منها أو المتيقن من إطلاقاتها هو اتباع غير العلم في الأصول الاعتقادية ، لا ما يعم الفروع الشرعية ، ولو سلم عمومها لها ، فهي

______________________________________________________

المعلوم بالتفصيل أمر ممكن ، فإنه إما من قبيل جعل البدل الظاهري كما هو مقتضى قاعدة الفراغ أو البدل الواقعي كما في مورد جريان حديث : «لا تعاد» (١) إذا لم يكن الخلل بما يبطل الصلاة بالإخلال به ولو مع العذر ، وكالصلاة إلى الجهة المظنونة إذا لم تكن صلاة إلى دبر القبلة ، ومثل هذه الموارد لا يحسب من الاقتفاء بغير العلم ، نعم اعتبار سوق المسلمين من قبيل اعتبار الأمارة ولكن كلّ أمارة معتبرة إما أن يثبت اعتبارها بدليل قطعي أو ينتهي اعتبارها إلى العلم ومع كون اعتبارها معلوما بأحد النحوين لا يكون السكون إليها من الاقتفاء بغير العلم أو اتباع الظن ، فمدلول الكتاب المجيد السكون إلى غير العلم واتّباع الظن والاعتقاد الخيالي كما لا يخفى.

وعلى الجملة فمع ثبوت دليل قطعي على اعتبار أمارة إمضاء من الشارع أو تأسيسا تخرج تلك الأمارة عن موضوع النهي عن الاعتماد والسكون بغير العلم أو النهي عن اتباع الظن والحدس ؛ لأنّ في الاعتماد عليها علما ويقينا بأنها تجزي عن التكليف ، فإن الحق المطلوب في التكاليف الفرعيّة هو الإجزاء كما لا يخفى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ : ٤٧٠ ، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة ، الحديث ١٤.

١٢٠